فرمان بونجق*
مناسبة تناول التمييز العنصري ( الأبارتايد ) في هذه المقالة ، هي أن هذا المفهوم لا يحتاج إلى مناسبة للحديث عنه ، فهو حاضر في شرقنا في مناسبة أو بدونها ، على قاعدة احتلاله جزءاً هامّاً من البُنى الفكرية ، وتالياً التركيبة الثقافية كنتاج أصيل لذلكم الفكر، ولاحقاً السلوك المرتبط بتلكم الثقافة ، كإفراز طبيعي لهيمنة الفكر الأبارتايدي . وهو قطعاً حصيلة تراكمات جمّة من العمل الدؤوب الذي أسس لهذا التوجه وطوّره ، ولا يزال ، مع أن حاملو هذا الفكر والمشتغلون عليه ، يتنصلون منه في بعض الأحايين ، كظواهر احتفالية لا تتجاوز ضرورات الزمان والمكان ، أو الزمكانية ، كما يشير إليها الصديق إبراهيم اليوسف ، في استخداماته لها للتعبير عن اللحظة المدْمجة مع المكان .
ولاشك أن هذا النوع من السلوك المستعار واللحظي ، يأتي ضمن سياق جلد الذات ، وحقرنتها ووطأنتها ، لبعض الوقت ليس إلاّ. إذاً .. هي تلكم النتاجات التي أفرزتها قرنٍ من الزمان أو يزيد من تأليه الذات ، والمستمدة أساساً من تقديس المقدّس المنسوب إلى تلكم الذات ، كعلاقةٍ لاتزال تتحرك ضمن جدلية المقبول والمرفوض ، والتي أفضت إلى ويلاتٍ ونكباتٍ لا حصر لها ، ولا تزال نارُها تسري في الجَريد ، كما يقول صاحب المَثَل . ويحدُث بين الفينة والأخرى ، أن يطل هذا المقدّس المشؤوم برأسه هنا وهناك ، تأكيداً على إثبات الهويّة والنهج والمسار إن شئت ، مع إشاحة النظر المقصودة عن الحقائق والوقائع المدموغة بالميز العنصري المتأصل ، والحامل للتاريخ المنظور وغير المنظور ، منذ حروب الغزوات العظمى ، وحروب الرِّدة ، وما شابهها ، وما تمتُّ إليها بصلة القربى ، حتى وقفنا اليوم على عتبة تكفير وزندقة الآخر الذي يمكث بين ظهرانينا وما حولنا ، ومن هو بحكم القريب والغريب أيضاً. ولهُنيهةٍ وعندما تقرأ للكاتب المغربي محمد سعيد الريحاني ، يأخذك الذهول إلى أبعد مما قد تعتقده أو مما تعيشه حتى ، ويُخيل إليك أنك لم ترتق بعد إلى منسوب معقول من التحضّر الذي ينبغي أن تكون عليه ، وأعني هنا ذلكم التحضر بلغة تختلف عن لغة سعيد الريحاني ، وأيضاً عبر سلوك يناقض سلوك المذكور ، الذي لا تزال تتحكم به معادلة الكذوب الذي يستهدف على الدوام الضحية المكذوب عليها ، عبر توظيف مفردات ومصطلحات مشبوهة ومستهلكة من قَبيل : ( المشروع الوطني وتفريعاته ) ، والتي لا تغدو أكثر من كونها جدران سجون ومعتقلات أيديولوجية ينتهجها المتمسكون بجوهر عملية التمييز العنصري ، بغية عدم الانفلات ، وإلغاء أية إمكانية للنظر إلى ما وراء تلكم الجدران ، حيث رحيق الحرية والعدالة والمساواة والخير والكرامة الإنسانية ، وكل ما يمكنه أن يشعرك بروعة الحياة .
أعتقد .. وأكاد أن أكون جازماً في اعتقادي بأن ما تقدّم ، يفتح الباب أمام تلك الحالة المزرية ، والمُشفق عليها ، التي وصلت إليها بعض العقول ، والتي تحاول جاهدةً إعادة ساعة الزمن إل الخلف عنوةً ، لأنها في واقع الأمر ــ أي هذه العقول ــ لاتزال تعيش في هذا الخَلْف المتهالك ، وتأبى أن تتجاوز ذاتها المنكوبة ، والمغلوبة على أمرها ، وغير مصدّقة لهذا الكمّ الهائل من المتغيرات المحيطة بها ، بفعل عنفوان قِوى التغيير التاريخي ، فكراً وسلوكاً ، والذي يهدف أساساً إلى إعادة تصحيح مسار التاريخ ، طبقاً لمعادلته الصحيحة والحقيقية ، والتي بالتأكيد تعبّر عن حجم التضحيات التي تليق بهذه العملية برمتها . وبالعودة إلى مقالة الكاتب المغربي محمد سعيد الريحاني ، والمعنونة تحت : لماذا لا تحاكم الدولة دعاة الحرب العنصرية في المغرب ؟. ومدعّماً بعنوان فرعي ( دعوة الحركة الأمازيغية للتسلح ومحاولة التنسيق لتأسيس جيش كوردي في المغرب ) . وتم إدراج المقالة تحت مسمى ” تحليل إخباري ” ؟!. والتي تناولَ فيها حالة التعاطف ، وأشدد هنا على مفردة التعاطف ، بين بعض نشطاء الكورد وأقرانهم الأمازيغ ، باعتبارها نكوصاً إلى الوراء ، وتراجعاً عن الحالة ” الوطنية ” ، المفتون بها أخينا الريحاني ، والتي يصفها ويصنّفها على مزاجه وعلى هواه ، ويلجأ إلى ” فضيلة ” صناعة التهمة ، لهؤلاء النشطاء ، وكأنها الحالة الفريدة والوحيدة في التاريخ الإنساني ، التي يتم فيها إعلان طرف أو مجموعة أو فرد التضامن مع نظيره/ها ، ومن خلال لجوء الكاتب إلى استراتيجية التصعيد بالاستناد إلى لعبة التضخيم ، ارتقى هذا التضامن إلى مرحلة التحريض ، وبعدئذٍ إلى أكذوبة محاولة تأسيس جيش كوردي في المغرب ، وكما ورد في العنوان الفرعي ، وهذه إحدى الحيّل في تقنيات الكتابة والتي يمارسها البعض ليسوق القارئ قدّامه أو خلفه إلى مبتغاه . ولكنها أي هذه الحيلة قد أصبحت مكشوفة ، فلم تَعُد تجدي نفعاً بعد الآن ، وهكذا لن ينال الريحاني مبتغاه .
وجاء في متن المقالة ” التحليل الإخباري ” أن بهجت بشير ممثل الحزب الديمقراطي الكوردستاني ( البارتي ) ، قد أرسل ببرقية عزاء لرئيس التجمع العالمي الأمازيغي السيد رشيد الرخا مواسياً من خلالها بعملية اغتيال الناشط الأمازيغي محسن فكري على الأرض المغربية ، واعتبر الكاتب سعيد الريحاني برقية العزاء هذه أحد المستمسكات الهامة التي يمكن الارتكاز عليها في التحقيق مع من يلزم باعتبارها وثيقة تحريضية لإثارة نعرة التمييز العنصري ( الأبارتايد ) ، وخاصةً وأن السيد بشير قد وصف الشعب الأمازيغي بالشعب الصديق !!. ولكن ما قيل توّاً فتحت شهيّة الريحاني لاستنباط التهم وتسويقها على النحو الذي يراه هو ، إذ استعرض وبشيء من التفنن مواقف الشاعرة الأمازيغية المغربية مليكة مزان إزاء مقاومة البيشمركة مؤخراً ، حيث صرّحت مليكة استعدادها لممارسة جهاد النكاح لصالح البيشمركة وذلك نكايةً بجهاد النكاح الذي تمارسنه الداعشيات مع مقاتلي التنظيم ، وكان لهذا التصريح رمزيته ومعناه المجازي على نحو لم يستطع سعيد الريحاني استيعابه ، أو أنه تقصّد ذلك ، ليفسح لنفسه مساحة من المناورة في استهداف الشاعرة مزاني ، عن طريق حث السلطات المختصة (…) التحقيق معها . وأخذ عليها من جملة ما أخذ أن مليكة تدعو إلى تشكيل جيش أمازيغي على غرار الجيش الكوردي ، وهذا يفي بالغرض ، إذا ما كانت المقالة المذكورة مقدمة لإجراءات ما بحق الشاعرة مليكة مزان .
وهكذا .. فإن رشيد الرخا ومليكة مزان وآخرون من النشطاء الأمازيغ يتعرضون للتمييز العنصري ، على أيدي من يروّجون لأنفسهم على أنهم مشتغلون على القضايا الثقافية ، بل منتجون للثقافة ، ليس لسبب ، وإنما لانتمائهم لشعب الأمازيغ ، وهم متعاطفون مع القضايا العادلة ، كالقضية الكوردية وسواها. وأمّا على الطرف الآخر ، فإن النشطاء والمثقفون الكورد على وجه الخصوص يرفعون مليكة وسواها إلى مرتبة أصدقاء الشعب الكوردي ، مما يرفع رصيد قضية الشعب الأمازيغي ، ويدعم نضاله العادل ، خصوصاً إذا أخذنا بعين الاعتبار الانتصار التي تحققها الشعوب المضطهدة ، وفي مقدمتها شعب كوردستان .
*كاتب كوردي سوري .