د. جوان حقي
الترجمة عن الكوردية: جان كورد
5/4-2017
ملاحظة: (سأستخدم في هذه الأقصوصة الكلمات النابية، والثخينة، والسوقية وسأتلاعب بهذه الكلمات أيضاً. وسبب استخدامي لهذه الكلمات هو جعلها كالملح والبهارات في القصة، ومن أجل ذلك أرجو منكم العفو مسبقاً.)
لنأت إلى قصتنا:
بالتأكيد، كثيرون منكم آتون من القرى مثلي، وأصبحوا شهوداً على السيناريو الذي كتبته أدناه ورأوه.
فكروا في راعٍ،
فلنطلق عليه اسم (حسو)
(حسو)جالس ويتناول طعام غدائه. وغنمه في حالة استراحة الظهيرة.
وكلب (حسو) الذي يدعى (بوزو) الصادق والأمين له، قاعد أمام صاحبه (حسو).
وقد وضع رأسه على ذراعيه الذين بسطهما أمامه. وينظر إلى كا يأكله (حسو).
طعام الراعي كالعادة كل يوم خبز وثوم وبصل.
إلا أننا سنضيف اليوم قطعة عظامٍ إلى طعام (حسو)، نضعها على سفرته…
آها… قلب (بوزو) يخفق لمرأى هذه القطعة من اللحم التي ليست سوى عظام.
ولا توجد في ذلك اليوم نية لدى (حسو) في رمي قطعة العظام هذه إلى بوزو)،
وبكل ما له من طاقة، يقوم (حسو) بأكل قطعة الحم العظامية، يلحسها ويقتلها.
وبسبب ذلك يغضب (بوزو) ويجن جنونه.
ويقول (بوزو) لنفسه:
“-ياو، يبدو أن هذا الرجيل قد “أنهى تحصيله في المدرسة في مجال مص العظام وتخرج منها.
يا له من دون إنصاف،
أناني.
لنفسه فقط،
بلا وجدان،
مضطرب نفسياً.
فكّر في حالي أيضاً ياولد!
يا وريث!
فماذا سيحدث؟
أيها الأناني
ابن الأناني!”
إلاّ أن (بوزو) ليس في مخيلة (حسو) أبداً،
وهو ليس محط اهتمامه مطلقاً.
ويقضم (حسو) العظام بكل ما لديه من طاقة،
حتى أنه أفرغ منه السائل الذي فيه.
فتحدث (بوزو) لنفسه من جديد:
-ثق تماماً بأن هذا الشخص الأناني، والجائع العينين “الطماع”، لا يراني،
ولكي أريه، هذا الشخص البخيل الخسيس، عليّ أن أنهض من مكاني،
وعليّ أن أتوسل هذا الإنسان، قليل الناموس!
فزّ (بوزو) من مكانه،
وهزّ ذيله، عسى (حسو) يتنبه لوجوده، ويراه.
إلاّ أن حركة (بوزو) هذه لم تعجب (حسو)،
وأزعجته، فقال في الحال:
-إذهب من هنا، يا (بوزو) الرديء والحرام!
ماذا يعني هذا؟
أتريد مني قطعة العظام هذه؟
فوالله سترى مؤخرتك، إلا أنك لن ترى هذا ولن تأكله!
ورمى (بوزو) بحجرة.
فكادت الحجرة تصيب رأس (بوزو) وتهشمه.
إلا أن الله أنقذ (بوزو) من هذا البلاء هذه المرة.
فقال (بوزو) لنفسه:
“هذا ليس برجل مسكين، إنه (حسو) الأناني الذي يفكر بنفسه فقط.
كاد أن يهشم رأسي.
إن شاء الله يبقى هذا العظام عالقاً في بلعومك،
فتفطس،
آمين!
أيها الحمار، ابن الحمار، يا حسو!”
وردد في رأسه كل سفاسف الدنيا العظيمة بحق (حسو).
وذهب ليجلس بعيداً عنه بعض الشيء،
ووضع رأسه من جديد على قدميه الأماميين،
وراح المسكين ينتظر قدره بمعصومية وبراءة.
في الجانب الآخر،
فإن (حسو) الطماع، الذي كان قد انتهى مما تبقى من لحمٍ على العظمة،
قد حدّق فيما تبقى من عظام لم يعد فيه روح
وقلّب فيه نظره ثانيةً،
وقال لنفسه:
“لايعلم المرء ما قد يوجد فيه!”
ثم نظر إلى (بوزو)، وكأنه أراد القول له:
“أتريد مني قطعة العظام هذه؟”
وشعر (بوزو) في الحال بمقصد نظر (حسو) وفهم مل يفكر فيه،
فهزّ ذنبه قليلاً،
وكأنه أوشك أن يقول:
“هيا، ارميها لي.
لنرَ فيما إذا بقي من آثار للحم في هذا العظام أم لا…”
رمى (حسو) قطعة العظام ل(بوزو).
فتلقفها (بوزو) في الهواء، قبل أن تسقط على الأرض،
وراح يقضمها قليلاً.
ونظر إلى العظمة، وراقبها.
فماذا يرى؟
لم يعد عليها أي أثر للحم.
إلا أن (بوزو) قال لنفسه:
“لا يهم، فليكن كذلك.
ماذا يمكننا عمله، فهذا هو قدرنا،
فعلى الله ارتباطنا وصدقتنا،
حيث أن العمل كعبد ليس بأمرٍ سهل.”
هنا أريد التطرّق أدناه إلى رجولة (حسو) بعض الشيء:
فنمنحه بعض الوجدان،
ولذا من أجل خاطرنا: فقد فكّر (حسو) قليلاً:
“-ياو. إلى أي حدٍ أنا إنسان بلا مروءة؟
أكاد أتحمل وزر موت (بوزو) هذا جوعاً.”
ورمى على أثر تفكره ذاك بقطعة خبز كبيرة ل(بوزو)،
فلم يدرِ (بوزو) ماذا حدث،
ولم يصدّق عينيه لما رأى،
وقال لنفسه:
“-ياو، ثق تماماً بأن (حسو) قد أكل رأسه اليوم “أصبح مجنوناً”
وأضاع عقله،
فلماذا رمى لي قطعة خبز كإضافة لما رماه؟
سبحان الله!
ونعوذ بالله، في الوقت ذاته!
أنا لا أفهم هذا،
فإنه أمر عجيب.
ما أعلمه هو أن (حسو) هذا رجل خسيس وليس من رجال هذه الدنيا.
إنه إنسان سيء ودتيء.
إن شاء الله يكون فيما حدث خير.”
وتناول (بوزو) طعامه في عافية.
وهكذا مر عام كامل.
وكان (حسو) في تلك السنة يدع كلبه (بوزو) أحياناً جائعاً وأحياناً يطعمه حتى يشبع.
وبعد عام، في كل حينٍ ومكان،
كان (بوزو) كعادته باسطاً ذراعيه أمامه ورأسه على قدميه الأماميين.
وكان الراعي كعادته يتناول طعام الغداء،
في حين كان قطيعه في استراحة الظهيرة بالقرب منه،
كل شيء كان يبدو كما كان دائماً،
لم يتغير إلا شيء واحد،
إلا أن الراعي الذي قد اتخذ مكان (حسو) كان راعياً آخر.
وكان يدعى (حرجو قاسو).
وحدّق فيه (بوزو) بدقة،
فلاحظ (بوزو) لأوّل وهلة وجود نقطتين فارقتين.
الفارق الأول هو أن أذني الراعي الجديد كانت كبيرة جداً
كان شعره يغطي كل جبهته،
بل قل: لم تكن له جبهة بعد.
والفارق الثاني هو كبر فمه،
كان مثل الذين لهم أفوا مشقوقة.
فقال (بوزو) لنفسه.
“هيا أنظر إلى هذا الفم الكبير لراعينا الجديد!
نعوذ بالله!
يا للنجدة ياو…!
قسماً بالدين والإيمان،
إنه يبدو كشفرة بلدوزر،
والله احترقنا!
فإن هذا الفم – والله- سيبتلع بعد الآن العظام أيضاً!
فنلحس كف أيدينا بعد اليوم!
يا أيها الدب ابن الدببة!”
وفجأة شد (بوزو) إنتباه (حرجو قاسو)،
فلم تعجب (حرجو قاسو) نظرة (بوزو) التي وجدها بشكل فقير وبائس،
فصرخ في (بوزو):
” أيها الولد المهرج (بوزو)، لماذا تنظر إليّ هكذا بخبث؟
فانقلع من هنا، كي لا تراك عيناي،
فإنك على كلٍ لاتروق لي.”
انتبه (بوزو) لإزعاجه فابتعد عنه.
وأعطى في رأسه “في نفسه” جواباً لما قاله (حرجو قاسو):
“- يا ولد، أيها السيء ابن السيئين، أنت و777 جيلاً من سلالتك الماضية.
أنت وأبوك مهرجان
يا صاحب الدم الفاسد،
أمثالك هالكون من تلقاء أنفسهم!
أيها الأحمق، ابن الحمقان… إضافةً لما قلناه.
ياولد، يا حرجو (يادب!)، ماذا فعلت بك ياوريث المال!”
وبعدها فكّر في ذاته، قائلاً:
“- ياو … ماذا جرى لملة الرعاة هؤلاء؟
الذين عرفتهن حتى الآن هم أن ملة الرعاة هذه أناس فقراء، وأصحاب وجدان،
مساعدون وطالبو خير،
أما ما لدي فهم على العكس من هذه الصفات الحميدة تماماً.
الله، الله!
فسبحان الله!
فلنضف على هذا: أمانة الله أيضاً.
هؤلاء الرعاة مرضى نفسياً، الحمقان ابناء الحمقان.
وقليلو الناموس أيضاً، ياو…!
فلا مثقال لوجدانٍ لديهم
أنانيون، أبناء الأنانيين.
ياو، هؤلاء أضاعوا رؤوسهم (مجانين)،
فليصبهم الله ببلاءٍ من عنده،
كلهم،
آمين.
يا (بوزو) الولد، قل آمين مائة مرة!
عسى يتقبل الله دعاءك مرةً واحدة.”
كان الراعي (حرجو قاسو) قد انتهى من تناول طعامه،
ولم يدع منه شيئاً البتة يسقط على الأرض،
فنظر (بوزو) إلى بعض ما تبقى من فتات الخبز الساقط على ورق الشجر على الأرض:
” والله، لو ظل قدرنا في أيدي هذا الراعي قليل الوجدان والمهدوم البيت، فسنموت كلنا جوعاً!
هذا الحمار ابن الحمار، (حرجو) المريض نفسياً، لن يدع لي فتات الخبز ولا أي شيءٍ آخر،
ولن يبقى لنا سوى أن نلحس كف يدنا،
فهو بالتأكيد طماع، عينه على كل شيء!
وريث المال ابن ورثة المال!
وفوق ذلك هالك أيضاَ
فلننظر إلى فمه كذلك.
فإن فمه مثل فم فرس البحر،
نعوذ بالله منه!
هذا الحيوان ابن الحيوانات!
فليغلق الله هذا الفم الشبيه بشق الأرض!
وألا يفتحه ثانيةً إلى الأبد
إن شاء الله!
فنتخلص منه آنذاك.
فقولوا أيها الأولاد والفتيان كلكم آمين!
هيا أسرعوا في ذلك. يالله!”
نظر (حرجو قاسو) إلى (بوزو)،
وصرخ فيه من جديد:
“لا تقعد بالقرب مني، أيها المهرج (بوزو) ابن المهرجين!
فأنا أنزعج لمرآك كلما أراك،
ويرتفع ضغط الدم لدي!
إذهب واقعد بعيداً عني،
أيها السيء الحرام!
وأجاب عن كلامه (بوزو) في قرارة نفسه:
“- أنت وأبوك بأنفسكما هما السيئون الحرام!
أيها الجحش ابن الجحوش،
وريث المال ابن ورثة المال،
يا ذا الفم المشقوق،
يا ذا الأذنين الكبيرتين!
يا من بلا وجدان!
يا قليل الناموس، إضافةً إلى ذلك!”
ونادى (حرجو قاسو) (بوزو) لحظةً:
“- بوزو، تعال إلى هنا بسرعة! “
يتبع في حلقة أخرى…