بصراحة مع داريوس داري

أجرت  الحوار :
فدوى الكيلاني / دبي *

داريوس داري: إن المقالة الساخرة تحتاج إلى حنكة وفهلوة وطبيعة خاصة و الكرد لم يهتموا بالأدب الساخر
داريوس داري  ذلك  الكاتب الكردي  القادم من مدن المهابة حين يلتقي الألم الإنساني مع الله حاملا الأمة وجراحات يريد لها أن تلتئم
بفرحه الزهري يملا السماء بهجة وحنينا يحاول أن يعيد للحياة القها وان يغني أغنية في جنازتها
داريوس داري  ينتمي إلى قبيلة الساخرين
فمنذ زمن طويل حلق رأسه على الصفر ولبس المبرقع ملبيا النداء والتحق بجو الساخرين ليتدرب على أساليب القصف بالقلم والحرب الكلامية ضد أعداء الحياة
لقد قالها  برنارد شو :هل تعرف (غثاء السيل ) الاجاج أنهم كذلك
فالدنيا كلها ضحكة ساخرة والكتاب الساخرون هم أكثر الكتاب جدية واكتراثا بقضايا الناس … وحين التقيته في دبي ، حيث يزورها حاليا بدعوة من مؤسسة سما للثقافة والفنون .. وكان هذا الحوار مع الكاتب والفنان داريوس داري :

كيف يفهم الكاتب داريوس داري المقالة الساخرة و كيف يتم قبولها من القراء ؟ و من النقاد من جهة أخرى؟

لا أريد أن أفلسف الأمور و أدبج لها نظريات لكن أكتفي بالقول بعفوية شديدة إني أمتلك في عقلي مخزوناً فنياً من عادات و موروثات من قبل ولادتي …ربما سيأتي يوم يتحول فيه هذا المخزون إلى طاقات إبداعية ساخرة نظراً لتجاوب مشاعر القراء لمقالاتي الساخرة بمعنى آخر: أعتبر نفسي من الكتاب الساخرين بكل تواضع و من خلال هذه الكتابات عرفني القراء .أما النقد فلا يواكب الإبداع بشكل عام فما بالك بنقد الأعمال الساخرة وأنا عندما أكتب لا أضع ردود فعل الآخرين نصب عيني .

ما سبب استعانتك بمفتاح الموضوع والذي هو مقطع لشاعر معروف !! و ما مدى انسجام مفهوم المقطع الشعري مع الواقع الكردي ؟

ربما هذا الأسلوب حديث ولم يسبق لأحد من الكتاب أن  كتب به حيث أضع في مقدمة كل مقالة حكمة أو عبارة مثيرة و كما يقال فإن ”  المكتوب باين من عنوانه” إذا كان هذا العنوان مثيرا يدخل القارئ إلى أعماق الرسالة و باعتقادي إن هذا المفهوم القديم الجديد نال إعجاب أكثر القراءالكرد و غير الكرد .

كيف بدأت حياتك الفنية وأين تجد نفسك أكثر حرية في الكتابة !! ككاتب مسرحي أم كاتب مقالات ساخرة ؟

بداية حياتي الفنية كانت من لبنان في عام 1974 . بالصدفة عندما غاب احد أعضاء المسرح رشحوني بأن أكون بطلا في المسرحية  وكانت بعنوان ( الملك والراعي ) بدلا عنه كوني كنت  عضوا حينذاك في الجمعية الثقافية الكردية .  و في عام 1977 بدأت بإخراج المسرح و كتابة نصوص مسرحية و من ثم بدأت أكتب المقالة في عام  1993 أما بالنسبة لأعمالي الفنية فأجد في جميعها الحرية التامة أما عن مقالاتي الساخرة فأستنتجها من الناس العاديين و المارة و المتسكعين على أرصفة المدن والمتسولين و أصحاب ربطات العنق والأحذية الملمعة . و من هنا بدأت بكتابة المقالات الساخرة ولا أفرق بين نصي المسرحي و المقال الساخر حيث أجد حرية في الاثنين معاً .

و هل عندنا نحن الكرد كتاب ساخرون وما مدى نجاح هذا الأسلوب في حياة الكرد ؟

ربما يوجد كتاب ساخرون لم أسمع عنهم , و لكن هناك أناس ساخرون في حياتنا الطبيعية و بما أنهم أناس عاد يون لا يعرفون تركيب الجمل الساخرة عن طريق الكتابة لذا فوضت نفسي بالنيابة عنهم لأنقل ما يفكرون به من سخرية و أنا أدونه على الورق و أنشره عبر الوسائل الإعلامية بطريقة ساخرة بحيث لا يؤذي أحدا من بني البشر
 وغير البشر.

لمن تكتب ولماذا تكتب ؟ و لماذا اخترت هذا الأسلوب بالتحديد ؟

الكتابة عندي قضية … قضيتي ! ما أكتب هو ((أنا)) بكل ما قد يكون فيه من لون ونشوة وسقم ومرارة … بل ومن التناقض أيضا , قليلا ما أرضى عما أكتب لأني أحاول قدر استطاعتي أن أبقى مخلصا لنفسي . الإخلاص العنيف المرعب , وقد أشتم الكلمة لأنها أعجز عن أن تترجم كل ما بأعماقي . ولا فرق بعد ذلك  , في قاموسي بين من يحبس قلمه في  برج عاجي و بين من يلقمه مرارة الأحياء الفقيرة وجوع الشارع و بين من يجتر أوهامه الفردية ومن يجرح لهاته بنداء الخبز وقيود الكلمة المكتوبة . فالإنسان ثرثار منذ كان . ولعله لهذا أفرغ ذاته من قديم القديم . في الكلمة يلتقي فيها من حوله , وابتكر الحرف المكتوب ليثرثر به مع الأجيال التي تأتي بعده … الصمت الإنساني هو نوع من الكلام أيضا وله معناه ولهذا لا تقول عن الأخرس سكت بل أنه صمت . وقد تغريني هذه الوجوه الصامتة من حولي كالأقنعة , بالنفوذ إلى ما وراءها , وقد يشوقني أن اكتشف نقاط التقائي بها لأشعر بالشمول الروحي الواسع ولكني أظل مع ذلك مقيدا في حدود ذاتي , ولهذا فإني لست أعلم ((لمن)) أكتب . العمل نفسه يحدد لي
الطريق والغاية وقد أكتب لكل الناس وليس لأحد من الناس . أما اختياري للكلمة الساخرة فقلتها مرارا و تكرارا لا أريد أن أشبه احدا و من هذا المنطلق بدأت بكتابة مقالات ساخرة .

كيف يتقبلك القارئ الكردي وأنت في صف المرأة و كأنك في ثورة ضد  الرجال و حتى انك في بعض مقالاتك تسلمها أمور القيادة ؟

هؤلاء الذين لا يعترفون بحقوق المرأة و يعتبرونها أنثى فقط ليعودوا إلى الوراء قليلاً و يقرؤوا  ماذا فعلت المرأة و كيف كانت مكانتها حين ذاك , كانت تقود العشيرة : كانت ملكة والآن هي طبيبة و محامية و شاعرة و محاورة , والرجل لو عرف المرأة على حقيقتها لأحبها حباً جماً ..المرأة أجمل شيء في الكون بل أجمل من الجمال والطبيعة فلولا المرأة لكانت الكرة الأرضية كلها الربع الخالي .
منذ أن وعيت الدنيا و ميزت الخيط الأبيض من الخيط الأسود أحببت المرأة .. الأم  .. الأخت ..  الزوجة .. الحبيبة .. الصديقة ..  أحببت أن أكون معها وو فياً لها . اعمل قصارى جهدي بأن تكون المرأة دائما بجانب الرجل ليقول لها  هامساً … سيدتي منحتك القيادة و أبصم لك بكل بصماتي و بصمات كل الكائنات .. كوني شامخة  كشموخ (جبال آكري) .فالمرأة لا تقل عن الرجل بل قد تسبقه في مجالات عدة .

قالوا: المرأة تحب بأذنيها والرجل بعينيه وأنت كيف تحب في مقالاتك ؟

 من قال بان المرأة تحب بأذنيها فقط لنفرض أن هذا الكلام صحيح ماذا عن  امرأة صماء هل هذا يعني بأنها لا تحب .  إذا أحبت تحب بصدق وإخلاص وبجميع جوارحها .  المرأة في حياتي وفي مقالاتي هي منبع سعادتي وكل شيء جميل في مسيرتي الأدبية هي التي علمتني الأدب ولولاها لما كنت اعرف اكتب ولا كلمة   . فهي قيثارة  حواسي وإحساسي .

كيف ترى الثقافة الكردية قياساً إلى السنوات الماضية ؟

بالتأكيد تغير الحال عن ذي قبل  و أصبحت الثقافة الكردية رافدا أساسيا في الأدب العالمي والدليل هناك محطات وأقمار صناعية  و  مواقع الالكترونية كلها في خدمة الأدب ليس في خدمة قليل الأدب و أتمنى من  كل كاتب  كردي الموضوعية والصدق و أن لا يكون هناك نقد للتجريح والتشهير كما يحصل في بعض الأوقات . ولأننا نفتقر إلى الناقد المثقف والموضوعي والحيادي لأجل الأدب فقط … ليس إلا..؟ 

ما هو سر نجاح المقالة الساخرة ؟

أولا سبب نجاح المقالة الساخرة من وجهة نظري . هو مرارة الواقع تجعل الناس يجدون راحة في السخرية . لان شر البلية ما يضحك .  
. والثاني  قلة من يكتب مقالاً ساخراً لان المقالة الساخرة تحتاج إلى حنكة وفهلوة وطبيعة خاصة . الكرد لم يهتموا بالأدب الساخر لان توجهاتهم في البداية كانت نحو كتابة الشعر و مقالات أخرى بعيدة كل البعد عن الأدب الساخر .

هل قدرت أن تضع حلمك الكردي في مقالاتك ؟

بالطبع كل منا يحلم بأن يكتب الأفضل و أن يكون كلامه مقروءا أكثر موضوعية و حلمي الإنساني و الكردي أضعه في مسرحياتي و مقالاتي وفي حياتي اليومية و أتمنى للجميع حياة ملؤها الأمل والحلم بمستقبل سعيد .

يقال بأنك بارع في تصاميم الديكور و في طب الأعشاب إلى جانب المسرح و المقالة ؟

هنا خرجنا عن عالم الأدب و ولجنا دنيا العلم و المعرفة من خلال دراستي لطب الأعشاب و تعمقي في قراءة كتب “الطب العربي و الطب الصيني ” و ممارسة اليوجا . حيث جميعها ذو فائدة للإنسان لذلك لا أبخل على أحد عندما يلجأ إلي طالباً دواء لعلة ما . أما مهنتي كمصمم ديكور فأعمل بهذه المهنة منذ ثلاثة عقود و دائماً أصنع أشياء لم يسبق لأحد أن صنع مثلها .. مثلاً تصميم و تنفيذ الشلالات والنوافير و تنسيق الحدائق و تصاميم قصور الأفراح .. لا أريد أن أقلد أحداً , ولا مانع لدي إن قام أحدهم بتقليد أعمالي .
——-
* أديبة  كوردية سورية

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…