حاوره: إبراهيم اليوسف
بالرغم من اطلاعه على آداب عدد من الشعوب العالمية، إلا أنه آثر كتابة الإبداع الشعري بلغته الكردية الأم. إذ كتب الشعر التقليدي، إلى جانب دراسة اللغة الكردية مقارنياً، إلى جانب الاشتغال في مجال الفيلم الوثائقي. كما أن – براءات اختراع- عديدة في مجال الطب وادواته قد سجلت باسمه.
اطلعت على بعض قصائد الشاعر أوميد آشتي”نضال حسين” قبل فترة طويلة جداً، وانقطع التواصل بيننا إلى أن التقيته في”موسكو” ومن ثم في الإمارات، وأخيراً في ألمانيا، حيث يقيم مع أسرته.
تعدد مواهب أوميد آشتي دفعتني لمحاورته في قضايا عديدة، بالرغم من أن حواراً سريعاً كهذا لا يستوفي جوانب تجربته الثقافية والمعرفية والفنية والإبداعية. إذ يحتاج الحوار الشامل معه إلى وقفات أطول.
ماذا عن كتاباتك الأولى؟
-منذ الطفولة كنت أكتب، من دون أن أعرف أنني كنت أكتب المحاولات الشعرية الأولى، بالرغم من أنني لم أكن أحتفظ بمثل تلك القصاصات، بل كنت أمزقها. لقد كانت بدايات كتاباتي في المرحلة الابتدائية. من حولي يعلمون أنني أتصرف على نحو مغاير. ليس في الأسرة وحدها، وإنما في الشارع، والمدرسة. بعض تلك الكتابات الأولى مازلت أحفظها، كما أنني أحتفظ ببعض كتابات المرحلة الدراسية الثانوية.
المرحلة الكتابية الحقيقية متى بدأت؟
استمررت بالكتابة لنفسي. مازالت في بيتنا في الوطن بعض الكراريس التي كتبت فيها مذكراتي وخواطري وقصائدي. في الجامعة إذ درست في الاتحاد السوفييتي السابق لم أهمل الكتابة نهائياً. كنت أكتب إلى جانب ممارسة العزف على آلة-البزق- التي تعلمتها منذ طفولتي، وحين أنهيت الدراسة الجامعية”في الطب العام” وجدتني مضطراً للعمل لتأمين متطلبات دراسة الاختصاص. عملت عامين في عالم البحارة والبواخر والسفن، وذلك مابين1993-1994. كان بحراليابان أحد مضاربنا. أرى الآن في تلك التجربة نقلة مهمة في حياتي فقد كانت- آلة البزق- وأوراقي ودفاتري وأقلامي معي. تعمق التأمل لدي في أوقات فراغي. كان العالم جديداً علي أن أمضي أشهر في البحر بعيداً عن البرية. البحر كالسجن. وجهاً لوجه كنا مع عوالم القراصنة المقنعين. في البحر كتبت قصيدتي” جافي يارامن” çavê yaramin” التي غناها الفنان رشيد صوفي.
أنت شاعرغنائي: هل لك من قصائد مغناة أخرى؟
أكثرمن فنان غنى لي قصائدي التي كتبتها. من هؤلاء سليمان هوفك. بدرخان تمو.
لقد كتبت بلغتك الكردية الأم. كيف بدأت علاقتك بالكتابة بهذه اللغة؟
أمي كانت معلمتي الأولى لحب الكتابة بلغتها. كانت ذاكرة من الأغاني والأمثال والقصائد. كانت تحفظ الكثيرمن شعرجكرخوين وتيريز وأحمدي خاني وجزيري. أعترف أنها جعلتني أكتب بلغتها بالرغم من أنني أتقن الروسية كما الكردية والعربية، وقد بدأت أتقن الألمانية جيداً بالإضافة إلى الإنكليزية .
وماذا عن قراءاتك، واللغات التي تقرأ بها الأدب؟
قرأت الشعر العربي لاسيما القديم منه. قرأت محمود درويش وأمثاله القلة الذين يكتبون شعر الحداثة الحقيقي. قرأت التراث الادبي الكردي . كنت مولعاً بأحمدي خاني. قرأت كثيراً. أيضاً قرأت جكرخوين.
– بأي من الشعراء الكرد تأثرت؟
– خاني مثلي الأعلى شعرياً..!
أراك تتعمق في اللغة الألمانية- قياساً إلي- أمازحه:
ترى هل ستكتب الشعر يوماً ما بالألمانية؟
لن أكتب الأدب إلا باللغة الكردية.
وما يتعلق بالبحث والتوثيق والدراسات. بأية لغة ستكتبها؟
بالنسبة لغير الأدب شأن آخر. سأكتب بحسب الحاجة إلى ذلك. إجابتي واضحة.
هل كتبت الشعر باللغة العربية؟
كانت لي محاولات أولى ليست ذات شأن بتقديري
ما تقويمك الآن للحداثة؟
أنا ممن يصرون على المضمون في النص الإبداعي. أنا ممن يصرون على الغنائية في الشعر. من هنا ألجأ إلى الشعر الذي تسمونه تقليدياً
-هل نجد تركيزاً من قبلك على معاناة أهلك؟
-أجل. كنت أشيرإليها بشكل رمزي. قصائدي تعجُّ بمعاناة شعبي الكردي
لماذا الشعر التقليدي يجذبك؟
أرى الأصالة في الشعر الموزون، المكتوب وفق قواعد رصينة. هذا الموقف بت أتخذه أكثر بعد أن صرت أرى أن هناك بعض عديمي الموهبة قد نصبوا من أنفسهم شعراء، أو منظرين للشعر فقط لأن هؤلاء متحررون من أميتهم. عندنا في الشعرالكردي الكثيرمن الأدعياء الذين ما أن نقرأ ما كتبوه حتى نشعر بضحالة مواهبهم. مع أن هناك شعراء حقيقيين يكتبون شعراً حداثياً حقيقياً.
لم الإصرار على التقفية؟
لأن لها جرساً وإيقاعاً. القافية جناحا القصيدة بها تحلق عالياً. جربت كتابة نصوص غير مقفاة غير أنني أحس بعدم الراحة تجاهها، وإن كنت قد قررت على أثر حواراتنا- ومنذ وقت سابق- أن أجرب مرحلة التحرر من القافية. للآن لا أرى القافية أسرى، بل أرى فيها حرية..!
يلاحظ أن القصيدة التي تكتبها أميل إلى الوضوح في كتابة الشعر.هل من الممكن أن تبين لي موقفك من ثنائية الوضوح والغموض؟
إنني أبتعد عن الغموض في الكتابة. الشعر الصافي هو الشعر الواضح وإن كان الوضوح المسرف مؤذ للشعر. هناك حدود لثنائية الوضوح والغموض لابد من إدراكها، ليتم الإخلاص للشعر، لا للفنتازيا غير المجدية.
ما السر في لجوء كثيرين من الأطباء عالمياً على كتابة الأدب؟
ربما إن التعمق في سؤال الموت وراء ذلك. هذا ما يخطر في بالي. بالنسبة غلي توجهت إلى الكتابة قبل اختياري دراسة الطب، ومع هذا فلربما إن هناك جامعاً خفياً بين هذين العالمين. أقولها بعد أن تأكدت أن دراستي للطب لم تثنني عن متابعة الكتابة والفن بل باتت تعززهما.
لنعد إلى قراءاتك:
عالمياً من قرأتهم أكثر؟
لا شك أنني قرأت الأدب الروسي بعمق. قرأت بوشكين ولرمنتوف ومايكوفسكي. قرأت أنطون تشيخوف ودستوفسكي وتولستوي. وتأثرت بالكثير من فضاءات كتاباتهم.
هل تعتقد أن قصيدتك تأثرت بالأدب الروسي؟
ثقافة الكاتب تؤثر إلى حد في كتاباته. لكن من يقرأ قصيدتي الكردية فإنه قد يظن لأول وهلة بأنني لا أتقن غير الكردية ولم أطلع إلا على أدبها، وذلك لأن قراءاتي تتحول إلى روافد ضمن حدودها لموهبتي من دون أن أكون مجرد مكرر لأصوات غيري. هنا التأثر والتأثير الحقيقيان كما أتصور.
أيضاً. لنعد إلى الموسيقا:
هل تحدثنا قليلاً عن بدايات علاقتك بها؟
منذ طفولتي، وباعتباري ولدت في أسرة شيوعية فقد كنت أغني في فرقة موسيقية. من هناك صقلت موهبتي. ثم يضحك
وإن اختلفت مع الحزب الشيوعي السوري منذ وقت مبكر من حياتي، ولي في ممارسات بعض قيادييه كتاب أراه خطيراً وسأنشره؟
أمازحه
هو شأن آخر لا علاقة لنا به هنا
نضحك
متى نجد مجموعتك الشعرية الأولى مطبوعة؟
-هل ترى الآن ضرورة لطباعتها؟ . سأفعل إن قلتم: نعم. أعني أنت وبعض المقربين من المعنيين الذين أثق بتجربتهم الشعرية والنقدية.
-ما القضايا الفكرية التي تجذبك؟
-أحاول الاشتغال على ما يربط بين اللغة والحضارة. إنني أرى أية لغة هي حضارة كاملة. لي دراسات عديدة في المجال اللغوي المقارني قد أطبعها يوماً ما..
-اللغة؟ كيف؟
اللغة شيفرة . شيفرة الوعي. شيفرة الحضارة. اللغة حب
إنها رؤوس أقلام أحاول الانطلاق منها منذ سنوات.
ها أراك تتابع دراستك؟
سأظل طوال عمري طالباً. مصطلح” الطالب” يمنحني تأشيرة دائماً نحو استزادة المعارف والعلوم والآداب والثقافة.
هل سنقرأ لك في مجال الترجمة؟
قمت ببعض الترجمات الأولية. ثمة الكثير الذي يشجع إلى الترجمة. فأنا بحاجة إلى الوقت من أجل ذلك، وهو ممكن، إلا أن إحساسي بأداء مهمتي الإنسانية في مجال الطب تدفعني أن أغامر بالكثير مما هو ثقافي وفني وإبداعي..!