حوار: روكان بيرو
و أحمد مصطفى
إن حضارة أي أمة عريقة تقاس بحجم ونوعية رصيدها من المعارف والعلوم والفنون والآداب، ومن هنا كانت صناعة نشر الكتب أحد أهم الصناعات المؤثرة في تاريخ البشرية. فكان الكتاب دليلاً ومؤرخاً، وكانت الكتابة و القراءة السلاح الفتاك الذي يبيد الاستعمار ويزيل الظلمات عن تاريخ الشعوب.
وبناءً على ذلك، قمنا بإجراء الحديث التالي مع مدير مكتبة ودار دلوفان للنشر _الدار الوحيدة في عفرين _وعضو مجلس في اتحاد المثقفين في عفرين “الأستاذ دانيال حبش” ليطلعنا على مستوى القراءة والكتابة في المقاطعة، ومدى مواكبتها للتحولات التي تمر بها روجافا خاصةً وسوريا عامةً.
المجتمع القارئ مجتمع متحضر، و من يدعم القراءة يدعم صناعة الحضارة وبناء أجيال تبني المستقبل بدايةً هلّا أخبرتنا كيف تبلورت في ذهن حضرتكم فكرة إنشاء مكتبة ودار دلوفان للنشر، ولماذا في مقاطعة عفرين تحديداً؟
إن البيئة التي ترعرت بها ليست ببعيدة عن هذا المجال، فقد كانت بيئة محاطة بهالة من الثقافة والعلم، منذ طفولتي كنت أحلم باقتناء مكتبة كبيرة تضم أكبر عدد من الكتب و واتتني فرصة بتجسيد أحلامي واقعاً بدخولي كشريك في الدار مع صديقي “خاشوار علي” الذي كان قد أسسه في وقتٍ سابق في ٢٠١١ فقمنا بتطويره وتوسيعه معاً، وبعد أن سافر صديقي تحولت الملكية من شراكة إلى خاصة.
وأنا أرى أن أهمية وجود مكتبة ودار دلوفان في عفرين تحديداً تكمن في أن الإنسان يجب عليه أن يبدأ بمشاريعه الثقافية في بيئته ومجتمعه للرقي بهما أولاً ومن ثم يمكنه الانفتاح على المجتمعات الأخرى في حال رغب في توسيع مشاريعه الثقافية، إلا أن الأولوية لابدّ أن تكون لمجتمعنا.
لمست من خلال حديثكم شغفكم بالكتاب والثقافة عموماً؛ فلو سألتكم عن هذا المشروع _مكتبة ودار دلوفان للنشر _ ما هي طموحاتكم وراء هكذا مشروع؟
لكل إنسان هدف في الحياة يسعى لتحقيقه، و أنا هدفي هو رسالتي الإنسانية التي أرغب بتحقيقها في حياتي بنشر العلم والثقافة ومحاولة الرقي بالإنسان والمجتمع، جميعنا يعلم مدى أهمية دور القراءة والكتب في تاريخ الشعوب؛ فلطالما كانت الكلمة هي السلاح الأقوى و الأبلغ تأثيراً في التاريخ. كم من كتبٍ غيّرت مجرى التاريخ، وكم من شعوبٍ تحررت وارتقت بفضل العلم وثقافة المطالعة، و العكس بالعكس طبعاً. لذا فمشروعي هو حتماً وليد شغفي وطموحاتي على الصعيد الإنساني بالدرجة الأولى أكثر من كونه لتحقيق غايات مادية بحتة، و إلا لكنت أسستُ مشروعاً تجارياً يدرّ عليّ أرباح أكبر على الصعيد المادي.
هناك مقولة “لا نهضة للأمة بغير نهضة الفرد، و لا نهضة للفرد من غير تنمية عقله، و لن يكون هذا ممكناً إلا عبر القراءة”. فلو طلبنا منكم تقييماً لوضع القراءة في عفرين، فما هو تقييمكم؟
في بداية الأزمة السورية كانت المستويات الثقافية في المقاطعة بكافة مجالاتها في أوجها، وذلك تبعاً للضغوطات الاجتماعية والسياسية و الاقتصادية التي أحاطت بالناس وخاصةً بالنسبة للنازحين الوافدين إلى المقاطعة الذين حاولوا إسقاط معاناتهم وضغوطاتهم النفسية على أرض الواقع والتنفيس عنها، فازدهرت الحركة الثقافية سواء من خلال المحاضرات أو الأمسيات الشعرية أو الندوات والكتابة والمطالعة طبعاً. ولكن فيما بعد أدت الأسباب المعيشية إلى هجرة نسبة كبيرة من المثقفين فتراجعت هذه الحركة تدريجياً في المقاطعة، إلا أنها إجمالاً لاتزال في مستوى متقدم بالمقارنة مع باقي المدن السورية، ففي حين تندثر كل مظاهر الحياة الثقافية و تموت، فهي لاتزال موجودة في المقاطعة حتى ولو كانت خطوات تقدمها بطيء ولم تصل بعد إلى مستوى طموحاتنا كمهتمين بالثقافة.
هل يمكننا ضم المطالعة الالكترونية إلى جملة الأسباب التي أدت إلى تراجع القراءة الورقية؟
حبذا لو كانت المطالعة الإلكترونية هي التي أبعدت القارئ عن الكتاب الورقي، فليس هناك ضرراً بالثقافة لو لجأ القارئ إلى الكتب الإلكترونية إذا تعذر وجود بعض العناوين ورقياً أو تخفيفاً للأعباء المادية، إلا أن الحاصل هو أن الإنترنت أصبح عالماً افتراضياً هدفه التسلية والترفيه فقط وأبعدت الإنسان عن مجمل الحياة الواقعية وليس عن الكتب و الثقافة فقط.
إذن في ظل هذه الظروف التي أدت مجتمعةً إلى إضعاف ثقافة القراءة، هل قمتم بخطوات عملية لجذب القارئ مجدداً إلى الكتاب الورقي، و ما هي هذه الخطوات؟
نعم بالطبع، ففي عام ٢٠١٦ قمنا بالتعاون مع جمعية بهار الإغاثية بافتتاح معرض فردي _وهو الأول من نوعه في عفرين_ و ضم مجموعة كبيرة ومتنوعة من الكتب، إلا أن المعرض لم يحصد النجاح المطلوب ولم يكن حسب طموحاتنا لأسباب عديدة لا يمكننا الخوض بها هنا. أما حالياً فنحن بصدد التحضير للمعرض الثاني.
هل هناك أي تفاصيل تودون اطلاعنا عليها حول هذا الموضوع؟
في الوقت الحالي جميع التفاصيل لاتزال قيد الدراسة ولم نصل بعد إلى أية تفاصيل نهائية يمكننا الإعلان عنها. سوى أن المعرض سيكون في هذا العام حتماً.
حسناً أستاذ، ولكن سيسعدنا أن نحصل منكم على التفاصيل في حال اكتمالها. أما الآن حبذا لو أخبرتمونا ما هي أكثر العناوين أو نوعية الكتب التي تلاقي طلباً من قبل القراء في مكتبتكم؟
وأنا أيضاً يسعدني إخبار صحيفتكم بتفاصيل المعرض فور اكتمالها، أما عن نوعية الكتب المطلوبة بكثرة والتي يتهافت القراء عليها؛ فهي الروايات بالدرجة الأولى ومن ثم كتب التنمية البشرية واللغات والدراسات و الكتب السياسية وبعض الكتب المنوعة الأخرى.
ما هو نصيب اللغة الكردية في مكتبتكم؟ سواء من حيث الكمية الموجودة لديكم أو من ناحية الطلب عليها من قبل القراء.
للأسف، نحن نعاني نقصاً في هذه الناحية إذ أن الكتب الكردية عددها قليل جداً لدينا، بالرغم من الطلب الكبير عليها من قبل القراء.
بالتأكيد هناك عوائق أدت إلى خلق هذا النقص في الكتب الكردية لديكم، فماهي العوائق التي تواجهونها في عملكم عامةً وفيما يتعلق بالكتب الكردية خاصةً؟
بالطبع هناك العديد من العوائق التي تعترضنا وأغلبها مرتبطة بالأوضاع الأمنية والاقتصادية التي نمر بها كمصادرة الكتب من قبل تنظيم الدولة الإسلامية قبل وصولها إلينا وغلاء أسعار الكتب.
أما بخصوص الكتب الكردية فالعوائق أكبر نظراً للفرق الكبير في الأسعار، كون معظم الكتب الكردية يتم استيرادها من جنوب كردستان (العراق) أو من شمالها (تركيا) وهذا الأمر يترتب عليه تكاليف مادية عالية، علاوة على صعوبة أو استحالة عملية الاستيراد بسبب حالة الحصار.
دعنا نتطرق إلى الجانب الآخر من عملكم وهو كونكم مدير دار دلوفان للنشر، تعلمون أن القراءة والكتابة هما وجهان لعملة واحدة، ففي الوقت الذي تساعد القراءة على معرفة تاريخ الشعوب فأن الكتابة هي التي تصنع هذا التاريخ. في ظل هذه التحولات التاريخية التي نمر بها، هل ظهرت أقلام محلية تواكب هذه المرحلة؟
هناك الكثير من المخطوطات التي عُرضت علينا سواء لروايات أو لدواوين شعرية منها باللغة الكردية ومنها بالعربية، ولكن جميعها أعمال قيد التأجيل حالياً لوجود أسباب تحول دون طبعها ونشرها وعلى رأسها الأسباب الاقتصادية. ونأمل أن تبصر هذه الأعمال النور قريباً لأنها حقيقة أعمال تستحق التقدير.
في حال توفرت لدى كاتب ما إمكانية طبع ونشر عمله الأدبي، هل هناك شروط رقابية تتقيدون بها…وماهي هذه الشروط؟
بالطبع هناك شروط رقابية لابدّ منها فالأعمال تُعرض على هيئة الثقافة للاطلاع عليها قبل النشر ويشترط ألا تمس الخطوط الحمراء (كالإساءة إلى الأديان أو القوميات أو الحاق الضرر بالأمن القومي).
ألا تعتقدون أن الرقابة من شأنها أن تقيد حرية القلم والفكر؟
بالتأكيد أن الحرية الفكرية هي شيء مقدس و لا يجوز المساس بها، ولكن بالمقابل يجب ألا تكون هذه الحرية تعسفية، فحرية المرء تنتهي عند تعديه على حرية الآخرين. أما إذا كانت ضمن حدود النقد البنّاء والذي يقوم على أساس الحجج والأدلة فهي متاحة للكاتب وله كامل الحرية و لا يجوز المساس بها.
أيوجد أي نوع من التعامل والتنسيق بين داركم وأي دور نشر أخرى على مستوى سوريا أو خارجها؟
نعم بالطبع لدينا صلات مع بعض دور النشر. داخل سوريا او خارجها، يمكننا التنسيق والتعامل معها في حال استدعت الضرورة إلى ذلك.
حسب معرفتنا أن حضرتكم عضو مجلس في اتحاد المثقفين في عفرين، ماذا يضيف وجودكم في الاتحاد إلى طموحاتكم ورسالتكم الثقافية؟
جلّ ما نطمح إليه هو أن يجتمع المثقفين تحت مظلة واحدة بشكلٍ منظّم وأن يقوموا بعملٍ جماعي يرتقي بالسوية الثقافية والأعمال الأدبية وإيصال رسالتنا إلى أكبر شريحة ممكنة، وأن يصدروا الإبداعات المحلية إلى الخارج ويستوردوا الخارجية منها لخلق تقارب ثقافي بيننا وبين باقي الأمم.
نحن على ثقة بأن رسالتكم ستتحقق متخطية جميع العوائق، فالأهداف النبيلة دائماً تصل إلى مرماها وهدفكم _نشر الثقافة _ هو من أنبل الأهداف. في نهاية هذا اللقاء نشكر حضرتكم على حسن استقبالنا في مكتبتكم الأنيقة، وهل هناك أي شيء تودون إضافته لنختم به حديثنا؟
حقيقةً أن أسئلتكم أحاطت بجميع جوانب الموضوع، إلا أنني أريد توجيه رسالة إلى الجهات المسؤولة وأناشدها بإنشاء مكتبة مركزية بأقصى سرعة ممكنة نظراً لحاجة المثقف الماسّة إليها. كما آمل أن تدخل ثقافة المكتبات واللوحات الفنية إلى ديكورات جميع المنازل. أمّا الجيل الشاب فرجائي منهم الابتعاد عن الشاشات الافتراضية والعيش في عالم حقيقي وأوصيهم بالمطالعة ثم المطالعة فهي هامة في كافة المجالات كما يقول المثل “اقرأ و إن كنت تغرق “.
من منشورات جريدة روشن – العدد 23