قراءة في ديوان الشاعر فرهاد عجمو «سيل المهد»

أناهيتا حمو 
 
لتهنأ الذاكرة الدائمة الطفولة الأزلية الخالدة .
بتصوراته وبكلمات معبرة ليست كالكلمات
وإنما كحبات زيتون كوردستان بمدنها الجمة والخضرة
والدائمة الربيع وعلى امتداد ربوع عفرين جندرسه وكوباني
كقطرات زيتون معاصرها التي تعيد لنا الذاكرة الى الوراء رغم مرور السنون .
حينما يحاكي الشاعر فرهاد الذاكرة طويلة المدى بتلك الألعاب الطفولية “بوكا ميرا “وتعني عروسة الأمراء .يناجي الشاعر تلك المشاعر الطفولية الغير متكررة لذلك الحي الغربي من مدينة قامشلو في الستينات بترابها وبساتينها ومرابعها الشاسعة والتي لا تبارح ذاكرته بتلك البراءة والعفوية وللطيبة فيها مذاق خاص .
لوحة يتيمة في الخيال لا تجدها في أية بقعة من العالم بتحضرصورة الطفولة الكوردية ومن ذلك المنبر الطفولي نشتم عبق كوردستان روجافا و عبر الذاكرة الشمية لهذه المساحة الترابية المكانية للطفولة اليتيمة والدائمة النضارة في حس ووجدان الشاعر .
لوحات للألعاب الجماعية الطفولية منها وبها يكبر الطفل ويأخذ سلوكه وقيمه  ولعل أجملها وأهمها الحرية ويدخل بوابة مجتمعه بشخصيته التي استقاها من ترابه في الحي الغربي في مدينة الحب قامشلو .
تنطلق الطفولة حاملة بتلك الذاكرة حيث يهاجر الطفل ويكبر هو ويظل الوجدان والحس والشعور متعلقا”بتلك اللعبة والمساحة الترابية تلازمه لا تبارح مخيلته ذلك الإنسان.
حيث منها “لاندك” المهد يأخذ العبر ةالدروس صاعدة تارة ونازلة  تارة أخرى كمسيرة ذلك  الإنسان في هذه الحياة بجميع خبراتها السارة والتعيسة ,خبرات طفولية بكسر الرأس تارة “هستيه شه فه “,برميه واحد ة لذلك العظم يمسي الدم قطرات على التراب في ذلك المساء الصيفي في مدينة الحب قامشلو  ويهرع الكل لتأمين بعض القهوة لمنع سفك المزيد من الدماء .
بقصائد جمة يسرد الشاعر في لوحة طفولية تلك الألعاب الجماعية ذات الدلالات النفسية المتأصلة  المتجذرة وتأبى النزوح من التلافيف المخية ,أمست من التكوين الوراثي ,كروموزومات من جهازنا النفسي تمنع النفس من أية أعراض للأمراض وخلل ضد الموت خالدة تلك المناشط .
داعية من جديد للحياة بكافة أشكالها ,من هنا ينطلق فن العيش من ذلك المحرك الذي يجر المياه من البئر .
حينما كانت البرادات خافية ونستقي المياه كالمستجير من الرمضاء ” بستان Rûto روتو”بمزرعته تاريخ مدينة .
وقد حلت مكانها الآن وبعد مرور أربعون عاما” أبنية بعلامات أخرى بعيدة عن الحميمية ولم تغب الصور عن المخيلة والذواكر بجميع أنواعها تستحضر بيننا ونهنأ نحن بتلك الذواكر الطويلة المدى حيث بات صغاره كبارا” أربعون عاما”وكأن الساقية تمر الآن ونحن نبني بيوتنا الطينية الصغيرة على ضفاف الساقية ونمسي طينا”بكليتنا ونعود أدراجنا في المساء لننال نصيبنا من التوبيخ من الأخت الكبرى والتي كانت قد حلت مكان الأم ……
وخلسة ننفذ بجلدنا ونعود إلى الفراش في فناء الدار “التخت “الذي يتسع لخمسة أو ربما ثمانية أطفال .
وقد لاذت طفولتنا ونالت من الألعاب حتى الثمالة .
ألعاب جماعية أثلجت صدرورنا ولطالما أنعشت أرواحنا  ونحن كنا صغارا .
فريقين ودائما”متنافسين أبدا”خصمين للنصر المؤزر لإحدى الفريقين  عظم الليل hestyê shevê  “هستيه شه  فه , قر ما قر ”  qir ma qir “,بابوتان لBabûtan .بتلك الألفاظ والمصطلحات تنشط جميع الذواكر  ,بغبار تلك المساحة الترابية الطفولية ,والمزدحمة في بدايات المساء ,تأبى أن تغادرنا ما ان فتحنا لها الباب برؤية أصدقاء الطفولة صدفة ,وفي ذلك الحي الغربي بالذات شعور عبقه قامشلو ليس سواها ,مهدنا ,تأبى روحنا مغادرتها ,حيث ينادي الأهل أولادهم وعلى وهنات للنوم لتأخر الوقت أن وقت صلاة المغرب .
وكذا الحال على الحصادة  السوداء العتيقة بآثارها الباقية المهترئة والتي لا تزال في مكانها وكلما مررنا بتلك الساحة الخالدة بغبارها وما زال هنالك الأب ينادي أطفاله  لا جدوى من النداء .
تنادي الأم ونحن في استماع ولذة البقاء ,وعلى أمل العودة في المساء التالي لألعاب الخفة والرشاقة,وعدم االنضج الانفعالي توازن الأخرق  نجمل ونحمل  بعضنا ,ونوقع ببعضنا الخ راجلا لا”للطفولة البريئة في لعبة بابوتان حينما يريد صديق أن ينحني أكثر ليوقع بالصديق ربح وخسارة معنوية نفسية تجعلنا ملوكا لزماننا  قصدا”أو يزيد من الانحناء كي لا يستطيع الآخر القفز وينال منه العاب في النهاية .
تارة يهوى البهلوان الذي يقفز طريح الأرض على جنبيه أو أنفه حيث يتعلم منها الطفل دروس وعبر وادوار الحياة .مرة لك وأخرى عليك وتارة تقفز وتارة تدمى منكبا” على وجهك وتعود أدراجك في أحضان أمك لترتوي منها الحنان والعطف والنهوض من جديد هي من تدلك وتدخلك الحياة وتعلمك فن العيش والبقاء واقفا” على أقدامك .
من خلال تلك الألعاب الجماعية يدخل الطفل الحياة الاجتماعية والمهنية من خلال تلك المناشط الطفولية يستمد الطفل شخصيته أنشودة للطفل “جوكو عد إلى عش  قبل هطول المطر ,غناء جماعي وا أنشودة جماعية ,ولا تأبه بالأنين وإذا ما حل الربيع اخرج إليه من الخفاء لجمع الخشب واصنع منه عشا” جديدا” ومن بين الصخور ولو من الريش والعيدان الخشبية المترامية في البرية .
اصنع أيها الطفل من لا شئ ,شيئا” جديدا”.
يدعو الشاعر في قصيدة جوكو   çûko العصفور الطفل للتدريب والدخول الى الحياة عبر بوابة العمل الدوؤب اخرج حيث النضال  ” اخرج على الضفاف وانسي الحزن  الكدر واللوعة والحسرة وافرح لا تبقى متشائما”عبوسا””به قبه لوس “الضفدع ” Beqbelûs “.
 فقد تزينت الطبيعة والربيع  والكد والنجاح للنصر المؤزر ,قيم نفسية عليا يحتذى بها الطفل لأن كل شئ يبتدئ من الطفولة كما تقول الكاتبة الروسية في نشأة الشخصية ومن الطفولة المبكرة يتعلم الطفل ومن الألعاب واللعب يتعلم العبر ودروس الفشل والنجاح والقيم الاجتماعية والاخلاق  السامية والترفع.
ففي ديوان الشاعر “يصف التعلق الانساني  Gundê me “بضيعته حيث الحلابات  متفائلات والراعي هوالشاعر  العالم والقرويون رحلوا من القرية وكم بحثوا ولم يجدوا أفضل  وأفضل من قريتهم وفي النهاية عادوا الى الضيعة .الانسان متعلق أبدا” بكليته بمراحل تطوره النمائي النفسي والجسدي بتعلم تفاصيل الحياة وجزئياتها بصور طفولية تحاكي عقله وتصوراته وخياله الواسع المتنامي وليس الصغير .
فقد تبين من خلال أبحاث علماء النفس بأن الطفل لديه احساس قوي بالموسيقا يطرب لها بحس مرهف ويتأثر بها وهو قيد التكوين في مراحله  الجنينية الاولى في رحم الام وكذلك  في سنته الأولى يدرك لما يجري حوله ويكتسب ملامح شخصيته خلال خمس سنوات وذلك إذا ما تم تنميته والاهتمام به كأهم عنصر في الأسرة ,تلك الصور التربوية لأصدقاء ومواقف وخبرات الطفولة المبكرة مرحلة الروضة قبل الدخول الى المدرسة حية وخالدة تلك الصوروالعبر تلازمه بين الفينة والأخرى في جميع مراحل النضج الانفعالي المراهقة والكبر والشيخوخة والتي تظل تزوده بلوحات بريئة قوتا”تبعث فينا الحيوية والعودة من جديد نعيش ونتعايش معها باستمرار حينما نصادف موقف محبط على العموم أو حزن عميق نلجأ إلى الخبرات الطفولية السارة روضة ذاكرتنا .
ومن هنا نستطيع القول بأن الشاعر يؤيد التربويين للنفس البشرية  ا ونؤيد مبرمجي النفس والتنمية البشرية والأعصاب و علماء النفس التربويين “باللعب يكبر الطفل ولا ينفصل كبير السن عن  طفولته ” .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…