مرحى لكُتُب الأنابيب الكُردية !

ابراهيم محمود
يفتقر الكاتب أحياناً إلى الحيلة في العثور على دار نشر فعلية لطبع كتاب أو أكثر له، وإلى المبلغ المالي لتغطية نفقاته، والكاتب الكردي ضمناً، وأن يلجأ ذاك/ هذا الكاتب أحياناً ليس إلى دار نشر، إنما صاحب مكتبة، وفيها آلة تصوير عادية،  إظهار مجموعة نسخ مما يُسمّى بالكتاب، ففي ذلك يقال الكثير، وتحديداً،  وراهناً بالذات،  لمن بلغ من العمر عتياً، وهو يخدع نفسه قبل غيرها، ويورّط غيره أحياناً ليكون له لفيف من النسخيين/ المسخيين في هذا الإجراء. إن تحويل مخطوط إلى كتاب من خلال عملية تصوير في مكتبة كهذه،  تعبير عن حسد لا يقاوَم، وإظهار بلاغة طبع كتب له، بالطريقة الرخيصة هذه .
أعلم علم اليقين، ومن خلال متابعة مباشرة وغير مباشرة، ما يخص حقيقة كتاب يستحق أن يكون كتاباً، للمبرّر الذي يدفع بأحدهم لأن ” يكحّل ” عينية برؤية كتاب له، ولو بعملية تصوير، ووضع غلاف، قد لا يخلو من أناقة، وتلبية لرغبات بعض المقربين منه، ولا يعدِم الإبداع، أو المقدِرة الكتابية، سوى أن نمطاً/ نموذجاً من الكتاب لا ينقصهم الغباء، بمقدار ما ينقصهم القليل من الذكاء ليقفوا عن نوع غبائهم الهابط، ليعلموا جيداً، أن تصرفاً كهذا، لا يخلو من لصوصية ذاتية وضحكاً على لحيته، خصوصاً من يتحسس من أي كتاب يظهر مطبوعاً بصورة رسمية، أو يمضي وقتاً ويكلّف مؤلفه معاناة وانتظاراً، وفي نسخ  لا تقل عن المائة نسخة على الأقل، أما أن يجري الدفع بالمخطوط المسكين، بصورة قيصرية، كما همو أطفال الأنابيب، إلى صاحب مكتبة يجيد التصوير نسبياً، وخرز أوراقه، وإبرازه لنفسه، وقد أصبح كتاباً، إن ذلك يندرج في نطاق آخر، أكثر مما أشيرَ إليه، وهو إمكان الإساءة بكل الصور الممكنة إلى الأدب، والثقافة أو الإبداع، وإيهام من هم حوله على أنه يطبع كتبه ” رشاً “، كما لو أن الكتاب هذا، يمر بالمراحل الفعلية لعملية خروجه من المطبعة لا المكتبة كتاباً.
طبعاً، أستبعد هنا الحديث عن الكتاب الذي قد يُطبَع في مطبعة عادية، ودفع مبلغ مالي كبير أحياناً، وبالشروط التي يريدها كاتبه، بمقابل مالي، دون الإشارة أحياناً إلى أن المطبعة، أو دار النشر هذه تولّت طبع كتابه بمقابل مالي، وليس لأنها أرادت وعلى نفقتها، حيث ينوّه الكاتب لاحقاً إلى أن كتابه ذاك قد صدر عن دار ” كذا “، كما لو أنها هي التي أرادت منه ذلك، ذلك بحث آخر بالنسبة لمن يمتلكون مالاً، وربما لديهم موهبة معينة بهذا الخصوص، أي بالتفاف على الذات، وإظهار أنه ” مطلوب ” من دور النشر، ليعلم السابقون عليه أنه صار ” مثلهم “!
أتحدث عن ” كتب الأنابيب  الكردية ” لأنها جديرة بأن يُسلَّط عليها الضوء دفاعاً عن الكلمة النظيفة، الشجاعة، المقتدرة والمستحقة لأن تكون نزيلة والكتاب نزيل قراءة حقيقية !
إنه افتقار آخر إلى شجاعة مواجهة الذات، إلى النظر في المرآة ومساءلة الإثم المرتكب هنا، وجبْن عملي ونفسي، لحظة التباهي والإعلام بأنه بذاته أو عن طريق إمعي يهمه الدخول في معطفه الثقافي المهترىء، كونه يليق به ويستهويه، قد أصبح كاتباً فعلياً، نجم كتابة، وهو يلقّم ” الأنبوب ” الكتابي دورياً بمجموعة أوراق جار ترتيبها بطريقة معينة، والطلب من صاحب/ عامل المكتبة، مكتبة عادية جداً غالباً، كما أسلفت، في أن يعمل كما يريد، وخلال عدة ساعات، يشهد ولادة كتابه ” الممسوخ “، أو ما يُعَدُّ كتاباً .
إزاء ذلك، لو أنني تصرفت بالطريقة هذه، أقول” ليس من باب الاستعراض، إنما الواقع الفعلي ” إن لدي عشرات المخطوطات الجاهزة، مرتبة، ومعدة للطبع” وليس للتصوير أو النسخ المكتبي “، ولعل هناك آخرين مثلي ، يعيشون الوضع نفسه، ولكنهم يأبون الدخول في منافسة بائسة، دالة على نفس مقهورة من الداخل، أو تعيش صراعاً مع نفسها، يكلفه الكثير، وليس ظهور ” كتاب أنبوبي ؟! ” بهذه الطريقة إلا الترجمة الدقيقة لشخصيته المهلهلة من الداخل.
ألا لكم هو جميل أن يكابد الكاتب، أن يعيش مخاوف  الآخر، وإرادة المجابهة، وتأكيد عنفوان مسئولية الاعتراف بحقيقة ما هو عليه صريحاً، مخفّفاً من وطأة قناعه ” ماسْكه “، متحرراً من عقدة كونه ” هو هو “، لأن ما يعمل به، ما يتحفز إلى سلوكه، لا يبقيه ” هو هو ” إنما ما دون ” هو “، ودون ” هو “، رغم كل البهرجة الإعلامية المسواقة هنا، ولا بد أن هناك من يعلم بأمره هو وخلافه، وأن ما هو مخفي، أو معتَّم عليه، سينكشف غداً، أعني ستتراءى عورته وعورة مصفقه وإمعيه وتابعه كما هي على طبيعتها دون نقصان، حينها لا أظن أن كل  أقمشة العالم تقدر على سترها، وإخفاء التقيحات التي تتملكه، وتستوطنه داخلاً وخارجاً .
دهوك، في 13-7/ 2017 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماهين شيخاني

كان مخيم ( برده ره ش ) يرقد بين جبلين صامتين كحارسين منسيّين: أحدهما من الشمال الشرقي، يختزن صدى الرياح الباردة، والآخر من الغرب، رمليّ جاف، كأنّه جدار يفصلنا عن الموصل، عن وطنٍ تركناه يتكسّر خلفنا… قطعةً تلو أخرى.

يقع المخيم على بُعد سبعين كيلومتراً من دهوك، وثلاثين من الموصل، غير أن المسافة الفعلية بيننا…

إدريس سالم

 

ليستِ اللغة مجرّد أداة للتواصل، اللغة عنصر أنطولوجي، ينهض بوظيفة تأسيسية في بناء الهُوية. فالهُوية، باعتبارها نسيجاً متعدّد الخيوط، لا تكتمل إلا بخيط اللغة، الذي يمنحها وحدتها الداخلية، إذ تمكّن الذات من الظهور في العالم، وتمنح الجماعة أفقاً للتاريخ والذاكرة. بهذا المعنى، تكون اللغة شرط لإمكان وجود الهُوية، فهي المسكن الذي تسكن فيه الذات…

مازن عرفة

منذ بدايات القرن الحادي والعشرين، يتسارع الزمن في حياتنا بطريقة مذهلة لا نستطيع التقاطها، ومثله تغير أنماط الحياة الاجتماعية والإنسانية، والاكتشافات المتلاحقة في العلوم والتقنيات، فيما تغدو حيواتنا أكثر فأكثر لحظات عابرة في مسيرة «الوجود»، لا ندرك فيها لا البدايات ولا النهايات، بل والوجود نفسه يبدو كل يوم أكثر إلغازاً وإبهاماً، على الرغم من…

أصدرت منشورات رامينا في لندن كتاب “كنتُ صغيرة… عندما كبرت” للكاتبة السورية الأوكرانية كاترين يحيى، وهو عمل سيريّ يتجاوز حدود الاعتراف الشخصي ليغدو شهادة إنسانية على تقاطعات الطفولة والمنفى والهوية والحروب.

تكتب المؤلفة بصدقٍ شفيف عن حياتها وهي تتنقّل بين سوريا وأوكرانيا ومصر والإمارات، مستحضرةً محطات وتجارب شكلت ملامحها النفسية والوجودية، وموثقةً لرحلة جيل عاش القلق…