خالص مسور
صد حديثاً كتاب (Kurdên Êzîdî – Li Rojavayê Sûriyê) لمؤلفه الباحث، والشاعر، والكاتب الكردي كونى ر ه ش، في 106 صفحة من القطع المتوسط وبطبعة أنيقة، يتناول فيه الكاتب الشريحة الأقدم للشعب الكردي وهي الشريحة الايزيدية وتوزيعهم ومستقرهم في الديار الروجآفاوية، وكذلك اسماء عشائرهم وأماكن تواجد كل عشيرة وأماكن إقامتها مثل عشائر(Çêlka)، و(ٍSû,anya)، و(ْXalta)، و(Şêxa)، وتفرعاتها المنتشرة في برية خلف آغا، وماردين، وبرية أودشتا هسنا، وفي مناطق الحسكة، وسرى كانيى، وعامودا، وتربسبيى، وجيايى كرمينج …الخ. ويتناول كونى ر ه ش هذه المواضيع باسلوب الباحث الجاد والمتمكن من أدواته العلمية يأخذها من أفواه المسنين وأصحاب الخبرة والشأن. ويتوج الكاتب كتابه في الأخير بأغنية(درويشى عفدي، وعدولا تمر باشا) باسلوب جديد مثمر ومفيد.
وفي هذا المنجز البحثي يدخل المؤلف في التفاصيل الدقيقة لحياة اليزيديين الكرد في هذه المناطق ويبين شخصياتهم، وقراهم، وعاداتهم، وتقاليدهم، وانسابهم، وتفرعاتهم، وبذلك استطاع المؤلف رسم لوحة جدارية ومشهدية تلفيزيونية مثيرة للقرى والبلدات الحقول والشخصيات اليزيدية. ولاشك أن ذلك يمد الباحثين وطالبي المعرفة مرجعاً مهماً وقيماً عن تاريخ اليزيديين وحياتهم الاجتماعية والدينية، تناولها بمهنية عالية وباسلوب شيق وجميل بحيث يجعل القاريء يتمسك بقراءة الكتاب حتى نهايته دون أن يمل أويكل، ولسان حاله يقول هل من مزيد.
وما ذلك إلا لأن المؤلف استطاع أن ينهل معلوماته من فيوضات التاريخ الشفاهي الكامن في الصدور، أي من أفواه أصحابها بشكل مباشر وباسلوب التمركز حول الصوت إلى اسلوب التمركز حول الكتابة، وهذا الأمر يدخل باب الحفاظ على التراث والتاريخ الكرديين واللغة الكردية كذلك، لأن الباحث يكرر في اكثر من مكان على ان الحفاظ على الشعب اليزيدي معناه الحفاظ على اللغة الكردية وحتى على وجود الشعب الكردي نفسه ككيان له تاريخ عريق ولغة غنية وهي التي لا زال اليزيديون يكتبون ويقرأون بها ادعيتهم وصلواتهم الدينية بطلاقة واريحية.
ويتناول المؤلف لالشا نوراني ودورها في لملمة الطائفة اليزيدية والمقدسات اليزيدية والطقوس التي تعود إلى عهد النبي نوح عليه السلام، وأن منطقة لالش الحج اليزيدي بمغاراتها وكهوفها هي أصل وأساس اعمار ميزوبوتاميا والمدنية فيها.
وخلاصة القول، هذا الكتاب جدير بالقراءة والتأمل في مضامينه العلمية، والجغرافية، والتاريخية، والدينية، لأن المؤلف – وكما قلنا – نقل معلوماته في منتهى الأمانة من أفواه الرواة أصحاب الثقة والشأن، وذلك حتى نكتب تاريخنا بأيدينا وألا نلجأ إلى من كتب لنا تاريخنا وتراثنا على هواه وهوى مصالحه الشخصية، وما يرافق ذلك من طمس للحقائق وتحرف للأديان والتاريخ. فالديانة اليزيدية هي ديانة كردية خالصة حافلة بالطقوس والعبادات والاقوال التي يمكن استخراج الكثير من التاريخ الكردي منها، وكذلك لغة الصلوات والتراتيل هي اللغة الكردية، والتمسك بها يعني أن تصبح اللغة الكردية عصية على الذوبان، والصهر، والانحلال، وستصطدم – ولا بد – محاولات الفاشيين والحاقدين على صخرة لغة الصلوات اليزيدية العريقة والمقدسة.
……………………………………………………