في التاريخ المفتقِر إلى التاريخ.. حول كتاب «تأريخ كردستان سوريا المعاصر» لإسماعيل حصاف

ابراهيم محمود
 
كونك مصلحاً أخلاقياً لا يعني البتة أنك تتمتع بالأخلاق الحميدة”
تزفيتان تودوروف
 

مرثية تاريخ :

كتابُ تاريخ ٍ مخيّب للآمال: بمنهجه، طريقة عرضه، نوعية معلوماته، أسلوب التعامل معها، والشخصية التأريخية المعنية بهذه النقاط مجتمعة. إن أقل ما يمكن قوله فيه هو أنه تاريخ يفتقر إلى التاريخ! هذا ما يمكنني البدء به- مباشرة- عن الكتاب الصادر حديثاً للأستاذ الدكتور البروفيسور اسماعيل محمد حصاف” تأريخ كردستان سوريا المعاصر ” عن مطبعة صلاح الدين، أربيل 2017، في أجزاء ثلاثة، أي ” 1400 ص ” تقريباً، ومن القطْع الكبير. الكتاب بأجزائه هذه يغطي ستة عقود زمنية” ج1: 1916-1946، 568ص-ج2: 1947-1962، 414ص، ج3: 1963- 1975، 404ص”. هذا يعني أنني سأقوم، جرّاء هذا التقديم غير المحسود عليه إجمالاً، بدور محامي الشيطان، بما أن هناك ابتذالاً للتاريخ، لأن الكتاب لا صلة له بعنوانه عموماً، وإنما بما هو تحزُّبي كردي، وللمزاجية في تصريف المادة دور البطولة في الكتابة!
لهذا كان العنوانُ الرئيسُ، ولهذا، بالتالي، جاء العنوان الطارق لباب المقال، وإن كنت متحفّظاً على مفردة ” مرثية “، كونها ترسل مديحاً، إلا أنها مرثية تاريخ يكتَب بأيد غير ” أمينة “، أقولها بغير رضى في ابن مدينتي” قامشلو ” لكن إرادة الحقيقة تعلو كل إرادة جانبية أخرى!

سأتوقف هنا، وأنا أركّن هذا الكتاب بعد قراءته صفحة صفحة، ومحاولة الربط ” المدوخة ” بينهما، وأنا في حيرة من أمر عملية سرد المعلومات، وفي كل خطوة أستردُّ أنفاسي، وأنا أقارن بين ما ينتسب إلى الكاتب: المؤرخ، وما أقله طبعاً،، وما ينتسب إلى غيره، وما أكثره تأكيد قول ٍ، لأنتهي بوصف الكتاب” النقّالة “، وأنا مستغرب من ثلاثي اللقب: أستاذ” باعتباره يدرّس في جامعة صلاح الدين، بقسم التاريخ، كلية الآداب، أربيل “، ودكتور” كونه، على مستوى التأهيل العلمي، حاصلاً شهادة جامعية لها اعتبارها القيمي “، وبروفيسور ” بصفته صاحب قِدَم في التدريس وخبيراً فيه..”، فإذا بي أمام كتاب يُتأسَّف فيه على حبره وورقه واسمه واقعاً.

ربما، في حالة واحدة، كان في مقدور البروفيسور حصّاف، أن يخفّف من ” جُرْم ” الكتاب في موضوع، توقعتُ أن يكون له حضورٌ بحثيٌّ مؤثّر قبل الدخول في نطاق القراءة، وهو ” خرّيج ” جامعة موسكوفية في التاريخ، أي أن يكون العنوان” تأريخ الحركة السياسية الكردية/ القومية الكردية/ الأحزاب السياسية الكردية…في سوريا “، حيث إن أغلبية المواد المدرَجة في عمران الكتاب معطوفة على هذا الجانب، وإن كانت تفتقر إلى التماسك، والطريقة التعسفية في تزكية اسم دون آخر، أو مرجعية أكثر من سواه في متن ” كتابه ” تجاوزاً، وقد غاب حس النباهة، أو الفطنة المطلوبة في التعامل مع المرجعية البحثية ولمن تكون، وهي آفة تتعاظم، مقارنة بالدافع الذي حرَّك الكاتب وهو يقدّم ما كتبه بتعبيره ” خدمة لشعبي وقضيته العادلة. ج1، ص20 “، لحظة النظر في مراجع معتمدة بشكل يدعو إلى الاستغراب المضاعف، وهو يعود إليها باستمرار دون أي نقد يُذكر” كتاب محمد جمال باروت، عن : التكون التاريخي الحديث للجزيرة السورية، 2013، بصفحاته الألف “، بصورة رئيسة أولاً، وفيه أكثر من السم في الدسم بما لا يقاس، كما سنرى. هل أقول: سوى أن استغرابي تنحَّى جانباً، عندما قرأت في بطاقة” التعريف به ” بأنه في ” 14 أيلول عام 1975 وصل موسكو عاصمة الاتحاد السوفياتي بمنحة حزبية “، أي ما يحيل المنحة إلى دمغة كاوية، ليس في طريقة تعامله مع موضوعه، وإنما حتى مع وسطه ومن يقيمون فيه حتى الآن، وانبناء الكتاب يترجم هذا المنزع، أي ” حزبنة كل شيء”، خصوصاً، وأنه من بين المتنافسين المتحزبين في التعبير عن ذات تحزبية، وليس معرفية، لأنه، كما ورد في بطاقته ” مؤسس وسكرتير البارتي الطليعي الكردستاني- سوريا الذي أعلن تأسيسه يوم 2 أيلول 2011 “. هل لذلك من علاقة بما تقدَّم؟ نعم، فهضم الكتاب العسير يفسّر ذلك!

 

كتاب التأريخ، أي تأريخ :

ما الذي حضر في الكتاب من تأريخ، وما الذي أبقاه خارج اسمه الذي  أبقاه دون اسمه تأريخاً في كتاب، أي أبقاه في حكم الغياب، والغياب المؤجَّل معرفياً ؟

قد أبدو قاسياً في نقدي هذا، إنما ربما تكون حجتي مرتبطة بموقع الكاتب: المؤرخ؟ وما قام به، وما يمكن أن يترتب على تداول كتاب كهذا، ويبقى قولي عائداً إلي وهو يعنيني أولاً وأخيراً، بمقدار ما أن الذي أتحدث عنه يخص كتابه، وإن كان هناك ما يخص جانب الشخصية فيه، فكونه موصولاً بما سُطّر من وجهة نظر شخصية، وتبعاً لما هو ذاتي، والتأريخي خلافه.

لعل تناول الكتاب الضخم ” شكلاً “، ولكنه يتطلب عملياً محتوى يشرّع لثقل وزنه، كما يحتاج إلى فسحة ورقية، إن نُظِر في النقاط المكوّنة له، لهذا، وحتى لا أرتكب مثله جنحة التكرار والنقل غير المجدي، سأعمد إلى تكثيف ما أراه مدعاة للتثبيت والإضاءة :

أولاً، بالنسبة للحجم الضخم للكتاب، ربما يصطدم القارىء به، ويصعب عليه اتخاذ موقف، سلباً أو إيجاباً، ولعلّي لم أبادر إلى إقامة علاقة من هذا النوع، أي كيفية النظر إلى الكتاب، إلا بطيّ الحجم جانباً وأخذ محتواه بعين الاعتبار، وهذا هو الحاجز النفسي الأول لمن يبتغي مقاومة سلطان الحجم والخداع الذي يتوقَّع أن يتلبسه، إذ بتعبير كل من غي تويليه- جاز تولار، في كتابهما” صناعة المؤرخ، ترجمة: عادل العوا، دار الحصاد، دمشق، ط1، 1999″:”  ليست كمية الجذاذات، ولا عدد الصفحات بما يصنع المؤرخ الجيد.ص117.”، يمكن الإحاطة بالكتاب وحقيقة ما يتقدم به بجديده أو مفيده وفي ضوء التدافع المعلوماتي، أو الضخّ النفّاذ من المعارف بلغات شتى، والتنافس القائم عملياً بين معلومة وأخرى داخل الحقل التخصصي الواحد، وكتاب حصاف يصفع قارئه صفعاً بهذا الجانب من الكم الكبير، والذي يسهل العثور عليه في كتب متوافرة، أو عبر مواقع الكترونية مختلفة. ولا أعتقدنَّ أنه يريد أن يقدم كتاباً بأجزاء ثلاثة دون أن ينتظر رد فعل قارئه، أو وهو مأهول ببهجة مسكرة لا صحوة بعدها، أي بما قام به دون السؤال عما سيكون رأي متلقيه، وكلّي حسبانٌ أنه لم يعبأ بهذه النقطة، وإلا لراعى الكيف قبل الكم، ولراعى الكم إنما على قاعدة معرفية تحمل بصمته في المقاربة النقدية في الصميم.

فمن خلال عشرات المواقع الالكترونية الكردية، يمكن لقاء ما لا حصر له من المواد ذات النسَب التاريخي ” أو التأريخي ، إن أردنا دقة معتبَرة “، فالحديث عن جنايات أعداء الكرد في الكرد، ورموزها، وكتّابها، ومؤلفاتهم، ودعاتهم وحماتهم، وتلك الدزينة من الأوصاف ذات الصبغة الإنشائية: العنصرية، الشوفينية، الدموية، التعسفية، الإرهابية، اللاعقلانية، الهمجية، الاستئصالية، الفوقية، الاستبدادية: الأحادية الجانب، المركزية…نجد أنها فقدت صلاحية الاستعمال من حيث المحتوى، لما لها من استثارة وتهييج مشاعر، وتأجيج أفكار، لأن الأهم هو كيفية النظر إلى الآخر، والعقلية التي تبقي صاحبها في خدمة ما هو عبوديّ واستبدادي، كما في الحديث عن تجزئة كردستان، وكردستان سوريا، ومشروع الحزام العربي، والإحصاء الجائر، ومشروع محمد طلب هلال الرامي إلى إخراج الكرد من التاريخ المنشود…الخ، وحصاف، وهو أكاديمي، بروفيسور تحديداً، بالكاد يرتكز إلى هذا المحظور، تجاوباً مع رغبة مزدوجة: تفاعله الإيديولوجي مع عبارات كهذه، وهو في تاريخ لمَّا يزل أسير فتنتها التعبوية، والتعريف بنفسه البعيد عن ذلك الرصيد المعلوماتي والمعرفي العلمي الذي يحرّره من ذاته الشعبوية.

أتحدث هنا عن المادة المشكّلة لكتابه، وكيف أنها، عدا عن كونها تفتقد الترابط غالباً في الفكرة الجامعة لها بحثياً، تؤخَذ على علّاتها، ونادراً ما يجري التصدي لها، أي بإخضاعها لمنطق المساءلة التاريخية، وإلا فكيف نحقّق بغية ابن خلدون في اعتباره التاريخ مفهوماً مركَّباً، في باطنه، وليس في ظاهره حيث يتساوى العلماء والجهّال، أي بوصفه أولاً :علماً “…وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق..”، وثانياً، فناً، حيث تتدخل شخصية المؤرخ، وتضفي على العلم طابعها البحثي والمتميز فكرياً، فهو ” فن عزيز المذهب، جم الفوائد، شريف الغاية…الخ- المقدمة، المكتبة العصرية، صيدا- بيروت، 2002، ص 10-16 ” ؟

هناك انسياق كبير وفظيع وراء الشواهد وإنزالها نطاق الورق، نقلاً مباشراً، أو اقتباساً لمقتبَس بالاعتماد على آخرين، وما في ذلك من خلَل في العلاقة السوية مع حقيقة المصدر.

أتحدث هنا عن المعلومات المقدَّمة والمنقولة كمواد خام، دون تمحيص، كما لو أن مجرد إيرادها إيفاء بالمطلوب، ولعل في ذلك تسرُّعاً وسعياً إلى بلوغ النهاية دونما مساءلة نوعية الحصاد.

وأحسب أن ما كتبه الباحث الكردي علي الميراني ” والذي استعان حصاف بكتاباته لأكثر من مرة “، يكاد يكفي ويفي الموضوع، جهة المعلومات المتعلقة بما هو ديموغرافي وجغرافي وسياسي حزبي خاصة والجمعيات والنوادي الثقافية وبصبغتها السياسية..، وأنوّه إلى كتبه : ” الحركة القومية الكوردية في كوردستان- سوريا 1946- 1970، سبيريز، دهوك،ط1، 2004، ” وفي صفحات كثيرة، على الأقل بدءاً من صفحة ” 29 ” وما بعد، و: ” الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا 1898-2008 : رصد وثائقي لمسيرة أكثر من قرن من تطور الوعي القومي في الجزء الجنوب الغربي من كوردستان: دراسة تاريخية- سياسية، تقديم ومراجعة :أ. د. عبدالفتاح علي يحيى بوتاني، مركز الدراسات الكوردية وحفظ الوثائق، دهوك، 2009″، بدءاً من صفحة ” 13 ” وما بعد، و” سياسة التمييز القومي وحملات التعريب الحكومية في كوردستان- سوريا 7 آب 1928- 5 تشرين الأول 2008 “، إعداد ومراجعة : د. عبدالفتاح البوتاني، مركز الدراسات الكوردية وحفظ الوثائق، دهوك، 2010، الفصل الأول، بدءاً من صفحة ” 17 “، وما بعد . ويبقى التأكيد على كتاب متوازن باقتصاد معلوماته، ووضوح رؤيته السياسية، وأرضيته الثقافية للدكتور عبدالباسط سيدا، في كتابه : ” المسألة الكردية: فصول منسية من معاناة مستمرة، السويد، ط1، 2003 “، من ألفه إلى يائه، وبعيداً عن الهدر والهذر الكلاسيين المعهودين هنا وهناك، وكما في كتاب حصاف، المثال الأقرب إلينا، بدءاً من الفصل الأول ” جريمة استعمارية ومأساة مستمرة، ص 10″، وما بعد، وفي الوقت الذي اكتفى حصاف بالإشارة اليتيمة إلى مقال الكتروني لسيدا، وهذا يستدعي طرح أكثر من سؤال عن تأريخ يمثَّل فيه، وهو في عهدة المستبد به مفهوماً ورصيد معرفة.

وكما نوهَّت إلى الكتاب ومشكلة، وليس إشكالية، العلاقة الكامنة في طريقة توجيه المعلومات، فإن العنوان في وضع كهذا، وهو تأريخي: يحدد ويبدّد في آن، فهو ليس أدبياً أو مجازاً، بما أنه لا يعزَّز بوجهته: يحدّد موضوعه وحقه التأريخي، وحدوده، وتصوراته أحياناً، كما هو التأريخ المذكور، وهذا مطلوب بحثي، ولكنه مفارق العنوان الرئيس في المتن، أي حين يجد القارىء نفسه إزاء سرد تعليمي مخلخل، أقرب إلى القص واللصق، في عشرات الصفحات، جهة أسماء البلدات والقرى والصور التي ترد في نهاية الكتاب إيحاء بأن ذلك يُروْنق البحث، حيث يضيع مسار الفكرة بالذات، كون المتَّبع إيديولوجياً، وتحزبياً ومزاجياً بأكثر من معنى ، ولتكون الضخامة متجاوبة مع نزعة البروز، كما هو الإطناب في الإنشاء والاستخفاف بخلفية القول.

يقول ” وحاول المؤلف في هذا الكتاب تتبع تطور مسار الحركة السياسية الكردية منذ نشوب الخلاف في صفوف البارتي منذ 1960 وحتى عام 1975. ج1، ص18 “.

هذا صحيح من ناحية، كونه تطرق إلى هذا الموضوع بشكل موسَّع، وغير صحيح من ناحية ثانية، لأن تناوله للموضوع لم يكن دقيقاً كما هو مقتضى العنوان، وتحديداً، حين يتطرق مثلاً، إلى العشائر الكردية متخذاً من كتاب محمد طلب هلال عن محافظة الجزيرة مرجعاً مهماً، عدا عن المقتبسات الالكترونية، حول بلدات وقرى عفرين، وهذا ما كان ينبغي التطرق إليه تالياً، على الأقل في الجزء الثاني، وليس الأول” صص 181- 285 “، رغم أن لا داعي لكل هذا الكم المجاني لسهولة الوصول إليه، ومن خلال الإحالة عليه، وخصوصاً بالنسبة إلى هلال ومشروعه القوموي، أي في الجزء الثاني من الكتاب بداية، حيث إن المرحلة اللاحقة على الانسحاب الفرنسي من سوريا ” 1964 ” شهد صراعات على خلفية من المكونات السورية: اثنياً، وعلى أعقاب فشل المشروع الوحدوي، ومن ثم البدء بإجراء تمشيط عروبي مبعثن لوظائف حساسة في الدولة، وفي الواجهة الجيش، والأرضية الإيديولوجية لكل ذلك.

عنوان الكتاب يتطلب، وجرّاء المشاكل التاريخية وهي سياسية في الصميم، إضاءة سابقة على هذا التاريخ ” 1916 “، ولو بإيجاز، لأن ” سايكس- بيكو ” انطلقت منها، وحرصت على تأبيد حدودها التي اختلقتها وصادقت عليها امبريالياً وإقليمياً. على الأقل بالنسبة للجغرافيا الكردية وكيف تم تقسيمها، وكيف كانت، وكتابة بضعة أسطر، مثلاً عن ” إقليم الجزيرة ” جاء عرضياً إلى أبعد الحدود” ص ج1، ص 142″. ولعل أسوأ مرجع بتوجهاته العنصرية والأكثر اعتماداً لديه بامتداد كتابه، هو كتاب محمد جمال باروت، كما سنرى، بصدد ” الجزيرة السورية “، وهذا يحفّز على تقديم فكرة عن هذا الحاصل، وحتى ضمن فترة الاحتلال الفرنسي لسوريا، وهو ما لم يقم به إجمالاً. وأنا أحيل مثلاً، إلى كتاب د. فائزة محمد عزت: الكرد في إقليم الجزيرة وشهرزور في صدر الإسلام 16-132هـ/ 637-739 م ” دراسة في التاريخ السياسي “، مطبعة خاني، دهوك، د.ت” ص 44 “، إلى جيمس بكنغهام” 1786- 1855 “: رحلتي إلى العراق سنة- 1816، ترجمة: سليم طه التكريتي، مطبعة أسعد- بغداد 1968، ج1، وكان يعمل في شركة الهند الشرقية، وكثير التطواف والترحال، وقد كتبت عنه مقالاً نشر في موقع ” ولاتي مه ” سابقاً، وقبل ذلك جهة الفكرة المتداولة عن الكرد في كتاب تاريخ حسن آغا العبد: حوادث بلاد الشام والامبراطورية العثمانية” 1771-1826 م “، تحقيق:د. يوسف جميل نعيسة، دار دمشق، دمشق،ط1، 1986،  ومن المفيد الإشارة إلى التالي ” واستقر إبراهيم باشا في الشام، وعسكره قايم على النهب في البلاد على التبن، وأخذ الدراهم، وفي الشام على البساتين وقطع الأنهر ونهب الفواكه وغير ذلك.ص113. ثم من شعره، حيث الجمع بين أحمد باشا الجزار وعسكر ابراهيم باشا والأكراد:

وافا الهنا بخلق ومضى الكدر    بهلاك من الظلم والجور اشتهر

أنشا المظالم بدمشق ببغيــــه     وفشى المظالم كلها وبهــــا أمر

هو أحمد لا تحمـــــــــد فعاله    جزار أهل الشام بالخوف زجر

ولقد بعث للشام أكـــــراد لها    وكبيرهم في ثغــــر عكا استقر

الشيخ طه اسمه ولقد غـــــدا    في بغيه وضلالــــه ورد الخبر

ونسيبـــــه للشام جاء مباشراً   عبدٌ لوهّاب غــــــدا مأوى سقر

كرديُّ أصل ٍ بل يزيديٌّ أتى    من نسل قوم بــل أذل من البقر

من كان ذو مال فيأتون بـــه    لكنج أحمد مَن على البغي أمر

فيأمرن بـــــــه لسجن ضيق   تأتي له الأكراد تسعـة مع عشر..ص115.

وكتاب له صلة بمواقع أسر كردية قبل ولادة العصر الحديث، وهو للدكتور. محمد شريف عدنان الصوّاف: موسوعة الأسر الدمشقية” تاريخها، أنسابها، أعلامها “، بيت الحكمة،دمشق، ط3، 2008، ج1 ” ص 55 “، وكتاب له أهميته جهة الحديث عن القبائل الكردية، لـ: ويليام إيغلتون: القبائل الكوردية، ترجمة: د. أحمد محمود خليل، كوردستان، مؤؤسة موكرياني، أربيل، 2006، كما في ” ص 21-22-131…الخ”، وكتاب الروائية البوليسية الانكليزية الأشهر في العالم أغاثا كريستي ” مذكرات “:  هكذا عشت في سورية ” في شاغربازار وتل براك وتل أبيض “، ترجمة: توفيق الحسيني، دار الزمان،دمشق، ط1، 2007، عن فترة ثلاثينيا القرن الماضي”  جاخر بازار ضمناً، ” ص 114-286″، إلى جانب زوجها الآثاري مالوان، في مذكرات مالوان” عالم الآثار وزوج أجاثا كريستي ” تأليف ماكس مالوان، ترجمة: سمير عبدالرحيم الجلبي ، دار المأمون، بغداد،  1987، كما في ” صص 139-147 ” عن تل براك،  و” ص 124 ” عن شكر” جاغر ” بازار، و”ص 125 ” عن جبل سنجار…الخ.

لا بل إن التوقف عند كتب تخص الفترة تلك، ومؤلفوها عرب، مهمة لمعرفة موقع الكرد في الإعراب السياسي في المنطقة عموماً وفي سوريا خصوصاً، كما في حال كتاب يوسف الحكيم: ” سورية والعهد العثماني، دار النهار، بيروت، ط2، 1980. ط1، 1966″ وتذكيره بالعائلات المتنفذة في دمشق” قلب العروبة النابض فيما بعد، والكردية منها لها مأثرة النفوذ السلطوي ” بين كل من آل العابد واليوسف، ص 59 “، وكتاب د. وجيه كوثراني: ” السلطة والمجتمع والعمل السياسي ” من تاريخ الولاية العثمانية في بلاد الشام “، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط1، 1988″، بعض من دراسة، شكلت أطروحة دكتوراه في بيروت، عام 1985، والحديث عن البيوتات الدمشقية واستلامها لوظائف إدارية مختلفة بعد عام 1860” آل العجلاني، وعائلة العمرين، وآل الجيلاني، وعائلة الكزبري، وعائلة الأيوبي، وعائلة العظم، والعظمة،وآل اليوسف، وآل العابد، وبنو الأدلبي، وبنو مردم بك، وبوظو، وشمدين…ص53″…الخ.

ثالثاً، جهة الحديث عن المسألة الكردية في ظل الانتداب الفرنسي” 1920-1946 “، وعلى مدى صفحات طوال نسبياً  أكثر من مائة صفحة ” صص 75-179″ رغم أن هناك معلومات لها صلة بالفترة المدروسة، إلا أن الشيء الوحيد والمطلوب حضوره، هو ما يخص لسان المؤرخ: ماذا أضاف، سوى في تكرار مجموعة من المقتبسات من هنا وهناك، ودون تمحيص لمرجعيتها الفكرية ومستواها البحثي” باروت،  خليل قطيني” الباحث الصحفي عند حصاف “، صالح هواش المسلط، هاشم عثمان…الخ”، دون النظر في أقوالهم بصدد مرحلة كانت تغلي بتوجهاتها ورهانتها السياسية، ومآلاتها، وما هو خفي/ مبطَّن في قول كل من هؤلاء وغيرهم، في ضوء الحاضر. ثمة قول معبّر للفرنسي بول ريكور، كما ورد في كتابه الشهير : “ الذاكرة، التاريخ، النسيان ، ترجمة وتقديم وتعليق : د. جورج زيناتي، دار الكتاب الجديد، بيروت، ط1، 2009 “، ويخص الجانب الدلالي للأحداث، ومن يسمّيها، وكيف، ولأي غرض حيث إن ” الأحداث تعني للبعض المجد في حين أنها تعني للبعض الآخر المذلة.ص138 “، وهذا ما كان ينبغي تحرّي جوانبه، أي بالنسبة لمواقع الأشخاص ممن اقتبس أقوالهم أو أصغى إليهم، أو كاتبهم حول موضوعه، ومدى ارتباطهم بحقيقة ما يقولون، حيث نكون إزاء وثائقية من نوع آخر وأخطر. وأنا أرى أن حصاف كان بعيداً عن خطورة ما يقتبس، وما يقوم به من تسطير دون تنوير، وذلك من ناحية التمييز بين مقتبس وآخر، ومن يكون قائله أو مصدره، أي وجوب استنطاق المخفي أو المعتم في القول وموقعه، وزمانه بالمقابل، ويظهر أنه غير معني بهذه الخلايا البحثية المتداخلة في شبكة مجتمع غاية في التركيب. وتحديداً بالنسبة لموضوع شائك، من ناحية كيفية التعرض للمسألة الكردية سورياً، أو تبعاً للمتداول كردياً بـ” روجآفا كردستان/ كردستان سوريا “، وتمييزها عن الجهات الأخرى، نظراً لخصوصية جغرافية وديموغرافية ومن ثم تاريخية  وثقافية، ولا أظن أن هناك ما يستحق لفت النظر في أمرين: الفصل والوصل، وإظهار إرادة بحثية فاعلة، لها صلة بالراهن تأكيداً على مستجدات مؤثرة في بنية الكتابة التي تقف وراء نشر كتاب ” ضخم ” حجماً.

إذ إنه مع كم كبير من الكتّاب، كانت الكردية في سوريا، أو تبعاً للعنوان السالف، مضمرة/ ملحقة بالأجزاء الأخرى، أو يجري تهميشها، كما نقرأ عن ذلك في كتاب معَد من قبل فالح عبدالجبار- هشام داود:” الإثنية والدولة” الأكراد في العراق وإيران وتركيا “، ترجمة: عبدالإله النعيمي، معهد الدراسات الاستراتيجية، بغداد- بيروت، ط1، 2006 “، وحتى بالنسبة لديفيد ماكدوال، فهو في كتابه ” الكورد: شعب أنكِر عليه وجوده، ترجمة : عبدالسلام النقشبندي، دار آراس، أربيل، ط1، 2012 “، لا يخصص إلا عدة صفحات في نهاية كتابه هذا، وبمعلومات عادية” صص172-176 “، تأكيداً على ” هامشية هذه الجهة، وحاجة هذا التهميش إلى مكاشفة تاريخية نقدية أخرى طبعاً.

إن كتابه الكرد في أغلبهم” وأترك أمر التسميات لقارئه ” في المنحى الجغرافي أو المقاربة التاريخية بعيدون وبأكثر من معنى عما شهده مطلع قرننا السالف، وما تلاه، جرّاء وعي انفعالي ومؤدلج معاً، إذ من الصعب، إن لم يكن مستحيلاً الربط بين من هم متحزبون، والكعكة الكردية ” السورية ” جار تقاسمها والتصارع عليها، أو من هم برسم التحزب، أو يخشون قول الحقيقة، وإقامة علاقة سوية مع التاريخ الذي ينبغي الانفتاح عليه، وليس من زاوية معينة تخص ” الكعكة ” في طرف محدود يخفي غالب جسمها؟

في مثال تسمية العشائر الكردية وتوزعها، هل يكفي مجرد الإحالة إلى مارك سايكس، أو إيغلتون، وهو ما ألفناه في جل الكتابات الكردية العرَضية الطابع دون إضاءة بوصلة قيادتها، وكيف تتم متابعتها، وكيفية تعميق تلك الخطوط التي تبقيها في تمزقاتها في حالة ما قبل القومية والوطنية؟ حيث لا أثر لإضاءات ذات صلة بكتاب المفكر السرياني الكبير وكتابه الرائد في الحقل الكردولوجي وديع جويده” ت 2001 ” ، والصادر سنة 1960 في أميركا، وهو ” وديع جويده: الحركة القومية الكردية” نشأتها وتطورها “، قدم له: مارتن فان بروينس، ترجمة: مجموعة من المترجمين، إشراف وتدقيق: غازي برّو،  دار آراس- الفارابي، أربيل- بيروت، ط1، 2013″ في صفحات مختلفة، كما في ” ص  26 ” وموقع الكرد في سوريا ” صص 348-354 “، وفي إثره من تأثر به، وهو مارتن فان برونسن، في كتابه: ” الآغا والشيخ والدولة ” البنى الاجتماعية والسياسية لكردستان “1-ترجمة: أمجد حسين، معهد الدراسات الاستراتيجية، بيروت، ط1/ 2007 .” في صفحات مختلفة” ص13- 32-34…الخ “…الخ، وحتى لدى الباحث الكردي المقيم في باريس حميد بوزأرسلان، كما في مبحثه: ” العصبية والسياسة الكردية من منظور اجتماعي تاريخي : ضمن الكتاب المعد من جهة عبدالجبار- داود ، وحديثه المركز على آفة الدور القبلي في إبقاء الموعود به كردياً مجتمعاً وكياناً سياسياً وتبلور وعي قومي في طور الإرجاء ” ينظر في صص207-239، وحتى في كتاب نذير جبو الوارد ذكره في كتاب حصاف، أي ” سلاطين هفيركان ” إشارة إلى هذه النقطة ” ص28، وما بعد “، والأهم ما أثاره حنا بطاطو في كتابه المذكور باسمه عنده” فلاحو سورية “، والذي بالكاد استعان به وهو ثري بمعلوماته في هذا المنحى العشائري والعائلي طبعاً ودور الدين في كل ذلك” ص 68-70-71-212- 245-247..الخ”.

متابعة هذا النزف في الجسد الكردي بمفهومه القومه خلق عوائق مانعة ليقظة قومية فعلية إلى هذه اللحظة، ليس لأن هناك يمين ويسار، أو ” عقليات شائخة ” وأخرى ” فتية وحداثية ” كما يزعم اليساروي حصاف، فالوقائع أثبتت، وفي ضوء ليس الانشقاقات في أصل هذا الجسد الكردي الموسوم، وإنما الاختراقات والتمزقات، أفصح اليساريولوجي في بعض الحالات وفي ضوء الأنفة الطبقاوية أنه أكثر شراسة في النَّيْل حتى من رفيقه الحزبي، وحصاف لا يُبرَّأ في ذلك، أي عبر انخراطه في هذه اللعبة الدائرة على مدار الساعة والتهم المتبادلة..!

هذا ما نقرأه في صفحات تترى عن جمعية خويبون، والتي قيل فيها الكثير” ج1، صص 289-309 “، حيث كان الحضور الباهت لشخصية الكاتب تعبيراً عن تلك التقليدية السائدة، إذ لا مفيد في ذلك فعلياً، طالما يجري ربط خويبون بكردستان الشمالية، وأن المعنيين بها أساساً ” البدرخانيان وغيرهما، لهما سهم كبير في ذلك “، وربما كان من بين الدراسات الرائدة في هذا المجال ما ورد في كتاب لافت بمعلوماته وتحليلاته لـ جوردي غورغاس: ” الحركة الكردية التركية في المنفى، ترجمة: جورج البطل، دار الفارابي- بيروت، دار آراس- أربيل، ط1، 2013.”، وفي صفحات طوال” صص 139-313 “، وليس له من أثر – طبعاً- في كتاب حصاف، ككتب كثيرة لا غنى عنها هنا.

 

المصادر والمراجع :

لا يقيم حصاف أي فصل بين مصدر أو مرجع وآخر، جهة كاتبه وفي محتواه، وموضوعه على وجه العموم، وتحديداً، حين نجد العديد من الروايات الشفاهية والتي تخص شخصيات كردية : حزبية غالباً، وهي تتعرض لوقائع وأحداث، لا تبتعد كثيراً عن مواقع تحزبية محسوبياتية، وهذا ما ينبغي النظر فيه إن راعينا مدى التمزق في الكيان السياسي والحزبي الكردي، وحتى بالنسبة للمرجع أو المصدر الذي لا يعتد به في أرضيته الثقافية، بمقدار ما تلعب العلاقة الشخصية للكاتب بالذات دورها اللافت في تكرار العودة إليه” المصدر أو المرجع “، وفي الوقت الذي لا يقوم بأي مقاربة أو مساءلة نقدية أو مقارنة بين حقيقة المتفوَّه به والموضوع، وما إذا كان القول جديراً بالأخذ به أم لا، وفي ظل التجاذبات السياسية .

ولهذا، أجد أن الكاتب لم يخف هذا الموقف الشخصي في إقامة علاقة ذاتية أو تكتلية فيما استعان به أو عوَّل عليه.

عربياً، قد أكون مبالغاً في القول بأنه لا يمتلك الحد الأدنى المطلوب من الشخصية البحثية، وهو يعتمد على مصادر أو مراجع بشكل لافت، أكثر من سواها، سوى أن لي حجتي، وهي تخص بصورة رئيسة كتاب باروت السالف الذكر عن ” الجزيرة السورية “، تصوروا أنني حاولت إحصاء المرات التي استعان فيها بهذا الكتاب” في الجزء الأول، ثمة رقم قياسي، إلى جانب المقتبس من المقتبس” أقوال لآخرين منه “، أي قرابة ” 170 مرة “، وفي الثاني ” 100 مرة ” وفي الثالث، أكثر من ” 30 مرة ” . أي سحر تملَّك على حصاف وعيه ونفسه، بخصوص هذا العدد الغريب ؟ ما الذي ينكشف على صعيد لاوعي الكاتب، غير ضعف رأسماله النقدي؟

وربما لا شيء آخر سوى  اعتقاده أنه وجد فيه ضالته، ولكم ضل وأضل بإجرائه .

كتاب باروت لم يبصر النور إلا ليشكل دفاعاً مستميتاً بكامل حمولته الإيديولوجية العروبية والتضليلية وما فيها من تزييف حقائق، وحتى عدم مصداقية الكثير من المصادر، وهو يعمل في ” المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ” في قطر، والذي أصدر الكثير من الكتب عن سوريا، إنما ما يخص كيفية إبقاء سوريا عروبية بكاملها، وذهنية باروت لا تنفصل عن هذه الترسانة الإيديولوجية، وبمزيد من المكر والخبث، وإخراج من المُولِد الجغرافي السوري بلا أي حمّص كردي، وبالكاد تعرَّض له بالنقد، فوراء هذا الكم ليس هناك سوى انطلاء الخدعة، وقد تناولتُ الكتاب ولو بإيجاز في مقال نشِر في صحيفة ” العرب ” اللندنية، بتاريخ ” 3-6-2014، تحت عنوان ” كتاب يستبطن نفياً للوجود الكردي “. سوى أن الباحث الكردي والمقيم في أميركا: محمود عباس، هو أكثر من تناول الكتاب هذا من النواحي كافة، وفي حلقات منشورة، على الأقل في ” ولاتي مه- الحوار المتمدن “، وتحت عنوان ” مصداقية الباحث العربي، محمد جمال باروت مثالاً “، وكان الجزء الأول في ” 11-5-2016 “، وحتى الآن نشر الباحث عباس ” 23 ” جزءاً/ حلقة، ومن يتابع مصادره ومراجعه، في قسم المقابلات والمواقع الالكترونية، يجد أن الحد الأخير هو الشهر الثامن من 2016. يعني ذلك إما أن حصاف كما هو المدوَّن في قائمة المراجع والمصادر” الالكترونية ” خصوصاً، لم يتابع إلا الأقل منها” موقع ولاتي مه، شهد نشاطاً لافتاً في نشر مقالات ذات صلة، مثلاً “، أو أنه تجاهل ما هو منشور في هذه المواقع، واكتفى بما يهمه، وهذا هو المرجح، وهنا يكمن مقتل الشخصية البحثية فيه.

أتوقف عند مثال يأتي باروت في كتابه على ذكره ويخص محمد كرد، إذ إن باروت يستشهد من مذكراته ” ج2، 1948، ص 441 “، ليذهب به إلى مقارعة الكردي بالكردي، كون كرد علي كردياً، وتحدث في مذكرته التفتيتشية الأمنية الطابع ومنذ عام ” 1931 ” عن كيفية مواجهة ” الخطر الكردي ” وتداركه قبل فوات الأمان وللكرد حضور كبير في ” الجزيرة السورية “، وحصاف يستعين به حرفياُ ” ج1، ص 366- 367 “، مكتفياً بعبارة تليق بالمتحزب والشعاراتي بأنه ” خان شعبه ” كسابقه ” ضياء كوك آلب. ص 366 “، وبذلك يعرّي ذاته البحثية وبنيتها الثقافية، إذ كان المطلوب أولاً، وإزاء مقتبس طويل وخطير بمحتواه، الرجوع إلى مصدره وهو متوفر طبعاً،  إلى جانب أقوال أخرى له في هذا الميدان، وثانياً يتعرض له تعرُّض باحث في التاريخ ومفلسفه وليس بعبارة ترتد عليه بطنينها الإيديولوجي، حيث تعرضت له من زوايا مختلفة في كتابي عنه ” ظلال الوجه الآخر: دراسة في شخصية محمد كردي علي، مركز بيشكجي للدراسات الإنسانية، دهوك، 2017، صص101-144″، وما يستدعي الدخول في ” بيت نار ” المثار تأريخياً، جهة الذين يتحدثون باسم نظام لا ضمان تأريخياً له، وهو يمارس دور طاغية الفكر” باروت وغيره ” لحظة تجميل المنطقة التي تخضع لسياسات التمييز العنصرية من قبل الأنظمة التي تقاسمت كردستان وبلقنت الكرد ذاكرة وتأريخاً، باعتبار الجاري قمة المطلوب، كما هو الجاري حتى الآن باعتبار أساليب السلطة التعسفية التي طبقت على أهليها وبتفاوت فظيع، أثمرت: كاليفورنيا الشرق، الوهم الأكبر، والإيديولوجيا الأكثر سفوراً وتلميعاً في الواجهة الإعلامية هنا وهناك، وخفايا اللعبة بصيغ شتى.

في هذا السياق، أشير مثلاً، إلى كتاب آخر، وفي منحى سياسي إيديولوجي صدر بالتزامن مع كتاب باروت ذاك، وعن المركز ذاته، وهو سوري بدوره، أي : عقل سعيد محفوض :” الأكراد واللغة والسياسة : دراسة في البنى اللغوية وسياسات الهوية، 2013 “، كما في الفصل الأول ” الإطار النظري، ص 19، وما بعد “، وبمزيد من اليقظة في الكتابة والإطلاع والمناورة، ولا أظن أنه يُقرَأ بسهولة، جرّاء بنيته التركيبية المدروسة بوعي منتظم، سوى أن مجرد تصفحه، والنظر في لائحة مصادره ومراجعه، يعلمِاننا بحقيقة غاية في الدقة، وهي في سعيه إلى معرفة جل النقاط التي تشغل الكرد حتى في ألفبائهم وتاريخيتها، وخلفيتها، أو فلسفتها: سياسيين وباحثين ومختصين، ولا أدري ما مدى جلَد أو صبر باحثنا حصاف على قراءة كتاب كهذا، أي ليكون على بيّنة مما يكتب وما يمكن أن يكتَب عن كتابه اللاكتاب من قبل كتّاب كهذا!

ما يراد قوله في هذا المسار البحثي، هو تنبّه المثقف العربي صحبة السياسي إلى ما هو جار في حدوثه، وما يتحضَّر له، على أعلى مستوى استراتيجياً .

أي إن هناك مستجدات تأريخية تقرّب مفهوم كردستان من التطبيق جرّاء متحولاتها، وتحديداً في ضوء ما يجري منذ سنوات ساخنة في المنطقة، ولنا فيما يقوله الباحث اللبناني محمد نورالدين، في كتابه: ” تركيا والربيع العربي ” صعود العثمانية الجديدة وسقوطها “، منشورات الريس، بيروت،ط1، 2015 “، القول العبرة ” لم تعد كردستان الكبرى خيالاً، بل باتت واقعاً، وإن متدرجاً… وبعد شمال العراق، ولدت لتركيا مشكلة في شمال سورية، ولطالما رفعت أنقرة الصوت معارِضة تقسيم العراق والفيديرالية الكردية وكل ما يتصل بالشأن الكردي في شمال العراق.ص161. انفجار مجتمعي، عرقي، مذهبي..ص166 “.

مهما كان نوع المتابعة، يبقى تعامله مع مقروئه هشاً، بعيداً عن صفة البحاثة الفعلي. هذا يعيدنا إلى ما قاله البلغاري تودوروف في كتابه : ” الأمل والذاكرة ” خلاصة القرن العشرين “، نقله إلى العربية : نرمين العمري، منشورات العبيكان،الرياض، ط1، 2006 “، وبخصوص القراءة المطلوبة ” إن عمل المؤرخ، شأنه كأي عمل حول الماضي، لا ينحصر فقط بإثبات الوقائع، بل أيضاً باختيار الأبرز منها والتي لها مدلول، ثم بإنشاء الصلة بينها.. ص 175 “.

ما الذي يحفزه على إيراد أكثر من مصدر ومرجع عن ابراهيم هنانو، مثلاً، أما عن حسني الزعيم، فليس هناك من مصدر خاص به، وما أكثر ما قيل فيه؟ بين مؤيد ومعارض وإشكالي ” ينظر حول ذلك، كتاب نذير فنصة: أيام حسني الزعيم” 137 يوماً هزّت سورية “، مؤسسة النوري،دمشق، طبعة جديدة، مراجعة ومزيدة،ط3، 1993، ص 10-83-100، وكتاب فضل الله أبو منصور الوارد ذكره عنده: ” أعاصير دمشق” مذكرات عن خفايا الانقلابات السورية الأربعة، كتبها شاهد عياني أسهم في تخطيط الأعمال الانقلابية وفي تنفيذها، حقائق ووثائق وأسرار لم تنشَر بعد ” ، ص49-76-126..” والذي يتطلب متابعة لمحتواه العميق نظراً لأهميته، وما من شأنه إضاءة الفترة الزمنية العاصفة تلك، و مطيع السمّان: وطن وعسكر” قبل أن تدفن الحقيقة في التراب: مذكرات 28 أيلول 1961- 8 آذار 1963، بيسان، بيروت، ط1، 1995، وما هو إيجابي فيه ، ص 318، وبشكل لافت ما كتبه محمد كرد علي في مذكرته عنه بإعجاب كبير” ج3، ص 905- ج4، ص 1138-ج5، ص 267-268، كما تعرضت إلى ذلك في كتابي عنه: ظلال الوجه الآخر” دراسة في شخصية محمد كرد علي، مركز بيشكجي للدراسات الإنسانية، دهوك، 2017،صص182-183 “…الخ.

في هذا السياق، أشير مثلاً، إلى واقعة يوردها عن جلادت بدرخان في الجزء الأول، وذلك سنة 1938، يقتبسها من كتاب أحد قادة الحزب القومي العربي السري وقتذاك منير الريس: ” الكتاب الذهبي للثورات الوطنية في المشرق العربي ” حرب العراق عام 1941″ ، مطابع ألف باء الأديب، دمشق،1977، وهي أن بدرخان إثر يأسه، كما يظهر من فشل تحقيق المشروع القومي الكردي، حيث كانت خويبون تعيش نزعها الأخير، عبّر عن استعداده لتقديم الدعم العسكري للثورة الفلسطينية الكبرى..” 317 “، وفي كتاب الريس” ص 290-291 “، وهي مفارقة كبرى، لا يجب أخذها بمثل هذه السهولة، فما يقول الريس، مثلاً، في محسن الريس،وتخبيصاته، يدفع بنا إلى التروّي، حال حفيده في التلفيق باروت، عندما يتحدث صاحب الكتاب الذهبي عن محسن البرازي وصلته بالزعيم، في نهاية الأربعينات” كان وما يزال أمين سر جمعية ” خويبون ” التي تريد اقتطاع نصف سورية وثلاثة أرباع العراق، وضمها إلى دولة ” كردستان ” التي يعمل الحزب لقيامها، وأنه فيلسوف الحزب، وواضع شعارات الدولة الكردية، وواضع ” ألف باء ” لكتابة اللغة الكردية التي لم تكتب من قبل..ص396- وكان البرازي وزير الداخلية وحاول النيل العائلي من عائلة المؤلف..ص 441- ثم إبراز ” خطر الحركة الكردية على الوطن العربي ” . ص 471- وإظهار الهجرة الكردية إلى شمال سورية ” لجعل الأكثرية في محافظة الجزيرة- ديار ربيعة- كردية ” ..ص 472- ثم وصف البرازي  الذي يتلاعب بمقدرات سورية والمميز بثقافته الممتازة حتى في الأدب العربي، ووصفه بالمنافق والثعلب الشعوبي..ص 476…الخ”. هل يمكن تصديقه إثر ذلك؟

ضمناً، ماالذي دفع به إلى تغييب اسم علم بحثي وفكري، هو الدكتور أحمد محمود الخليل، كما في كتابه ” سياحة في ذاكرة جبل الكرد” كرد داغ- دار الزمان، 2010 “؟

لماذا يحيل قارئه على روايته الكردية ” حسرة الشعب Derdê gel- 2011 “، ولا يحيل القارىء على كتابات ذائعة الصيت لسليم بركات: مقالات وروايات ومجموعات شعرية؟ وحتى على رواية ” لالش قاسو: ثلاثة أيام بلياليها ” وقد ترجمتها بـ” أيام حسو الثلاثة ” جهة ربطها بالواقع السياسي الكردي؟ والأعمال الروائية لجان دوست…الخ. ما الذي حفّزه لإقصاء أسماء كردية كثيرة لها كتب وكم كبير من المقالات، إن قارناها بكتابات بائسة أوردها في كتابه: ابراهيم يوسف- ابراهيم محمود؟ ما الذي أحال دون ذكر أي مقال أو بحث أو كتاب؟ هل نتحدث هنا عن اللؤم البحثي أو الغل الحزبجي أو توجيهات معينة بذلك؟ ودون نسيان من لهم دور في الفن بمفهومه الإنساني والقومي: مالفا، بهرم حاجو، بشار العيسى، زهير حسيب… وفي الفن الموسيقي والغنائي: حسين توفي، محمد شيخو، جوان حاجو، محمد عزيز ظاظا….الخ، طالما أن الموضوع له صلة بما هو كردي!

ربما هناك إمكان للتذكير بجاك دريدا الفرنسي الراحل، وموضوعة تاريخ الكذب، وكيف أن الذي يمارس الكذب، وفي اعتقاده أنه يقول الحقيقة ليجعل من كذبه، تبعاً للمناسبة، قاعدة انطلاق، وحتى جهاز تحكُّم بمشاعره وأفكاره، وليكون هو نفسه جرّاء انتشائه بمسلكه أنه يشبِك الآخرين: مخاطبيه، ضحية ما يجنيه لسان قوله أو كتابته، وذلك في كتابه : ” تاريخ الكذب، مقدمة، ترجمة وتقديم: رشيد بازي، المركز الثقافي العربي، بيروت، ط1، 2016″، وتحديداً جهة الوهم الذي يتحكم بالناس عموماً، وكيف ينقلب فتنة وكفراً بالذات الفعلية بالتأكيد لاحقاً ” نرجع إلى أوهام العقل لبيكون “، واعتقادهم أن الكفاءة متوافرة لدى ذوي الشهادات العليا ونقد هذا التوجه” ففي ثقافتنا تقترن فكرة الكفاء بالجامعة والكفاءة الجامعيين، فالكل يفترض أن الأساتذة يعرفون ويقولون ما هو حق وبأنهم لا يكذبون. ص 72″ وهو قول يستند إلى عالم الاجتماع والفيلسوفة والمؤرخة الألمانية حنة أرندت في كتابها ” السياسة والحقيقة، ص 323 ” وقولها: بقدر ما ينجح كذّاب في كذبه على الآخرين، بقدر ما يكبر الاحتمال بأن يُصبح هو الآخر ضحية الأكاذيب التي يقدِم هو بنفسه على اختراعها. ص 82 .”.

وحين أشدد على الكذب، فينبغي النظر فيه حين يُتداوَل مكيالاً للكلمات، وسوطاً يصفع، وفي بعض الحالات لغماً ينفجر بأحدهم أو أكثر، وأحياناً أخرى، مخدّراً يخرج قائله عن التاريخ.

إنها لثقافة لا تريد لنفسها انتماء معاصرة، حين يكون الباحث بعيداً عما هو دائر في محيطه الأكاديمي، وما يمكن أن يفيده، أو ما يجب عليه التعرُّف لمصلحته المعرفية والقومية، وأنا أشير إلى عالم الاجتماع التركي اسماعيل بيشكجي” 1939-…” الذي لا يكفُّ عن توجيه النقد إلى الإيديولوجيا الرسمية تلك التي تحتكر الحقيقة، لا بل وتشوهها، طبعاً من قبل الدولة التركية، ومنذ مطلع القرن الماضي إلى هذا اليوم، كما في سلسلته” المنهج العلمي وكيفية اصطناعه في تركيا، ج1، 1976، والمنطلق كتابه: المنهج العلمي” الترجمة الكردية، 2016، وقْف بيشكجي، ستانبول، الذي يرى أن الالتزام به شرط ضروري لأي تفكير علمي، كقوله: إن وجود العلم في مكان موفور حريةً ما، يمكنه أن يستقيم…ثم: على العلم أن يكون مثمراً..ص184- والشرط الأول للعلم، يتمثل في حرية التعبير..ص186″ أحسب أن الباحث حصاف، غير معطي نفسه تلك الحرية المطلوبة ليكون باحثاً حقاً”

إن قراءة كتبه مهمة لكل قارىء كردي، وللمختص بصورة خاصة، والباحث في التاريخ بصورة أخص، حيث ترجم كتاباه الشهيران: كردستان مستعمرة دولة والنظام في شرق الأناضول منذ أكثر من عقدين من الزمن.

مجدداً، أقول هنا: يحتاج وعي حصاف المؤرخ إلى فلترة معرفية، ليكون في مستوى التحديات التاريخية والبحثية والفكرية التي نعيشها.

 

 

بعيداً عن السطو/ السرقة ؟؟؟!!!

لست بمسمّي حصاف تسمية تقلل من قيمته، حيث أعرفه شخصياً إلى حد ما، إنما بيننا الكتاب: الحكَم الفصْل، وفي مقدور القارىء مراجعة المسطور، وذلك من خلال أمثلة هي التي تقرر نوعية التوصيف للكاتب، وإمكان المتابعة:

ما أن تستهل بقراءة الكتاب ” ج1، ص 13 “، وخلال عدة أسطر ” في 23 كانون الأول عام 1920 جرى في باريس التوقيع على المعاهدة الأنكلو- فرنسية التي حددت الأراضي الواقعة تحت حكم انتداب الدولتين العظميين في سوريا والعراق. واعتباراً من هذا التاريخ يبدأ اسمياً كردستان الغربية، وذلك أن الحدود الجديدة ضمت جزءاً من كردستان إلى سوريا.. “، وما أن تطالع كتاب لازاريف : ” المسألة الكردية 1917-1923، ترجمة : عبدي حاجي، دار الرازي، بيروت، 1991″، حتى تعثر حرفياً على هذا المسطور” ص 264 “، مع نقص في المقتبس وتكرار لخطأ لغوي في المنقول”….واعتباراً من هذا التاريخ يبدأ ” تبدأ ” اسمياً كردستان الجنوبية- الغربية ذلك” وليس: وذلك، فالمعنى مختلف ” أن الحدود ضمت جزءاً من الأرضي الكردية إلى سوريا “، أي هناك إساءة إلى عملية النقل أيضاً.

وفي الحديث عن معاهدة ” سيفر 10 آب 1920 ، ج1، ص 40 “، ثمة غياب الدقة وتنسيب القول، فمن جهة: القول منسوب إلى لازاريف في مكانه الصحيح، وفي النسبة مع عبارة تالية ” كان قد أعد لها كل شيء مسبقاً في سان ريمو”، وهذه العبارة أساساً لسبيرانسكي، استشهد بها لازاريف في مصدره، فوحَّدهما حصاف معاً، والخطأ في النقل ” وقعت معاهدة الصلح مع تركيا في ضاحية سيفر…”، وفي المقطع الثاني من الصفحة ” ولم تلعب المسألة الكردية أي دور ملحوظ أثناء عملية التحضير المباشر لإبرام معاهدة سيفر حيث تقرَّر كل شيء مسبقاً في سان ريمو..”. هل من داع للتوضيح ؟

في نقطة ثالثة، صحيح أن حصاف يشير إلى المقاومة الكردية للمحتل الفرنسي، وضمناً ابراهيم هنانو”ج1، ص 121-122″، إلا أن الأمانة كانت تقتضي لزوم الإشارة إلى لازاريف في مصدره نفسه، وكيف جابه الكرد الفرنسيين، ومنهم هنانو ” ص252-252 ..”.

يتحدث حصاف عن مواد متعلقة بمعاهدة ” سيفر” وهي مشهورة ” 62-63-64 “، سوى أنه يحيل القارىء إلى كتابه ” ج1، ص 43 ” وفي هامشين، بينما المواد موجودة في كتاب لازاريف السالف الذكر ” ص 205 “، أو في ” تاريخ كوردستان ” للازاريف وآخرين، ترجمة: عبدي حاجي، سبيريز، دهوك، 2006، ص196 “، إلا أن شريكاً منافساً- ربما- يدخل على الخط بمصدر المواد هذه أيضاً، وحرفياً، وله ذكر في كتاب حصاف،إنما ليس هنا، أي كتاب بله ج شيركوه” القضية الكردية: ماضي الكرد وحاضرهم، آراس، ط2، 2011 ، ص87-88″، رغم أنه يشير إلى مصدرين أجنبيين، ولكن مثال شيركوه أكثر حظوظاً للأخذ به، رغم أن هناك ثلاث إحالات، وطويلة، على كتاب شيركوه” ص39-40 ” ولدى الآخر” ص 89-90 “. وأرى أن حصاف استفاد من هذا الكتاب كثيراً بصيغ شتى.

في الجزء نفسه، وهو يتحدث عن ” خويبون، صص289-310 ” كان الأَولى عليه أن يشير إلى مكانة كتاب شيركو السالف ذكره حول ذلك ” صص 105-107 “، لأن مستهل هذا البحث يخص بحث شيركوه، إلى جانب أن حصاف حين يحيل قارئه في الهامش الرابع ” ص 291 “، إلى مقدمة للباحث الدكتور نجاتي عبدالله لكتاب شيركوه هذا، ثمة توضيح لخويبون نشأة وعلاقات ” ص15 في المقدمة، و105-106في المتن “، وثمة نقص في النقل ” في تشرين الأول 1927….في 5 تشرين الأول أول ؟ مؤتمر لهم؟ …”، بينما في المصدر، ثمة ما يمهّد ويضيء الطريق إليه” وفي تشرين الأول 1927…في تشرين الأول من نفس السنة أول مؤتمر لهم في لبنان .”.

وبصدد حادثة بياندور ، وليس حادثة بياندور، لأنها كانت الفتيل المفجّر للمنطقة، ثمة إساءة إلى المصدر، فهو يحيل إلى مؤلف كتاب ” سلاطين هفيركان ، صص 166- 171 “، بينما هناك تحديد، وبين فارزتين في كتاب جبو” ص 170″، ويربط بين جكرخوين وبعض أقواله في مذكراته، والقائد الفرنسي هوتزنجر، أي كون جكرخوين اعتمد الكتاب الكتاب الذهبي لهوتزنجر، بينما الإشارة إلى الفرنسي في الصفحة السابقة، وفي مصدر آخر، وفي الهامش الثاني” أي ص 169 “.إلى جانب وجود تهميش كبير لكتابة جبو حول هذه الحادثة، رغم أهميتها، وهذا يطرح أكثر من سؤال عن خلفية هذا المسلك ” البحثي ” أو جانب التجاهل في ذلك، ضمناً، تكون ” معركة كَري توبي ، ص 177 ” في سياق حادثة بياندور، وكما تعرَّض لها جبو” ص 167″ ، غير أن حصاف تجاهلها كلياً” ص 177 “.

البند الخامس من قرارات” برنامج ” خويبون عند حصاف ” ج1، ص 308 “يرد البند دون ذكر رقم الصفحة في الهامش، وفي كتاب شيركوه “ص 106 “، وثمة نقص/ خطأ/ سهو في النقل ” وعد: وعدم “.

في الهامش الأول من الجزء الأول ” ص 38 ” يأتي على ذكر كتاب برنارد لويس ” ظهور تركيا الحديثة ” بالانكليزية، دون التذكير برقم الصفحة، رغم أن المقتبس بين فارزتين، وفي الهامش الأول ” ص 42 ” في الجزء نفسه، يرد المصدر بالعربية، أي مترجماً. ماذا يمكن أن يقال هنا؟

 

خلل المتن والهامش :

وثمة نقطة أخرى، وهي تكرار التعريفات في المتن والهامش بشخصيات، ليس لها أي معنى، مثلاً، عن أديب الشيشكلي، في الجزء الثاني، في المتن” صص 38-44″،  وفي الهامش” 1″ من الصفحة ” 95 “، إلى جانب أنه في المرة الأولى يشير إلى القاتل شبه المجهول للشيشكلي” الظن بأنه درزي، ص 39 “، بينما القاتل معروف، كما يذكر باتريك سيل في كتابه الشهير باتريك سيل: ” الصراع على سورية” ” دراسة للسياسة العربية بعد الحرب 1945-1958 “، ترجمة: سمير عبده- محمود فلاحة، دار طلاس، دمشق، ط7، 1996 ” ، بقوله ” اغتيل الشيشكلي بإطلاق النار عليه ومات قرب مزرعته في سيريس في مقاطعة جوباس في البرازيل يوم 27 أيلول 1964 وهو في الخامسة والخمسين من عمره ويعيش في البرازيل منذ 1960، وعرف عن أن قاتله درزي ويسمى نواف الغزالي، ويظن أن دافعه إلى القتل كان الانتقام لعمليات القمع التي قام بها الشيشكلي في جبل الدروز قبل عشر سنوات.ص197.”، ولعل سؤالاً آخر هنا يطرح نفسه وهو: كيف تم تجاهل كتاب كهذا في عموم أجزاء كتابه؟

ويرد اسم رشيد حمو، في الهامش الثالث، من الجزء الثاني أيضاً” ص 104 ” وفي المتن ” صص156-159″، وكذلك جكرخوين، في الهامش الثاني” صص 105-106 ” وفي المتن” صص136-138″، وهلال خلف، في الهامش الأول ” ص 111″، وفي المتن ” ص160 “، رغم أن هناك ربطاً بجانب روائي،وفي الجزء الثالث، الهامش الأول”ص65″، وعبدالحميد السراج، في الجزء الثاني، في المتن” صص 179-184″ وفي هامش الحديث عنه بالذات” ص183″، وعثمان صبري، في الجزء الثالث، في الهامش الثاني” صص 43-44″، والهامش الثاني ” ص159″…الخ.

 

سؤال لا يفوَّت :

يعرَف عن حصاف أنه خرّيج الاتحاد السوفيتي، وقد أمضى هناك سنوات طوالاً، فكيف لا نعثر في قائمة مراجعه ومصادره كتباً أو مقالات، إلا ما هو معدود على أصابع اليد” مصدر وحيد في الجزء الأول، وثلاثة مصادر في الثالث “؟ أما كان ينبغي إيراد لائحة كبيرة منها والروسية لغة حية ومتفاعلة مع الأحداث كثيرة؟ أكثر من ذلك، كيف يمكن تقييم هذا الإجراء، حين نجده يستعين بكتب روسية ” للازاريف ” وهي مترجمة إلى العربية ” وغيرها طبعاً، وليس لأنها مقروءة بالروسية؟ أليس في ذلك ما يدفع إلى التساؤل عن حقيقة ما يجري على مستوى القراءة ومفهوم الكتابة والبحثية فيها بدقة ؟

 

ضياع الطاسة بين الزعامات التقليدية والفئات الجديدة :

أريد أن أنوّه إلى نقطة هنا، مكررة لدى حصاف، حين يوجّه تأريخ كردستان سوريا في ممر ضيق بين مشدّ حزبي وآخر، وتحديداً، حين يريد لفت نظر قارئه إلى عجز الزعامات التقليدية ” عن إشعال ثورة كردية قوية بأساليبها . ج1، ص 309-ج2، ص 121″، وما يمكن القول في هذا السياق بالسؤال التالي: هل تمكنت قياداته العصرية من السير بالركْب الكردستاني السوري في الطريق المنشود؟ ومن خلال رموزه الذين لا ينفك يستشهد بهم، لا بل ويطنب في الاقتباس من كتاباتهم، ممن يشكّلون ” بيضة القبّان ” لديه. تُرى، كيف نسمّي تعدّيه لحدود الـ” 1975 “، في الفصل الثامن في الجزء الثالث” الانشقاقات داخل الأحزاب الكردية في سوريا عام 1975 “، ولو بشكل خاتمة، حيث تكون الخاتمة مناحة يسارية كردية أكثر من سواها “، وخصوصاً في حديثه عن ” الصراع داخل اليسار بعد وفاة عصمت سيدا عام 1989 “، أكانت الزعامات التقليدية وراء هذا الصراع، أم أن اليسار نفسه دشَّن رموزاً أرادوا أن يثبتوا أنهم لا يقلّون قدرة في مصادرة بعضهم بعضاً ” دِيكياً “؟ أي لا تعود الزعاماتية مجرد تسمية يمين أو يسار، وإنما جوهر الفكرة والإرادة.

تُرى، كيف بدأ تأريخ كردستان سوريا المعاصر وأين توقف، وإلى أين يتجه، في ضوء الراهن؟ من المعاصرة وحداثتها اليساروية ” ودون أن أمدح اليمين بالمفهوم المبتذل واقعاً “، إلى المعصرة اليساروية وبؤس شعاراتها؟ على الأقل وأنا أذكّر بوجاهة البيت الشعري لنزار قباني هنا، ونباهة المضمون :

لا يمينٌ يجيرنا ولا يسارٌ    تحت حدّ السكّين نحن سواء

هل كان حزب حصاف؟ كما يُسمّيه ” البارتي الطليعي الكردستاني- سوريا ، الثاني من أيلول 2011 “، الثمرة المثلى لليسارية الثورية الكردية، أم إيهاماً وليس إيحاءاً إلى أنه طالما أن هناك انشقاقات، واختلاق أحزاب أو ما يسبهها، وبشعارات طنّانة، فهذا يعني أن هناك كردستان بخير؟ تُرى ما منتَج حصاف من كل ما تقدَّم؟

ربما كان أفصح ما يمكن التعرف إليه وتعريته بعيداً عن الدخول في مزايدات حزبوية تُعدِم كل معنى للحزب حقيقةً، هو المتلمس في بؤس ما أودعه من معلومات في كتابه ” المكرّش ” هذا.

وهنا كان من المفترض ألا يتخذ حصاف موطأ قدم بحثياً له على أرض تأريخ زلقة بلعبة اصطفافية أو محسوباتية، كما هو المستقرَأ في كتابه إجمالاً، إنما أن يتحرى المكوّن التأريخي والسياسي والثقافي والنفسي للكرد عموماً، وفي كردستان سوريا خصوصاً، واصطفافاتهم خارجاً وداخلاً حتى الآن بعيداً عن التشهير أو  التوقير، كما ورد، مثلاً، في إشارة من المؤرخ الكردي شاكر محو، إلى مدى تأثير الانشقاق في الحزب الديمقراطي الكوردستاني” العراق ” عام 1964، على وضع الحزب الديمقراطي الكوردي في سوريا، وانشق الحزب إلى مجموعتين…عام 1965″، كما ورد عن ذلك في ” تاريخ كوردستان ” السالف الذكر، ص 336 “، فهذا التأثير القاعي البعيد المدى يمكن تتبعه في جهات شتى.

والمؤكّد لما تقدم، هو أن القائمة الطويلة- نسبياً- من سيرته ” العلمية ” في نهاية كل كتاب/ جزء، وليس في نهاية الجزء الأخير، لا تعدو أن تكون فقاعة، فهي عبارة عن عراضة مدا~حية للذات وعائلته، كما هو التعريف التحزبي، وسردية طويلة عن نشاطاته التحزبية، وهذا ليس له من صلة بالمادة البحثية، إذ ثمة كتاب يتيم يرد في اللائحة الطويلة هي الأخرى لكتابه، ومقالات منشورات هنا وهناك” في مجلة الأكاديمية الكردية- أربيل خاصة “، وما عدا ذلك ليس سوى التباهي بمنصبه الأكاديمي المهيكل، خصوصاً حين يشير إلى أنه قدِم إلى الإقليم خدمة لشعبه وقضيته العادلة، وهذا كلام لا يؤخَذ به إلا باعتبارها استمراراً لنزعة العراضة التحزبية إجمالاً، ولو أنني جاريته” وخلال فترة وجودي في إقليم كردستان، منذ مطلع آذار 2013 تحديداً، حيث صدر أكثر من دزينة كتب في الإقليم نفسه، والعديد من المقالات في مجلة ” الأكاديمية ” ذاتها ” وأنا أورد أسماء ما نشرت من مقالات ودراسات في مواقع الكترونية وغيرها، لاحتجت إلى دزينة أوراق لملئها.

في الصفحة الأخيرة ” 20 ” من تقديمه لكتابه: الجزءالأول، يصف عمله الأكاديمي بـ” المتواضع ” تعبيراً عن التواضع طبعاً، لأنه بعد سطر يقول” ويشكّل رافداً مهماً وإسهاماً في إثراء المكتبة الكردية عموماً وفي هذا الجزء خصوصا..”، ولعل الذي أقول فيه هو أنه ما دون التواضع بكثير معرفياً، كما هو العنوان الذي وضعتُ، ورهاني أن الذين يمتلكون إرادة متبصرة بحقيقة المعرفة الجادة سوف ينبهرون لحجمه، ويتملكهم سخط عند الانتهاء من قراءته مع عبارة:

أهذا هو العمل الأكاديمي، لأستاذ جامعي وبروفيسور أيضاً؟

دهوك، في 9-9/ 2017

ملاحظة على الهامش:

يحتوي كتاب الدكتور حصاف جملة من الأخطاء والتعابير غير الدقيقة، أي ما ليس له صلة بالسهو،  إنما بالمقدرة اللغوية وفطنة التعبير سلامته في الكتابة، لهذا آمل تدارك ذلك لاحقاً.

 


شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…