عندما يغازل السارين غاز الخردل و روحه

آزاد عنز
انتشر  كثيفاً في الفراغ المسترخي على يقينه ، لا هواء يلجمه ، لا هواء يستيقظ من نعاسه ليورث الرئات حياةً ، لا حائط يردّ الهواء ليبقي صدى الموت بعيداً من هنا ، لم يستضف أحد ذاك الموت الهائج إلّا رئات خاوية ، موت زاحف ، سارينٌ زاحف يتسلل خلسة مع نعمة الهواء الجليل ، غازٌ  لا يفقه شيء من نعمة الوجود و الحياة إلّا القبض على أرواح تحمل على خاصرتها رئات خاوية ، سارينٌ ينفث الموت على الأرض السورية من آلة الضجر و الموت ، أرضٌ مستباحة فتحت الأبواب على مصراعيها لتحتضن الموت بمختلف أشكاله و أحجامه 
لا مهرب من موت يقذفه السارين من رئته إلى رئات سورية خاوية تنتظر الموت بصبر  ، لم تلجمك إلّا رئات سورية على الرقعة السورية أيها السارين فالسارين لا يحيا إلّا في الرئات متى قام بخنق الهواء و إلزامه عن الرجوع في أداء المهام الموكلة إليه ، لا تخف أيها السارين أيها الغاز  السكران رائحتك لن تملأ إلّا رئات سورية تنتظرك على أرض الويلات ، أرض الحسابات الكبرى و أرض المفاوضات الكبرى ، لم يكن صادقاً معك أحد أيها السوريّ إلا غاز السارين وعدك بالهلاك فقبض على رئتك بيده اليمنى و قام بخنقها بعد أن قام بجفّ الهواء المحاصر  بين جدرانها و ركله بعيداً من هنا ، مجابهات متتالية تعاقبت على الرقعة السورية الجريحة المليئة بالدماء ، أنهار دماء تسيل ، شلالات دماء تهرول و تجرّ الأخرى بحبال دمٍ و جثث تطفو فوق دمائها لتقذفها الدماء إلى منفاها الأخير ، جثث منتفخة يسيل لعابها من بين شفتيها و أجساد لم يفلح الهواء في إبقائها حية و إسعافها بل و إنقاذها من هبوب السارين الأحمق ، و في الضفة المقابلة من نهر دجلة العظيم النهر الذي يجرّ مأساة الكُرد من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب ، على تراب حلبجة في جنوب كُردستان الكبرى أو  الجزء الملحق بالأرض العراقية جُهزت عدّة الموت على عجل و وضِع الهواء الفاسد في أنابيب مخصصة لخنق الرئات الكُردية المليئة بالهواء ، أنابيب حُملت على ظهر صاروخٍ واحد و أُسقطت من الأعلى لترتد على أرض حلبجة، صاروخٌ واحد لا غير كان كفيل بنثر الخردل و غازه و روحه على هذه التراب ليصبح قاحلاً ، أرض كُردستان تُباد و تُختنَق ، ماء كُردستان يباد و يُختنَق ، هواء كُردستان يباد و يُختنَق ، ترابه و ماءه و هواءه و دوابه و نباته و أشجاره و أحجاره و رئاته و قصباته و شرايينه شربوا الخردل حتى الثمالة ، نظامٌ لم و لن يتوانى أبداً عن نفث الموت من روح الخردل ليملأ بها رئات الأكراد ، غازٌ  فاسد حلّق في سماء الكُرد ليغطي الغلاف و ما دون الغلاف بموت قادم لن يتردد مطلقاً في خنق أرواح و قذفها إلى هلاك منتظر  ، خردلٌ فاسد عُدّل مؤخراً في أقبية النظام العراقي بعد أن رش عليه قطرات من رائحة التفاح ليكون مصيدة كي لا تفر رئة من العقاب ، رئات تسارعن إلى تنفس الصعداء من الهواء في زحمة الخردل المهرول على تراب حلبجة ، غازٌ خردلٌ جُهز على عجل و دفن في بطن غراب أسود فلم يتردد الغراب في إجهاضه من الجو ليرتد على تراب كُردستان بعد أن اتخذ من نكهة التفاح غطاءً .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

نص: حفيظ عبدالرحمن

ترجمة عن الكردية: فواز عبدي

 

جاري الافتراضي كئيب

جاري الافتراضي حزين

جاري الافتراضي يحلب اليأس

يحتسي الوحدة

يبيع الحِكَمَ المكوية برعشة الآلام

بثمن بخس.

 

من نافذة صفحتي

أرى

مكتبه

صالونه

غرفة نومه

مطبخه، شرفته، حديقته

ومقبرة عائلته.

من خلال خربشات أسطره

أقرأ طنين النحل

في أعشاش عقله.

 

جاري الافتراضي

يكتب على جدار صفحته

كلمات مثقوبة بالألم

محفورة بمسامير التنهدات

يمسحها

ثم يعيد…

مروة بريم
لم يسبق لي قطُّ أنْ رأيتُ الجزيرة، تكوَّنت صورتها في ذهني، من قُصاصات مطبوعة في المناهج المدرسية، وما كانت تتداوله وسائل الإعلام. عَلِقت في ذهني صورة سيدات باسقات كأشجار الحَور، يأوينَ إلى المواقد في الأشتية القارسة، تشتبكُ القصصُ المحلّقة من حناجرهنَّ، مع صنانير الصّوف وهنَّ يحكنَ مفارش أنيقة، وفي الصَّيف يتحوَّلن لمقاتلات…

شيرين اوسي

عندما تكون في الشارع وتحمل في احشاءها طفلها الاول

تتحدث عنه كأنها تتحدث عن شخص بالغ

عن ملاك تتحسسه كل ثانية وتبتسم

يطفئ نور عينها وهي تتمنى ضمه

تقضي في حادثة اطلاق نار

رصاصة طائشة نتيجة الفوضى التي تعم المدينة تنهي الحلم

تموت وهي تحضن طفلها في احشاءها

ام مع وقف التنفيذ

تتحسس بطنها

ثم تتوسل لطبيب المعالج

ساعدني لااريد فقد كامل…

إبراهيم محمود

البحث عن أول السطر

السرد حركة ودالة حركة، لكنها حركة تنفي نفسها في لعبة الكتابة، إن أريدَ لها أن تكون لسانَ حال نصّ أدبي، ليكون هناك شعور عميق، شعور موصول بموضوعه، بأن الذي يتشكل به كلاماً ليس كأي كلام، بالنسبة للمتكلم أو الكاتب، لغة ليست كهذي التي نتحدث أو نكتب بها، لتكتسب قيمة تؤهلها لأن…