أحلامُ الشاعرة آمال عوّاد رضوان ورديّة لكنّها مُنفعلة!

 وجدًّان عبدالعزيز
تسعى الشاعرةُ آمال عوّاد رضوان في أكثرِ كتاباتهِا إلى خلقِ حالةٍ مِن التعلّقِ بالذات، لكن يحدثُ هذا في مختبرِ كتاباتِها الشعريّة بانفتاح، نحوَ تَطوُّرِ ونُموِّ العاطفة، وخلقِ نموذجٍ اجتماعيّ، أي أنّها تنفتحُ مِن الذاتيّ إلى الموضوعيّ، بمتحٍ مِن نهرِ الحُبِّ والجَمال. 
إذن؛ حالة التعلّق لها صلة بالجانب الانفعاليّ والاجتماعيّ لشخصيّةِ الإنسان وعلاقاته الاجتماعيّة المتبادلة مع الآخرين، وبالمقابل تُعتبرُ الأساليبُ المعرفيّةُ الطريقةَ الأكثرَ تفضيلًا لدى الفرد، من أجلِ ممارسة أنشطته المعرفيّة كالتّفكير والتخيّل، والطرق التي يتناول بها حلّ مشكلاته واتّخاذ قراراته، وشاعرتنا آمال عوّاد رضوان كان أكثر الأحيان تعلّقها تأمّليًّا في اختصارِ المسافاتِ بينَها وبين الآخر، فتقول الشاعرة :
هَا رُوحِي
تَغْسِلِينَهَا .. بِأَحْلَامِكِ الْوَرْدِيَّةِ
وَمَغَاوِرُ خَيْبَتِي .. تَطْفَحُ
بِغُرْبَةٍ.. بِرُعْبٍ.. بِفَرَاغٍ!
أَنَا الْمَلْهُوفُ لِرَصَاصَةِ حُبٍّ
يُشَنِّجُنِي دَوِيُّهَا
أَنَّى لِي أَتَّكِئُ.. عَلَى جَنَاحِ فَرَاشَة؟
من العنونةِ نبدأ مَسارَ البحثِ المُضني عن المعنى المخبوءِ بينَ الكلمات، فعنونةُ القصيدةِ تقول: (مَــنْ يُـدَحْـرِجُ ..عَـنْ قَـلْـبِـي .. الضّجر)، بدأتْ باستفهامٍ وتساؤلٍ عمّن يمدُّ لها يدَ العوْنِ في محنةِ الضّجر، وهنا صوتٌ ذاتيٌّ يُطالبُ مَجهولَا ما بالخلاص، فمن اسم لِمَن يصلُح أن يُخاطب وهو مُبهم غير مُتمكّن، وهو في اللفظ واحدٌ، ويكونُ في معنى الجماعة، فمَن يُحرّكُ عنّي هذا الضّجر؟ ثمّ تؤوبُ لذاتِها لروحِها:       (هَا رُوحِي/ تَغْسِلِينَهَا.. بِأَحْلَامِكِ الْوَرْدِيَّةِ/ وَمَغَاوِرُ خَيْبَتِي.. تَطْفَحُ/ بِغُرْبَةٍ.. بِرُعْبٍ.. بِفَرَاغٍ!) .. 
وهناك انفعالٌ يُصاحبُها (أَنَا الْمَلْهُوفُ لِرَصَاصَةِ حُبٍّ)، وعلّةُ ذلك جفافُ العلاقاتِ الاجتماعيّة بدليلِ قوْلِها : (أَنَّى لِي أَتَّكِئُ.. عَلَى جَنَاحِ فَرَاشَة؟)، فهي منفعلةٌ رغمَ أنّ خطابَها تضمّنَ كلمة (حب)، فالحبّ يعني الرقة، والوئام، والجمال، والحنان، لكن جاءتْ مقرونةً بكلمةِ (رصاصة)، لذا تساءلتْ عن كيفيّةِ الاتّكاء على جناحِ فراشةٍ، وهي تحملُ هذا الانفعال، ومِن ضمنِ مُعاناتها أن تكونَ مصلوبةً (عَلَى شِفَاهِ سَحَابٍ دَمَوِيٍّ .. يَتَرَبَّصُ بِي؟)؟ 
حاولت الجمعَ بين شتات الاشياءِ بينَ الفراشةِ والسحاب، وبين الرصاص والدم، وهذا الأمرُ فيهِ خواطرُ مِن حالاتِ عدمِ الاستقرار والقلقلة، ونحن قد نقول إنّ هناك مُسبّبات أو ضغوطات نفسيّة، ومن هنا راحت الشاعرة آمال عوّاد رضوان تفرغ ما في داخل ذاتها، وقد تكون متأثّرة من تراكمات نفسيّة داخليّة وأخرى اجتماعيّة، أظهرت احتقانًا نفسيًّا داخليًّا، والذي ربّما ينعكس حيرةً وقلقًا وتوتّرًا وتقلّبًا في المزاج..
إذن؛ التعبير عن النفس وعن الذات في اللحظة في حدود الذوق، وما هو مقبول يعتبر أمرًا علاجيّا جيدًا، ثم تدعو إلى البوح كنافذة أخرى، تتنفّس من خلالها صعداء العشق، كما سمّتها الشاعرة نفسها، والظاهر تصريحات القصيدة في بعض الكلمات، هناك صراعات داخليّة وخارجيّة، بدلالة تعدّد الأصوات في القصيدة، تقول الشاعرة آمال عوّاد رضوان:
أَيَا مَعْصِيَتِي الْمُبَارَكَةُ
رُحْمَاكِ
أَطْفِئِي يَأْسِي.. بِنُورِكِ الْمُقَدَّسِ
لِأَظَلَّ أَجْمَعُ ظِلَالَكِ
أُلَمْلِمُ رَعَشَاتِ ضَوْئِكِ
لِأَسْتَظِلَّ بِقَدَرِي!
أَعِدِّي مَائِدَةَ الْحُبِّ.. لِثِمَارِ حَنَانِي
اِخْلَعِي عَنِّي مَنْفَايَ
وَأَلْبِسِينِي وَجْهَكِ
لِأَنْضُجَ .. بِحَنَانِكِ
نحن أمام تعدّد في الأصوات، رغم أنّها خالية من الحوار، إلّا أنّها تظهر صور حواريّة. يقول الأستاذ د. أحمد العزي صغير: مصطلح (بوليفونيـة Polyphonie:) أحد المصطلحات الموسيقيّة يتكوّن من كلمتين: كلمة فون Phone وتعني صوت وكلمة بولي Poly تعني تعدّد، وقد استعار النقّاد المعاصرون هذا المصطلح لاستعماله في الحقل الروائيّ، ونحن نحاول في هذه الدراسة توسيع مجال استخدامه وتطبيقه على النصّ الشعريّ، بوصفه خطابًا أدبيًّا ذا طابع سرديّ، لاستقصاء وفحص ظاهرة تعبيريّة وفنّيّة، كشفت عنها مسيرة الشعر العربيّ الحديث الذي انفتح على الأنواع الأدبيّة الأخرى، وأخذ ينهل من فضاءاتها بما يتلاءم وخصوصيّته الشعريّة، انطلاقًا من اعتقادنا أنّ النّصّ الشعريّ على الرغم من هيمنة الرؤية الأحاديّة فيه، إلّا أنّه يظلّ محتفظًا بالتعدّديّة، شأنه شأن الخطاب الأدبيّ عمومًا، الذي لا يشير إلى صوت قائله أو وجهة نظره فحسب، بل يشير إلى صوت الآخر)، وفي المقطع الشعريّ أعلاه يظهر صوت الشاعرة ممزوجًا بصوت آخر، كونه قناع يتخفّى وراءه المعنى، وهذه مظاهر فنّيّة وأسلوبيّة تعكس قدرة الشاعرة على التخفّي، والعلّة هو التعبير عن الذات بحُرّيّة، فأيّ معصية التي تخاطبها الشاعرة وتطلب الرحمة منها، ثمّ تكون على مائدة الحبّ، لتحسّ بالأمان وتخلع آثار المنفى والغربة؟ 
هذا صراع تعانيه الشاعرة وتترجمه من خلال قصيدتها، وهكذا خاطبت اللعنة والبرد بحرقة، والعزاء الوحيد لها ان هناك (عُيُونُ الْمَلَائِكَةِ .. تَسْتَفِيضُ رَحْمَةً)..
    
مَــنْ يُـدَحْـرِجُ ..عَـنْ قَـلْـبِـي .. الضّجر/ آمال عوّاد رضوان
هَا رُوحِي 
تَغْسِلِينَهَا .. بِأَحْلَامِكِ الْوَرْدِيَّةِ
وَمَغَاوِرُ خَيْبَتِي .. تَطْفَحُ 
بِغُرْبَةٍ.. بِرُعْبٍ.. بِفَرَاغٍ!
أَنَا الْمَلْهُوفُ لِرَصَاصَةِ حُبٍّ
يُشَنِّجُنِي دَوِيُّهَا
أَنَّى لِي أَتَّكِئُ.. عَلَى جَنَاحِ فَرَاشَة؟
لَــعْــنَــةٌ رَشِــيــقَـــةٌ 
تُـــهَـــادِنُـــنِـــي .. تُـنَــاوِرُنِــي 
أَتَــصْــلِــبُــنِــي 
عَلَى شِفَاهِ سَحَابٍ دَمَوِيٍّ .. يَتَرَبَّصُ بِي؟
أَيَــا صُــعَــدَاءَ عِــشْــقِــي 
بَوْحِي.. وَرْدٌ جَرِيحٌ 
عَلَى سِيَاجِ رَبِيعِكِ
لَا يَحُدُّهُ نَزْفٌ
وَلَا يَلُفُّهُ وَدْعٌ .. وَلَا حَتْفٌ!
وَأَنْتِ وَدْعِي وقَدَري! 
أَنْتِ وَدَعِي وَسَكَنِي!
كَنُبُوءَةٍ وَادِعَةٍ .. فِي تَمَامِ الْأَزْمِنَةِ
تَـبْعَثِينَني شَهْوَةً .. فِي لُغَتِكِ الْيَانِعَةِ!
***
أَيَا مَعْصِيَتِي الْمُبَارَكَةُ 
رُحْمَاكِ
أَطْفِئِي يَأْسِي.. بِنُورِكِ الْمُقَدَّسِ
لِأَظَلَّ أَجْمَعُ ظِلَالَكِ
أُلَمْلِمُ رَعَشَاتِ ضَوْئِكِ
لِأَسْتَظِلَّ بِقَدَرِي!
أَعِدِّي مَائِدَةَ الْحُبِّ.. لِثِمَارِ حَنَانِي
اِخْلَعِي عَنِّي مَنْفَايَ 
وَأَلْبِسِينِي وَجْهَكِ 
لِأَنْضُجَ .. بِحَنَانِكِ 
لِمَ أَتَكَدَّسُ .. فِي مِرْآةِ جَبَرُوتِكِ
وَالْبَرْدُ يَحْطُبُ لَيْلِيَ 
بِالْمَرَاثِي وعَـتْـمَـتِـكِ؟
هَا صَبَاحِي ذَابِلٌ 
يَهُشُّ أَنِينَ لَيْلِي .. بِزَفَرَاتِكِ
أُلَامِسُ قَلْبَ السَّمَاءِ 
وحَــــيْــــثُــــنَـــا
عُيُونُ الْمَلَائِكَةِ .. تَسْتَفِيضُ رَحْمَةً
وَأَتَحَرَّقُ عَارِيًا
إلَّا .. مِنْ هُشَاشَةِ رَجَاء!
بِوَحْشَةِ ضَوْئِكِ الْفَائِرِ 
أَرْسمُنَا .. دَوَائِرَ تَتَحَالَقُ 
وَ.. أُحَلِّقُ حُرْقَةً
أَ~ تَـــ~لَــــ~وَّ~ى
أَ ~ تَـــ~ لَــ~ وَّ~ عُ
فِي قَفَصِ النِّسْيَانِ! 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عصمت شاهين الدوسكي

 

ربما هناك ما یرھب الشاعر عندما یكون شعره تحت مجھر الناقد وھذا لیس بالأمر الحقیقي ، فالشاعر یكتب القصیدة وينتهي منھا لیتحول إلى تجربة جدیدة ،حتى لو تصدى لھ ناقد وبرز لھ الایجابیات وأشار إلى السلبیات إن وجدت ، فلیس هناك غرابة ، فالتحلیل والتأویل یصب في أساس الواقع الشعري ،وكلما كتب الشاعر…

فيان دلي

 

أرحْتُ رأسي عندَ عُنقِ السماءْ،

أصغيْتُ لأنفاسِ المساءْ،

بحثْتُ فيها عن عُودٍ ثقاب،

عن فتيلٍ يُشعلُ جمرةَ فؤادي،

ناري الحبيسةَ خلفَ جدرانِ الجليد.

 

* * *

 

فوجدْتُه،

وجدْتُه يوقظُ ركودَ النظرةِ،

ويفكّكُ حيرةَ الفكرةِ.

وجدْتُه في سحابةٍ ملتهبةٍ،

متوهّجةٍ بغضبٍ قديم،

أحيَتْ غمامةَ فكري،

تلك التي أثقلَتْ كاهلَ الباطنِ،

وأغرقَتْ سماءَ مسائي

بعبءِ المعنى.

 

* * *

 

مساءٌ وسماء:

شراعٌ يترنّحُ،

بينَ ميمٍ وسين.

ميمُ المرسى، عشبٌ للتأمّلِ وبابٌ للخيال

سينُ السموّ، بذرةٌ للوحي…

ربحـان رمضان

بسعادة لاتوصف استلمت هدية رائعة أرسلها إلي الكاتب سمكو عمر العلي من كردستان العراق مع صديقي الدكتور صبري آميدي أسماه ” حلم الأمل ” .

قراته فتداخلت في نفسي ذكريات الاعتقال في غياهب معتقلات النظام البائد الذي كان يحكمه المقبور حافظ أسد .. نظام القمع والارهاب والعنصرية البغيضة حيث أنه كتب عن مجريات اعتقاله في…

ادريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…