التاريخ والخيال في «حزن الأميرة الميتانية»

برلين: إبراهيم اليوسف
 
صدرت عن دار «أوراق – القاهرة»، رواية جديدة للكاتب الكردي السوري جان كورد، وهي بعنوان «حزن الأميرة الميتانية دوتي خيبا» في 436 صفحة من القطع المتوسط. وتغطي الرواية أحداثاً مهمة ومساحات تاريخية وجغرافية واسعة، إذ تبدأ من خلال قيام أحد أبطالها وهو «لاوي هوري» ومرافقه المحارب برحلة البحث عن حفيد الملك الميتاني، منطلقين من العاصمة «واشوكاني» وهي سري كانيي – أو رأس العين في سوريا الحالية، متوجهين صوب مصر، وذلك بتكليف من ملك ميتان الذي علم بقيام نفرتيتي زوجة أخناتون بتبديل حفيده بطفلة، آمرة بإلقاء هذا الطفل في عرض البحر، إلا أن ذلك الشخص المكلف بالمهمة لا ينفذها، بل يأخذ الطفل إلى أحد أماكن مكاتب دفن الموتى بالقرب من طيبة.
 ومن المعروف أنه قد تمت المصاهرة بين فرعون مصر وملك الميتانيين درءاً لأي صراع عسكري، وكانت الضحية ابنة الملك الميتاني ذات الأربعة عشر ربيعاً.
وبعد مغامرة كبيرة، من قبل البطل ومرافقه المقاتل خارق القوة، وهما يعبران ديار الحثيين «الهوتيين» والكنعانيين يقعان في شباك السجن في مملكة الجن، إلا أنهما يتخلصان منه بأعجوبة ليهربا منه إلى عاصمة الفينيقيين، إلى أن يصلا مصر ويلتقي لاوكي هوري ابنة الملك التي فجعت بطفلها، وتعاني ألم الغربة والحنين إلى الوطن، فيريها إحدى ألعاب طفولتها التي أهدتها إلى ابنة ملك آخر، مما يجعلها تثق برسول أبيها، ويتفقان على العودة معه، وإنقاذ الطفل من دون أن تعلم بأنه ابنها إلى أن يصلا مملكة أبيها، ناجين من ملاحقة أزلام نفرتيتي التي تكتشف خيوط اللعبة.
يلاحظ قارئ الرواية أنه على الرغم من عنصر الحكاية / المثير، والمشوق، حيث سلسلة المغامرات، وتصاعد خط الدراما أن هناك تشريحاً لحضارات المنطقة، وصراعاتها، وعوالم الحروب وعوالم حمام الزاجل إلخ. إذ يجري كل ذلك ربما لداعٍ إسقاطي على الدائر حاضراً، وكدليل على ذلك فقد تناول المؤلف وبشكل موسع الصراع بين الكهنة والفرعون. وعلى الرغم من أن الرواية ليست تاريخية، بل هي مزيج من الخيال والتاريخ – كما يشير المؤلف في بداية الكتاب – فإنه استطاع أن يسلط الضوء على معلومات تاريخية زاخرة تتعلق بحضارات المنطقة، ودياناتها، وعقائدها، وهكذا بالنسبة إلى العلاقات السائدة.
وجان كورد من مواليد ميدانكي – عفرين في سوريا 1948، وقد تعرض للاعتقال مرات كثيرة من قبل النظام السوري قبل أن يلجأ إلى ألمانيا التي يقيم فيها منذ نحو ثلاثين عاماً، وهو أحد الكتاب الذين نشروا بالكردية والعربية منذ نهاية ستينات القرن الماضي، وقد صدر له بضعة عشر كتاباً خلال السنوات الماضية، وتتوزع كتبه هذه ما بين الشعر والرواية والدراسة والتأليف والترجمة إلخ.
الشرق الاوسط

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

دريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…