كونى ره ش
كوني احد المهتمين بالعائلة البدرخانية ومنذ سنوات اعمل في أرشفة تأريخ هذه العائلة الكوردية العريقة واالنبيلة، وبالتحديد منذ انتفاضة الأمير بدرخان: 1802- 1868م، ولغاية حفيدته الأميرة سينم خان ابنة الأمير جلادت بدرخان المولودة بدمشق يوم 21 آذار 1938م، والمقيمة حالياً في هولير العاصمة الكوردية. وفي هذا المضمار، استفدت كثيراً من الأميرة الخالدة روشن خانم بدرخان:1909 – 1992م، حيث تعرفت من خلالها على البدرخانيين المنتشرين في الشتات وكان منهم رائد السينما المصرية أحمد بدرخان ونجله علي بدرخان. وهو احد أحفاد الأمير بدرخان البوتاني، الذين نفوا وبقوا في مصر، وفيها حافظوا على اسم (بدرخان)، على العكس من أبناء عمومتهم من آل الوالي في فيوم أو أهالي بلدة (قلمشاه) القريبة من (فيوم)، الذين أجبرتهم ظروف النفي ليكنوا بأسماء مختلفة، وحتى أهالي ناحية (الحميدية) التابعة لمحافظة طرطوس الساحلية. وهنا بودي ان اصطحبكم معي في جولة بانورامية حول حياة وأعمال رائد ومؤسس السينما المصرية أحمد بدرخان ونجله علي بدرخان اللذان يعدان من ابرز المخرجين السينمائيين في العالم العربي.
يعد أحمد بدرخان رائداً من رواد السينما المصرية من خلال مشواره الفني من تأسيس السينما المصرية على أسس منهجية سليمة، فقد كان وراء أقدام الاقتصادي المصري طلعت حرب على إنشاء (أستوديو مصر) هذا الصرح الذي يعد الجامعة التي خرجت أجيالاً من العاملين في الحقل السينمائي فيما بعد. هذا إضافة إلى أنه تخصص أكثر في إخراج الفيلم الغنائي بل أصبح رائداً من رواده إذ قدم أفلاماً لأهم عمالقة الغناء في مصر أمثال أم كلثوم وفريد الأطرش وأسمهان ونجاة الصغيرة ومحمد فوزي ومحمد عبد المطلب وغيرهم. قدم بدرخان للسينما موضوعات متعددة، عاطفية واجتماعية وسياسية. إلاّ ان جميعها تندرج ضمن أسلوب سينمائي واحد تميز به بدرخان وهو الأسلوب الرومانسي.
اسمه أحمد علي شاكر بدرخان، جده خورشيد باشا بن طاهر آغا بدرخان، ولد في القاهرة يوم 18 أكتوبر من العام 1909م، في حي القلعة أحد أحياء القاهرة الشعبية وبالتحديد في منزل الأسرة الكبير رقم 18 شارع (قره قول)، وكان جده خورشيد باشا طاهر أحد زعماء الكورد الذين وقفوا إلى جانب المصريين في كفاحهم ضد الاستعمار التركي.. وطاهر آغا هذا احد انجال الأمير بدرخان امير جزيرة بوتان.. حصل أحمد بدرخان على الشهادتين الابتدائية والثانوية من مدرسة الفرير وبدأ تعلقه بالسينما وهو في الثانية عشرة حيث كان يتردد كثيراً على دار السينما وكان أحد أفلام شارلي شابلن الصامتة أول ما شاهده، فأعجب به كثيراً وأحب التمثيل من خلاله وبالتالي صمم على ان يظهر على الشاشة.
وفي العام 1930م، التحق بمعهد التمثيل الذي أنشأه زكي طليمات. وبعد حصوله على شهادة الكفاءة الفرنسية التحق بالجامعة الأمريكية وشارك في نشاط فريق التمثيل والذي كان الفنان الكبير جورج أبيض يتولى تدريبه. كما انه كوّن فريقاً للتمثيل أطلق عليه اسم فريق (الطليعة) وقام بتمثيل دور البطولة في مسرحية الأديب التي قدمها على مسرح رمسيس. بعدها التحق بكلية الحقوق لدراسة القانون تلبية لرغبة والده، وفي نفس الفترة بدأ في مراسلة معهد السينما في باريس حيث كانت تصله محاضرات ودراسات في السينما، استطاع ان ينشر معظمها في مجلة الصباح والتي أسندت إليه فيما بعد تحرير قسم السينما الأسبوعي فيها وأوفد في أول بعثة سينمائية في باريس في العام 1931م، وحصل على دبلوم في فن الإخراج.
ومن خلال كتاباته في السينما استطاع أن يلفت إليه انتباه الاقتصادي الكبير طلعت حرب الذي استدعاه وطلب منه تقريراً وافياً عن إمكانية إنشاء استوديو سينمائي في مصر فعكف على كتابة التقرير مستعيناً بما لديه من كتب ومقالات عن الاستوديوهات. هذا إضافة إلى المعلومات والتفاصيل الفنية بالاستوديوهات والذي زوده بها صديقه نيازي مصطفى الذي كان يدرس السينما في ألمانيا. ثم حاز هذا التقرير على الموافقة من طلعت حرب وبدأ في المشروع. وإلى إن يتم تنفيذه أرسل حرب بعثتين لدراسة السينما بفرنسا وألمانيا. وكان أحمد بدرخان على رأس بعثة فرنسا ومعه موريس كساب وهناك في باريس التقى نجيب الريحاني أثناء تصوير فيلمه «ياقوت أفندي» في العام 1934م فعمل مساعداً لمخرج الفيلم أميل روزيه.
وفي أثناء تواجده في باريس استلم من أستوديو مصر قصة «وداد» ليعد لها السيناريو وليكون باكورة إنتاج الأستوديو. وفي أكتوبر 1934م عاد أحمد بدرخان إلى مصر وعيّن مخرجاً سينمائياً بأستوديو مصر بمرتب قدره عشرون جنيهاً شهرياً. وكان من المفترض ان يكون فيلم «وداد» 1936م وهو من بطولة أم كلثوم أول مشاريعه الإخراجية فقد بدأ بالفعل في تصوير بعض من مشاهده الخارجية إلاّ أنه وبسبب خلاف شخصي مع مدير الأستوديو أحمد سالم تم تنحيته من الإخراج وإسناده إلى الخبير الألماني فريد كرامب احتجاجاً على هذا التصرف قدم أحمد بدرخان استقالته من الأستوديو.
وفي العام 1937م اختارت أم كلثوم بنفسها أحمد بدرخان لإخراج ثاني أفلامها وهو «نشيد الأمل» والذي أنتجته شركة أفلام الشرق في أولى مشاريعها الإنتاجية وكان هذا الاختيار بمثابة رد الاعتبار للمخرج أحمد بدرخان. ثم بعد ذلك قام بإخراج جميع أفلام أم كلثوم ما عدا فيلم «سلامة» الذي أخرجه منتجه توجو مزراحي حتى إن أم كلثوم اختارت أحمد بدرخان لإخراج أغنيتها «إلى عرفات الله» عندما أراد التلفزيون أن يصورها قام أحمد بدرخان بإخراج كل أفلام أم كلثوم التي مثلتها على الشاشة وهي «دنانير» 1940م و«عايدة» 1942م و«فاطمة» 1947م.
وقد تميز أحمد بدرخان بإخراج الأغنية السينمائية حيث تفوق على بقية زملائه المخرجين وذلك لأنه كان شاعراً وزجالاً وكان يضع أفكار أغاني أفلامه هذا بالإضافة إلى أنه قام بكتابة كلمات بعض أغاني أفلامه. وقد قام أحمد بدرخان بإخراج أول أفلام فريد الأطرش مع شقيقته أسمهان وهو فيلم «انتصار الشباب» 1941م ثم اخرج مجموعة من الأفلام قام بإنتاجها وبطولتها فريد الأطرش وهي «شهر العسل» 1945م و«ما قدرش» 1946م و«فاطمة» 1947 و«أحبك أنت» 1949م و«آخر كدبة» 1950م و«عايزة أتجوز» 1953م مع نور الهدى و«لحن حبي» 1953م مع صباح و«عهد الهوى» 1955م و«أزاي أنساك» 1956م. كما أخرج في 1938م فيلم «شيء من لا شيء» للمطرب عبد الغني السيد ونجاة علي وفي 1945م فيلم «تاكسي حنطور» للمطرب محمد عبد المطلب والمطرب محمد فوزي ونور الهدى فيلمين «مجد ودموع» 1946م و«قبلني يا أبي» 1948م وفي 1954م فيلم «علشان عيونك» للمطرب عبد العزيز محمود وفي 1950م فيلم «أنا وأنت» للمطرب محمد الكحلاوي وفي 1958م فيلم «غريبة» وهو أول أفلام «نجاة الصغيرة». وفي 1944م كوّن أحمد بدرخان مع أمينة رزق وعبد الحليم نصر وحلمي رفلة شركة إنتاج تحت اسم شركة اتحاد الفنانين وقدمت أفلاماً مثل «قبلة في لبنان» 1945م و«القاهرة – بغداد» و«سجين الليل» و«عدل السماء» وغيرها. وفي 1966م، قام بإخراج فيلم «سيد درويش» والعام 1967م فيلم «النصف الآخر» وفي العام 1969م فيلم «نادية» وقد كان هذا آخر فيلم قام بإخراجه.
ويعتبر المخرج أحمد بدرخان أول من نادي بإنشاء معهد للسينما وذلك من خلال منصب عميد المعهد العالي للسينما في القاهرة، بعد استقالة المخرج محمد كريم كما أولى عدة مناصب في وزارة الثقافة كان أولها مدير شؤون السينما عام 1959م، ثم أصبح المستشار الفني لمؤسسة السينما حيث رأس الوفود السينمائية في كثير من المهرجانات الدولية واستمر في منصبه هذا حتى يوم وفاته في 27 أغسطس 1969م ويواصل مشواره السينمائي والفني اليوم ابنه المخرج الكبير علي بدرخان.