ابراهيم محمود
عوووو….عوووو…عووووو..
تلك هي أبجديتي، لا بداية ولا نهاية لها، البدء حرف مغلق ومفتوح، والنهاية البادية حرف مفتوح ومغلق، إنه اكتفاء بذاته. إنه التعريف بي بوصفي ذئباً من لمسة من صلصال ، وليتر من نار، وموجة شامخة من ماء، وثلة من نبات …هكذا كنت وأكون الذئب المعرَّف بعوائه المديد يا نبيل سليمان وابراهيم يوسف ومحمود عباس وهوشنك بروكا وعبدالواحد علواني وهيثم حسين وأنطوان أبرط وحسن ادلبي وجمانة حداد ورشا الأمير…عوائي….عوائي مورق ودائم الخضرة وافر الأكسجين يتوسد الهواء الطلق والنبع المعزَّز بالصفاء..أنا ذئب من دون اسم وكنية ونسبة..ذئب يتنفس هندسة المكان المحرَّر من الثياب، ذئب يعرفه هرمان هيسه، حليف أوراق عشب والت ويتمان، والزورق السكران لرامبو ووعل الغابة لرياض الصالح الحسين وحجل مبرَّأ من دم الكردي…فاستريحوا قليلاً يا أصدقاء في متر واحد من الزمن، لتستطلعوا كونه..
عوووو….عوووو….عووووو
لا مفر لي من أن أصرّح بسلالة عوائي التي لم تنقطع رغم حماقات العقل الذي ابتليتُ به من أقوام وأجناس وأفراد خانوا الصوت وقد ابتكروا حروفاً تحتجزه وتصرّفه على هوى نعالها ورائحة أيديها التي تستغربها الضباع نفسها..كنت ومازلت نزيل عوائي، وأنا آخذ المدد منه، فيميل إلي بحر مرح، وبرّية سمحاء، وفضاء طفولي، وربما إله من خمر تضيء الروح دون حراسة أي ملاك، يزورني وأوزره دون أخْذ موعد، فثمة خطوط مفتوحة بيننا، لا أحمر في الوسط..تلك فضيلة عوائي الذي يرفض أي تجنيس له، وقد رضي به، ومن هنا اقتضت الحكمة أن ألبس تردداته، وأعيش جنون الليل في وقاره وعبقرية انبثاقه من الأعماق..عواء يغمرني فلا سبيل إلى الممانعة وكلّي امتنان لإيقاعه المعتق يا أصحاب ..
عوووو….عووووو….عووووو
في وسعكم أن تتعقبوا خطى هذا المتردد في الجهات الأربع، جهات طي أخرى وقد أبانت عن ذخائره، بنابه المرهف الذي يتحرى مسام المجهول، ويدغدغ مؤخرة الأرض، بمقدار ما ينبّه مخلبه نهدَ الأرض إلى حلمته المفقودة وهي تزخ نوراً وعشباً كلما احتضنته استزدت منه…هوذا جموح عوائي لمن يخرج من صدفة روحه الصدئة، رامياً عقله المحجّر له لائذاً بحضن حجر يهدّىء من تحليق الشلال إلى فرج أمه الأعماق وقد استطال نطافاً تقدره الكواسر والضواري..عواء كان في انتظار ذئبه الخاص ليتجسد في وبره الغابة وعينيه الأفق اللامتناهي ورأسه الكوكب الطائف حول نفسه أبداً …
عووووو…عوووووو……عوووووو
أتروني أعرّف بالذئب الذي تلحفتُّه داخلي، بعوائي الظاهر في هيئات، أم أُعلِم بما يجب علي إقراره في العواء الحميم؟ عواء أوله الدهشة، وآخره استعادة الدهشة والبدء البدء وليس من نهاية رسمية، ليس من حدود تقاطعاتية، ليس من أفعال أمر، أو أحرف علَّة، إنما الامتلاء بزمان هو نفسه مجنَّح بالعواء ويحمل بصمة بارزة من إشراقاته، عواء اوركسترالي، إذا أردتم تقريباً له، ليُسمَع بكامل الجسد، عواء ما أن يكتشَف أمره حتى يجد المحرَّر من غواية العقل المضلّلة روحه وقد تحققت من كل ما أسنِد إلى اللامتناهي، إلى الأولمب، وبنية الأديان، عواء مطهَّر في جريانه وعبوره في أوردة الحجر، وخلايا الورد، وصلابة الفولاذ، موحّداً عالمه، ومعلّماً إياي في كل معانقة معنى أن يكون الفعل عواء سديداً، أن يكون العمل عواء يعم الجهات، أن يكون الأثر عواء تدرك الأرض أنها غير نادمة على ولادتها أرضاً وترفع تقريرها إلى الشمس بذلك..
عووووو…عوووووو….عوووووو…
لا ليس مجازاً ما أسنده إلى العواء، عواء روحي، وحصاد عمري المكعب يا نبيل سليمان يا ابراهيم يوسف يا محمود عباس يا هوشنك بروكا يا عبدالواحد علواني يا هيثم حسين يا أنطوان أبرط يا حسن ادلبي يا جمانة حداد يا رشا الأمير …ليس استعارة لغة..إنما حقيقة من روح استعادت في العواء هذا أهليتها لأن تهبَ ما فات من عمري الكثير عافية المتبقي، في أرجوان التعبير المتوثب، بعيداً عن الخراب الممدوح، والقتل المبارك، والتدمير المعظَّم، إنه نعم العواء الذئب ذئب الجبل السهل البحر الوادي…هي ذي الأرض الفضاء الأثير الأعماق، لأن جماليات العواء ترتد إلى داخله، وليس إلى أي كان، وفي هذا الزمن الذي يعصف به عقل كوني ضال…عواء ما أعظم ضيافته واعترافه بي وهو يفسح لي في المجال علّي أعوض عما فاتني من زمن لا يقبَض عليه، وأؤرّخ لفضائح مرتكبة حتى اللحظة وعوائي دليلي الدامغ…
عووووووو…..عوووووووو……عوووووووو…
ذئب أنا ذئب، وما كنت إلا ذئباً، وذئب ما بقيت حياً، وأموت ذئباً، وشاهدتي على شاكلة ذئب وهو يطلق العنان لعوائه، وعلى الملقّن أن يتهجاني ذئباً…لرنين خصيتي تتفتح صرة الأرض، وينتعش ما دونها… لوثباتي طلقة المحيا تخرج الأرض من نعاسها وتستدعي مخلوقاتها الخفية لمشاهدة هوليود عوائي غير المسبوق..لا إنسي، لا جنّي، لا حيواني، لا نباتي، لا جماد..وإن كنت المسمّى ذئباً، وإن كنت المؤكَّد عواء…إنه مجرد اصطلاح لإطلاق مداي فيه وعنه وبه ..
ذئب ذئب أنا، وأناي ذئب ، وليس لي جداً أو أب، وللدقة، ليس لي سلف أو خلف، فأنا هكذا أبصرتني، هكذا تبيَّن لي بمحض خروجي إلى داخلي عثرت على ضالتي: الذئب، وكان على أشد ما يكون من القلق وهو ينتظرني، ليسلّمني أمانته وأن أكونه لكي أكون نفسي بنفسي، فيورق هوائي، كما ينبثق ليلي المتبصر ونهاري المبرَّأ من الساعات ورقابة الوقت، حيث ساعتي بين جانبي تدور في كل الاتجاهات دون ثقْل العقارب، عوائي وحده قانون استلهاماتي …
عوووووووو….عوووووووووو…عووووووووووووووووووو…
ذئب أنا أكثر مما تتصورون، وشرف لقلمي الضامر أن يغمس لسانه الاسنفجي في محبرته، ليطلق العنان لروح وهو يستشرف الغيب الذي كان، يقارب العراءات والعورات وشتان ما بينهما…عواء ما شككت في نفاذ صيته وقابليته لأن يؤمّن علي وقد أودعته روحي المتبقية في الوقت الضائع من العمر..ذئب يستحيل التعرف إليه في حضور عقل استفظعه ليزيّن جرائمه…أليس كذلك يا سبنسر؟ يستحيل النهل منه بوجود أي قريب للعقل الذي لا تحظى جرائمه، أليس كذلك يا ساسة العقل متعهدي الخراب المستفحل ؟
ذئب أنا وأنا مأخوذ بعوائي وليس من فك ارتباط بيني وبينه، فقط من باب إعلام من ذكرت من الأصحاب، ربما إيصالاً لصورة مصغرة عن عوائي، وفضيلة الذئب الذي عنيته أنا، الذئب الذي لا يتكرر ولا يُستنسَخ، ذئب لا يترجَم بعوائه، وثمة احتمال لأن يعاش لحظة الخروج إلى الداخل بعيداً عن طاغوتية العقل وتيولوجياه، احتمال أن يتلمس الصاعد إلى عروشه الألف ذلك الذئب المهيب الوقور الجسور سليل اسمه وروحه الطليقة الذي يتربع في أعالي روحهم وهم يبدعون في الحياة، أي يعرفون الحياة، أي يدركون الحياة دون داخل أو خارج ليعانقوا حريتهم حينها..
عووووووووووووو…عووووووووووووووووووو…عوووووووووووووووووووووووووو!
دهوك –في 27-3 /2018