ابراهيم محمود
في حوار مع الكاتب والباحث ” بافي نازي Bavê Nazê” بتاريخ ” 25 ” شباط 2008، وجواباً على سؤال موجَّه إليه حول الرواية التي كتبها محمد اوزون، قال ” لو قدر لدارس جاد أن يصف الأدب الكردي ، لوضع اسم اوزون في مكان بارز في مرحلة انحطاط هذا الأدب.”، وفي تقديمه لمجموعة مقالات لرزو أوسي معنونة بـ” نقد على نقد “، يفعّل هذا الكلام مجدداً، ولو بصيغة أخرى. لقد أساء تقديم بافي نازي إلى المقالات هذه ومحتواها، بمقدار إساءته إلى خاصية التقديم بالذات، بالمفهوم الأدبي، ولسان حاله الدلالي، ونسبه الأكاديمي في المتن .
ماالذي يُتوخَّى من التقديم القيام به؟ أن يضع نقاطاً على حروف!كما يقدَّر، ويعلِم القارىء كيف يجب أن يستعد لقراءة التالي، كيف يتهيأ نفسياً، ماذا يجب عليه تلقّيه؟ أم أنه إشارة إلى نقاط لا تشكل وصاية على توجهات القارىء؟ فالقرّاء أنواع، ميول، أو أذواق، ولهم ملَكات فهم ونقد، سوى أن هناك من يحوّل التقديم على مطرقة على رأس القارىء ليفقده القدرةَ على النظر، أو المتابعة، لأن ما ينبغي معرفته من خلال القراءة، قد ” قدّم ” له على طبق من ذهب؟!
في الصفحتين ونصف الصفحة وهي الخاصة بتقديم المقالات النقدية للراحل، لا صلة لها من جهة بها، وهي وثيقة الصلة بها من ناحية أخرى. في الحالة الأولى، لأن الراحل في بحث طويل يخص شخصية الكاتب والروائي محمد اوزن، مركزَّاً في الأساس على روايته ” أنت ” كما سنرى لاحقاً، لينتهي إلى نتيجة صادمة على مستوى النقد ودعوى النقد “” الحكم بالإعدام “، ودفنه خارج التاريخ الأدبي، وبالمنظور نفسه، كما يفهَم من قراءته تلك، تكون القيمة اللاقيمة” تفليسها ” لعموم كتابات اوزون، لا بل و” تبليسها “، أو شخصه المثير ” للشبهات “، وفي الحالة الثانية، لولا ذلك ” الإعدام الميداني ” لاوزون من قبل أوسي لما كتب بافي نازي هكذا؟!
أقول ذلك، في الوقت الذي يأتي تعرُّض أوسي للرواية تلك، بعد تعرضه للكاتبين: دحام عبدالفتاح، وحليم يوسف، وفيما بعد: اوزون، في ربع صفحة”ص15″، جاءت بعد تقديم بافي نازي، أي جرّاء خطأ في الترتيب، من قبل القائمين على إدارة أعماله، كما لو أن الفقرة مستقلة عن سواها، وما يذكّرنا بأمر آخر، وهو أن الراحل فيما كتبه بخط يده، لم يأت على ذكر اوزون، وأن الفقرة الأخيرة من هذه الكتابة تتضمن إحالة على كتاب الناقد دحام عبدالفتاح الذي توقف أوسي عنده، وما يخص مكان طباعته وتاريخ صدوره، والذي ورد في متن القول من قبل ” أصدقائه ” هذه المرة، وأن اوزون الذي يلي عبدالفتاح في تعرضه لنقد الراحل، ورد اسمه بعد المذكور والكاتب حليم يوسف، في فقرة مستقلة، كما تقدَّم، أي أضيفت من قبل المعنيين بالراحل، كما يبدو. هذا الخلل كان ينبغي الإشارة إليه.
ذلك ما حفَّز بافي نازي إلى تخصيص مجمل التقديم لهذا الجانب، وليس أن يوسّع دائرة نظره، ملقياً الضوء على تلك النقاط التي يمكن التوقف عندها، وهي في انتظار القارىء: الناقد، كما لو أن أوسي لم يكن له من ” غريم “، وهو ما سيظهر، وكذلك بافي نازي هنا، سوى اوزون، ولهذا فصّل ووسَّع في المتابعة التقديمية. وإذا كان أوسي ناقداً، وهو كذلك، بغضّ النظر عن أسلوب نقده هذا، فإن بافي نازي، كان مقلّداً إياه، متماهياً معه، وما في ذلك من تلاشي الاستقلالية فيه.
بافي نازي يثني على الراحل باعتباره ناقداً فالحاً، ومن ثم ” يصبح دليلاً للقرّاء، ليتعرفوا على محتوى عمله وخفاياه وقد توضحت لديهم من ناحية. ويصبح سنداً للكاتب ليتعرف على أخطائه، حتى لا تتكرر معه مستقبلاً من ناحية أخرى. بعبارة أخرى، إنه يرى هدفه بصورة حسنة وجيدة في هذا الجانب، ودون تسرُّع، ويحقق ما ما يجب عليه قوله بدقة.ص12 “.
ذلك ثناء عام، يمكن الأخذ به، ولو أن ذلك يدخل في نطاق إحكام الطوق على وعي القارىء المتحرر من أبويات نقدية موجهة أعلمية بالذات، وتحديداً حين يكون المتردد هنا مدخلاً إلى ما هو معزَّز لديه نفسياً، حيث يشدد على المنتظر قوله ” سوى أن ما هو مهم جداً، من وجهة نظري، في بحث معلمنا/ أستاذنا، ذلك التحرك لمعرفة الحقيقة والجوهري في النص…”، ثم يستشهد بقوله والذي يتضمن سخرية من الكتّاب ممن ينتمون إلى عالم المدينة ” قصده ممن هم بعيدون عن العلاقات الاجتماعية ” ولا يميزون بين المذكر والمؤنث، الجمل الصحيحة من المعتلة…ويسخر من أعمالهم ” ذلك ما يعطي الحق لمعلمنا/ أستاذنا لكي يقول إن مؤلفات كهذه تموت وهي في المهد، ولا صلة لها البتة بالأدب.ص13 “.
تبعاً لأي مقياس يكون هذا القول، وكذلك قول” المعلّم/ الأستاذ “؟ وهل يكون المعلم/ الأستاذ، وتلميذه أو طالبه أو مريده بدقة أكبر خرّيج علاقات اجتماعية ناجحاً، أو اجتماعياً، أم إن ذلك شديد الصلة بما هو تحزبي، وخصوماتي. أليس لأن منطقاً كهذا ريفيّ الاعتبار”بداواتياً ” وليس مدنياً، وهو في عموم الحكم / التهمة ؟ وبالتالي الانتقام !
إن الرفض المطلق اعتراف بالآخر، لأن لدينا استحكاماً للآخر بالمتحدث عنه، كما في مفهوم رهيب “ الانحطاط “، ولا بد أنه يعادل ما انطلق منه ” المعلم/ الأستاذ ” في السعي إلى عدم إبقاء أي أثر أدبي للمنقود، وهو ما يذكّرني بما تعرّض له الباحث والمترجم المصري الدكتور عادل مصطفى في كتابه” المغالطات المنطقية: فصول فيالمنطق غير الصوري، دار رؤية، القاهرة، 2013 “، بخصوص مثال” رجل القش المتطرف ” حيث ” يجري مجرى التبسيط أن ترمي الخصم بالتطرف وهومعتدل، وبالمطلقية وهو نسبي. والحق أن أمثل النماذج لرجل القش هو أن تهوّل من موقف الخصم وتزيحه من الأواسط إلى الأطراف. ذلك أن المواقف المتطرفة أسهل في التفنيد لأنها لا تسمح باستثناءات.ص205 “، ولعلها كذلك، ولهذا تسمح لنا بمعرفة هشاشتها، وتصدعاتها جرّاء التضخيم أو التقزيم، مقابل التعظيم أو التفخيم.
هل نصرة ” أهل المكان ” فاعلة في محورة التركيز على اوزون دون سواه، ولو بإشارة عامة؟ أي غض النض عن كل من عبدالفتاح- يوسف، وهما من عامودا، بلده، إن لم أكن مخطئاً؟ إن أبسط شروط النقد، مراعاة هذا الجانب، على الأقل، لتمرير ” المنشود ” بيسر أكثر.
لا أتحدث هنا من موقع ” مع- ضد “، أو ” مع- مع “، أو ” ضد- ضد “، أو ” ضد- مع “، إنما عن النقد الذي يتشكل كما يغتني من خلال مجموعة تفاعلات لا يكون فيها أيٌّ مما تقدَّم من الـ” معية- ضدية “، أي نفي الحالتين، والتقريب بينهما، فهما مفتاح واحد لمعرفة حقيقة معينة، في القول والكتابة، في الأدب بمفهومه الجمالي القائم على الصور، كما في الشعر، وعلى دقة التحليل ومرونة التأويل في النقد، وعمق التعبير ورحابة معناه كما في الفكر. إن كل من ينطلق من حالة ما، أو من هذه الـ” إما- أو ” لا يفقه من المعرفة شيئاً، إنما ما يعزّز البعد الاعتباري، وتلك الذائقة الجمالية التي تترتب على الموصول بهما دون الفرز بينهما.
الأكاديمي المخضرم بافي نازي، ” مع ” حيث يكون الراحل، ” ضد ” حيث يكون اوزون، ولكنه في العمليتين يخادع نفسه، ويتنكر واقعاً لأبسط حقوق الكتابة والنقد، وما هو علمي. أعني بذلك، أن ليس كل ما يخص شخصاً يمكن رده وتسفيهه، أو قبوله وتمجيده، وتبلغ مأساة فهم الآخر في نصه، أو فهم نصه من خلاله الأوج، لدى من يتحزبون داخلهم لهذا أو ذاك.
أي حين يكون الراحل معلماً / أستاذاً، ويكون هو المتحدث هنا بلغة الجمع ” معلمنا/ أستاذنا “، كأني به في موقع محامي قضية معينة، ويريد كسبها بطرق شتى، ويكون الآخر دون أي اعتبار أو لقب. سوى أنه يشير إلى مؤلَّف محمد اوزون ” أنت “، ولو جاز له لما سماه هو نفسه، ولا حتى روايته، جرّاء موقف حدّي، خصوماتي مريع كهذا” من هذا المنظور، يتوقف الأستاذ رزو، وبتوسع عند مؤلف م. اوزون ” أنت “، ويشرّحه، ويراه مؤلَّفاً فاشلاً من النواحي كافة: في نطاق اللغة، الفكر والحبكة …ص 13 “.
ما موقع بافي نازي هنا؟ ليس له أي موقع، سوى أنه ينقل إلينا خبراً مفاده: أن ” الأستاذ ” رزو يمارس ” تصفية ” نقدية في مؤلَّف م. اوزون. أهكذا يكون رصيد الناقد ومن يتابع ناقداً؟
تالياً وفي صفحة وأكثر، يعيد ما نوَّه إليه، بزعم التوسع والاستزادة والتنوير، والإيحاء للقارىء بأنه يحتاج إلى مثل هذه المعاودة والتكرار بصيغ شتى ” إن مؤلَّفاً أدبياً مكتوباً بلا لون ولا طعم
bê ser û ber، مسطور في مجال اللغة، سيكون فاشلاً مهما كان قوياً في نسْجه وغنياً في مضمونه.ص13 “.
لسنا بصدد مناقشة كتابات محمد اوزون ولا روايته ” أنت ” هنا، إنما تالياً، حيث يتناولها اوسي بما اعتبره ” نقداً “، ولا حتى هناك بالتأكيد، لأن من يرفض كتاباً بقضه وقضيضه، أي جملة وتفصيلاً، يعني أن أي محاولة لتأكيد المختلف غير ناجعة، كون القضية خلافية لا اختلافية، طالما أن ” مقرّر ” مصير النقد لا يترك له ” خط رجعة “، وتبقى الإشارة إلى من كتب مختلفاً وله موقعه في النقد، ولهذا يمكن التنويه إلى سوء إدارة المفهوم ” النقد “، واعتباره إلغائياً، أو إقصائياً شكلاً ومضموناً ” ومن خلال ما ألمح إليه الأستاذ رزو في نقده، فإن مؤلف اوزون ” أنت ” لم يفلح حتى في مضمونه، ألأن شروط الكتاب الثلاثة التي يُبنى بها ” الزمان، المكان، الشخصية ” تعاني خلطاً في داخلها.ص14 “.
منذ متى، كانت قراءة عمل روائي، أو كتاب، محكومة بزاوية معينة، أو وفق تصور معين؟ من هذا الذي يمتلك فتوى إصدار حكم دون آخر، وهو قطعي، بـ” هدر ” دم أحدهم استناداً إلى أثر أدبي أو غيره له، بدعوى أنه أساء ، أيما إساءة، إلى روح الكتابة، لا بل خيانتها جهاراً، وكأني بهذه ” الفتوى ” ومن خلال ” إنزال ” العقاب الصارم والذي لا رجعة فيه، عبرة لمن لا يعتبَر، كأن الذي خص به اوزون وعبر الراحل هو خلاصة وعي أوسي النقدي لكل ما كتبه، بما أن اوزون يمثّل الذروة ” الأوج ” هنا، فيكون هو الأَولى بهذا ” القصاص “، فيكون المتكلَّم به، هو لسان حال بافي نازي، فلا يعود أوسي سوى حيلة مستعارة فيما أثاره في ” تقديمه “، وما يمكن أن يترتب على ” محاسبة ” معلَنة كهذه، من جنوح مؤامراتي اوزوني في الكردية والكردايتي!
بقي أن أقول في صيغة تساؤل: تُرى، ما الذي قدَّمه بافي نازي في إطار بحثي، دراسي، ونقدي حتى الآن عن الراحل باعتباره ” معلمه/ أستاذه ” هو وسواه ممن أشيرَ إليهم؟ هل يتوقف تأكيد مكانة أحدهم على تعظيم فارغ، أو كيل المديح دون أخذ العلم أن ذلك لا يليق بمن له صلة فعلية بالأدب، أو بالنقد، أو بما هو أكاديمي، لحظة تناول ” الأكاديمية ” بمفهومها الحيوي والتاريخي؟
أتساءل في ضوء متابعاتي المتواضعة في هذا السياق، وبعد هذه السنين ” الثماني ” !!!
الحلقة السابعة : المهماز/ الدبوس، هل من انحراف في المقصد ؟