الجهة الخامسة «حول كتابات الراحل رزو أوسي» الحلقة الثامنة: أكثر من المخاض اللغوي :

ابراهيم محمود
في كتابه ” اللغة الكردية “، والذي نشرته رابطة ” كاوا “، بيروت،1998، يعتبر الباحث دحام عبدالفتاح كتابه هذا، خطوة على طريق دراسة اللغة الكردية” اللهجة الكرمانجية ” والتنقيب فيها ” ص17 “، وفي “ كلمة من القلب ” وكتقديم للكتاب يثني الراحل رزو أوسي على كتاب عبدالفتاح، بصفة الأخير سباحاً ماهراً، في بحر اللغة المهيب والرهيب ” ص19 “. تُرى، هل يُنظَر إليه بالطريقة ذاتها، في كتاب نقدي له عن الشعر الكردي؟ هل من تناقض في الأمر ؟
ثمة مسافة زمنية بينهما وهي ست سنوات، إنما رجوعاً إلى الوراء، وأعني به كتاب ” رؤية نقدية في الشعر الكردي “، والذي صدر في دمشق، سنة 1992. اللافت أن الباحث عبدالفتاح في الطرف الآخر عنونَ الكتاب بالعربية هكذا ” رؤية نقدية في الشعر العربي “، ولا أدري لماذا اختار هذه الصيغة بالنسبة إلى عبارة ” Helbestên kurdî “، وتعني ” القصائد الكردية ” من باب الدقة، ويبدو أنه اختار ما هو عام باعتباره الأكثر تعبيراً عن المطلوب !
بداية، أنوّه إلى أن عبدالفتاح ليس أقل حرصاً، ولا أقل تشدداً  أيضاً من أوسي في مضمار التعامل مع كل ما هو مكتوب بالكردية من شعر ونثر، وحتى في الحقل اللغوي المحض.  إنه إذ يطرح سؤالاً في مطلع كتابه هذا ” تُرى ما هي القصيدة ؟ “، يأتي جوابه من باب لفت النظر، والتأكيد من لدنه على أن نسبة غالبة من الذين يكتبون الشعر الكردي يسيئون إليه تعبيراً وكتابة وتفهماً كذلك ” عندما نستطيع إنارة إجابة هذا السؤال بتمعن، يمكننا النظر بدقة إلى جُمُلنا وشعرنا وبسهولة، ومن ثم سنعرف أي قيمة ومكانة كلّ معطى موقف ..ص18 “.
لا شك أن عبدالفتاح باحث لغوي وناقد أدبي له اعتباره، سوى أن قراءة الراحل رزو لكتابه هذا” رؤية نقدية…الخ “، تظهِر العكس في أكثر من منحى: تعاملاً وقراءة وخلاصة أثر! أي إنه يحتاج إلى الكثير ليمارس ليس نقد الآخر فحسب، وإنما حتى طريقة كتابة الكردية بصورة صحيحة أيضاً، ومن خلال أمثلة كثيرة. إن تسميته بـ” الأستاذ ” لا تتناسب وحمولة الأخطاء اللغوية، التعبيرية، والنقدية وفي الاقتباس…الخ تلك التي تم إبرازها في متن كتابه، أي إن لقب ” الأستاذ” يتراءى كما لو أنه إرضائي ” جائزة ترضية ” ليس إلا. ويظهر أن محتوى نقده الموجه إليه كان في مقام محاضرة، كما تقول فاتحة هذا النقد، وفيما يلي حيث الثناء على عمله هذا، واعتباره خطوة مهمة في نطاق الدراسات المهمَّة جداً ” ص 17 “، وفي خاتمة هذا النقد، عندما يشكره كما يشكر مستمعيه مقابل الأمسية النقدية المنعقدة حول كتابه هذا ” ص 51 ” تحديداً. ” أظنني كنت حاضراً في الأمسية ذاتها، وفي بيت الفنان الكردي الراحل عادل حزني ..”.
أي إن قراءة هذا القول والذي يشكل تقديراً لجهد الناقد، وما يعقبه من تشخيص وتشريح ومن ثم تخطئة له في سياقات كثيرة، كما نوَّهت، تقلّل من نوعية القيمة المعطاة للأثر النقدي، إلا إذا اعتبر الراحل أن ما تناوله جسَّد فرصة ثرية له ، ليُسمِع من حوله مدى التفاوت بينهما منازلةً ! أقول ذلك، وأنا أقدّر الحس النقدي لدى كليهما، لكن كلام الناقد في بنيته يطالعنا بتصور كهذا. 
فرق كبير جداً بين متابعة مكثفة لجملة مكونات الكتاب وعن طريق السماع، وقراءة المكتوب هنا أو في مكان آخر، حيث يمكن للقارىء أن يتوقف ويستدعي أفكاراً، ويقارن بين فقرة من هنا وأخرى من هناك، وشبيهتها أو شبيهاتها، من باب التعمق في البحث ووعي المثار فيها.
ذلك ما يتضح من خلال لائحة طويلة، كما أرى، تضم تلك الأخطاء التي ثبَّتها بالتسمية ومن ثم التصويب والمناقشة والصفحة وحتى السطر ليسهل التعرف على كل منها وفي جداول تترى. إنها تسْع لوائح حسابياً: مطبعية، فرازيولوجية” بناء جُمَل “، قاموسية، مجهولة، كتابية، فكرية، قواعدية، نقدية، وبحثية ” ص 17 “، تشي بالجهد التنقيبي والمنمنماتي للناقد قبل كل شيء .
أربعون صفحة تضم إليها التنقيب والتقليب بين الصفحات، التوقف والتوقيف، حصر الكلمة أو العبارة وإنارتها،تحديد الجملة نحوياً ومساءلة الدقة فيها،والتقابل بين ما هو خطأ وصواب…الخ.
إن قارئاً في بداية انشغاله بالكردية قراءة وكتابة، حين يقرأ بحثاً كهذا، يتهيب المقروء، إنما الأهم، هو أنه لا بد أن يسائل نفسه: إذا كان باحث مخضرم كعبدالفتاح يرتكب مثل هذه الأخطاء وهي مصنَّفة بدقة، فكيف يكون حال من هو في أول الطريق، من دون هذا ” القِدَم ” الكتابي؟ وكذلك، كيف يمكن النظر إلى مقام المنقود وقد حمِل كتابه في ” يساره “، وأثقِل عليه بالنقد ؟
هذا القول ليس نقداً لما قام به أوسي، ولا سخرية من عبدالفتاح، وإنما هو أسلوب تعامل أوسي مع كاتبه هنا وغيره في مكان آخر، أي بالنسبة إلى ” مهماز:ه” النقدي واختلاف طريقته، ما إذا كان جاداً، هذه المرة، في نطاق الثناء على منقوده، وقد أبان الكم الكبير والنوعي في أخطائه!
وإذا سايرنا أوسي، في تعقّبه لتلك الأخطاء، أو نوعية الدقة في الكتابة، فإنه يمكن إيجاد أكثر مما هو مسمَّى من جهته، كما في تحديده لمقطع شعري مختار في كتاب عبدالفتاح، كرره ثلاث مرات بشكل مختلف في كل مرة ” ص 33  “، من كتاب أوسي، فهناك صيغة رابعة أيضاً في كتاب عبدالفتاح، وهي :
Reş – çavên Zînê ji bîr neke ,r:155.
عدا عن أن الضمير المتصل الدال على الآخر في ” perda te : ستارتك “، تأتي هذه في الصفحة الآنفة الذكر” أي 155 ” هكذا ” perda Te “، وما في ذلك من اختلاف الدال.
وحين يقيّم أوسي صياغة لعبدالفتاح،في نطاق أخطاء الطباعة والتهجئة، وهي ” Ev axînekên… : هذه الأُنيْنات : من الأنَّات “، تكون جائزة، حيث يعترض عليها أوسي، كون الناقد عبدالفتاح يتناولها من زاوية سخرية لعدم جدوى التعبير، وهي من ” axîn: أنَّة “….
وإذا كان لي من اعتراف معين في هذا المقام، فهو أنني لا أمتلك تلك الثقافة ” اللغوية ” قبل كل شيء، تلك التي يمتلكها كل منهما، عدا عن حاجة المادة إلى لزوم مراجعة مصادر كل منهما، خصوصاً بالنسبة لعبدالفتاح، وتبيّن الدقة في النقل، وكذلك كيفية تناول أوسي لأمثلته. إنما كان الذي شغلني هو الجانب الأداتي في النقد وصفته بالمفهوم النفسي والعقلي، وما يمكن أن يقال في كتابه التالي عليه والمذكور بداية ” اللغة الكردية “، وتفخيمه له رغم أنه يتجنب كل ما له علاقة بالمديح والإطراء المجاني، وعدم اغتباطه بذلك ” ص20 “، وإمكان طرح سؤال كهذا: تُرى، ماذا لو أن أوسي مارس قراءة نقدية لغوية وكتابية وقواعدية…لهذا الكتاب، كما تعامل مع الكتاب السالف عليه؟ هل كانت قراءته ستخلو من وجود أخطاء، ولو بنسبة أقل، من تلك التي عرِف بها الآخر؟ أم أن عبدالفتاح تمكّن خلال هذه السنين تلافي الوقوع في أخطاء كتلك التي سمّيت باسمه، وقد اعتراف بها؟ من المؤكد لو أن أوسي تناوله نقدياً، لأفاد مؤلفه كما أفاد قارئه الكردي أيضاً ونفسه، لا بل لكانت الفائدة أعمق وأهم، لأن ذلك من شأنه النظر في نوعية التقدَّم الذي حققه عبدالفتاح، وما إذا كان قد استفاد من ” أخطائه ” السابقة حقاً، وما إذا كان أوسي متعاملاً معه بالجدّية ذاتها بالمقابل، وما يمكن أن تكون عليه صورة النقد وكيفية تقبُّله كردياً.
لعلّي في شك من هذا الجاري، وفي وسط رافض للنقد. هل ثمة تسوية؟ ذلك متروك للقارىء!
أشير إلى بعض الأمثلة: ما يأتي في تقديم أوسي، في ” Ez behwerim : أنا أعتقد ، ص20″، نجد صيغة مختلفة لدى عبدالفتاح ” baweriyamin، اعتقادي، ص 63 “، وكذلك بالنسبة لأوسي في الصفحة ذاتها في ”  Ne tenha wilo: ليس هكذا فقط “، ولدى الآخر” tena xwe، بمفرده/ها ص 42 ” .
وحين يعتبر أوسي في كتابه أن الصحيح هو ” Asan-asanî, hesan, hesanî : سهولة، يسْر،ص25 “، مقابل الوارد لدى عبدالفتاح ” sanahî “، لتتكرر هذه الصيغة في ” اللغة الكردية، ص 24 “.
ويكتب عبدالفتاح ” Têbîniya derbareyî: الملاحَظَة المقابِلة،ص 25 “، ولعل الصيغة الصحيحة ” Têbîniya derbarê “.
وكذلك في ” Bersivên pirsiyaran : أجوبة الأسئلة، ص 42 “، حيث تكون الأدق ” Bersivên pirsan  “، إذ تكون السالفة أقرب إلى ” أجوبة المسئوليات “، ويظهر هنا أن عبدالفتاح بادي التأثر بطريقة استخدام بعض المفردات في الكردية، كما هي الحال في إقليم كردستان العراق، وفي دهوك على الأقل .
ومن المعلوم أن كلمة ” pirs “، تعني ” الكلمة “، أيضاً، كما وردت في كتاب رشيد كرد “ص17 “، وما في ذلك من انتفاء الحدود الضابطة لكل من بناء الكلمة ومعناها ..!
ومن باب التذكير، فإن الباحث اللغوي عبدالفتاح لا يُخفى تأثره بالراحل رشيد كرد” 1910-1968 “، وتحديداً في كتابه ” قواعد اللغة الكردية، دار الزمان، دمشق، ط3، 2006 “، حيث إن الأولى منها كانت سنة 1956، والثانية سنة 1990، وهو الذي مقدمة للطبعة الأخيرة ” صص5-15 “.
وهناك ” Nivîsarên me : كتاباتنا ،ص 73 “، كما هو المعنى المطلوب، لكنها هنا تعني ” كتّابنا “، والصحيح، كما يفترَض ” Nivîsên me “، كما كتب عنوان أحد فصول كتابه، هكذا ” 
Nivîsîna peyvan: كتابة الكلمات،ص 77 “.
بالنسبة لتهجئة العدد ”  : dû اثنان، ص 40 “، كما في ” dû cûrene : نوعان، ص40 “، والمتداول أو المتعارف عليه إجمالاً ” du cûrene “، بينما الصيغة الأخرى ” her dû tîp : كلا الحرفين ، ص71 “….الخ، أي تبعاً لموقع العدد في الجملة ونوعيتها.
بقي علي أن أشير إلى أخطاء مطبعية، أو جرّاء عدم الدقة وقع فيها الكاتب، أعني به أوسي:
بالنسبة لاسم دحام، لا بد من توحيد كتابته، مثلاً: Diham ، ص 7-21، و Deham، ص17.
هذا ينطبق على اسم جكرخوين: C egerxwîn، ص20-21-22-24، وC igerxwîn، 29-40-44-45.
بالنسبة إلى عبارة : vê agirê  ” ص 16 “، أي ” هذه النار “، وأنا أسمع بهذه الصيغة لأول مرة، فالمتداول هو :  vî agirî، أم تراني على خطأ ؟
şaşiyên: şaÊiyên ، ص 22 .
tannin: tanîn، ص 24.
teûreke   : tenûrek   ، ص 29 .
: kwsê kesê ، ص 38 .
الحلقة التاسعة : محكمة ميدانية لمحمد اوزون :
 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…