ابراهيم محمود
يكتب صديقه د. سعدالدين ملا مقدمة لمجموعته القصصية” اجتماع الأحذية ” الصادرة عن دار نشر ” Lîs “، 2011، ثم تنشَر هذه المقدمة للمجموعة عينها في المجلد المذكور، بعد ثلاث سنوات” صص194-196 “، إنما ماذا نرى؟ الكتابة ليست هي نفسها تماماً! بدا عليها كأنها نقّحت في الحالة الثانية و” هذّبت “، أو تمت مراجعتها لغوياً، عدا عبارات مشطوبة، رغم أن التاريخ هو نفسه ” 18-10-2011 “. أعني بذلك، وبعيداً عن المبالغة أننا إزاء ” مجزرة أخطاء لغوية ” لحظة المقارنة بينهما. ودون عرْضها كاملة في هذا السياق الذي نتحرّى فيه طبيعة العلاقة القائمة بين كتابة وأخرى هي ذاتها . ما يهم هو: كيف يمكن أن يكيل أحدهم مديحاً في لغة الآخر، وهو يرتكب مثل هذه الأخطاء الفظيعة ؟
من كان وراء عملية التغيير هذه؟ وتبعاً لأي قاعدة جرت العملية؟ ولمَ لمْ يُشَر إليها، كما نوَّهت إليها سابقاً؟ ومن ثم: كيف تكون مصداقية من يشهد بثقافة الراحل اللغوية وهو دونها وعياً ؟
أي كيف يجاز لأحدهم أن ينير عالم الآخر لغوياً، وهو لا يمتلك صلاحية القول في ذلك ؟
إنها أسئلة كثيرة وتخص مختلف الجوانب اللغوية والتي تعرّف بالمتكلم، إنما بالكاتب، وهو يترك أثراً دالاً على مدى تمكنه من اللغة، وما إذا كان في مستوى عملية التقييم اللغوية أم لا ؟
ربما يكون من يعترض على صيغة ” مجزرة أخطاء لغوية “، ويعتبرها تجنياً، وربما إساءة واضحة ليس إلى الكاتب ” المقدّم ” إنما الراحل نفسه، كونها تنطوي على سخرية معينة.
إنا لا أعتمد هنا على التخريجات أو التخمينات، إنما وكما يقال في منهج العلم، أعتمد على ما يُسمى بـ” الظاهرة ” وهي عينية، وبالتالي، فإن الذي أنطلق منه هو هذه المادة المكثفة تحديداً.
تحديداً، أركّز على التصرف اللغوي والتعبيري في الكتابة، بدءاً من الجملة الأولى:
في المجموعة القصصية المستقلة:
Diyare wekî her dahênerekî resen. R:7.
أي ” ظاهر أنه مثل أي مخرج أصيل “.
بينما في المجلد، فنقرأ:
Diyare wek dahînerekî resen. R:194.
حالة التغيير في أكثر من جانب نجد تالياً، كما في الفقرة اللاحقة من الأولى:
Tevî ku, demên dirêj ketinin navbera derketina van kurteçîrokan, lê hemû wekî yek gurz hastên, bêgunehiyê, xweristiyê, dilpakiyê, dirustiyê, geşbîniye, nefsbiçûkiyê, dilovaniyê, hezkirinê û zarokatiyê bi xwendevan re divejînin, xweşî û kêfdariyê peyde dikin. R:7 .
أي ” بالرغم من وقوع أزمنة طويلة فاصلة ما بين ظهور هذه القصص القصيرة، سوى أنها جميعاً مثل أضمومة مشاعر/ أحاسيس، وهي تبعث البراءة، ما هو طبيعي،صفاء النيّة، الصدق، التفاؤل، التواضع، العطف، المحبة والطفولة للقرّاء، وتوفّر المتعة والبهجة .”.
بينما في المجلد، فنقرأ :
Demên dirêj ketinin navbera van gurze kurteçîrokan de, lê ew hemû hestê, bêgunehiyê, xweristiyê, dilpakiyê, dirustiyê, geşbîniye, nefsbiçûkiyê, dilovaniyê, hezkirinê û zarokatiyê bi xwendevan re divejînin, xweşî û kêfdariyê pêdadikin.R:194.
أي ” أزمنة طويلة فاصلة بين أضمومة المجموعة القصصية، سوى أنها تبعث جميع المشاعر/ الأحاسيس، البراءة، ما هو طبيعي، صفاء النية، الصدق، التفاؤل، التواضع، العطف، المحبة والطفولة للقرّاء، وتوفر المتعة والبهجة.”.
ولنأخذ الفقرة الأخيرة من المقدمة، في الحالة الأولى:
Ez jî wekî gelekan deyndarê nemir Rezoyê Osê me. Hevaltiya bi yên mina” mîna” wî re baweriya mirovan xurt dike, xwîna jiyanê nuh dike û dide civatê, viyana berxwedanê dighîne derdora xwe.Rezo li ku bicih biba, rola kesayetiya wî di hûnandina tevna civakî ya bedew de, di meyandina baweriya hevaltî, dostanî û germkirina çalakiyan de gellekî mezin bû. Lew re jî, ew ê her di dilê gelê xwe de parastî bimîne. R:10 .
أي ” وأنا كآخرين كثر غيري ، مدين إلى الخالد رزو أوسي. الصداقة مع أناس مثله، تقوّي يقين المرء، تجدّد دم الحياة وتضخه للمجتمع، وتصل بإرادة المقاومة إلى وسطه.أنّى كان يحل رزو كان له دور كبير جداً في حبْك النسيج الاجتماعي الجميل في تفعيل اليقين، بالنسبة للصداقة، الرفقة، وتعزيز الفعاليات. لهذا، فإنه سيبقى حاضراً أبداً في قلب شعبه .”.
بينما في المجلد، فنقرأ الفقرة هكذا:
Ez jî wek gellekan deyndarê Rezo Osê me. Hevaltiya bi yên mina ” mîna ” wîv re bahweriya licem meruvan xurt dike, xwîna jiyanê nuh dike û dide civatê, viyana berxwedanê digihîne derdora xwe. Rezo li ku bicih biba rola kesayetiya wî di hunandina tevna civakî ya bedew de, di meyandina baweriya hevaltî, dostanî û germkirina çalakiyan de gellekî mezin bû. R: 196.
أي ” وأنا كآخرين كثر غيري، مدين إلى رزو أوسي. الصداقة مع أناس مثله، تقوي اليقين لدى الناس، تجدد دم الحياة وتضخه للمجتمع، وتصل بإرادة المقاومة إلى وسطه. أنى كان يحل رزو كان له دور كبير جداً في حبك النسيج الاجتماعي الجميل، في تفعيل يقين الصداقة، الرفقة، وتقوية الفعاليات .”.
طبعاً، في مقدور القارىء، أو المعني بالموضوع المقارنة بين الفقرتين، وما في ذلك من تغيير، وفي المجال ذاته، ما في ذلك شطب ما هو لافت للنظر، كما في ” الخالد رزو أوسي “. وفي وسع أي كان السؤال حول إجراء الشطب هذا وبأي ميزان تقييمي، تذوقي، وصائي، ولماذا، ومن وراءه بالمقابل؟ هل من إحراج في الصياغة، أو في العلاقة؟ هل كان هناك تنبيه كملاحظة حول لزوم شطب المفردة لأكثر من سبب يا تُرى؟ ولماذا وضِعت العبارة، لتشطَب لاحقاً؟
إن كل عبارة من هذا النوع التفخيمي، تستدعي أكثر من علاقة على تماس مباشر برهانات ما أبعدها عما هو أدبي أو فكري، أو نقدي حصيف، رهانات تسيء إلى بيت القصيد في الكتابة.
لقد نوَّهت إلى هذه النقطة سالفاً، وحيث نقرأها في مواضع أخرى، كما في تقديم ثلة من أصدقائه بعبارة ” الأستاذ الخالد رزو أوسي.ص 9 “. فلماذا أبقيت على هذه، وحذِفت تلك؟ وهل من تدقيق في الحالة هذه وتلك؟ ومن تولى هذه العملية أكثر من سواه، أو بالنيابة عنه؟
بغضّ النظر عن الطابع الإنشائي الفارط لكلمة التقديم، هنا، وفي أمكنة أخرى، وهي في جملتها عبارة عن رثائيات صديق مؤثر قبل كل شيء. وأعتقد أنه على المرء أن يكون دقيقاً لحظة اعتماد كلمة معينة ووصلها بموضوع يتطلب قدْراً كافياً من مصداقية التعامل.
ليس من عبارة، ولا واحدة، تعني أو تعين القارىء في الإقبال على قراءة المقدَّم له، بالعكس، ثمة تعكير صفو القراءة، والخلط بين جدّية العمل الأدبي، وانطباعية الكلمة المقدَّمة.
وأن عملية التغيير تعني نفياً ما، لدقة التعبير، وتقليلاً من تماسك المعنى في اللغة المعتمدة.
في السياق نفسه، تذكّرنا هذه الكلمة بذلك المناخ الرفاقي: الحزبي، ومدى استسهال التعبير العاطفي والحماسي والإكباري في المعرَّف به، وإيديولوجيا الرؤية الدوغمائية بالمقابل .
بالطريقة هذه، يزداد مناخ ” اجتماع الأحذية ” وخامة، وتوتراً، وحتى إزاحة لمفهوم الأدب وحيازته طرفياً. تُرى، إلى أي مدى زمنية يحتاجها معلم الكتابة ” الفعلية ” ليصبح منتمياً إليها؟
من باب الطرافة الباعثة على الضحك المختلف، أن أحد ” كتابنا ” الكرد المخضرمين المتباهين بالكردية وكونه من أبنائها ” النجباء ” كتب قبل فترة قصيرة عن زيارته لباحث يثني على جهوده في حقل اللغة الكردية، وهو يشير بالكردية إليه ضمناً بعبارة ” لغة أمهاتنا zimanê dayikê me”، وهي خاطئة حتى في بنيتها، فأصلها ” zimanê dayikên me “، والصحيح في الكردية ” Zimanê me yê dayik ، تلك كانت مجموعة كلمات لها مغزاها كمفهوم البرقية، وفي مناسبة كتلك المشار إليها، فأي اعتبار حقيقي يعطى للكردية كلغة؟
ومنذ متى، كانت اللغة شهادة عبور إلى مجد مسجَّل، دون ربطها بتحدّ واقعي وضاغط؟
الحلقة الرابعة عشرة، شهود عيان ” اجتماع الأحذية ” : أحزابُ أحذية، وأحذيةُ أحزاب؟ أعنف نقد من حزبي سابق إلى أحزابه الكردية :