سرد ذاكرتي

كيفهات أسعد
حين أعود بذاكرتي قليلاً إلى الوراء، لتناول فكرة، أو حدث معين، تقفز في مخيلتي، خزانة ملابس النساء، أو البنات في بلادنا . حين تجهز فتاة نفسها إلى مشوار، تجرّب كل ما في خزانتها .كلُّ ملابسها، حتى تختار ما تريد، طبعاً الخزانة ذاتها، نفس الملابس والألوان والمقاس والموديلات ذاتها لا تتغير. في كل يوم أو كل مشوار العملية ذاتها، لماذا؟ لا أعرف، ولا هي تعرف، تقلّب الخزانة كمدينة منكوبة، لتبدأ بعدها بمكياج وجهها كما تعمل بعض أحزابنا هناك، حين أرى ذاك المنظر، أعلم سلفاً بالسيناريو القادم: تخرج وهي تشبه كتاباً سيء العنوان والغلاف وغالي الثمن ، لا أحد يرغب بإقتنائه، ولا حتى أن يكلف نفسه عبء التصفح في صفحاته. دعنا من الخزانة، ونعد لذاكرتي التي تشبه أوراق خس مصفر كما أتذكر أمي في مثل هذه الأيام: سبّحتها الطويلة بحباتها المئة والواحدة، صلواتها بالكردية المكسورة، وبلهجة قروية سلسة وطريفة، لاتسمع صوت الآذان، أو مدفع رمضان، تفطر عندما ترى الدخان المتصاعد فوق “هليلكي” أو أن يخبرها أحدنا.
***
 جميلةً كحبة كرز شهية، كآخر نفس في السيكارة. لايملك أحد|ٌ طيبتها، تدعونا بمفرداتها القليلة إلى القيام بالواجبات الاسلامية البسيطة، كما تعتقد دون تعصب، أو مبالغة، وتفشل كل مرة، منهكة كلُّ اليوم في رمضان، تجهز الغداء لي ولأخي، وبعدها الافطار لها ولأختي التي تنحو منحاها في صيامها، تنتهي من الافطار، تقف على سجادة الصلاة ـ تمثل الحركات- ترفع سبابتها، أنا لاأعرف لها معنى، ولاهي أيضاً، خليط بين الدين والعادات.
الرحمة أماه، سقف التابوت يرفعه حسنات روحك الطيبة، أفواهنا صناديق مغلقة بحبك، وحجم روعتك؟ انا حزين الآن أمي، لأنني لست عادلاً، كنتِ تطعميني عند السحور، عندما كنتُ صغيراً، ولم أقدر هنا أن أرد لك الجميل، فقط، أطعم على روحك، فقراء لا يتجاوز عددهم أنواع الأكل في سحورك.
 لا تقلقي، المكان، آمن والزمان شهي، هنا عندي من يرتب لي سفرتي ويغلي لي قهوتي، ولم أتخطَ بعد حدود القبر. لا تقلقي، أقولها بحزم، أنا منسيٌّ بعدك كسفينةٍ غارقة في محيط، ألتقط صوراً لي، محاولاً الابتسامة، أنا مهزوم كحصان هزيل. قريباً سأعلن وفاتي، وأكتب في وصيتي أن أدفن بجوارك، فالفئران والديدان أولى بما تبقى من عقلي وذاكرتي، كوني واثقة ياأمي.
   2018-5-17

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…