وليد حاج عبدالقادر
بكل ثقة أجزم بأنني لست ماضويا وممن يفسرون – القداسات – على هوى الإنتماء القوموي بقدر ما تستفزني المعلومة سيما إذا كان مصدرها عمق التاريخ المسنود بتحليلات ﻷساتذة كبار في هذا المسلك / المجال .. وكثيرة هي الصفحات التي أوقفتني معلومات والعديد من القصص الشعبية بمحتواها التأريخي – التكويني فتدفعني الذاكرة الملعونة إلى تلك الليالي الشتائية القارسة منذ أكثر من 50 سنة ونحن كنا نلتم حول الجدة الراحلة وهي تسرد لنا قصص وهي الأمية الناطقة بالكوردية وحتى تراتيل الصلاة كانت ترددها بسجيتها وبساطتها ولأتفاجأ بعد رحيلها بسنين عديدة وبصورة شبه طبق الأصل سوى اللغة والأسماء وبنسق تراتبي مذهل لكل ما قصته لنا وبخاصة مع الجانب الإغريقي فيه !، ..
واليوم ، لابل منذ فجر اليوم وأنا أطالع مؤلف / أ . س . ميغوليفسكي / أسرار الديانات القديمة . ترجمة د . حسان مخائيل إسحق . منشورات دار علاء الدين . دمشق الطبعة 1 / 2012 ولأندهش ثانية بمدى التقاطع في إرثنا الشفهي وتشارك ! لابل أسبقية بعض من موروثاتنا المتناقلة مع شعوب أخرى ! فحسب ما كتبه المؤلف / … فعلى مدى زمن طويل بقي الإعتقاد السائد ، هو أن الدور الرئيس في بناء تصورات الإغريق عن خلق الكون ، إنما ارتبط بالتصورات التي طورتها حضارات مصر ، وآشور ، وبابل، وكنعان، ولكن المعطيات التي توفرت عن الميثولوجيا الحورية ، تؤكد بدلالة واحدة أن كل شيء ، أو تقريبا كل شيء ، قد خرج من هنا ، من الميثولوجيا الحورية . فمن هذه الأخيرة على وجه التحديد ، أخذ الإغريق العناصر الأولى لتصوراتهم عن خلق الكون . لقد ملأ هسيود نظام خلق الكون الذي عرفه الشرق ، بأسماء هللينيين وهندوأوربيين ، وقد اعتمد هذا النظام عينه في الإينيادا الرومانية . وعليه فإننا نستطيع أن نقول الآن : إن هذا النظام بات نظاما كلاسيكيا ، مع أنه كانت ثمة منظومات أخرى عن بناء الكون … / صفحة 56 .. والإستغراب ( عندي ) وصل الى أشده في استرسال الكاتب / … وقد ساق إيبيمينيدس واحدة منها في العام 500 ق . م ووفق منظومة إيبيمينيدس هذه : إن الهواء والليل كانا بداية كل شيء . فمن زواجهما ولد تاتاروس وإلهان ، ثم أنجب هذان بيضة كونية … فقد عرفها نظام خلق الكون عند الهندوآريين أيضا ، وينبغي الإشارة هنا إلى أنه كان لدى الهللينيين أسطورة عن ليدا ، التي جاءها زيوس في صورة ذكر البجع ، ومن اتصالهما وضعت ليدا بيضتين ، فقست إحداها الحسناء يلينا ملكة إسبارطة ، وفقست الأخرى : التوأمين الديوسكوري . / صفحة 56 .. والآن ؟ أوليس من حقي وكمقارنة واستذكار ببعض من أهم التقاطعات / المقارنات عن بعض من التجليات ؟ مثلا ظاهرة سلسلة أسماء تقاطعات عديدة ولمواقع / مدن – بلدات تكاد أن تكون على نسقية خط جغرافي واحد تبدأ ب – با – أي الهواء باللغة الكوردية مثل / باجريق، بازبدي ، باكوردي ، بازندان ، عين با زوق ، با زندان ، با ترزان، با شوطي، باعوث ، با عشيقة .. الخ مع أنني أجزم بأن هناك امتدادات لمواقع عديدة تأخذ هذا المنحى . وأمر آخر : هو ما تفرزه موضوعة البيضة الكونية وقصص عديدة لاتزال بعض من سردياتها تدفع قاع الذاكرة ونتذكر بعض من تفاصيلها وكمثال : قصة القصر الدائري المتشكل – المبني أصلا على شكل البيضة حتى لونها وملمسها وحيرة البطل / البطلة في طريقة الدخول – كانت العجائز تروينها – و أيضا في قصة قازي وقدوم الزائر الغريب إلى دار الراعي ! وزوجته ولا أولاد لهما حيث يبشرهم الضيف بولد بعد حول وفعلا تلد زوجته بيضة لا تلبس أن تفقس طيرا جميلا انثويا ناطقا و … تتعلم الطيران ويراها الأمير ابن الملك الوحيد تسبح في بركة محوطة ضمن حديقة ملأى بما توفر من انواع الفاكهة ويصر على أن يتزوجها وسط دهشة والديه والحاشية و سكان المملكة ( القصة بالتفصيل دونتها حسب ما التقطتها من جدتي المرحومة وبقيت في ذاكرتي لقصها مرارا على إخوتي وأولادي ، وكذلك لورودها وبتفاصيلها المملة في كتاب معجم الأساطير اليونانية والرومانية ، اعداد سهيل عثمان وعبدالرزاق الأصفر وزارة الثقافة السورية 1982 والإغريق يقولون بأن الضيف لم يكن سوى الإله زفس ، أما في السرديات الشفهية – أنموذج / نماذج بوطان / وكمؤثر زرادشتي ربما يذكر على أنه خوجه خزر – خضر – . وأمر آخر في مسألة التقاطع هذه ظاهرة الروح المقدسة المتجلية في الدين المسيحي وولادة الرسول عيسى بن مريم وايضا الأب والروح والإبن . وفي ختام هذا العرض الموجز لابد من التذكير مجددا بتجليات ( كه جل ، كوري ) المتعددة في غالب السرديات القديمة الكوردية إن تنكرا او حقيقة والتقاطع الى حد التقمص مع ظاهرة لاوك ودائما كراع او في بعضها كفلاح ماهر ، والتي – هذه الظاهرة – تذكرنا أيضا بقصة ذلك الراعي الذي أراد أن يختبر زوجته ومدى صدقها فقال لها ذات صباح : سأخبرك أمرا يا زوجتي العزيزة وإياك أن تخبري أحدا بذلك ، ووعدتته بأن تكتم الأمر فاخبرها بأنه قد باض بيضة ، وما أن خرج من داره حتى واجهه جاره مستفسرا : أصحيح أنك بضت ثلاثة بيضات وليصل الخبر عند الظهيرة الى الملك بأن الراعي قد باض 99 بيضة فأرسل الجنود في طلبه ولما حضر أمامه بادره بالسؤال : أصحيح أنك بضت مائة بيضة أيها الراعي ؟ والذي أخذ يقهقه وسط استغراب الملك والحاشية وأخبره بأنه أراد اختبار صدق زوجته ومدى قدرتها على كتمان الأسرار وكيف أنها لم تستطع إخفاء السر عن جارتها فصارت بيضتين وليتلقفه زوجها فأصبحت ثلاث والذي – مخاطبا الملك – اوصلها لكم مليكي العزيز كان الشخص 99 وانت اكملتها 100 والغرض من ذكري هذا هو البيض – البيضة الكونية – لا أكثر .