في الذكرى السنوية الاولى لرحيله فرهاد عجمو توأم الروح وعبق الامكنة !

اكرم حسين 
طيفه لا يفارق ناظري وكلماته لا تنقطع عن اذني . فرهاد الروح .حين عانقت روح فرهاد السماء طلب مني الصديق ازاد عنز كتابة مقالة عن العزيز فرهاد لصحيفة القدس العربي قلت له انني غير قادر على الكتابة عن رحيل فرهاد ، فمجرد التفكير برحيل فرهاد او الكتابة الجنائزية عنه تجعلني اشعر بالخوف والفزع ! الخوف من ان لا نلتقي مجددا ، والهلع من غياب فرهاد بهذه السرعة دون وداع او عناق .لم يدعه الموت حتى  ان يودع اغلى محبوب على قلبه ، والذي بقي وفيا من اجلها فمات واسمها يتردد على لسانه .انها كردستان التي كتب عنها كثيراً  وحملها بين اضلعه خوفا من ان يفر منها او تفر منه ، وها هو قد اوفى بوعده وبقي مسكونا بها ومسكونة به حيث يرقد فرهاد في الهلالية  يلقي التحية على اهالي قامشلو كل صباح ومساء يحرسها بعينيه ويسكنها بشعره وانفاسه…!
لا يمكن الحديث عن فرهاد  كشاعر بل كانسان ممتلئ بالحياة بكل معانيها وتفاصيلها  مثقف شكوك . يمتلك رؤية تنبؤية  وبصيرة نظرية . يهتم بالتفاصيل الصغيرة التي لم نكن نهتم بها قط ، يدرس الظواهر يفككها يغوص في اعماقها ويستنتج منها ما هو انساني وحقيقي  وينحاز الى الفقراء والعامة والى الشعب الذي خذله قادته فاصبح يهيم على وجه كالبهائم  ، ومن خلال مشروعه الشعري ، وتحديدا الغنائي حاول ان ينقل افكاره الاجتماعية والفلسفية الى الناس ، يقول دائما بان الشعر الذي لا يفهمه العامة  ليس جدير بالكتابة والبقاء ، وبالتالي كان مثقفا موسوعيا في العلوم والموسيقا والطب والغناء والهندسة والميكانيك ، صاحب مدرسة شعرية تجريبية تضاهي ما انتجه خاني والجزيري وجكرخوين  وتيريز، كتب في الحب والسياسة والاخلاق والدين والمرأة ، كما كتب للأطفال ، القصيدة لدية صناعة وحرفة . يشتغل عليها بدءا من الموضوع والمضمون وانتقاء الكلمات ، والتكنيك والموسيقا . الخ فمدرسة فرهاد هي من المدارس التي ستحتل مكانا فريدا في الادب الكردي وفي كردستان عموماً في المستقبل .
شاعر من شعراء التجديد يحمل هموم شعبه ، لم تنقصه الجرأة  ولا الاستبصار ، ولم يضع ذهنه في قفص . كتب عن الانتفاضة ، عن كوباني  وشنكال ، وانتقد السياسيين الكرد واخضعهم لنقد شديد لانهم لم ينجزوا وحدتهم ، وقد دعى الى ذلك في معظم قصائده ،يحترم السياسة والساسة الحقيقين لكنه يحتقر مبتذليها ،  كتب القصيدة الغنائية وقصيدة الاطفال ، من خلال قصائده حاول ان يوصل معاناة شعبه الى الاخرين ، مثقف عضوي ، انجز في فترة فصيرة اعمالا مهمة ، مثل قصيدة سروكيمن ، و وي هر روكي ، كان يتذوق كل انواع الموسيقى و يشارك في وضع الاوزان الغنائية  لقصائده ، يعشق  مدينته قامشلو ،  ويرفض الخروج منها الا ميتا ، وهو الذي قال:  اذا لم تجدوني في شوارع قامشلو عندها تعالوا لزيارتي في المقبرة !
فرهاد له ستايل خاص ومدرسة شعرية ، قصيدة التفعيلة ، حاول ان يطور هذه القصيدة وان ينتج نوعه او لونه الخاص ، قصيدة فرهاد عجمو ، يستوطن قصائده ، ويتقن صناعتها ، الحداثة لديه تعني الكلمات والصور والمعاني والموضوع مع الحفاظ على الاوزان والقافية  .
يرى الحياة جميلة وتستحق ان تعاش لكن الناس هم من افقدوها جمالها وحيويتها من خلال الحروب والقتل والدمارر والكذب الذي يتبناه البعض (قصيدة خزي دنيا )
يتأسف على الحياة لأنه لم يفهمها الا بعد انقضاء العمر . لأنها كانت تستحق ان يحيياها بطريقة افضل ، وبالتالي على عكس ناظم حكمت الذي كان يقول بان اجمل الايام هي التي لم تعشها بعد  فرهاد يؤكد في تلك القصيدة على ان الايام الجميلة هي التي مضت وعشناها دون ان نعلم قيمتها ، وبالتالي فالحياة هي اللحظة التي نعيشها الان !
لعبت صحيفة بوير برس دورا كبيرا في ايصال صوت فرهاد الى الشارع الكردي وخاصة قصيدتي سروكيمن  و  وي هر روكي .تحدث فيهما عن ويلات الحروب التي جرت وما تحدثه من خراب ودمار ، والأحلام الماضية ، فقدان الكرامة .امراء الحرب والمستقبل . ما احدثته الثورة من تكاثرالثعالب والذئاب
عندما نشر قصيدته في الصفحة الاخيرة من بوير اشترط على الصديق احمد ابو الان ان لا ينشر في هذه الصفحة لأي شاعر اخر  الا اذا كانت قصيدته ترتقي الى مستوى قصائده ، وقد اوفي بافي الان بالوعد ، فعندما نشر نص ابراهيم الخليل في تلك الصفحة اطلعه بافي الان على القصيدة دون ان يعلم هوية  صاحبها  فوافق على نشرها رغم انها – كما قال – لا تصل الى مستوى قصيدته 
فرهاد عجمو ممتلئ بالإنسانية والخلق الحسن  بكل معنى الكلمة ، يجمل الامسيات ويعبقها ، لم يحمل الاحقاد في نفسه وشعره ، ولم يلوث قلمه بها .لا بل سخر قلمه من اجل قضية  شعبه والدفاع  عنه رغم كرهه للسياسيين الكرد ، فرهاد مكتبة ثقافية متنقلة ، كتب السهل الممتنع .عندما تسمعه وهو يلقي الشعر . يعتقد المرء بان كتابة القصيدة هي من السهولة بحيث يستطيع أي شخص كتابتها .لكنها كانت تستعصي على امثالنا لأن القصيدة  موهبة وصنعة وتحتاج الى ادوات شعرية لا يمتلكها الا من سكنه شيطان الشعر .
قصيدة فرهاد كتبت بأشكال عدة وجدانية وانسانية وسياسية ولها طابع الحزن . مهارته كانت في مفهومية  وبساطة شعره وسهولة حفظه .
سيبقى اسم فرهاد خالدا ما دامت قصائده واغانيه خالدة وهو ما كان يتمناه فرهاد في حياته لأنه كان يستخدم  الكتابة الشعرية كوسيلة للوصول عن طريقها الى قمة الخلود !
صديقي واخي فرهاد كم افتقدك اليوم اكثر من أي وقت اخر..!
نم قرير العين لأنك اصبحت من الخالدين  .!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ادريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…