(بمناسبة عيد الأب)

كيفهات أسعد 
 أطال الله عمر آباءكم منهم، ورحم الراحلين إلى ديار الحق، ووالدي.
أتذكر آخر لقطة فيها والدي، وهو فَرحٌ، غير عصبي كما عادته، كان اليوم الذي نجحت فيه إلى الصف الثاني الابتدائي، طبعاً، كانت العادة في ذلك الوقت أن نذهب إلى المدرسة، بعد أن انتهت بحوالي أسبوع ولمرة واحدة طول العام الدراسي بدون الصدرية المدرسية الخاكية اللون ولا الفولار الأصفر المرسوم عليها شعار الطلائع بلونه الأزرق الذي أتانا به النظام التربوي من دول الاتحاد السوفياتي (الشقيقة)، كما كانوا يلقنوننا. ألبستني أمي يومها أجمل ملابسي، كأني في يوم عيد، ومشّطت شعري، وبعد قبلتين وتهديد، بأن أرجع باكراً، وأكون منتبهاً إلى نفسي في طريقي إلى المدرسة.
حين كنتُ أستلم جلائي المدرسي، قال لي المعلم كلماتٍ باللغة العربية، لم أفهمها حينها، لأن لغتي العربية كانت حد العدم وقتها، ولكن ما فهمت منه أنني قد نجحت، أتذكر، يومها جئتُ راكضاً إلى البيت، وأخبرت والدي عما جرى، وبعد أن قرأ الجلاء بإمعان. نظر إليّ نظرة رضى، قال: إنك نلت المرتبة الثانية على مستوى الصف (هذا ما اراد المعلم ان يخبرك)، وأردف: لقد تجاوزت الكثير ولم يبقَ لك إلا القليل بصيغة التهكم، كم كنت سعيداً لأني ولأول مرة أرى أبي يناولني نصف ليرة سورية كاملة، وهي كانت آخر مرة، بعدها بسنة حملتْ والدتي الجلاء، وأمسكت بيدي إلى مقبرة الهلالية لتخبر أبي في قبره إني أصبحت في الصف الثالث.
***
 هامش: اليوم وبعد أربعين عاماً، يخبرني إبني الوحيد “آلان” عن طريق الهاتف إنه أصبح في الصف السابع. وعلى بعد مسافة ستة آلاف وحوالي خمسمئة كم.
السويد 20 -6-2018

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

دريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…