جيهان شيركو
يقع تل قالينج آغا(1) في محافظة أربيل ، اقليم كردستان ، جنوب قلعة أربيل بمسافة 1كم على يسار الطريق الذاهب إلى مدينة كركوك ، وهو مستوطن أثري واسع تبلغ مساحته حوالي (33,000م2) يعلو عن مستوى الشارع المحاذي له بما يزيد 7م ، اكتسب هذا التل إسمه من ” قاله انجه ” ما يعني ” التل الصغير” مقارنة بقلعة أربيل الكبيرة ، تم الإعلان عنه رسميا في (جريدة الوقائع العراقية ) كموقع اثري مسجل عام 2521946.
كان سبب اختيار التنقيب في الموقع هو عائديته مع ما يحيط به من أراض لاحدى عوائل أربيل والتي اعلنت عن رغبتها بتقسيم هذه الاراضي بما فيها الموقع الأثري وبيعها للمواطنين للبناء ، مما دفع مؤسسة الاثار إلى استملاكها بأكملها .
يعتبر تل قالينج آغا من اهم المواقع الأثرية الموجودة في داخل مدينة أربيل ، لارتباط بعض طبقات السكنى فيه بالادوار الاولى لقلعة أربيل . نقبت فيها مديرية الآثار العراقية في ثلاث مـواسم (1966- 1967- 1968) برئاسة عالم الآثار (د. بهنام ابو الصوف 2 ) واكتشف فيها ستة عشرة طبقة ، وفي عام 1970 بدء تنقيبات الموسم الرابع برئاسة الاستاذ( اسماعيل حجارة ) .
في عام 1985 تم البدء بانشاء متحف أربيل الحضاري فوق تل قالينج آغا بعد ان اجرت اللجنة المحلية اعمال تنقيب إلى ان وصلوا إلى الارض البكر حيث تم استكمال البناء عام 1989 وانتقل المتحف من قلعة أربيل بشكل رسمي إلى هذا الموقع ، وفي عام 1999 بدء تنقيبات الموسم الخامس برئاسة الاساتذة ( كنعان مفتي ) .
بعد مواسم التنقيبات (3) ثبت ان التل قد سكن لأزمان متعاقبة خلال الالفين الخامس والرابع ق.م في الفترات المعروفة بادوار حلف (4900-4300 ق.م ) والعبيد (4000- 3500 ق.م ) والوركاء (3500 –3100 ق.م ) من عصور ما قبل التاريخ ، وقد هجر سكانها التل نهائيا في مطلع الالف الثالث قبل الميلاد ، حيث لم يعثرعلى أي آثار باقية لادوار سكنى تعقب هذا الزمن الاخير بين الفخاريات السطحية الظاهرة .
وقبل القيام بزيارة للموقع لابد من معرفة مواسم التنقيب وما تم الكشف عنه بأختصار ..
تنقيبات الموسم الاول : استنتج استنتاجا مهما وهو ارتفاع سهل أربيل بفعل عوامل طبيعية مختلفة بما يزيد عن مترين عما كان عليه 5000 سنة ق.م (4) وقد كانت اللقى الأثرية المكتشفة في هذا الموسم فخار دور الوركاء بأنواعه الثلاث الاحمر والرمادي وسمج ساذج .
تنقيبات الموسم الثاني : تم اكتشاف عدد من مدافن و طبقات بنائية عائدة إلى دور الوركاء
، كما عثر في أحد القبور على اقدم قلادة في ميسوپوتاميا تعود لاوائل عصر الوركاء .
قــــــلادة قالــــينج آغـــــــا (5)… في الطبقة الخامسة عثر على قلادة في قبر امرأة وكانت محتويات القلادة : 7 حلقات ذهبية ، 8 خرز ذهبية كبيرة ، 14 خرز ذهبية متوسطة ، خرزة اسطوانية واحدة ، 34 خرز ذهبية صغيرة ، 15 خرز من العقيق الاحمر ، 15 خرز من حجر أزرق مختلف ، 3 خرز صدفية متوسطة ، مجموعة من خرز الصدف .
وقد ذكر د. بهنام ان اهالي قالينج آغا حصلوا على الذهب من غسل المواد الصخرية والغرينية ومن بلاد الأناضول ، أما الاحجار الثمينة حصلوا عليها من مناطق مناجمها في افغانستان وايران وسواحل الخليج العربي عن طريق التجارة ، وهذا يظهر ان اهالي قالينج آغا كانت لديهم صلات تجارية مع بقية المواقع الاخرى ومما يؤكد ذلك ، الكميات الكبيرة من حجر الاوبسيدين obsidian التي تم العثورعليها في طبقات قاليج آغا .
تنقيبات الموسم الثالث : تم العثور على حيين سكنيين واسعين اطلق عليهما د. بهنام ( الحي الشرقي والحي الغربي ) يفصل بينهما شارع يزيد طوله عن 60 م ويتراوح عرضه 2-3م وقد كانت بعض الطرق في الطبقة الثالثة والثانية مرصوفة بالحصى الناعم والمتوسط (6).
يتوسط كل من هذين الحيين معبد ثلاثي التخطيط البنائي (7)Tri-Partite ) ) يقوم كل منهما على مسطبة من اللبن تشكل بدايات الزقورات في وادي الرافدين .
و جدران غرفة المصلى في معبد الحي الغربي الداخلية مصبوغة بطلاء ابيض ، كما وجدت على اسفل الجدار الشرقي لهذه الغرفة بقايا افريز منقوش باللونين الاحمر والاسود على الارضية البيضاء باشكال معينات .
هذه الالوان الجدارية المكتشفة في قالينج آغا تعتبر واحدة من أقدم ما كشف عنه التنقيب الاثري من ألوان ونقوش جدارية بعد التي ظهرت في بعض معابد موقع تبه كوره قرب الموصل من دور العبيد .
ولا اعلم ان كان بناء معابد قالينج آغا تمت وفق طقوس دينية معينة مثل التي كانت تجرى لبناء المعابد وبحضور الملك والكهنة ربما التنقيبات القادمة ستكشف لنا ذلك ..
ولاكن ماذا كان يعبد اهالي قالينج آغا في زمن عصر الوركاء ؟
ان العثور على رؤوس من الطين لعجول أو الثيران وجد بعضها مثبتا في أرضيات غرف بعض الابنية الدينية يدل على تقديسها والعثورعلى الهة العيون الكبيرة Eye-IDOL (8) في احد المعابد وهي ذات عينين كبيرين وذلك لحراسة الانسان حسب معتقدات سكان قالينج آغا .
قبــــــــــور قــالـــــينج آغـــــــا (9) .
اكتسب تل قالينج آغا شهرة واسعة بفضل ما وجد فيها في تنقيبات من قبور أثارت الدهشة من حيث نوعيتها ، وتشير تقارير التنقيب ان خير ما يمثل مدافن عصر الوركاء يتمثل في موقع قالينج آغا .
عثر على 49 قبرا موزعة على الطبقات الثلاث ، في الطبقة الاولى 13 قبرا ، والطبقة الثانية 32 قبرا ، والطبقة الثالثة 4 قبور ، دفنهم كان في جرار متوسط الحجم ، اما الاطفال (2-5) سنوات ففي جرار كبيرة ذات غطاء كبير أوفي جرتين كبييرتين احدهما فوق الاخرى، أما إذا كان عمر الميت اكثر من 5 سنوات فيدفن في لحد مبني بمادة اللبن أو كسرها .
وعثرعام 2004 – 2005 على مثل هذه القبور في ( تل قصرا ) في عينكاوا وفي تل هيلاوة قرب أربيل (10).
دمــــــى قـــــالــينج آغـــــــا (11) .
في قالينج آغا عثر على 47 دمية طينية لهذا الموسم ، الدمى لم تكن داخل القبور بل وجدت في دفن الطبقات وهذا ماكان سائدا في دمى العبيد الشمالي منها جرمو، يارم تبه، تبه كوره ، قالينج آغا عكس دمى العبيد الجنوبي التي وجدت داخل القبور .
من الدمى البشرية : دمية من طين مفخورة جيدا تمثل الآلهة الام Mother Goddess تأريخ الدمية يحصر في الفترة ما بين نهاية عصر العبيد وبداية عصر الوركاء .
وعثرمن قبل على تماثيل تمثل الآلهة الأم في مواقع عديدة منها 5000 نموذج من موقع جرمو .
والعثور على دمية تمثل ( رجــلا عاريا̎ ) (12) وهي الوحيدة من نوعها التي تم اكتشافها في قالينج آغا، لأن دمى الذكور قليلة في بلاد ما بين النهرين ، تعود الى بداية عصر الوركاء الشمالي .
ومن بين الدمى الحــيوانية : دمية طينية تمثل طيرا (حــمامــة) (13) تعود إلى عصر حلف ، ملونة في قمة رأسها ويوجد حز يحيط بطرفي الجناحين والصدر . وبما ان دمى الطيور قليلة في عصر ما قبل التاريخ فأن دمية الحمامة هذه تعتبر الاولى من نوعها تعود الى عصر حلف .
الكتــابة الصـــوريـــة ….. كان الاهم في هذة التنقيبات العثور على اي دليل يثبت وجود الكتابة الصورية ولاكن مع الاسف بعد اكمال المواسم الثلاث لم يتم العثور على اي دليل لأن د.بهنام حاول ان يتحقق من احتمال الكشف على نماذج من الكتابة الصورية الاولى بسبب اكتشاف فخاريات ولقى أثرية في الطبقات العليا لتل قالينج آغا تعود للفترة الزمنية المعروفة بعصر نينوى وقد فكر بأمكانية العثور على الواح من الكتابات الاولى ولاكنه لم يعثر على اي دليل وقد ترك امكانية ذلك للمواسم القادمة .
تنقيبات الموســــم الرابع عام 1970 برئاسة الاستاذ اسمــاعيل حجــــارة :
في هذا الموسم تم العثور على أول مسطبة في موقع قالينج آغا تعود إلى عصر الوركاء في شمال العراق (14) والعثور على دارين للسكنى (15) ، وعثر على ثلاث انواع من القبور الخالية من المواد ، والتي تحتوي على عدد قليل من المواد مثل الخرزوالاصداف ، والتي تحتوي على مجموعة كبيرة من المواد (16) .
وفي الطبقة الرابعة تم العثور ايضا على الكثير من الأدوات الحجرية ، مجموعة من الآلات الصوانية ، المواد الطينية ، مواد العظام (17) ومسامير منثنية من الطين يرجح ان الغرض منها هو ان يعلق عليها الصياد صيدة من السمك .
وعثر ايضا على نماذج من فخاريات حلف والعبيد وبعد دراسة هذة المواد الاثرية تبين ان الاستيطان في قالينج آغا قد ابتدأ منذ الفترة الأخيرة من عصرالحلف في القسم الشمالي منه .
وان استيطان فترة العبيد في قالينج آغا كان أطول الفترات عمرا اذ بلغ ارتفاع هذا المستوطن حوالي 4,5م و ضم حوالي عشرة طبقات سكنية من بداية عصرالعبيد والى نهايته ومعظم السكن كان في وسط وشمال وغرب قالينج آغا .
جـــــولة حـــول تــــل قالـــينج آغــا الأثري…
قررت القيام بجولة سيرا̎ على الاقدام حول التل كي اطلع على معلومات اكثر ، احساس غريب غمرني وانا اسير في نفس المنطقة التي عاش فيها سكان ( قالينج آغا ) منذ الاف السنين ، في الماضي كان هذا التل يمور بالحيوية والنشاط ….
لكم تمنيت ان يبرز لي فرد من سكان هذا التل القديم ، فيخفف عني ويؤنس وحشتي ، بدلا من سيري وحيدة على اطلالهم ..
بدأت جولتي من الجهة اليسري للتل طرقت أول باب صادفني ، فتحت لي سيدة كبيرة في السن ، ورحبت بي وحين طرحت عليها بعض الأسئلة .. ابتسمت .. واخبرتني ان زوجها لديه معلومات عن التلة ولاكن هي لا تعرف سوى ان المكان اثري قديم فشكرتها على المعلومة .
تابعت سيري إلى ان وصلت للجهة الخلفية للتلة شاهدت امرأة تجلس امام الباب وهي تدخن (سيجارة) قلت لها :
خاله .. هل لديك معلومات عن هذه التل .. ؟
فأجابتني :
نعم ان هذا التل قديم جدا وهو مكان اثري والسور الذي يحيط بالتل بني في الثمانينات
طلبت منها ان تحكي لي المزيد .. اخبرتني وكانت تشير للبيت المجاور لها قائلة :
هذا البيت مسكون استأجره 54 مستأجر وكما ترين ، فهو فارغ ، ولا احد يسكن فيه وكل من سكن فيه يتركه بعد مدة قصيرة من شدة الخوف …
التقطت صورة للبيت المسكون على بابه لافته كبيرة مكتوب عليها ( للأيجار18 ) ، تابعت جولتي وانا افكر في البيت المسكون ، وهل لهذا علاقة بتل قالينج آغا ..؟؟
التقيت سيدة اخرى من اهالي المنطقة رحبت بي واخبرتني بأنها كانت تلعب فوق هذا التل في السبعينيات مع اطفال الحي وترى الهياكل العظمية ممددة في توابيت حوضية الشكل وكانت والدتها تطلب منها ان لا تذهب للتل حتى لا تصاب بمكروه .. وسألتها عن البيت المسكون فأجابت :
نعم .. الكل يعرف بهذه القصة ، وان البيت المسكون الثاني يقع خلف منزلها وهوفارغ لايسكنه احد بعد ان جُنَ أحد ساكنيه ..
ولا اعلم هل هي لعنة من لعنات قالينج آغا لأهالي الحي مثل لعنة الفراعنة أم محض صدفة لا غير ..!!
تابعت جولتي حول تل قالينج آغا إلى ان وصلت للجهة اليمنى حيث شاهدت شيخا كبيرا في السن ، هز رأسه كمن تعود على لقاء فضوليين مثلي ، سار معي إلى جانب جدار التل ، وقال :
هل تشاهدين هذا النمل حول السور كانت هذه المنطقة مقبرة والنمل يملؤ المكان لذلك نسميه تل النمل ، انه لا يغادر المنطقة ..
وحينما كان العمال يخرجون الحجارة من التل لغرض البناء في الستينات شاهدوا قبورا وآثارا قديمة فتركوا المكان بأمر من السلطات المعنية ..
انهيت جولتي ….. ثم دخلت المتحف صعدت السلالم الى حيث تل قالينج آغا كانت السلالم قديمة ، كنت متشوقة لرؤية العقد الذي طالما سمعت عنه ، شعرت برعشة خوف ومهابة من رؤية هذا التل الذي كان اصحابه يضجون بالحياة يوما ما ، في حين انها غارقة الان في صمت وسكون مهيب …
ادهشني هذا المنظر للتل والمسطبة ومكان تقديم القرابين (19) فالتقطت له صورا من كافة الزوايا لاحتفظ بها في ارشيفي ..
ثم دخلت متحف أربيل الحضاري لكي ابحث عن الاثار التي تم اكتشافها في تل قالينج آغا …
يحتوي المتحف على ثلاث قاعات تعود كل منها الى أزمان مختلفة : القاعة الأولى تضم العصور الحجرية والحضارة السومرية والقاعة الثانية تضم الحضارة الآشورية والحضارة الحضرية والقاعة الثالثة تضم الحضارة الاسلامية ..
دخلت القاعة الاولى بحثا̎ عن اثار قــــالينج آغـــا ….. وقد كانت أهم معروضات هذه القاعة نسخة جبسية تمثل رأس انسان نياندرتال للجمجمة الأصلية المكتشفة في كهف شانيدر(20) وتمنيت لو شاهدت الجمجمة الأصلية كنا نقرأ في كتب التاريخ عن هذه الجمجمة وفي النهاية لا ارى الاصلية !
وشاهدت صحن فخاري مزخرف زخارف هندسية تعود الى فترة (حلف) ، ومن المعروضات التي يعود تاريخها الى عصر العبيد شاهدت مجموعة من الجرار والأواني الفخارية المختلفة الاشكال والأحجام وقد تم اكتشافها في تل نادر وقلعة أربيل وتل قالينج آغا ..
وتوجد في هذه القاعة كل ما اكتشف في تل قالينج آغا .. شاهدت مجموعة غريبة من الاحجار التي تم اكتشافها في قالينج آغا … انه الحجر الاوبسيدي (21) التي كانت تستخدم لصنع شفرات ومقاشط وشظايا… اخيرا تمكنت من رؤية هذا الحجر التي كان يجلبها اهالي قالينج آغا من اماكن بعيدة و وضعت بجانبه اقراص المغازل وهذا يدل على اهتمام سكان قالينج آغا بحياكة الملابس ..
ومع الاسف شاهدت فخاريتان مكسورتان وبجانبها مجموعة من الصحون الفخارية (22) وتمنيت ان المسها من خلف الواجهة الزجاجية لعلي استطيع اصلاحهما ..
وكانت توجد ايضا مجموعة من الات الطحن (23) ارتابني القشعريرة وانا ارى هذه الات وتخيلت الأسر التي كانت تستخدمها مقارنتا̎ بالالآت التي نستخدمها الان ..
كنت التقط صور لكل ما يتعلق بقالينج آغا .. في منتصف القاعة وضعت مجموعة من المدقات الحجرية الجميلة (24) ومجموعة من الجرار الفخارية مختلفة الاحجام (25).
ولكن اين قلادة قالينج آغا ؟ انا وعدت والدتي ان اصور لها القلادة ، ولاكن يا خسارة لاتوجد القلادة بحثت كثيرا … ولم اجدها ..
اقتربت من القبرين (26) الذين عثرعليهما عام 1989 اثناء بناء متحف أربيل الحضاري ، قبر فخاري مكون من جزئين وعليهما قلادة مكونة من مجموعة خرز حجرية .. كنت افكر ان اشخاص لهم خبرة في صناعة النحت وصناعة مثل هذه القبور لدفن الأطفال الموتى وكم من جهد بذلواه في انهاء هذا القبر وقد ذكر الباحثون ان وضعية الجثة في القبرالفخاري تشبه وضعية الجنين (القرفصاء 27 ) في الرحم خاصة جثث الاطفال الصغار….
الحديث عن قبور و دمى قالينج آغا طويل ويمكن ان تحتل لوحدها مجلدا ،التقطت صورا كثيرة لهذين القبرين قبل خروجي للسؤال عن قلادة قالينج آغا ..
فألتقيت بالاستاذ( قدري علي 28 ) المسؤل عن المتحف وقد ذكر لي
” ان القلادة كانت من ضمن معروضات المتحف العراقي لعام 1973 .. وقد قرأ لي في كتاب كنوز المتحف العراقي من إعداد د.فرج بصمه جي – من ضمن معروضات القاعة السومرية القاعة الرقم 3 الخزانة رقم 46 ” قلادة تتألف من خرز من الذهب تنتهي بحلقات وخرز أخرى من مواد مختلفة وجدت في موقع قالينج آغا بمحافظة أربيل ولعلها ترجع إلى نهاية الإلف الرابع قبل الميلاد (70992 – م ع )” .
وحدثني حسب القانون المتبع في ذلك الوقت يحق للمتحف ان يحتفظ بقطعة اثرية واحدة من مكررة اكتشافها اما الغير المكررة فيصنع لها نسخة جبسية مماثلة لها والنسخة الاصلية ترسل الى بغداد ولاكن القلادة والكثير من اثار قالينج آغا غيرموجودة في متحف أربيل الحضاري ولا نعرف عنها اي شىء ”
هذا يعني بأنني لن اتمكن من رؤية الكثير من الاثار المكتشفة في هذا التل الكبير ! ! !
بعد ان انهيت زيارتي للمتحف توجهت لمقابلة (د. نعمان جمعة 29) استاذ الاثار القديمة في قسم الاثاروالتنقيبات جامعة صلاح الدين ليحدثني عن تنقيبات الموسم الخامس 1998- 1999 وقد اجاب مشكورا :
بدء التنقيبات لثلاث طبقات اثرية برئاسة الاستاذ ( كنعان مفتي ) مديراثار اقليم كردستان سابقا̎ وبصفتي مشرف علمي وبطلب من المديرية العامة للآثار في أقليم كردستان ، بهدف توسع بناء دائرة مديرية عامة للآثار بجانب المتحف الحضاري في أربيل لأن قانون الاثار في اي منطقة اثرية لايسمح اقامة اي منشأة أو بناء مالم يتم التنقيبات والتحقق من خلو المنطقة من اي بقايا اثرية وقد اخترنا 600م2 للتنقيبات ،
وقد عثرنا على دورين حضارين عصر العبيد والوركاء ، وقد عثرنا على فخاريات وبقايا بيوت سكنية منتظمة وقد توقعنا ان يكون من ضمنهم معبد من عصر الوركاء قبل (3500 ق.م ) وبعد مقارنتها مع استنتاجات الموسم الرابع ومطابقتها فقد كانت توقعاتنا صحيحة .
وعثرنا على مسطبة التي يوضع عليها قرابين من ظمن البقايا المعمارية والتي لاتزال اثارها شاخصة لحد الآن ..
واهم الاستنتاجات التي حصلنا عليها : ان تل قالينج آغا يعتبر مستوطنة زراعية وكان لها اهمية حضارية ودينية وذات تجارة اقتصادية مع الدول المجاورة والدليل على ذلك وجود حجر الأوبسيدين (زجاج بركاني) لأن مصدرة مدينة وان في تركيا ،
ومما اكتشفناه من اللقى الاثرية التي لها تفسير عقائدي رؤوس الثيران من الطين وجد بعضها مثبتا في جدران بعض الابنية الدينية، وهذا يدل على تقديس الثور من قبل سكنة قالينج آغا في عصر الوركاء .
وفي ( جتل هيوك ) قرب قونيا في الأناضول استخدم تماثيل رؤوس الثيران لزخرفة جدران احدى المعابد وهذا التشابه يدل على وجود تأثيرات فكرية وحضارية بين قالينج آغا وبلاد الأناضول .
ودليل اخر عثرنا عليه في هذا الموسم وجود نظام ملكية لأننا عثرنا على 7 بيوت سكنى منتظمة ومنفصل الواحد عن الاخر ، ولم نعثر على اي ادلة على وجود كتابة صورية في قالينج آغا في الموسم الخامس .
• وقد التقيت بعدة اساتذة متخصصين بعلم الاثار في أربيل وجهت لهم بعض الاسئلة حول تل قالينج آغا منهم :
استاذ د. دلشاد عزيز زاموا ( ( 30استاذ قسم الأثار – جامعة صلاح الدين – أربيل
1- استاذ دلشاد .. لوسمحت هل تبين لنا أيهما الاقدم قلعة أربيل ام تل قالينج آغا ؟
يعود تاريخ مدينة أربيل إلى أكثر من ستة آلاف سنة .. والدليل على ذلك العثور على مستوطنة تل قالينج آغا حيث يعود تاريخها إلى أكثر من سبع الآف سنة الكتابات المسمارية تبرهن ان مايقارب 4200 عام ق.م كانت مدينة اوربيليوم تحت قلعة أربيل الحالية ، ولانعلم معلومات حول الطبقات السفلى للقلعة وكم طبقة أقدم تحتها ، وبدون التنقيبات لانعلم تاريخ بناء القلعة ولو تمت التنقيبات للطبقات السفلي سنعرف ايهما الاقدم ..
ولاكن نحن متأكدون من خلال الاثار المكتشفة ان الحياة بدأت قبل 7000 عام في تل قالينج آغا اي قالينج آغا اقدم من القلعة ، وحسب دراستي للموقع تبين لي أنه بعد مضى 2000 عام على الحياة في قالينج آغا هجرها سكانها متوجهين للعيش في القلعة .. ربما كان الانسب لهم للعيش .
2- د. دلشاد .. هل توجد اي كتابة مسمارية تتحدث عن تل قالينج آغا أو معابدها ؟
لحد الان لم نعثر على اي كتابة تتحدث عن تل قالينج آغا
3- د. دلشاد .. لماذا لايتم اكمال التنقيبات في تل قالينج آغا ؟
هناك اسباب عديدة .. اهمها عدم وجود ميزانية للتنقيبات وعدم وجود الخطة المناسبة لبدء مثل هذه التنقيبات الكبيرة وعدم معرفة طرق الحفاظ على هذه الآثار اذ تم التنقيبات فيجب الحفاظ على هذه الابنية والمعابد والجدران المهمة من الامطار والرياح والزلازل ، لهذا يجب اخذ الاستعداد كليا قبل القيام بذلك فتل قالينج آغا له اهمية كبيرة بقائه على هذا الحال افظل في الوقت الحالي ..
• والتقينا مع السيد أبوبكر عثمان ( ملا آوات 31 ) مديرعام للآثار في أربيل
استاذ آوات .. رغم وجود كل هذه البعثات الاثرية لماذا لايتم اكمال التنقيبات في تل قالينج آغا ؟
نعم .. الآثار الموجودة في إقليم كردستان تمتد إلى حضارات عمرها آلاف السنين، إلا أن جزءا كبيرا من المواقع الأثرية لم يجر التنقيب عليها والبعض الاخر توقفت فيها التنقيبات ، ونستطيع ان نقول ان 70% من مساحة تل قالينج آغا لم تتم التنقيبات فيها و رغم وجود بعثات اجنبية كثيرة في اقليم كردستان ، ولاكن هذه البعثات تريد ان تكتشف اماكن جديدة واثار جديدة ولاترغب التنقيب في مكان اثري تمت التنقيبات فيه من قبل بعثات اخرى ..
وكل مكان اثري لكي يتم التنقيبات فيها يجب ان تكون هناك اهداف محددة منها انقاذ الموقع بسبب توسعات أو اضرار محتملة وهذا لم يحدث بعد توسعات الموسم الخامس .
• وحول وجود نفق تحت التلة وجهنا سؤال للأستاذ ( احمد جودت ) مدير المتحف الحضاري في أربيل استاذ احمد .. لوسمحت هل يوجد نفق اوكهريز يربط بين تل قالينج آغا وقلعة أربيل ؟
لحد الان لم نعثر على اي نفق يربط بين التلة وقلعة أربيل رغم العثورعلى كهريز قرب بلدية أربيل ولاكن بسبب عدم وجود الاجهزة الخاصة ومتخصصين بالانفاق لم يتم معرفة اي شيء عن هذا النفق والى أين يؤدي ..
• كما سألنا الاستاذ رفيق رسول 32 (منقب آثار) عن أهمية موقع قالينج آغا .. فأجاب مشكورا̎ :
عندما نتأمل العيش في تل قالينج آغا الأثري يتبين لنا وجود اشخاص لهم منزلة اجتماعية ترعى اعمال المستوطنة واشخاص لهم خبرة في أعمال البناء ونرى كيف تم ترتيب المعابد والبيوت والطرق وكان هناك اشخاص متخصصين بالنحت والتجارة …
الاهم اننا علمنا بأن اهالي قالينج آغا كانت لديهم معتقداتهم الدينية من خلال العثور على دمى لرؤوس الثيران و الآلهة الأم ، وتبين ان اهالي قالينج آغا كانوا يمارسون التجارة حتى مع دول بعيدة والحمار كان الوسيلة الرئيسية للتنقلات ومن خلال التنقيبات عثرعلى مواد اثرية لاتوجد اصلا في الارض العراقية .
غادرت التلة …. بخطوات متمهلة ومتثاقلة …… موقنة انني سوف اعود اليها ، مع كل اكتشاف جديد لمعلم جديد فيها ، انها تلة رائعة ، تخفي بين جدران بيوتها القديمة ، وسورها المهيب المغرق في القِدم ، تخفي الكثير من عبق الماضي ، واسراره وغموضه كل حجر وكل ربوة هنا ، تكاد تشي بأنه لا يزال في حناياها الكثير الكثير مما لم يكشف الستر عنه بعد .
وقد بعثت العشرات من الايميلات للمتحف العراقي كي اتمكن من معرفة مصير قلادة قالينج آغا وكل مايتعلق بقالينج آغا …. ولاكن مع الاسف لم احصل على اي رد ، واتمنى ان نعرف هل القلادة مفقودة أم لاتزال من ضمن محتويات المتحف العراقي .
جيــهان شيــركو ̸ أربيل 2018
اقدم شكري وتقديري الى موظفي مديرية آثار أربيل ، متحف أربيل الحضاري ، مكتبة كلية الآثار جامعة صلاح الدين .
المصــــادر المــعتمـــدة :
مجلة سومر، العدد 25(1969)، ص3
مجلة سومر، العدد 26 (1970) ص31
مجلة سومر، العدد 27 (1971) ، ص45
مجلة سومر، العدد 29 (1973) ص13
التاريخ من باطن الأرض ، د. بهنام ابو الصوف
مجلة مهد الحضارات العدد 6،7 ( بداية ظهورالمدن ) د. نائل حنون
المدافن في العراق القديم ، محمود فارس الوردي
حضارة العراق ج2 الفصل 6 ، التجارة ، رضا جواد الهاشمي
حضارة العراق ج2 الفصل 8 ، العلوم والمعارف ، د. فاروق ناصر الراوي
أربيل في أدوارها التأريخية ، زبير بلال اسماعيل
YEARS OF ARCHAEOLOGICAL STUDIES 30 BEHNAM ABU ALSOOF