صدرت للكاتبة الكردية السورية نارين عمر روايتان أولاهما: موسم النزوح إلى الغرب، عن دارالخليج للنشر والطباعة 2018، والثانية: عناق القلم لفصول الرّوح” الصادرة عن دار السّكرية 2018 – القاهرة. في مايلي مقطع من أجواء روايتها الأولى:
قبلَ الحربِ بخطوات
كنتُ أتنفّسُ الوطنَ يتجدّد وريد شهيقي وزفيري يُبْعَث من جديد.
الصّيفُ يفيض بالنّهّر في قلبي والنّبع تنبجس منه روافد وليدة
خريف روحي تخضرّ أوراقه غير المتساقطة دفء الشّتاء يحرّر فكري من صقيعِ حروفٍ تائهة
والرّبيعُ ينعشني بنرجس ذاتي ونسرينها.
قُبَلُ الفصول بين عناقٍ وشمّة وجْدٍ كانت تغري قصائدَ العشق كي تلثم جبين خاطري الولهِ بحسّي.
كنتُ أتلاشى على جناحي الشّعْر في تلّةٍ تعتلي الوادي المنسوب للشّعراء أستبدلُ الجنون بالتّعقّل، أتخبّط ترابَ الأرض في لحظات خلوتها بالسّماء أنقشُ على صخرة الأمنيّات:
وطني سيّد نفسي وأنا ذاته السيّدة
بعد الحربِ بخطوة تنفسّتُ الوطنَ، تقيّأ شهيقي بالأسود، زفيري هطل بالأحمر.
فصول العام تقوقعتْ في الرّبيع طمعاً في كنفها الأبيض المورق، فوجِئَتْ بالرّبيع يصارعُ الإقامة الجبريّـة في ملاجـئ الزّمهريـر واليَبَاس بتهمة إضاعة ضربة الجزاء في ملعبِ الوطن.
وفي ما يلي مقطع من روايتها الثانية: عناق القلم لفصول الرّوح” الصادرة عن دار السّكرية 2018:
الولوج إلى عالم هذه الرّواية قد يبدو مقلقاً أو مفزعاً بعض الشّيءِ في بادئ الأمر، لأنّه وبمجرّد التّفكير في القبور أو بالأموات يثير القلق أو الخشية في النّفس والقلب لدينا نحن البشر على الرّغم من معرفتنا الأكيدة بأنّ هذا العالم هو واقعنا الثّاني، بل وواقعنا الذي سيدفعنا فيما بعد إلى العالم الآخر لنا، وما يسمّى العالم الحقيقيّ، ولكنّهما أي “القلق والفزع” سرعان ما يتحوّلان إلى أمل وتأمّلٍ حين نسبرُ أعماق العالم بكلّ حيثياته وتجلّياته.
بدأت أحداثها صدفةً حين تعطّلت بنا الحافلة التي كانت تقلنا من مدينةٍ كبيرةٍ إلى مدينتا الصّغيرة عند مقبرةٍ إحدى البلدات، وخلال تأمّلي لتلك القبور أدركتُ أنّها تحاول أن تبوح بالأسرار التي تُفشى إليها ليلاً من البشر الأحياء الذين ما يزالون فوق سطح الأرض، خاصة وأنّ امرأة عجوزاً كانت ترثي ابنها الذي رحل عنها منذ سنواتٍ طويلة وهي تحكي له قصّة حياتها وبالتّفصيل المسهب منذ لحظة رحيله وحتّى تلك الّلحظة التي تزوره فيها.
معظم قصص هذا العالم حقيقيّة، استنبطتها من أرض وسماء وضفافيّ ومسمعيّ الواقع.
الكثير منها كُتِبَت بقلم ذاكرتي المرويّ من حبر الطّفولة وغدير الصّبا ومنهل الشّباب وينابيع ما بعدها؛ عشتُ أحداثها وعايشتها، البعضُ منها سمعتها من أشخاص حقيقيّين، يروون أحداثاً حقيقيّة، القليل منها نُقِلَ إليّ روايةً ولكن فيها الكثير من الصّدق والواقعيّة.
شخوصها ممَنْ رحلوا، أو ما يزالون يعيشون حتّى الآن بيننا، البعض منهم ما يزالون يتجرّعُون غصّات ما حدث لهم، والبعض الآخر تناسوا وتجاهلوا ما حدث حتّى استطاعوا شطب الكثير من حوادثها من الفكر والذّهن.
مؤكّد أنّ الخيال لعب دوره في حبكة القصص والأحداث والحوادث ما أضاف إليها –كما أظنّ- نوعاً من التّشويق والإثارة. حاولتُ أن أكسِرَ حاجز الخوفِ بين عالمنا والعالم الآخر، بين سكّان أرضنا وسكّان عالمهم، وأن أؤكّدَ على وجوبِ التّأقلم مع هذا العالم لأنّه ينتظرنا بفارغ الصّبر طال بنا المقام في عالمنا الدّنيويّ أو قَصُر. فالكثيرُ منّا لا يتوانى عن ارتكابِ أكثر الأفعال والأخطاء فداحة وبشاعة ولكنّه يظهرُ خوفاً غير معقولٍ وفزعاً مبالغاً فيه عندما يقفُ على أعتابِ هذا العالم الذي نتحدّثُ عنه، أو يضطرّ إلى زيارته رغماً منه أو لتحقيق مصالح ما أو لإرضاء آخرين طمعاً في الحصول على مكاسب ما.
أردتُ أن أؤكّدَ على أنّ هذا العالم لا يثيرُ الخوفَ والفزعَ فينا، لأنّ سكّانه قد علموا ماهية الوجود وحقيقة الحياةِ أكثر منّا، بل يدعوننا إلى المزيدِ من التّأمّل في أيّام عمرنا الذي قد يطولُ أو يقصر.
حاولتُ الولوج إلى عمق الألم والأمل، أتمنّى أن أكون وفقّتُ في الحدّ من الألم وفي غرسِ بعض بذور الأمل والتّأمّلِ في النّفسِ والفكرِ والوجْدانِ.
والجديربالذكر أن نارين عمربدأت تجربتها الأدبية كشاعرة وقاصة باللغتين العربية والكردية، وصدرت لها مجموعة من الأعمال الأدبية، من بينها بعض الكتب في مجال أدب الأطفال