لِمَاذا فَاز أرنوب؟ *

أحمد إسماعيل اسماعيل
ما أنْ طلعت شمسُ الربيع من بين الغيوم الخفيفة، وأرسلت أشعتها الدافئة إلى الأرض، حتى توجهت جميع حيوانات الحديقة إلى ميدان السباق. 
وهناك وقف المتسابقون في صف واحد، على أُهبة الاستعداد بانتظار صافرة المشرف، وعندما وضع المشرف الصافرة في فمه، ورفع يَدَه عالياً، قفز أرنوب إلى الميدان ووقف بين المتسابقين، فأثار ذلك استغراب المشرف، وعقدت الدهشة ألسنة الحاضرين، وسرعان ما سَرَت الهمهمات بين الجميع وهم يتساءلون:
– ما الذي جعل هذا الفاشل يشارك في السباق مرّة أخرى؟!
– من المعيب أنْ يشارك في السباق أرنب هزمته سلحفاة.
كانت خسارة أرنوب أمام السلحفاة في مهرجان سابق قد جعلته يتوارى عن الأنظار زمناً طويلاً، ويقفز بعيداً كلّما صادف أحدهم. 
سأل المشرف على السباق أرنوباً: هل جئت لتشاركَ في هذا السباق يا أرنوب؟ 
وقبل أنْ يرد أرنوب ويعلن عن موافقته، علّت الضحكات وسط الحضور، وتناهى إلى سمعه كلمات السخرية من خسارته القديمة أمام السلحفاة، فأنتابه خجل شديد، وأحسَّ بالندم على تسرعه في اتخاذ القرار بالمشاركة في هذا السباق، وكاد أنْ يعلن عن انسحابه من الميدان، والعودة إلى جحره، ولكنه لم يفعل، بل رفع صوته بقوة وثقة، وأجاب بالموافقة على سؤال المشرف، ومن فوره أطلق المشرف صافرة بدء السباق.
جمع أرنوب قوته كلَّها وهو يجري في ساحة الميدان ويقفز بخفة، وسرعان ما تقدم الجميع، وسمع خلال جَرْيه هتافات باسمه، وتصفيقاً له، فضاعف من سرعته. 
وقُبيل خط النهاية؛ علا لهاثه، وجفَّ حلْقه، وأحسَّ بالتعب الشديد.
وعندما نظر خلفه؛ وشاهد تقدمه الكبير على المتسابقين الآخرين، قرر الجلوس بالقرب من شجيرة صادف وجوُدها في طريقه، ليلتقطَ خِلال ذلك أنفاسَه، ويتظاهر بالنوم ساخراً من السلحفاة، لينطلق نحو الهدف بسرعة حين تقترب منه، كي يضحك منها الجميع.
وأستلقى على الأرض، ووضع قدماً على قدم، وأخذ يتخيل حدوث ذلك كلّه وهو يضحك بانتشاء.
لم يمض وقت كثير حتى سمع وقع أقدام تفترب منه، التفت خلّفه ليتأكد وهو يخشى أن يشاهد السلحفاة مرة اخرى، غير أنه شاهد أرنباً آخرى يجري بسرعة وقد اقترب منه، فقفز من مكانه وراح يجري بسرعة رغم التعب الشديد، حتى وصل إلى خط النهاية قبل الجميع. 
وفي نهاية السباق، أعلن المشرف فَوْزه، وقَلَّده وسام الفوز، ففرح أصدقاؤه كثيراً وهما يشاهدونه يقف على منصة عالية، وصَفَّق جميع الحضور وهتفوا له، وكذلك فعلت السلحفاة، وكثير ممن كان يسخر منه. 
*قصة للأطفال نشرت في مجلة ماجد عدد يوم 8-8-2018

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

رضوان شيخو

يا عازف العود، مهلا حين تعزفه!
لا تزعج العود، إن العود حساس..
أوتاره تشبه الأوتار في نغمي
في عزفها الحب، إن الحب وسواس
كأنما موجة الآلام تتبعنا
من بين أشيائها سيف ومتراس،
تختار من بين ما تختار أفئدة
ضاقت لها من صروف الدهر أنفاس
تكابد العيش طرا دونما صخب
وقد غزا كل من في الدار إفلاس
يا صاحب العود، لا تهزأ بنائبة
قد كان من…

ماهين شيخاني

الآن… هي هناك، في المطار، في دولة الأردن. لا أعلم إن كان مطار الملكة علياء أم غيره، فما قيمة الأسماء حين تضيع منّا الأوطان والأحبة..؟. لحظات فقط وستكون داخل الطائرة، تحلّق بعيداً عن ترابها، عن الدار التي شهدت خطواتها الأولى، عن كل ركن كنت أزيّنه بابتسامتها الصغيرة.

أنا وحدي الآن، حارس دموعها ومخبأ أسرارها. لم…

إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

فَلسفةُ الجَمَالِ هِيَ فَرْعٌ مِنَ الفَلسفةِ يَدْرُسُ طَبيعةَ الجَمَالِ والذَّوْقِ والفَنِّ ، في الطبيعةِ والأعمالِ البشريةِ والأنساقِ الاجتماعية، وَيُكَرِّسُ التفكيرَ النَّقْدِيَّ في البُنى الثَّقَافيةِ بِكُلِّ صُوَرِهَا في الفَنِّ، وَتَجَلِّيَاتِها في الطبيعة ، وانعكاساتِها في المُجتمع، وَيُحَلِّلُ التَّجَارِبَ الحِسِّيةَ، والبُنى العاطفية ، والتفاصيلَ الوِجْدَانِيَّة ، وَالقِيَمَ العقلانيةَ ،…

إبراهيم اليوسف

الكتابة البقاء

لم تدخل مزكين حسكو عالم الكتابة كما حال من هو عابر في نزهة عابرة، بل اندفعت إليه كمن يلقي بنفسه في محرقة يومية، عبر معركة وجودية، حيث الكلمة ليست زينة ولا ترفاً، مادامت تملك كل شروط الجمال العالي: روحاً وحضوراً، لأن الكلمة في منظورها ليست إلا فعل انتماء كامل إلى لغة أرادت أن…