حنٌا مينه: مشروعي المستقبلي أن أموت.. شكرا للحياة ووداعا

حسن سليفاني
 
كان الرجل الشامي المكنى ب أبي كنان، الذي إستأجرنا مشتمله الملاصق لبيته لعدة أيام ، مرحا ، طيبا ، حينما إستدعيناه لمعالجة خلل في التلفزيون ، ما أن رأى كتبنا الكثيرة المبعثرة على القنبة والتي كنا قد إشتريناها من مكتبات الشام ، حتى هتف : 
– يبدو أنكما ايضا مجنونان بالكتب كجاري!!
 – ومن هو جارك المجنون ياترى؟
 – حنٌا مينه – الروائي ؟
 – اي هو بعينه – نريد ان نراه ونسلم عليه ، ممكن ؟
 – طبعا ممكن تناول سماعة التلفون: استاذ حنٌا في اثنين كرد مجانين بيحبو الكتب كثير ، ساكنين عندي يحبون يشوفوك ويتعرفو عليك . بعد أن انهى مكالمته قال لنا :غدا في الثامنة مساءا سيستقبلكم في بيته . مساء 11-11-2002 كان لنا ( الشاعر الشهيد مهدي خوشناو وأنا) موعد مع الروائي السوري حنٌا مينا في شقته الشامية .إستقبلنا وزوجته مريانا بفرح .كان في كامل أناقته وأبهته ،حليق الذقن ، باسم الوجه منشرحا ، ممتلئا بحيوية الحياة رغم سنينه المتراكمة . رحب بنا الرجل وزوجته وقادنا الى صالة جلوس صغيرة تزدان بلوحات فنية وكتب تجلس فوق بعضها بلا إنتظام على منضدة لاتبعد عنا كثيرا. بسرور باد قدم لنا الرجل الحلم حنا مينا علبة سكائر مفتوحة : – تفضلا سبقت صديقي مهدي وقلت له :
 لاندخن – كيف كتاب ولاتدخنان ؟ 
– ربما هناك ماهو اولى من السيكارة تسبقه إبتسامة صافية قال : غلبتني ايها الكردي . نهض وإتجه نحو الثلاجة ، وأتى بقارورة عسلية تختزن فرحا سيشع بعد قليل ، ماان فتحها حتى كانت الكؤوس قد إتخذت لها أماكن على الطاولة . قال لي مهدي هامسا بالكردية ( لم فعلت ذلك ؟ قد لايكون لائقا ما قلت له . قلت له للجنون طقوس ولنمارسها الليلة في حضرة كاتب يعشق الحياة) تكلم الروائي بشغف وعبر عن سعادته للزبارة ، كان طليقا ، حرا ، يحس بأمان خفي يحيط به . إستأذنته ان يسمح لي بتدوين بعض محاور كلامه والدردشة حول المواضيع التي تطرق اليها في جلستنا التي غدت جميلة ، عفوية وبسيطة ، قال حسنا ايها الكردي ، لك ماتشاء . هنا سانقل للقراء حرفيا بعض مقولاته بدون رتوش كما هي مثلما مامكتوب في مسوداتي الورقية الآيلة لفقدان بعض حروفها من تقادم السنين عليها .
 • بيتي بسيط وحياتي بسيطة . أحب البساطة . اذا كان عندي مال ، افضل أن أعطي نصفه لمن يستحق . هناك أسر وناس أنا أتكفلهم بقلمي . حينما منحت في آذار عام 2002 وسام الإستحقاق السوري من الدرجة الممتازة مع زكريا ثامر وعبدالكريم اليافي ، ومع الوسام كان مبلغ 300000 ليرة سورية ، وزعت الكثير منه في اللاذقية ودمشق لمن وجدت أنهم يستحقونه..اتمنى ان يستمر هذا النهج في تكريم الأدباء ودعمهم .
 • ماأردت لشئ أن يكون ، إلاُ يكون .
 • لاأحب الشتاء والليل والنوم .عندي تجربة ناقصة ، هي إنني لم أجد حتى الآن المرأة التي تجعلني أدور حول بيتها وألاحقها وأركع أمامها أو ابكي أمامها . لقد عرفتني النساء ، الا انه لمعروف عني كما في الروايات إنني لم أعرف الحب الاُ في الروايات والقصص .( قلت له: ولماذا لم تعرف الحب ؟ ) قال : هذا قدري .. النساء اللواتي عرفتهن ، روضتهن بسرعة ، ولم تأت واحدة منهن لترويضى . 
• إذا أدارت المرأة ظهرها لك، دعها تذهب بسلام . 
• إمُا أن أكون أنا النسر ، أو لاأكون . الإنسان مخير بين أمرين ، هل يملك قلب نسر؟ أم قلب عصفور ؟ هنا المسألة . 
• أن تندم على الصمت ، أفضل من أن تندم على الكلام في غير محله . 
• إذا إستعجلنا الإنتصار قتلناه ، الإنتصار لايأتي الاُ على مهل . 
• الفنان هو من يملك معلمية الفن . الخياط فنان حينما يملك معلمية الفن ،وكذلك الحمُال والحلاُق والصحفي .
• يقول صاحب دار الآداب: أنا أعتمد على مبيعات كتب وروايات حنا مينه ودواوين نزار قباني. 
• مهمتي أن أكتب وأن تتواصل الأجيال .
• أنا اوسع الكتاب العرب إنتشارا ، حتى من نجيب محفوظ بعد نوبل . أعيش من قلمي وهذا نادرا مايحصل في الوطن العربي .. أنا إستثناء ، دار الآداب تربح مني لأني أنتشر .. أنا أطلب اعلى الأسعار وآخر أقل الاسعار (يقصد اللقاءات التلفزيونية ) اتقاضى 100000 ليرة سورية عن كل ساعة في التلفزيون السوري ، و 2000 دولار للساعة في التلفزيونات الاخرى . ضمن حوارنا العفوي سألت الروائي حنا مينه :
 – ماهو مشروعك المستقبلي ؟ – مشروعي المستقبلي أن أموت . – ولم الموت ؟
 – لأني عرفت كل شىء في هذه الحياة ، عشت الحلو والمر ، الذل والعز، الجوع والشبع ، عرفت كل انواع الحياة ، وشكرا للحياة ووداعا . 
– لماذا الوداع ؟
 – لقد طاردت الحياة كل عمري ولاأريد أن تطاردني الحياة في شيخوختي . إني أحب الحياة وأباركها ، ولأني احبها ، أريد أن اموت وأنا أحبها ، دون أن ياتي يوم أقول فيه ماقاله الشاعر زهير بن أبي سلمى ( سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ثمانين حولا لا أبالك يسأم ) .
 – هناك رواية ماكتبتها ، ولن أكتبها ، ولاتسألوني عن السبب . 
كنا انا وصديقي مهدي نطلب منه الإذن بالسماح للمغادرة ، إلاُ أنه كان مصرا على بقائنا لأطول فترة ، وحينما كررنا الطلب بعد مضي مايقارب الثلاث ساعات ، تدخلت المرأة الوقورة مريانا و قالت :
 اتصدقون إني لم أره سعيدا ،مرحا ، منشرحا منذ سنوات كالآن .. إنه فرحان بكما .دعوه يمارس طقسه المفضل بالإحتفال بكما .
 أهدانا الكاتب الكبير بعض رواياته وكتبه النقدية وودعنا بإبتسامات حب لن تنسى .. 
حنا مينا ايها القلم المعلم ، ايها الخالد ، شكرا لك ولنبل اخلاقك ، لروحك المرحة ،السكينة والهدوء .هلاُ تعذرني اذ تأخرت بالكتابة عنك؟؟ 
22-8-2018 دهوك – كردستان

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

حيدر عمر

تمهيد.

الأدب المقارن منهج يعنى بدراسة الآداب بغية اكتشاف أوجه التشابه والتأثيرات المتبادلة بينها، ويكون ذلك بدراسة نصوص أدبية، كالقصة أو الرواية أو المقالة أو الشعر، تنتمي إلى شعبين ولغتين أو أكثر، و تخضع لمقتضيات اللغة التي كُتبت بها. ترى سوزان باسنيت أن أبسط تعريف لمصطلح الأدب المقارن هو أنه “يعنى بدراسة نصوص عبر ثقافات…

نابلس، فلسطين: 2/7/2025

في إصدار ثقافي لافت يثري المكتبة العربية، يطل كتاب:

“Translations About Firas Haj Muhammad (English, Kurdî, Español)”

للكاتب والناقد الفلسطيني فراس حج محمد، ليقدم رؤية عميقة تتجاوز العمل الأدبي إلى التأمل في فعل الترجمة ذاته ودوره الحيوي في بناء الجسور الثقافية والفكرية. يجمع هذا الكتاب بين النصوص الإبداعية المترجمة ومقاربات نقدية حول فعل الترجمة في…

سربند حبيب

صدرت مؤخراً مجموعة شعرية بعنوان «ظلال الحروف المتعبة»، للشاعر الكوردي روني صوفي، ضمن إصدارات دار آفا للنشر، وهي باكورة أعماله الأدبية. تقع المجموعة الشعرية في (108) صفحة من القطع الوسط، و تتوزّع قصائدها ما بين الطول والقِصَر. تعكس صوتاً شعرياً، يسعى للبوح والانعتاق من قيد اللغة المألوفة، عبر توظيف صور شفّافة وأخرى صعبة، تقف…

عبد الجابر حبيب

 

أمّا أنا،

فأنتظرُكِ عندَ مُنحنى الرغبةِ،

حيثُ يتباطأُ الوقتُ

حتّى تكتملَ خطوتُكِ.

 

أفرشُ خُطايَ

في ممرّاتِ عشقِكِ،

أُرتّبُ أنفاسي على إيقاعِ أنفاسِكِ،

وأنتظرُ حقائبَ العودةِ،

لأُمسكَ بقبضتي

بقايا ضوءٍ

انعكسَ على مرآةِ وجهِكِ،

فأحرقَ المسافةَ بيني، وبينَكِ.

 

كلّما تغيبين،

في فراغاتِ العُمرِ،

تتساقطُ المدنُ من خرائطِها،

ويتخبّطُ النهارُ في آخرِ أُمنياتي،

ويرحلُ حُلمي باحثاً عن ظلِّكِ.

 

أُدرِكُ أنّكِ لا تُشبهينَ إلّا نفسَكِ،

وأُدرِكُ أنَّ شَعرَكِ لا يُشبِهُ الليلَ،

وأُدرِكُ أنَّ لكلِّ بدايةٍ…