تجارب مسرحية كوردية في سوريا

 شوان جعفر
الترجمة عن الكردية مع التعليق : ابراهيم محمود
يعيش حوالي مليون كُردي في سوريا ” 1 “، وفي ثلاث مناطق: منطقة جبل كُرمينج Çiyayê kurmênç، والتي تقع شمال غرب حلب، ومنطقة Arab-Pinar ” عين العرب ” والتي تقع شمال شرق حلب ” 2 “، والمنطقة الشرقية من هذه، في النقطة التي يصبح فيها نهر الفرات ضمن الأراضي السورية، وولاية الجزيرة. وتنفصل هذه المناطق الثلاث عن بعضها بعضاً على الأراضي السورية، من ناحية المنطقة العربية، وتنفصل كردستان سوريا من الناحية الجغرافية. وبالطريقة هذه، فإن مفهوم كرد المناطق الثلاث لا يتجزأ ” كون هذه ضمن الأراضي السورية سياسياً. توضيح من ا.م “. 
اللافت هو أن نسبة الكرد من التعداد السكاني السوري العام ” 10 بالمائة “، وهي تتعرض لمضايقات ” 3 “، فهم يعيشون في شمال البلاد حيث تكون المناطق الحدودية، سوى أنهم يتميزون بخصوصية من ناحية الحقوق القومية والاجتماعية والثقافية المشروعة. والكرد السوريون قرويون في الأصل ” 4 “، إذ قبل توجه الأتراك إلى سوريا في عام 1918، لم يكن لمفهوم المسرح أي نشاط في هذا الجزء من كردستان. وفي عام 1920 اتجه الفرنساوية إلى هناك واستمروا إلى عام 1941 ” 5 “. وفي هذه الفترة الزمنية، نجد أن بعض مستشرقي المعهد الفرنسي في دمشق، أمثال روجيه ليسكو، توماس بوا، بيير روندو، قد جمعوا بعض الأدبيات الكردية وترجموها إلى لغتهم: الفرنسية ؟
وفي عام 1932 أسهم بعض المثقفين الكرد مع جلادت بدرخان في إصدار مجلة ” هاوار Hawar  “. تلك كانت مجلة ثقافية شهرية، وكانت تصدر بالكردية والفرنسية . والمجلة هذه، ووقتذاك، تقدّم لنا معلومات كثيرة حول الحياة الاجتماعية- الثقافية للكرد.
في العدد ” 20 ” من المجلة ” هاوار ” نعثر على مسرحية Lîstikek  لجلادت بدرخان باسم ” Hevind  :صاحب، رفيق، أنيس، صديق..”، وهي مكونة من فصل واحد وعشر شخصيات ” 6 “. وبحسب معلوماتنا، فإن هذه المسرحية لم تمثَّل لا في سوريا ولا في أي مكان آخر .
وأول مسرحية تعرَف لدينا هي ” Kawa Hesinkar كاوا الحداد “، حيث إنها مثّلت بمناسبة تهنئة نوروز، في العيد القومي الكردي في 21 آذار ” 7 “.
كاوا الحداد عبارة عن أسطورة، وتبعاً لباسيل نيكيتين فإن ( الأسطورة لم تكن عند الكرد وحدهم، إنما موجودة عند الشعب الإيراني كذلك ” ” 8 “. 
هنا سنذكّر بمحتوى هذه المسرحية وحقيقة بطلها : 
كان هناك ملك مريض باسم زوهاك ” دهاك “، وجرّاء ظهور تنين ” أفعوان ” باسم ازداهاك على كتفه، كان هذا الأفعوان يشبع بأدمغة الشباب، إذ إن الملك كان يصدر قراراً يومياً بجلب ثلاثة شبان يعيشون في المدينة، للحصول على أدمغتهم، وتقديمها للأفعوان، وإن لم يتم ذلك، فسوف يعاقَب الملك . 
بعد فترة، انتفض الشعب في وجه دهاك ومعاونيه تحت قيادة حداد باسم كاوا . وفي المحصّلة، تمكَّن البطل كاوا بمساعدة أبنائه وأصدقائه وشعبه من هزيمة الملك .
وفي كل عام،إبان حلول عيد نوروز، يمكن القول أنه في عموم قرى كردستان سوريا ومدنها ” في كردستان العراق كذلك، تتم التهنئة بهذا العيد، وبصورة أقدم “. وكانت الفرق الهاوية للمسرح، تمثّل مسرحية البطل كاوا. ولا يعرَف تاريخ ظهور هذه المسرحية، حيث إنه كانت تنصبُ منصة صغيرة في ذلك اليوم خارجاً على وجه العموم، في مركز المدينة، بأدوات البناء، أو  في الداخل، في صالون مدرسة، ليجري تمثيلها. ويكون الديكور بسيطاً: فيوضع مسند من أجل منصة الملك، أمام ستارة حمراء، كما يوضع جهاز من أجل منصة كاوا، ويعني ” محل حِدَاة “.
وبالنسبة لإعداد المنصة، يكون هناك من يمتلك خبرة ما بالمسرحية، وهو يوزع الأدوار على الممثلين، حيث العدد ليس بكثير، والتمثيل يكون سهلاً جداً .
ثم إن الحوار يأتي عن طريق شخصية في الخلف، ويتم التمثيل بسهولة ، وهذه تشبه أسلوب ” كوميديا Dell Arte “، أما عن الممثلين، فهم :
-زوهاك الملك ” وهو لا يحمل أفعواناً بصورة عامة ” .
– ثلاثة محافظين مع مستشاريهم .
– كاوا ” الحداد ” البطل .
– ثلاثة أبناء/ أبناء كاوا، وشخصيات أخرى ممن يعيشون في تلك المنطقة، ولا مكان للنساء في المسرحية تلك التي تخص المنصة .
أما عن أزيائهم فتكون في منتهى البساطة. إن عموم الممثلين يرتدون لباساً شعبياً كردياً، أما بالنسبة للباس كل من كاوا والملك فيكون مختلفاً : ثمة تاج على رأس الملك، إلى جانب حزام عريض، وحذاء طويل الساق، وكاوا ذو العضلات، يرتدي مريولاً كحال الحدادين، مشدوداً إلى وسطه، ومطرقة يحملها في يده دائماً، لها خصوصية طبعاً، وهو يشمّر عن ساعديه باستمرار.
ومنذ أول الليل، يلتم الشمل لكي يتعاون أفراده، والمسرحية تعرَض دون بطاقات، مجاناً . إلى جانب أن الشعب ومن يشاركون ” أي الممثلون والتقنيون ” في منتهى الجدّية . وفي الوقت نفسه، فإن هذه المسرحية ذات معنى عميق للغاية:
إنها من ناحية، تقدّم حدثاً تاريخياً ” ثوريا ً ” ومن ناحية أخرى بالمقابل،  تكون مسرحية أسطورية.
والكرد يعظّمون هذا البطل، إذ إنهم يسمّون أبناءهم باسمه من لحظة الولادة، إلى جانب أنه في الأدبيات الكردية، ثمة تأثير نافذ  وواضح لها: في القصائد والروايات، وكذلك، فإن اسمه قد أطلِق على مسرحية لشيركو بيكه س ” 9 “.
وفي عام 1986، سعت الحكومة السورية إلى منع عرض هذه المسرحية، إلا أن ذلك سبَّب قيام مواجهات كبيرة في الكثير من المدن ما بين الشعب الكردي، والقوات النظامية السورية.
 وفي سوريا كذلك، تعتبر جميع المنشورات الكوردية محظورة، بصفة رسمية، لهذا، نجد أن بعض المثقفين الكرد ينشرون أعمالهم سراً.
وظاهر أن وجود الأحزاب السياسية الكردية ” الرسمية ” بالمقابل ” 10 “، لم تتمكن من تحسين هذا الوضع الثقافي، لهذا، فإننا نستطيع النظر في ظهور المسرح الكردي، عندما نجد أن الكثير من الممثلين الكرد، يمثّلون في السينما والمسرح السوريين، ما عدا ذلك، ليس من فرصة أخرى لهم ” * “. 
*- ملاحظة: ينوَّه إلى أنني ترجمت هذا المقطع من كتاب معد من قبل كل من جتو زيدو- يافوز آكّوزو، وهو : تاريخ المسرح الكردي، منشورات بْيوند، ستنبول، ط 1، 2015، صص112-114 ، ضمن فقرة أطول هي: بعض التجارب المسرحية الكردية في كل من تركيا، سوريا وأرمينيا، صص 110-115، حيث اقتصرت على الشأن الكردي” السوري ” لأنه يعنينا مباشرة، وللأسف الشديد، لا يبدو أن الكتاب معَدٌّ بإتقان وبتأنٍّ، ولا راعى التاريخ وربطه بالجهات الجغرافية، كما الحال بالنسبة لكرد ” سوريا “، بينما نتلمس بسهولة، وفي كتاب يقرب من ” 300 ” صفحة من الحجم الوسط، أن المكانة الرئيسة أعطيت لجنوب كردستان .
وعنوان بالكردية :
Dîroka şanoya kurdî, amadekar: Çetoyê Zîdo- Yavuz Akkuzu, weşanên Peywend, Stanbol, ç1, 2015.
على الغلاف الداخلي، ثمة التعريف بالكاتبين، جتو زيدو: من مواليد ماردين، 1981، أما الكاتب يافوز آكّوز، فهو من مواليد  شمرخ ماردين، 1982 ، وهما يهتمان بالمسرح !
إشارات وتعليقات :
1-ورد في هامش الكتاب ” ص 109 ”  أن هذا المقال نُشِر سنة 1992، في كتاب بالفرنسية ” كما ورد اسمه بالفرنسية هذه ” Les kurdes par dela l,xode  : الكرد وراء الرحيل “.
إن أول ما يمكن قوله هنا وبصيغة التساؤل: أما كان في وسع الكاتبيْن إيجاد مصدر أو مصادر أحدث من هذا التاريخ، في الوقت الذي صدر كتابهما سنة 2015 ؟ ثمة خلل في المتابعة التأريخية، وما في هذه الفسحة الزمنية الحاسمة من دلالات، وهي تغطي قرابة ربع قرن، وهي تقدّم عشرات الأمثلة ذات الصلة بالموضوع المتعلق بـ ” كرد سوريا ” الأقل حضوراً في الكتاب، خصوصاً لحظة الإشارة إلى سهولة بلوغ هذه المصادر انترنتياً وغيرها ” م “.
2- ألم يكن واجباً على الكاتبين التذكير قبل كل شيء بـ” كوباني “، طالما أنهما يتحريان المسرح الكردي ومصاعبه، ومحنة الكردية في هذا المجال، وليس مجرد الاقتباس أو الاكتفاء بالنقل دون معاينة الدقة التاريخية ؟! ” م ” .
3- هذا يحيلنا إلى الملاحظة على الهامش الأول، أي اعتبار المصدر المعتمد قديماً جداً ” سنة 1992 “، وما يخص المصدر الذي اعتمده كاتب المقال نفسه كتأريخ ” م ” .
4- إطلاق الكلام على عواهنه، ودون تحديد، يجرّد العمل البحثي من كل قيمة تأريخية وعلمية متوخاة، ومن كاتبين كرديين في الأصل، وهما لا يتوقفان عند عبارة أخرى وهي أن: الكرد ” في سوريا ” قرويون أساساً، وكان عليهما التعليق على ذلك، وحتى التذكير بمصادر/ مراجع أوضح وأحدث تفيدهما في مكاشفة هذه النقطة، ونقد كاتب مقالهما أيضاً، فثمة نسبة معلومة وفاعلة من الكرد عاشوا منذ ما قبل القرن العشرين في مدن سوريا كبرى: دمشق، حلب، خاصة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن اعتبار أغلب السوريين قرويين في أصولهم، ومنهم الكرد، عبارة قابلة للتداول، وليس في جعل الكرد هنا استثناء… ” م ” .
5- حول هذه العبارة، ثمة عدة ملاحظات، ينبغي تسطيرها: أولاً، لا مشروعية عبارة ” اتجهوا، مضوا إلى هناك çûne wir  ، ص112 ” إنما هناك ” غزو “، وأنهم استمروا إلى عام 1945، كما هو معلوم تاريخياً وليس 1941، وكان على الكاتبيَن التدقيق فيما يقتبَس، أو يتم إعداده، وليس مجرد النقل والترتيب دون معاينة تاريخية وغيرها ” م “
6- كما ورد في هامش الكتاب: بدرخان، جلادت علي: Hevind  ، هاوار، السنة الأولى، العدد 20، دمشق، 8 أيار 1933 ” بالكردية ” .
7- الموسوعة الإسلامية، منشورات ” Nû “، م 3، منشورات :
G.P. Maisonneuve et Larose, Parîs, 1975, r.480
8- نيكيتين ، باسيل : الكرد ” فعاليات اجتماعية وتاريخية “، مكتبة س. كلينسيك، باريس 1956، طبعة Nû ، منشورات اليوم، باريس 1975، ص249 .
9- بيكه س، شيركو: كاوا الحداد، منشورات جين ، السليمانية، 1971، ص 230. ويعتبر شيركو بيكه س من أشهر الشعراء الكرد، وهو من مواليد السليمانية 1940، ويقيم الآن في السويد، وحصل على جائزة Pen- club : نادي القلم، سنة 1987، وقد نشر الكثير من الكتب، خصوصاً النصوص المسرحية الشعرية: الغزال، منشورات الأكاديمية الكردية، بغداد، 1987، ومثّلت من قبل كريم اوصمان، ومن قبل مجموعة من طلبة المسرح في بغداد، والسليمانية، 1980.
ومن باب التعليق، فإن الإشارة إلى نشر مسرحية ” الغزال ” عن الأكاديمية الكردية ببغداد، سنة 1978، فذلك خطأ فاحش، إذ إن الأكاديمية تأسست في أربيل سنة 2007 ” م “.
10- لا توجد أحزاب كردية ” رسمية ” وأخرى ” غير رسمية “، وهنا أيضاً، وجب على الكاتبين إبداء ملاحظة حول هذه النقطة، وألا تمر دون مساءلتها، وحتى مساءلة المصدر المعتمَد من قبل كاتب المقال شوان جعفر، أو هكذا يبدو الاسم : Shwan Jaffar ؟!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…