حاجو آغا في ضيافة إبراهيم محمود (الجزء التاسع ـ نجدة أبناء العمومة)

فرمان بونجق
( وكانت فرنسا في سورية وقتذاك، وبعد زمن قصير يلبّي حاجو نداء “بنختي جنوب الخط” مُنجداً وفي الحصيلة كان وقوع حادثة بياندور )*.
مهما يكن من أمر، فإن الكورد على جانبي الخط، وهو الخط الحديدي الذي تم اعتباره حدودا دولية بين تركيا وسوريا، كنتيجة لترسيم الحدود التي أقرتها اتفاقية سايكس ـ بيكو، لم يعترفوا بوجود هذه الحدود حتى وقت متأخر من تأسيس الدولة السورية، وبعد رحيل سلطة الانتداب الفرنسي وجلائها. وباعتبار أن القبائل الكوردية في سهول الجزيرة الممتدة من جبال طور عابدين ولغاية جبل شنكال، هي امتداد للقبائل الكوردية الشمالية، وهم على أية حال أبناء عمومة، يسري على الجنوب ما يسري على الشمال، والعكس صحيح أيضاً، وهذه حقائق ماثلة حتى هذه اللحظة، وأي مشكك بهذا الطرح، هو مشكك بحقائق تاريخية، سواء أكان هذا المشكك كاتباً أو باحثاً أو مراقباً، وقد لا أجد لائقاً التطرق إلى أسماء بعينها في هذا السياق، وقد آتي على قراءة بعض الأبحاث، التي تناولت هذه القضية بشكل مشوّه وممجوج لاحقاً.
هذه هي خلفية استجابة حاجو آغا لنداء الاستغاثة، بعد أن ألقت فرنسا القبض سنة 1923 على “حليف” وصديق من عشيرة هفيركان من قِبل فرنسا، وتعرّض للتعذيب ثم للقتل. وكان من الطبيعي أن تفزع قيادة العشيرة لنصرة ابن العم هذا وعائلته ومن هم حوله، تجسيداً للعرف والتقليد الذي جمع أبناء عشائر هفيركان، وقد تم اتباعه بصرامة حفاظاً على وحدة القبيلة وإيفاءً بالتزاماتها إزاء أبناء العمومة، بل وأكثر من ذلك، أن حاجو آغا ذهب إلى حد بعيد في هذه المسألة، فأنجد كورداً آخرين، في مناطق أخرى، ومن خارج القبيلة، وليس هذا بخاف على أحد، وهناك وثائق كثيرة تثبت ما أزعمه.
وصل حاجو آغا على رأس قوة من ثلاثمائة فارس، إلى قرية تل شعير، القريبة من بياندور المحمية الفرنسية، وقد وضع حاجو آغا خطة الإغارة على ثكنة “قلعة” بياندور، وأوفد إثنين من رجاله هما خليل بتي، وابنه ججان، على رأس قوتين ، وقد تمكنا من تخريب القاعدة الفرنسية، وهيئا الأجواء للعملية العسكرية الكبرى التي استطاعت من خلالها الاستيلاء على القاعدة وأيضاً قرية بياندور بالكامل، وكان نتيجة هذا الغارة قتل وجرح وتشريد كامل جنود وضباط الحامية، باستثناء قائد الحامية الضابط روغان وفصيلين كانا يرافقانه في مهمة إلى منطقة “هسنان” لاستطلاع آراء أبناء المنطقة حول الوجود الفرنسي في المناطق الكوردية، وكذلك للوقوف على الحدود المرسومة حديثا هناك، والتأكد من حسن سير الاتفاقية في ذلك الجزء، حيث أكدت مدونات بعض الجنود الفرنسيين لقاءات بين الضابط “روبيرتو” المكلف من قِبل الجنرال روغان، وضباط من الجيش التركي على تخوم جزيرة بوتان. وبعد الانتصار الساحق الذي حققته قوات حاجو آغا في بياندور، بدأ العديد من العشائر الكوردية، وأيضاً بعض الشخصيات من العشائر العربية، التواصل مع حاجو آغا، باعتباره المنقذ والمخلص لحالة القمع التي كانت تمارسها سلطة الانتداب الفرنسي على أبناء المنطقة، مما دفع حاجو آغا وحلفائه من أبناء هفيركان، وكذلك من حلفائه الجدد، إلى التفكير جدّياً بإنهاء الوجود الفرنسي في الجزيرة، فولدت فكرة نصب كمين “للجنرال روغان” وهو في طريق عودته من رحلته تلك، فوقع الاختيار على منطقة قريبة من “تربه سبيى” وسميت بعد ذاك بـ ديارى توبى، حيث قُتل روغان ومن معه، وكان الانتصار في هذه المعركة بداية مرحلة جديدة. ويعلق إبراهيم محمود على واقعتي بياندور و ديارى توبى:
“تبعا لقناعتي واعتقادي، كانت الحرب هذه ثأراً عشائريا، إلى جانب كونها انتفاضة قومية أيضاً، كانت انتفاضة ضد استبداد، إلاّ أن مقصد حاجو من ناحية أخرى كان أكبر من الثأر إلى حدّ ما، كان حاجو يريد أن يقوّي هو وعشيرته، وأن يذيع صيته، لأنه لم يكن من اليسير بمكان أن يضع حاجو عشيرته بمفردها في فم المدفع، ولأن الوقوف في وجه فرنسا آنذاك لم يكن بالأمر السهل، أما عن “الوطنية” فتخريج قسري للحدث”.
وفي هذا المقام، وجدت بأنه من الضرورة بمكان، أن أرفق هذه المقالة ببعض روابط وثائق مترجمة، مصدرها وزارة الدفاع الفرنسية، لأتها تتعلق وبشكل مباشر بفحوى هذه المقالة:

http://www.gilgamish.org/2009/08/01/20251.html

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*مقتطف من مقالة شاهوز حاجو، استند عليها الباحث إبراهيم محمود في نقاشاته كإحدى المراجع.
 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…