كلمة الاميرة سينم خان بدرخان في احتفالية ذكرى مرور 40 عاماً على رحيل عمها الامير كامران بدرخان في باريس

 كلمة الاميرة سينم خان بدرخان في الندوة الاحتفالية التي اقامها المعهد الكوردي في باريس اليوم 14/12/2018 بمناسبة مرور 40 عام على وفاة الامير كامران بدرخان. القى الكلمة حفيدها المهندس ميران رومان سنريش نيابة عنها لعدم تمكنها من حضور الندوة. 
عمي العزيز، مامو!
مرت أربعون سنة ، كما لو كانت بالأمس، عندما أمسكت بيديك الكريمتين وأنت تغادر هذا العالم الى عالم اخر، آمل أن يكون أفضل من العالم الذي تركته.
ما زلت أتذكر جيداً في ذلك اليوم، عندما طلبت من صلاح أن يساعدك على الحلاقة ثم نظرت إلينا، صلاح وأنا النظرة الاخيرة. كانت نظرة الوداع. هذه النظرة اختزلت كل خصالك التي عهدناها فيك. القوة والطيبة والتسام والحكمة والتواضع.
نجتمع هنا اليوم مع أحبتك واصدقائك وعائلتك، للاحتفال بذكرى رحيلك وللاحتفال بحياتك التي كانت حياة مليئة النضال والتضحية، والايمان بقضية شعب مضطهد ووطن مفقود.
ربما تسألني يا عمي عن حال شعبنا، وعن القضية التي امنت انت واخوتك وابائك واجدادك بها وافنيتم حياتكم في الدفاع عنها..
ربما تتساءل أيضاً عما إذا كانت التضحيات التي قدمتها أنت وأبي وأسرتك كلها قد أثمرت، وما إذا كانت قد ساعدت شعبنا المضطهد في الحصول على حريته وحقوقه.
بدأت هذه التضحيات مع جدك بدرخان الكبير واستمرت مع والدك، أمين عالي، حتى استلمت، أنت، ووالدي جلادت وعمي ثريا راية النضال والكفاح حتى يوم رحيلكم . .
نعم يا عمي العزيز، ملايين شعبنا الكردي يتحدثون ويكتبون اليوم لغتنا الكردية الجميلة، اللغة التي شاركتم بها والدي في وضع  قواعد الكتابة والنحو.
حتى اليوم لا نزال نحتفل بنشر أول صحيفة كردية، كردستان، التي نشرها عمك مقداد بدرخان.
وأصبح يوم نشر مجلة هوار، التي نشرها أخوك جلادت، يوم اللغة الكردية في كوردستان الجنوبية  يحتفل به كل عام.
تم نشر معظم كتبك ومنشوراتك أيضًا، بلغتك الكردية.
وأخبرك يا عمي الحبيب بأن قاموسك الفرنسي الكوردي الذي قضيت سنوات عديدة من حياتك في الإعداد والتنظيم لصدوره وكان حلمك رؤيته قبل مغادرتك قد رأى النور اخيرا وأصبح حقيقة واقعة واحتل الصدارة في مكتبة الادب الكوردي. لقد صدر هذا القاموس بفضل جهود طلابك وأصدقاؤك  والناس الذين يحبونك.
أقول لك، مامو! أن شعبك كان على حافة الهاوية والاختفاء وعانى الموت والدمار عدة مرات منذ رحيلك.
لقد قُتل إخوانكم وأخواتكم وأبناؤكم بالسلاح الكيميائي، من قبل عدو لا يرحم، كان هدفه القضاء على الشعب الكردي ومحو القضية الكردية إلى الأبد.
لقد عشنا فترات طويلة حيث كان الحديث أو القراءة أو الغناء بلغتنا جريمة كبيرة.
قاومنا وصمدنا وحافظنا على ثقتنا بعدالة بقضيتنا وثبت الشعب على ارضه وارض اجداده وتمسك بها و بذل لها الغالي والنفيس.. كلما ضعفنا او وهنا، تذكرنا نضالكم، واستمدينا قوتنا من إرادتكم وعزمكم، الذي لم ينحني أو يضعف.. تجمع الأكراد حول العلم الكردي الذي وضعه والدك، أمين عالي والذي اصبح رمزا لنا منذ رفعه عاليا على جبال كوردستان.
لقد قدمنا ​​الآلاف والآلاف من الأرواح لهذا العلم. رمز طبيعتنا الخضراء الجميلة، بياض ونقاء قلوبنا، الدم الأحمر لشهدائنا والشمس الذهبية التي ستشرق دائما وابدا على ارض كوردستان وعلى شعبها الكوردي الى الابد.. 
مامو! كم نحتاجك اليوم ونحتاج، معرفتك، ثقافتك، تواضعك وحكمتك ولكن هيهات ان يعود الزمن الى الوراء لذلك سأظل احيى على ذكراك وذكرياتي معك. 
ذكريات أعادتني إلى عام 1967، في باريس، حيث التقينا بعد 20 سنة من الفراق حينما افترقنا عام 1947 في بيروت. بعد كل اعوام الفراق الطويلة كنت كما تركتك, هادئا وواثقا, قويا ودائما متفائلا.. ما زلت أحتفظ  بالقطعة الصغيرة من الورق التي كتبت عليها اربعة ابيات من شعرك الرقيق بالكوردية لتكون هديتي بمناسبة قدومي ولقائنا. 
أشارك الحضور الكريم اليوم قراءة هذه القصيدة الصغيرة:
الشمس تسطع والسماء صافية…… زرقاء بلا غم وغيوم 
من الاتية من الاتية…… انها حبيبتي سينم خان 
أمضينا شهراً معك وبحضور ناتاشا وصلاح وجمشيد.
ذهبنا لاكتشاف باريس، العزيزة على قلبك وزرنا معالمها واثارها ولمسنا مدى حبك وتعلقك بهذه المدينة الجميلة. 
لقد كان شهرًا من السعادة المشتركة بعد كل هذه السنوات من الغياب.
يرجع بي الزمان ايضا الى قرية ناوبردان في جنوب كردستان في عام 1970 عندما حضرنا انا وصلاح معك الى احد المؤتمرات وكنا ضيوفا على الزعيم التاريخي العظيم ملا مصطفى البارزاني في هذه القرية النائية الصغيرة .
لقد أعطيتنا انت والبارزاني الخالد أعظم الدروس في التواضع والانسانية وسلوك القادة العظماء.
تعلمنا درس التواضع عندما قام البارزاني الخالد بحمل حقيبة سفرك الصغيرة ولم يقبل أن يحملها أي شخص آخر. فعل ذلك على الملأ وامام جميع الحاضرين وقال للجميع هذا (اشارة لك) قائد الشعب الكوردي وكانت لفتة انسانية عظيمة فيها من المعاني الكثير والكثير التي تدل على شخصية البارزاني الخالد.  
ثم اتى الدرس الاخر منك عندما رفضت بكل ادب وتواضع منصب سياسي كبير وطلبت بالمقابل من الزعيم البارزاني ان يخصص لك مبنى صغير تقوم فيه بتدريس اللغة الكوردية الى البيشمركة الابطال وعوائلهم. 
أردت تحمل هذه المدرسة الصغيرة اسم شقيقك، جلادت عرفانا منك بدوره الكبير في الحركة الوطنية والادبية الكوردية وتخليدا لدوره في ارساء اسس وقواعد اللغة الكوردية. 
حتى يعلم الجميع أن معاناتك في الحياة بدأت منذ سن مبكرة سأقرأ مقطعًا من المقابلة الصحفية التي اجراها معك  توماس بوا في عام 1946، في بيروت للحديث عن ذكرياتك. 
**بداية الاقتباس
هناك في القسطنطينية حيث أيام الخريف الحارة جداً كنت ألعب في حديقة المدرسة، اتصل بي أخي الأكبر جلادت طلب مني الحضور معه الى مهجع الطلاب. كنت في التاسعة من عمري وأخي جلادت في الحادية عشر. صعدنا إلى المهجع سوية واذا بي ارى شخصين يرتديان ملابس سوداء  أمام الباب.
اخبرنا المراقب العام بأننا كنا مطلوبين للمثول امام مدير المدرسة. انا وجلادت واخي ثريا وتسعة من ابناء عمومتي.
ذهبنا بمعية المراقب الى غرفة المدير ووجدنا المزيد من الرجال ذوي المعاطف السوداء. التفت المراقب الى احده و قال له.. تمام افندم.. كلهم هنا.. احد عشر فردا.. اعتقد بان ان هناك فرد اخر متغيب.
غادرنا المدرسة برفقة رجال الامن من الباب الرئيسي المطل على غلاظة سراي بدلا من الباب العادي  الذي كنا نرتاده يوميا.. كانت السيارات تنتظرنا، وقد تم حشر كل اثنين منا مع اثنين من رجال الامن في الخلف وجلس رجل امن ثالث بجنب السائق في كل سيارة حتى تم استيعاب عددنا جميعا.  
تم اخذنا الى عدة اقسام للشرطة حيث الاهانات والقسوة والمعاناة. كل هذا وانا في عمري الصغير هذا لا ادرك لماذا نحن قيد الاعتقال الى ان اخبرني سليمان احد ابناء عمومتي بالسبب.  لقد قام اربعة من عائلة بدرخان بعملية ضد محافظ القسطنطينية ردا على الظلم والجور. لذلك صدر الامر باعتقال افراد العائلة بدون اي استثناء. وتم اعتقال اعمامي واخي الاكبر ثريا.  
بعد التحقيق المتواصل والمهين تم أخذنا إلى المنزل حيث رأيت والدتي هناك. لأول مرة في البيت رأيت الدموع والحزن والحداد.
تم فصلنا عن العالم الخارجي لمدة أسبوع كامل مع مراقبة يومية ودائمة على المنزل حتى صدر الأمر لنا بالانضمام إلى والدنا الذي كان آنذاك في قونية.
في ذلك الصباح من أكتوبر 1905، جاءت قوات العسكر والامن لتحيط بالمنزل وتم وضعنا في سيارات اخذتنا الى المحطة حيث تم شحننا جميعا إلى قونية.
كانت العائلة كلها معا، أمي، إخوتي الثلاثة الأكبر، أخوتي الأصغر سناً، وشقيقتي الصغرى. في مقصورة القطار كان الدرك يقفون عند الأبواب ويمنعون التواصل بين المقصورات. 
ذاكرتي الوحيدة المتبقية من إقامتي في قونية والتي ظلت راسخة في ذهني الى يومنا هذا هو موقف حصل لوالدي امام رجال الدرك وبعض الموظفين الحوميين. كان فندق المدينة هو مقر اقامة والدي وتتوفر فيه الة تشغيل الموسيقى. كان والدي مولعا بالموسيقى و في احد الايام طلب من اخيه ان يشغل له احد اسطوانات الموسيقية . استجاب الاخ للطلب ولكن عن طريق الخطأ قام بتشغيل احد اسطوانات الموسيقى التي تعزف لحنا لتمجيد السلطان. استشاط والدي غضبا واوقف الجهاز وحمل الاسطوانة وكسرها تحت قدمه امام انظار الدرك والنزلاء المتواجدين.  
 نهاية الاقتباس **
هذه هي الطريقة التي بدأت بها حياتك عانيت الظلم والقهر منذ نعومة اظفارك.
بدأت معركتك، مع إخوانك، من اجل شعب يطمح إلى حياة الحرية والسلام، تمامًا كبقية الشعوب الآخرين على هذه الأرض. ناضلت وكافحت من اجل ان ترى وطنا يجمع هذا الشعب المسالم العنيد على أرض يعيشون فيها لتكون واحة من السلام والاستقرار في هذه الزاوية من العالم.
سنحافظ على العهد، ونكمل الطريق الذي سلكته انت واخوانك والالاف من شعبنا الصابر الصامد. وسنكون، كما كنت، محبين و متسامحين. لا نساوم على حقنا.. لن نجد راحة البال حتى نحقق حلمك وحلمنا وحلم أجدادنا.
يسعدني اليوم أن أحفادي وأحفادكم، ميران، آلان، وجوان، حاضرون اليوم لقراءة هذه الكلمة باسمي، لهم كل حبي وشكري.. سوف نعتز إلى الأبد بذكراك وذكرياتك وسنفتقدك دوما ايها  الغائب – الحاضر.
اختم هذه الكلمة بعدد من الابيات التي كتبها عمي الحبيب في حب كوردستان
كوردستان.. موطني الجميل وموطن اجدادي الراقدين في السماء بعد ان احتوتهم القبور 
موطن ابي والأرض التي ابصرت أمي فيها النور 
بلاد اخواني الذين عاشوا حياتهم في الظلم والجور 
حيث قضيت طفولتي بلا أمل في الخلاص والظهور 
كم كان حظي جميلا عندما أخذتني رحلة الحياة الى مدينة النور 
كوردستان… كوردستان.. اصبري كما صبرت دائماً ويقينا لن أنسى شعبي المقهور 
تعذبني وتمزقني معاناتك ويجتاحني الم كبير بين الصدور
شكراً لكم جميعاً ، أتمنى لكم مستقبلاً سعيداً ومزدهراً.
سينم خان جلادت بدرخان

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…