للكرد جبال ولجبالهم أبجديات محفورة في صفحات التاريخ، تلك الحكايات كتبتْها زهرة أحمد بعنوان «أبجدية الجبل». فقد صدرت للكاتبة الكردية السورية مجموعتها القصصية الثانية، 21 من هذا الشهر بعد إصدار كتابها الأول المعنْوَن بـ «قصة وطن» عام 2017 الصادر عن اتحاد كتاب كوردستان سوريا، كانت إضاءة لأعماق القوافي الحياتية للإنسان السوري المطبوعة بالألم.
تتضمن أبجدية الجبل ثلاث مفاتيح تظلّل عشر قصص قصيرة، كلّ مفتاح عبارة عن قصة قصيرة جداً تكون مفتاحاً لمجموعة قصص في السياق ذاته. وفق هندسة فنية تحمل بين طياتها عالماً من الآلام والآمال.
أبجدية الجبل مجموعة قصص قصيرة تحاكي واقع المعاناة للشعب الكردي، في خريطته الجيوسياسية الممتدة إلى آفاق اللانهاية بالرغم من أنين الحدود المبعثرة كأنقاض الحروب.
أبجدية الجبل: خارطة كوردستانية، تفوح منها عبق الشهداء على صفحات خالدة تنحت بالدم أبجدية الفداء على تلك القمم من جبال كوردستان، التي شهدت ولاتزال ملاحم ثورات مقدسة بالحرية، وبطولات للبيشمركه عانقت سجلات المجد الأزلي.
أشار كاتب المقدمة الكاتب والشاعر ابراهيم اليوسف إلى أن القارئ الذي يغوص في أعماق الكلمات، سيجد فيها خارطة الطريق للخروج من المآسي المتوالية ويراها إبداعاً إنسانياً.
يعيش أحداثها بألم، وينتعش بعبق النرجس بين سطور تشع أملا بغد ربيعي لا يغترب، فيفك شيفرة قصصها الواقعية بآلامها، المزركشة بأطياف الخيال في لوحة تنزف جمالا تحدت عواصف الشتاء قائلاً:
يشكل الإنسان الكردي والسوري والوطن المهشّم محور قصص الكاتبة، وتتسم عوالم قصصها بالحزن الذي يطغى على كل شيء. وتركّز النصوص حسب رؤية كاتب المقدمة على ((إنسانها الكردي، وأربعة أجزاء كردستان، وهو يكاد يكون كل ما تتناوله في قصصها- حتى الآن- وفق متوالية هندسية لافتة، من دون أن تنسى ما يترتب على مثل هذه الكتابة، فهي لا تفتأ تكتب عن الظلم التاريخي الذي لحق بالكردي، منذ غابر الأزمان وحتى لحظتنا الراهنة، لا يقف أي حد مصطنع في وجه هيام حبرها، إذ إن كردستان تظل في ذاكرتها فوق أية حدود مرسومة ما بين أجزائها، بل إن إيغالها في رصد آلام اللحظة المعيشة، لمكانها، لا يحول دون وحدة هذه الصورة في مخيالها، ما يدفعها للكتابة عن كل ذلك، كبيشمركية، مقاتلة، على خط النار الأول))…!
الكاتب القصصي الكردي السوري صبري رسول وجد أنّ ((نصوص زهرة أحمد وأفكارها تندرج تحت فضاءات تاريخية متنوّعة، أسبغتها رائحة الحرية المنبعثة من الثورات الكردية المتلاحقة، التي لم يكتب لها التاريخ نجاحاً ولم يصب الكرُدَ مللٌ من مواجهة غاصبي أرضهم وحقوقهم وتاريخهم. إعادة المرويات التاريخية تحريضٌ للذاكرة الكردية المسروقة، ودعوة إلى تجديد القيم التي أشعلت تلك الثورات في أجزاء أخرى من بلادها.)) ويربط الكاتب صبري رسول بين مصير البيت الطيني القديم في إحدى قصصها وبين مصير الشخصيات الفنية الساعية في معركة البقاء. ((أحداث القصص، شخصياتها، مساراتها، أزمنتها، أمكنتها، اجتمعت في مصير البيت الطيني المتهالك، وهو يجمع بين جدرانه تاريخاً حافلاً بالثورات التاريخية، عاشت فيه الكاتبة طفولتها، وترى في وجوده الهش ذاكرة جمعية للوجود المصيري، لكنّها ترى أن التهالك الذي أصاب المنزل ليس بسبب الأزمنة القاسية بقدر ما سبّبتْه مغادرة سكانه وتبعثرهم في أصقاع الأرض)).
من أجواء المجموعة تقول الكاتبة في قصتها امرأة الجبل: ((استشهد زوجي وأنا أضمد جراحه، حضنت دماءه بروحي، وصدى آهاتي تخطت حدود السماء. لا أنسى اليوم الذي التحقنا فيه بقوات البيشمركة، فلا تزال تفاصيله محفورة في قلبي، اليوم الوحيد الذي يشع نوراً أزلياً بين ظلمات أيامي الكالحة بالألم.
بعد شهر من زواجنا كنا في أحضان الجبل، في ثنايا ثورة أضاءت دهاليز الظلم وكنست الظلام.
سلاسل المجازر الإبادية أرهقت أرواحنا. الذي نجا من الدفن حياً في مقابر جماعية، تشرد في هجرات مليونية، لتكون الجبال مرة أخرى وفية لنا. حمت أرواحنا المنهكة، لكن إرادتنا بقيت شامخة ولا نزال حتى اليوم نحارب الاستبداد)).
لوحة الغلاف والتصميم: للفنان التشكيلي يحيى سلو الذي أبدع في رسم أبجدية الجبل بألوانه الناطقة. يقع الكتاب في 132 صفحة من القطع المتوسط.