بقلم الأديب والإعلامي : أحمد لفتة علي – بغداد
يعكس النص الشعري معاني ومضامين الأفكار التي تظهر كرؤية شعرية مستمدة من واقع الحياة ومن التجارب التي يمر خلالها الشاعر ، وكل رؤية وموقف رسالة شعرية فالرسائل الشعرية رسائل عالمية مباشرة للإنسانية للعالم تجسد ألوان الخطوب والمعاناة التي تترك آثارا في الروح وشروخا في القلوب وتبدد بؤس وظلام القسوة والضباب والفساد ،وما الوطن والمرأة والإحساس المرهف والرموز والمدلولات والإيحاء آت إلا صور تقرب القارئ إلى عوالم نقية واضحة المعالم ليكتشف من عوالمها ما يدليه إلى الحقيقة التي نعيش فيها .
الشاعر عصمت شاهين دوسكي يحمل رسالة للإنسانية ولا بد له موقف ورؤية خاصة كونه عانى التشرد والهجرة والحرمان والظلم من القريب والبعيد والغربة الروحية رغم كونه داخل وطنه وما أصعب الغربة في الوطن في زمن فقد فيه العدل الاجتماعي والحقوق الإنسانية والحرية السليمة ، صدرت له ثمانية كتب بين دواوين شعر ونقد أدبي ورواية تعتبر عالمية عن واقع الإرهاب والمآسي الإنسانية في مدينة الموصل التي عنوانها ” الإرهاب ودمار الحدباء ” وقد كنت مصرا على كتابة هذه الرواية وشجعته باستمرار إلى أن انتهى منها ربما الجيل القادم سيبحث عنها محليا وعربيا وعالميا ، وكتبه صدرت في أمريكا والمغرب وتونس وسوريا وبغداد ودهوك .
يمتلك الشاعر ” عصمت الدوسكي ” خزين من التجارب والأفكار التي تلامس شغاف القلب والروح والفكر وتحيي الضمير الإنساني من خلال تبيان وتفعيل دور المرأة وصورتها المستلبة الساكنة الشاردة وراء دلالات النص الشعري بين فعلي الغنج والجمال والقوة والاستسلام ودور المجتمع في الأزمات .
قصيدة دلوعتي ، ما أجمل اختيار الألفاظ والمسميات …ما الذي يدعو إنسان يغور في دواخل المرأة ويخرج من أعماق محيطات النفس العميقة الدرر واللآلئ .. انه عمل ليس بالسهل لمن هب ودب انه عمل إنسان خبر المرأة ،ومع كل ذلك لا تزال أعماق المرأة محيطات مثل عالمنا المحيط يجمع المتناقضات بكل ألوانها وأشكالها …. ” لا يحمل السفر أوراق الغضب ، ولا ينال الحب رؤى الصخب ، بعدك طوفان ، أمواج عالية ، دلوعتي أرعى قلبك كلما قلب ، مهما عابوا مسوا قوافي عشقي ، أقول لهم :أنا إليها انتسب “….. يا لروعة أنفاسكم وشعركم وقوافيكم الشاعر عصمت شاهين لا أقول رفقا بالقوارير أقول رفقا بالشاعر إليها انتسب ومن المرأة ….؟ فالمرأة رمز التضحية والعطاء والجمال والحب الأم والوطن والتربة والأرض والوجود .
((لا يحمل السفر أوراق الغضب
ولا ينال الحب رؤى الصخب
ومن يكن في الحب معاتبا
هَدًهُ الشوق عتبا كلما عتب
بعدك طوفان ، أمواج عالية
دلوعتي أرعى قلبك كلما قَلَب
مهما عابوا ومسوا قوافي عشقي
أقول لهم : أنا إليها أنتسب )) .
عصمت الدوسكى في قصيدة الدبدوب الأحمر يسرد حلما ، دبدوبك اﻻحمر يحمل فيزا أو تأشيرة الدخول للقلوب النقية البيضاء التي تحمل رسالة أو كلمة أو بشرى كما حمل اليسوع بشارة الخلاص ، للمحبة للتعاون والتعايش والتسامح …والمسيح منقذ ومع نور كلمات المسيح وبشارته علق على صليب لأنه كان مرشدا أمينا نقيا يحمل بشارة الله من الذلة والجوع والخنوع ..والتشرد والظلم والضياع ، وتمزقت خيم الفقراء في العراء ودبدوب اﻻحمر في الحصن ينادى..ﻻ تخافي يا بنيتي يا ولدى الصغير أنا معك .. لن أغادرك….عصمت يتبع محمد المرسل ويسوع البشارة للخير والنعمة بل كسنبلة تنحني رأسها زهوا أنه طعم الخير.. أما السنبلة الفارغة تهزها الريح وتكسرها أي خفة…أيها الشاعر سر في الدرب وواصل المسير فأنت معك زادك الذي تطعم وتغني وتسمن…لأنه في البدء كانت الكلمة…..عصمت من أجواء البرد اكتب هذه الكلمات يا رسول المحبة والنقاء والتواضع والإنسانية التي تواصل المسير إلى مرافئ الرحمة والمحبة والتعاون والتعاضد والتساند…..
(( ملك على فراشك
لا ترسو عليه قوانين البشر
ملك أحمر
بحب وحنين ينهي ويأمر
يبيح لنفسه
أن يتخذك ملكة
أو أسيرة بلا أسر
يخربشك ، يستفزك بريشه الناعم
يتنمر عليك كالنمر
حينما تتعبين ، ترتعشين
تحضني جسده بقوة ، تطوقيه بيديك
في وجل تقبليه ، قبلة الفجر )) .
ما تكتبه واضح جدا للعيان والإشهاد عصمت الدوسكى ..لكن من تسمع ومن تنادى …..؟ في قصيدة ” بادي ” والذي تسمعه لا حياة حين تنادى …أنت الشامخ وقد أسمعت من به صمم ..كما قال المتنبي ..ويبقى ما تكتبه هو الجمال لمن له إحساس بالجمال وحب ليرى أكثر وابعد لان التراب يحوينا يحوي الجميع الفقير والغنى والحاكم والمحكوم ..فمن اغتصب الأرض والبساتين والجمال والمحبة وتبرأ من الرحمة ليس إنسانا بل في الدرك الأسفل من الإنسانية ، فمن سلب حقوق البشر بالغش والخداع والفساد والطغيان ليس بشرا ، قصيدة ” بادي ” وهي قرية التي كانت مهد ولادة ” الأم ” حضنت روحها وجسدها الطاهر ، رحلت من جحيم الأقرباء وظلم وأنانية الأحفاد ،وخزة ألم ممكن أن تجعل المتصلب والأناني ربما يصحو قليلا …. المهم ما تكتبه هو الإعلان وهو البوح عما في الداخل والمواجهة مطلوبة والشجاعة في معركة أو ساحة الحكمة مطلوبة أيضا إن صح التعبير ….اكتب و لا تتوقف بجمال السبك والنسج وريشة فنان مقتدر ….
(( بادى
يا نفحة الطين في أرض الأجدادِ
يا لحد يضم أمي بين تراب التل والزادِ
بادى ، قبلة الميلاد بعد الميلاد
ورحيق زهد بين جياع الأحفادِ
تكسو الأشجار ظلها وثوب الجنان
يفوح نقاء وجمالا بلا حسادي
بادى
نفحة الأجداد دارت فوق مدار
وحقول في ربوع الغربة تنادي
أين الأصيل والكريم والمقيم
أين من زرع الجبل والسهل والوادي ؟ )) .
تبقى عصمت شاهين الدوسكى شاعرا وكاتبا وناقدا وقامة شعرية كبيرة في سماء كردستان والعالم بعطائك الفكري الذي تلقى الجحود والصدود وزادوا عليك الأسوار والقيود لأنك اكبر قامة من أن يحتويك كرسي صغير أو سلطة دنيوية زائلة …أو جاه فارغ وإنما أنت أديب كبير من كردستان العراق والعالم وليس بشهادتي وإنما بشهادة من قرأ للدوسكى وعرف مكانة عصمت شاهين دوسكى بين الشعراء والنقاد والأدباء بما يكتب وينشر ويطلع عليها العشرات من المتذوقين أصحاب اختصاص وليس قارئ عادى وأنت فخر بين القامات وإنسانا مكافحا مستمرا بالقلم والعطاء رغم الزمن الرديء ، على أرض لا تعرف الأشياء والدرر في محيطها مع الأسف الشديد …..تبقى عصمت شاعرا وناقدا وروائيا كبيرا من كردستان العراق يعرفك البعيد قبل القريب .