حاوره: بيرجان دييرمنجي
الترجمة من التركية إلى العربية: رويا إسماعيل
“عندما كنت في السادسة من العمر، ويدي في كفّ أمي كنا نركب كل أسبوع الباص المنطلق من داغ كاپى آخذين وجهتنا نحو السجن. كان الطريق طويلاً، وكنت طوال الطريق وأنا أنظر من نافذة الباص، كل أطراف المدينة تبدو لي بيضاء وسوداء.
كنا نصطفّ في طابور الانتظار في الصيف تحت الشمس الحارة، وفي الشتاء في البرد القارس أمام الباب للدخول إلى السجن. يوماً ما لن أنساه أبداً (23 نيسان)، حيث أخذوا الأطفال إلى الداخل، وكان هناك لقاء مفتوح، كانت على الجدران كلمات ورسومات غريبة، شيء ما لفت نظري كثيراً، لماذا كان لون عيون جميع المحكومين المتواجدين هناك بندقياً؟
إذن، عندما يبكي الإنسان وتمتلئ عيونه بالدموع تبدو عيونه ضبابية وملونة لا غير، عندما كبرتُ فهمت ذلك. كان أبي قد احتضنني وهمس في أذني: (قولي لأمك الشروط سيئة جداً هنا)”.
هذه الكلمات لـ “سَردل بويوك كايا” ابنة “نجم الدين بويوك كايا”، الذي تم قتله بالتعذيب في سجن ديار بكر العسكري عام 1982. أخبرتْ هذه الذكرى المؤلمة في مراسم ذكرى والدها.
رغم مرور سنوات طويلة على ذاك الألم لم تتبدد صدمة تلك الفتاة الصغيرة، كيف كان بإمكانها أن تنسى؟ إذ حين نسمع اسم سجن ديار بكر العسكري رقم (5)، فوراً تأتي إلى عقلنا تلك الحقيقة التي توقف شعر رأسنا. واحدة من أسود بقع تاريخ تركيا الحديث.
هو المكان الذي أقيم فيه أكبر مكائد وأكشاك الظلم الذي لا يخطر على البال وخاصة لإرغام القوات المعارضة الكوردية بقول “هنا مدرسة عسكرية وهدفنا هو تتريككم”، حيث كان الظلم هو العنصر المضاعف، بعد التعذيب والاستبداد الذي حصل في سجون ماماك متريس بعد الضربة العسكرية في 12 أيلول.
تنبيهات المعلقة في غرف اللقاء “تحدثْ التركية، تحدث كثيراً” منع التحدث باللغة الكوردية، تحفيظ الكثير من الأناشيد العنصرية بتحويلها إلى جهاز تعذيب هي إحدى الأمثلة الملموسة لذلك، عندما يروي العديد من الشهود، تُعاش تلك الأيام ثانية، أصبح السجن موضوعاً للصور والأفلام الوثائقية والكتب.
كان الجحيم الذي طبق فيه كل وسائل التعذيب المروعة التي تدهش الإنسان والذي جعل عزيز نيسين الذي لم يستطع تصديق ما حدث حين سمع بكل ما جرى هناك لقول “يا أيها الأصدقاء، كنت أظن أن خيالي واسع، لكن خيال الكورد كان أوسع بكثير”.
سمعة سجن ديار بكر السيئة جداً والخارجة عن السيطرة اجتازت الحدود، أخذ مكانه في قائمة الجرائم الكبرى ضد الإنسانية في القرن العشرين. يقول العديد من المحللين السياسيين إن “التمرد الكوردي الأخير”، الذي بدأ في الثمانينيات، أخذ زخمه من ما حدث هنا. ووفقاً للبيانات الرسمية لهيئة الأركان العامة فَقَدَ (54) شخصاً حياته، بينما وفقاً لدراسات تنسيق متحف السجن أكثر من مئة شخص فقد حياته هنا، والذين استطاعوا أن ينجحوا ونجوا سالمين بعد هذا الكم من التعذيب حملوا معهم وقضوا حياتهم أسيري الصدمة.
أحياناً نقول من الجيد أن بإمكان الإنسان نسيان بعض الأشياء وخاصة الذكريات السيئة، وإلا أكان بإمكاننا تحت ظل هذا الكم من الوحشية أن نعيش محافظين على سلامة عقلنا؟ نسيان العذاب، التخلص من تأثيره الصادم مهم، لكن هذا لا يعني بأننا لم نعش ذلك في ماضينا، مواجهة الماضي لا تكون بنسيانها وتغطيتها، الحفاظ على ذاكرتنا الاجتماعية حية، نقل هذه الذاكرة أهم بكثير.
لكن التذكر على مستوىٍ اجتماعي وإدراك الحقائق المرتبطة بذلك، تمكننا من مواجهة الماضي والتعامل مع الصدمات التي أحدثها، ولأجل عدم الوقوع في ممارسات مماثلة وخلق حساسية قوية من التجارب السابقة تم نقل هذه المقاومة في السجن مع الفيلم (14 تموز) إلى الشاشة البيضاء. تحدثنا مع المخرج “هاشم آيدمير”:
* بدايةً شكراً لكم على هذا الأثر الذي خلقتموه أنت والفريق بجهدٍ كبير.
ما كان هدفكم من تصوير هذا الفيلم؟
ثقافة الأدب الشفهي لدى الكورد كانت في الطليعة، لأنني كبرت مع فلكلور المواويل. السرد متقدم جداً لدينا، لطالما تكونت لدينا الأساطير, الملاحم والقصص.
مثلاً تلك الذاكرة أخذوها معهم جدي وأمي.
لطالما شعرت بضرورة التقاء هذه الروايات بالرؤية البصرية. كنا عائلة متوسطة الحال، في الثمانينيات، عندما تم القبض على أخي وابن عمي في ديرسم وتم سجنهم، من خلال هذا أنا وأمي تعرفنا على السجن؛ لأن أمي كانت تصلي وتدعي وترثي باستمرار أخي. بعدما خرج أخي، هذه المرة تم إحراق قريتنا، وما عشناه ترك فينا آثاراً عميقة.
كنت في الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة من العمر عندما قرأت كتب (سجن ديار بكر) و (ليلة الأربعة) اهتز كياني حينها، وجدت في هذه الكتب الشغف الكبير للشخصيات المواجهة مع الموت، الإضراب عن الطعام، الإعدام وحرق الإنسان لذاته، في ذاك المكان حيث اغتيال هوية ووجود الإنسان ودفنهم في خرسانة، وتكونت في رأسي صور كثيرة، لماذا لا يُصور فيلماً ما لهذا؟
هناك العديد من المخرجين الكورد الذين أرادوا تصوير فيلم يتعلق بسجن ديار بكر، سبق وتم تصوير الكثير من الأفلام الوثائقية، لكن الإنسان يحب الأفلام الخيالية أكثر، ويمكنه إيجاد نفسه داخل الفيلم، بالتعاون مع أصدقاء أكاديمية “سينما الشرق الأوسط” قررنا أرشفة هذه الفترة الأخيرة، وتكوين ذاكرة اجتماعية، بالتعب والجهد مع لغة وأسلوب سينما تجرأنا على توضيح تلك الفترة.
لأنه كان لا بدّ لنا من البدء بمكان ما .
* ما هي فترات التحضير للفيلم التي مررتم بها؟
العمل على الفيلم استغرق ثلاث سنوات، قبل الفيلم قمنا بأبحاث واسعة وشاملة، اعتباراً من حزيران 2014م، قام السيناريست متين عور وإلهام بكر بمراجعة السيناريو والبحث وإيجاد المصادر وإجراء التحقيقات والمقابلات.
كتابة السيناريو استمرت أربعة أشهر، كتابة التفاصيل الصغيرة استمرت ستة أشهر، وكتابة السيناريو كله استمرت تقريباً عاماً كاملاً.
الديكور، الملابس، المدير الفني، الممثلين، وتحضيرات ما قبل التصوير استمرت إلى 2016م، إلى أن بدأنا بالتصوير.
استمعنا إلى ما يقارب 150 شخصاً كانوا متواجدين في السجن في تلك الفترة، إضافة إلى ذلك وجود أخي حسبي آيدمير بجانبي مع تجاربه ومعلوماته، والذي سُجِنَ لمدة 19 عاماً، كانت أكبر مساعدة معنوية في فترة التصوير، تصير صاحب تجربة مدهشة، سُلط الضوء على تاريخ الكورد الممتلئ بالألم والصعوبات، كان الوضع هكذا حقاً، لكن المقاومة هنا بقيت في الخلفية، ومع ذلك، فإن السبب الأكبر لمعاناة هؤلاء الكورد يرتبط بروح المقاومة.
كما في إبادة ديرسم وثورة الشيخ سعيد بيران، في الحقيقة الآلام التي جعلوا الكورد يعيشونها تعود إلى انتماؤهم إلى هويتهم ووجودهم. كان هناك صراع دائم لألّا يفقدوا الكورد حريتهم، لإخماد ذاك النضال جعلوهم يعيشون تاريخاً مليئاً بالألم. في الثمانينيات وصلت عملية الإنكار والتدمير ذروتها.
الإبادة الثقافية تضخمت مع 12 أيلول، كان هناك الكثير من الاضطهاد في ماماك ومتريس؛ لكن بشكل خاص عندما بحثنا في سجن ديار بكر، السياسة الخاصة المتبعة كانت مختلفة جداً، قرأنا ورأينا.
على هذا الأساس أردنا إيصال شغفنا بالحرية، وكفاح شعب يناضل للحصول على غروره إلى العالم كله مع اللغة السينمائية والقوة البصرية، لكي لا تتعرض شعوب أخرى لمثل هذه الاضطهادات والصعوبات.
تطور كفاح الكثير من الشعوب الأخرى على هذا الأساس، هذه مواجهة ومحاسبة، لأنه يجب على الدولة أيضاً أن تخطو في اتجاه المواجهة والمحاسبة، تم تصوير العديد من الأفلام فيما يتعلق بإبادة 12أيلول، تم تصوير الكثير من الأفلام التي تعرب عن قلق ومخاوف فنية، لكن فيلم (14 تموز) كان فيلم المحاسبة والمواجهة مع 12 أيلول.
* على الرغم من أن الفيلم كوردي نرى سيطرة اللغة التركية عليه، أيمكنك أن تحدثنا قليلاً عن مرحلة التصوير؟ وكيف اخترتم الممثلين؟
فيلم 14 تموز لديه أبعاد كثيرة، نصنع الفيلم في كوردستان، لكن لغة الفيلم 95 في المائة تركية؛ وسبب ذلك هو أن الكوردية كانت ممنوعة في تلك الفترة، إضافة إلى ذلك كانت بعض الشخصيات لغتها الأساسية التركية، لكن بين حين وآخر جعلناهم يتحدثون الكوردية فيما بينهم. أردنا أن يأخذوا الأدوار ممثلو المسرح في ديار بكر، بعض الشخصيات أخذت مكانها.
فيما يخص الشخصيات الأساسية، أتينا بالممثل كمال پير من اسطنبول، والجناح العسكري من الأصدقاء الذين يمثلون في الغرب، لأن من ناحية الإلقاء والأسلوب عملنا على أن نكون صادقين مع الحقيقة، بعض الأشخاص طبعاً كان لديهم تحفظات ناتجة عن أوضاع تلك الفترة في ديار بكر، ومع ذلك نود أن نشكر مرة أخرى أصدقاؤنا الذين اقتربوا بحساسية الفنان تجاه الأحداث الاجتماعية.
*كيف أنشأتم المكان من أجل الفيلم؟
حظينا بفرصة العمل مع مصطفى ضياء أولكن جيلر، الذي يعمل بطريقة حساسة وصارمة، نشأ بلاتو بعد عمل مجهد، وظف الأماكن التي تجري في الفيلم في مساحة 1300 متر مربع، تم بناؤه في عنبر كبير، على بعد (6 – 7 كم) من ديار بكر، كما تعلمون يتم إنشاء بلاتوهات لأجل الأفلام ثم تُهدم.
يوجد في الفيلم قصص كثيرة، حرق أربعة أشخاص أنفسهم، رمز النوروز لمظلوم دوغان، محاكم 12 أيلول، رمز المرعب لإسات أوكتاي، الأسماء الأربعة التي احتلت الطليعة في الإضراب عن الطعام، حتى ذاك المحكوم الذي يفقد عقله يظن بأنه مات وإن السجن هو الجحيم، وكأنه توجد هناك حالة فوضى، في حين كان يمكن أن تكون كل قصة من هذه القصص فيلماً بحد ذاته، الاهتمام بإعطاء كل ما حدث في الفيلم أدى إلى نوع من الفوضى، لا توجد شخصية أساسية في المقدمة، أنا كمشاهدة كنت أريد أن أشاهد قصة مفلترة.
* ماذا تريدون أن تقولوا فيما يخص هذا الموضوع؟
هذه نقطة مهمة جداً، تماماً كما في السينما والفن والرسم والأدب، إنها مسألة مهمة من حيث المنحى الدراماتيكي المتصاعد، اسم الفيلم كما تعلمون (14تموز)، أردنا إيضاح الإصرار على صوم الموت رداً على الوحشية المتبعة في سجن ديار بكر العسكري 1982م.
ولكن نظراً لوجود صلة جدلية في الحياة كما في الفن، فقد بحثنا وفحصنا العديد من الكتب حول تلك الفترة، أخذنا من كتاب مظفر آياتا كعنصر أساسي، واستفدنا من كتب أخرى أيضاً، وخاصة النتيجة التي توصلنا إليها كانت هكذا: مرحلة الوحشية والاستسلام، ومرحلة المقاومة والمكافحة.
قسمنا الفيلم إلى جزئين، إذا لاحظتم الفيلم على شكل فصلين، حاولنا تطعيم هذا الاهتمام الفني لكل مشهد على حدة، لكن ولأن عائق الفيلم ليس ذاك المنحى الدراماتيكي المتصاعد، إنما المشكلة تبدأ من كوننا لم نخلق الشخصية الرئيسية التي سيتعرف عليها الشخص المباشرة.
المشكلة تنبع من كون فترة 12 أيلول كانت فترة الاضطرابات والفوضى، كما أن الفيلم كان أول فيلم لنا، إضافة إلى حالات قلقٍ واجهناها ذهبنا فيها إلى ضرورة إضافة كل شيء “لولا هذا لن يصير” مثلاً وهكذا، وخاصة الوحشية، كان لا بدّ من فهم هؤلاء الأشخاص الأربعة، ولنفهم هؤلاء الأربعة كان لا بدّ أن نعرف مظلوم دوغان، لأجل معرفة مظلوم دوغان يجب أن نعرف إسات أوكتاي، ومع التوضيحات هذه انتقل الفيلم نوعاً ما إلى سجن ديار بكر، لذلك بدأت المشكلة مع حجم القصة.
بقي الفيلم بانورامياً نوعاً ما، كان فيلماً شاملاً، هذه الفوضى تعود إلى حقيقة أن 12 أيلول كانت فترة فوضى، كان يوجد بحث عن استجماع القوة، الحرية والنضال، حركات كاميرا أيضاً نوعاً ما كانت هكذا في أول فصل؛ الكاميرا تراقب من الخارج، تحاول ألا تدخل إلى الزنزانات. مظلوم دوغان يشعل الكبريت، وحين يكتب “المقاومة هي الحياة” يعود التاريخ إلى تلك اللحظة التي ينتهي فيها الفيلم الوحشي لإسات أوكتاي، وتكون بداية للفيلم الثاني.
المجادلة مع الموت وكسر الحواجز في مكان يهدد بالموت، يشرح انتقال روح الحرية إلى بعضهم البعض، في الحقيقة هو فيلمان في نفس الوقت، الفيلم ينقسم إلى جزئين حتى من خلال ألوانه، أزياءه، وموسمه، عملنا على تفريق الوحشية والمقاومة، تلك الأجزاء المقسمة في القسم الثاني مزجناها مع بعضها البعض مع روح المقاومة.
لأجل ذلك عملنا على ألا نعرّف كل شخصية على حدة حتى إن أردنا أن نعرف ونوضح شخصية ما كنا نعمل ذلك من خلال الروح، ونقلناه بهذا الشكل إلى الخارج، وضحّنا فقدان الإنسانية في ذاك النظام من خلال الطمس.
بالنسبة لنا لكل مشهد كان هناك لغة وأسلوب معين، طبعاً مهم جداً كيف وصل ذلك إلى المُشاهِد، أصبح أسلوباً مجرّباً، ربما في الحقيقة كان يجب أن يكون لكل شخصية فيلماً خاصاً به، مثلاً هناك شخصية تنظف الأراضي ذو بنية ضعيفة جداً، يمثل كوردياً تم استعباده وتجريده من إرادته، يمكن أن يكون هناك فيلماً حول هذا المحور.
* هناك حالة وضعٍ عالق بين الوثائقي والخيالي؟
كنت أود أيضاً أن أعرض الفيلم مع قصص صغيرة مختلفة وقوية أكثر، بالنسبة للعمل كان هناك تداخل بين الخيالي والوثائقي، صورنا بعض المشاهد لخلق الإحساس ببعض الأشياء، الوثائقية مجال مهم جداً، من المهم جداً بالنسبة لنا أن يكون أرشيفاً، رأينا ذلك كأرشيف وذاكرة.
كان مثل ميزان الصائغ، لو أردنا تعريف السجن الرئيسي كان سيستغرق الفيلم أربعون ساعة، كانت الموسيقى التصويرية، المؤثرات البصرية والمشهد الأخير مؤثر جداً.
أشعر بفضول كبير لمعرفة شعور الممثلين الذين لعبوا أدوار تلك الشخصيات، في النهاية ونحن نشاهد الفيلم كنا متوترين جداً، الممثلون من المؤكد شعروا بهذا التوتر أكثر مننا.
* في أي مزاج كانوا؟
نحن فنانو هذا الشعب، تكتب قصص وروايات هذا الشعب، أغانيهم ورثاؤهم يحرق، لا يزال الشباب على مسيرة النمط الاجتماعي الواقعي لسينما يلماز كوني إلى يومنا هذا، في قبضة الإبادة الثقافية، حاولنا خلق موقف فني ومقاومة سينمائية فنية.
في هذا الصدد، إذا لم نستطع أن نعرف تلك الفترة بشكل تام إذا صح التعبير ستتألم روح تلك الشخصيات، على سبيل المثال إذا تعذر على الجلاد التعذيب، عندما ينتهي الفيلم بحالة مضحكة ستنتهي أصالة الفيلم، من تلك الناحية – ربما ينتقد – قمنا ببعض التكتيكات والفظائع، مثلاً قلنا لأصدقاء النساء:
“في المشهد إذا تم ضربكن بدون قصد، لا تحطمن المشهد، يمكنكن الرد أيضاً”.
عند ذهابنا إلى العساكر طلبنا منهم العمل بإحساس مع الهراوات البلاستيكية الموجودة في أيديهم “لتكن شدتكم خفيفة”، قلنا أن هناك خط حساس جداً، مثلاً بالعودة إلى أسعد، كان وهو يلعب دور السجين الثوري عليه أن يشعر بذلك، قسمنا الممثلين إلى قسمين، في فصلٍ ما أردنا ألا نبقي المحكومين والعساكر معاً.
لأنه إذا تقدمت الصداقة بينهم سينعكس بشكل أو آخر على المَشَاهد، لإعطاء تلك الحقيقة طبقنا هذا الأسلوب، وضعناهم في العنابر لمدة يوم، في مشاهد صوم الموت بعضهم فقد 8 وبعضهم 15 كغ، لقد تأثروا من غير قصد بالتعذيب والصراخ.
الضوء، الديكور والأزياء تبدأ بتشكيلك مع الوقت، كل الفريق فجأة بدأ يشعر نفسه وكأنه في السجن، كنا نحمل المسؤولية والقلق في إعطاء الدور حقه، غالباً قام الممثلين بإخراج عمل جيد.
هناك مسألة أخرى جناح النساء، نعلم أن في تلك الفترة تم ممارسة الظلم والتعذيب على النساء أيضاً، لكن في الفيلم تم التطرق لذلك بشكل سطحي، شخصية (ساكنة جانسز) نحن نعرف موقفها ومبدؤها في جناح النساء، لكن الدور كان غير كافٍ أبداً، كنا نفضل لو أنكم لم تتطرقوا لجناح النساء، أو تطرقتم إليه بشكل أوسع.
دون توضيح جناح النساء ما كان يمكن للأمر أن يكون، بالنسبة لجناح الرجال عرفان بابا أوغلو وعاني آلكون، وبالنسبة لجناح النساء أمينة تورغوت التي كانت في السجن في تلك الفترة عملوا كمستشارين، لأننا صورنا ثمانية مشاهد كنا نفكر بإزالة جناح النساء نهائياً من الفيلم، لأجل شخصية ساكنة جانسز جاءنا الكثير من النقد من النساء، منحت ساكنة سنوات عمرها للنضال من أجل تحرير المرأة، وهي رمز قوي للمبدأ والحياة، جناح النساء وقف بمقاومة كبيرة ضد إسات، من ناحية التمثيل ربما لم تُعطَ تلك الروح والمقاومة بشكل أفضل، في النهاية هو تقدير المشاهدين.
سيكون هناك فيلماً عن ساكينة جانسز، إذا أخرجنا فيلماً أقوى سنكون قدمنا اعتذارنا، كما أنه ستكون هناك أفلام أخرى خاصة بمظلوم دوغان وليلة الأربعة كل على حدة، هذا الفيلم كان مركزاً على أحداث 14 تموز، إضافة إلى ذلك نفكر بعمل مسلسل يتناول الفترة ما بين 1979م إلى 1984م.
في الحقيقة لشدة ما هناك تفاصيل كثيرة بالنسبة لنا سجن ديار بكر ليس النهاية إنما فيلم البداية.
لا نرى تحول الشخصيات في الفيلم، الشخصيات وكأن منذ ولادتهم مقاومين وثوريين، ليس لهم خلفيات، لا نعرف عائلاتهم، علاقاتهم مع أحبائهم ومحادثات الحياة اليومية، على سبيل المثال قصة فطائز لاز التي لمست الحياة ربما كان الفيلم يحتاج لمثل هذه العناصر المهدئة، في هذا الاتجاه بقيت الشخصيات ميكانيكية نوعاً ما، لأنه تم حذف العديد من المشاهد ترك ذلك قليلاً من الميكانيكية.
في الواقع الذين يعيشون تلك الفترات غالباً ما يمزحون فيما بينهم ويتحدثون عن قضايا أخرى، الفيلم هذا كان ثلاثة ساعات وأربعون دقيقة، من بين المشاهد التي تم الاستغناء عنها كان هناك الكثير من المشاهد من هذا النوع، قصص الهروب، مشاهد أخرى تلمس الإنسان مثل الأغاني والمواويل، لكن بالنسبة لسجن ديار بكر، قولُنا “دعونا نوضح ذلك, ونشرح ذلك” أدى إلى نوع من الميكانيكية، التحول عند الشخصيات مهم جداً، رغم أننا اختصرنا الفيلم إلى ساعتين كان طويلاً أيضاً، أنتم محقين في هذا الموضوع أوافقكم الرأي.
* أين عُرض الفيلم؟ وكيف كانت ردود الأفعال تجاهه؟
تم عرضه في الخارج لأول مرة في 15 آذار في دوسلدورف، ابتداءً من 23 أيار تم عرضه تقريباً في كل البلدان الأوروبية، عرض في 98 مكان بشكل خاص، كان ردة فعل المشاهدين إيجابية جداً، لأول مرة يرون على شكل فيلم خيالي ما كانوا يسمعونه ويقرؤونه دوماً، إلى يومنا هذا كنا دائماً نراه على شكل وثائقيات قالوا.
هناك من احتضنونا باكيين، أرادوا أن نستمر في هذا العديد من الناس الذين تضرروا من هذا الوحشية، شكرونا لحفاظنا على هذه الذاكرة، تأثروا بالوحشية والألم، لكن هنا ليس فقط الظلم إنما شهدنا المقاومة أيضاً، هذا أسعدنا جداً، لأول مرة نرى من كانوا في تاريخ هذه المقاومة التي تعكس حظنا المؤسف قالوا.
* هل سيدخل الفيلم العرض في تركيا ؟ والذين يودون مشاهدته كيف يمكنهم ذلك؟
طبعاً نريد جداً أن يعرض الفيلم في تركيا، وفي أجزاء كوردستان الأربعة ولكل شعبنا، في النهاية الفيلم يوضح فترة تم المرور بها على هذه الأرض، نريد أن يصل هذا الفيلم إلى شعبنا في محيطات حرة، بعد أربعين عاماً استطعنا أن نصور فيلم هذه المقاومة، انتقدنا واستجوبنا ذهنية ما، ليتم عرض الفيلم في سينما يتطلب الأمر شهادة العمل، مجلس الرقابة السيئ الصيت، عادة الأفلام تتعرض لهذا المجلس.
أيعطي هذا المجلس الأذن أم لا.. لا نعلم؟ ولأن عقلية الثمانينيات لا تزال مستمرة لا أعتقد أن الفيلم سينشر في تركيا وكوردستان، وفي هذا الصدد، ستكون لشركة الإنتاج الألمانية Mir Multimedya تقديم طلب لعرض الفيلم في تركيا في الخريف، في النهاية هذا تقديرهم، كفريق هذا الفيلم قمنا بتصويره على هذه الأرض، وكل ما تم إحياؤه في هذا الفيلم بألمه ومقاومته يعود لهنا.
إضافة إلى ذلك هو حق أساسي التقاء الفيلم من المشاهدين، على الأقل الناس الذين يعيشون في تركيا وكوردستان، حتى يجب على القوى المسؤولة والمهيمنة مشاهدة الفيلم والمواجهة مع 12 أيلول وفترة الثمانينات. بعد الآن حقاً يجب قبول حقيقة هذا الشعب غير القابلة للجدل والتخلي عن الإبادة الثقافية.
اليوم، الكورد يصنعون سينما، موسيقا، رسم وأدب، لا يمكنهم تحقيق النجاح بسبب هذه الإبادة، هذه الكمية من الإنكار الأعمى لن يفيد بشيء، حاولنا أن نوضح في الفيلم ضرورة التخلي عن الظلم، ضرورة وجود الهوية الخاصة بالشعوب وأن الحرية هي الشعور الأساسي؛ لأن هم بأنفسهم يقولون بين كل حين وآخر (فقط لو كان لسجن ديار بكر العسكري لسان ليتحدث) ويعلقون عل تلك الوحشية، أتمنى أن يكونوا صادقين في أفكارهم، نتمنى ألا يخضع الفيلم للرقابة على هذا الأساس، نتمنى أن يكون قادراً على جعلهم يتحاسبون ويتواجهون.
إن أساس جميع أفلامنا خلق روح الحرية، طالما لسنا أحراراً لن نتمكن من خلق أدب وسينما وموسيقى حرة، كفنان أريد أن أقول إن صراعنا الوحيد هو الحرية، في آخر الفترات ولكثرة ما كان هناك الحظر، لا يجب قبول تلك العبودية، إنما يجب إخراج أعمالنا بحرية إلى الوسط.
تم نشر هذا الحوار في بتاريخ 5 / 8 / 2017م