الفاشستُ مرّوا منْ هناك

عبد الستار نورعلي
قالوا: يومٌ أسودْ،
ذاكَ الرابعَ عشرَ
والثامنُ مِنْ أيامِ شباطَ الأسودْ.
كمْ منْ يومٍ أسودْ
منْ أيامِ نضالِ الدهرِ يمرُّ!؟
الفاشستُ هنا في أوروبا 
أشعلوا حربينْ.
والفاشستُ هناكَ، 
في وادي النهرينْ،
حرباً في حربٍ في حربٍ في حربٍ……
وما زالوا!
يومَ الثامنِ مِنْ فاشستِ العصرِ،
أذكرُ حينَ اجتاحوا أزقةَ بابِ الشيخْ….
كنتُ الغضَّ غريراً،
وكانَ زقاقي غضّاً ونضيراً،
يحملُ في طيّاتِ دفاترِهِ
تاريخاً أبيضَ ومنيراً،
مثلَ مشانقِ فهدٍ ورفاقهْ،
مثلَ حماماتِ فائقْ حسنْ،
ومنائرِ نجفِ سلامْ عادلْ.
أخبرَني يوماً ابنُ العمِّ الأحمرْ،
وأنا غضٌّ ونضيرٌ أسمرْ:
إقرأْ ماركسَ وإنجلزَ، وبيانَهما الأول!
واقرأْ عشرةَ أيامٍ هزَّتْ ذاكَ العالَمْ،
واقرأْ يوسفْ إدريسَ، وحنا مينا،
ولوركا، آراغونَ، ونيرودا،
والفولاذَ سقيناهُ،
والداغستانُ بلادي!
وقرأتُ…..
وسمعْتُ….
تكتكةَ الطابعةِ،
المكسورةِ حرفُ الدالِ،
في عمقِ الليلِ، وعمقِ السردابِ
في دارِ المُلّا، وقرآنِ الفجرِ.
همهمةٌ في جوفِ الليلِ،
ووجوهٌ تدخلُ… تخرجُ ….
منْ بينِ ظلامِ الليلِ….
كنْتُ
أمشي نهاراً،
تحتَ الإبطِ
كتبٌ،
صحفٌ،
ودفاترُ مخطوطةْ
بالأحمرْ،
ورداً، وكلاماً
منْ عسلِ الأيامِ الخضراءْ،
وأغاني عيونِ ألزا.
أذكرُ أنّي حفظْتُ:
إنّهُ أقوى منَ الموتِ، وأعلا 
منْ مشانقِ آلِ فرعونَ،
وسامانَ، قريشَ، وآلِ هتلرْ.
ثم جاء الآلُ عبدُ الآلِ أحقدْ
بقطارِ الآلِ أسودْ.
دخلَتْ دبابةٌ بين زقاقِ الحيِّ
والفتيانُ ، والنسوانُ،
والشيبُ، الشبابُ،
كلُّهُمْ فوّهةٌ،
لا يُدانيها هديرُ الحقدِ أجردْ،
بسلاحٍ منْ دهاليزَ،
وما خلفَ ستارِ البيتِ أسودْ!
كانَ يوماً!
ملحماتٌ سُطِّرَتْ،
ونفوسٌ سُجِّرَتْ،
وزنودٌ صُلِّبَتْ،
فدماءٌ أُهرقَتْ.
أخذوا الفتيانَ،
غابوا!
أخذوا الشيبَ،
وغابوا!
يا إلهي!
ما الذي يحدثُ؟!
………..
وبقيْتُ…. 
قارئأُ:
إنّهُ أقوى منَ الموتِ،
وأعلا منْ مشانقْ.
وبقيتُ…..
أحملُ الوردةَ حمراءَ،
على كفي حمامةْ.
وكتابُ الحبِّ والأيامِ، والشعرُ،
وحمزاتوفُ، لوركا، والليندي،
ذاكَ جيفارا، وفهدٌ، وجمالٌ، وسلامٌ،
بينَ عينيَّ، وقلبي،
سائراً……..
عبد الستار نورعلي
الأربعاء 14 شباط 2019

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

أعلنت دار الخياط – واشنطن عن صدور رواية جديدة للكاتب والباحث السوري مازن عرفة بعنوان «نزوة الاحتمالات والظلال»، لتضاف إلى سلسلة أعماله الأدبية التي تجمع بين العمق الفكري والخيال الجامح، وتفتح أفقاً جديداً في السرد العربي المعاصر.

وتطرح الرواية، التي جاءت في 190 صفحة من القطع الوسط، عالماً غرائبياً، تتقاطع فيه نزوات الطغاة مع رغبات الآلهة،…

غريب ملا زلال

أحمد الصوفي ابن حمص يلخص في تجربته الفنية الخصبة مقولة ‘الفن رؤيا جمالية وبدائل لفساد الروح’، وهو كثير الإنتماء إلى الضوء الذي يحافظ على الحركات الملونة ليزرع اسئلة محاطة بمحاولات إعادة نفسه من جديد.

يقول أحمد الصوفي (حمص 1969) في إحدى مقابلاته : “الفن رؤيا جمالية وبدائل لفساد الروح”، وهذا القول يكاد ينبض في…

عبد الستار نورعلي

في الليلْ

حينَ يداهمُ رأسَك صراعُ الذِّكرياتْ

على فراشٍ مارجٍ مِنْ قلق

تُلقي رحالَكَ

في ميدانِ صراعِ الأضداد

حيث السَّاحةُ حُبلى

بالمعاركِ الدُّونكيشوتيةِ المطبوخة

على نارٍ هادئة

في طواحينِ الهواء التي تدور

بالمقلوبِ (المطلوبِ إثباتُه)

فيومَ قامَ الرَّفيقُ ماوتسي تونغ

بثورةِ الألفِ ميل

كانتِ الإمبرياليةُ نمراً..

(مِنْ ورق)

بأسنانٍ مِنَ القنابلِ الذَّرية

ومخالبَ مِنَ الاستراتيجياتِ الدِّيناميتية

المدروسةِ بعنايةٍ مُركَّزَة،

وليستْ بالعنايةِ المُركَّزة

كما اليوم،

على طاولته (الرفيق ماو) اليوم

يلعبُ بنا الشّطرنج

فوق ذرى…

حاوره: إدريس سالم

إن رواية «هروب نحو القمّة»، إذا قُرِأت بعمق، كشفت أن هذا الهروب ليس مجرّد حركة جسدية، بل هو رحلة وعي. كلّ خطوة في الطريق هي اختبار للذات، تكشف قوّتها وهشاشتها في آنٍ واحد.

 

ليس الحوار مع أحمد الزاويتي وقوفاً عند حدود رواية «هروب نحو القمّة» فحسب، بل هو انفتاح على أسئلة الوجود ذاتها. إذ…