ابراهيم محمود
في كتابه الأحدث ” Mistek ji hêvî û arîşeyên zimanê kurdî ” kurmancî “، والصادر عن دار نشر ” ليس Lîs ” في ديار بكر، لعام 2018، في ” 130 ” صفحة من القطع الصغير، يتابع الباحث اللغوي الكردي دحام عبدالفتاح، ما سبق وأن انشغل به في كتبه السابقة عن اللغة الكردية وهمومها: منغصاتها، تطلعاتها، مخاوفها، وآمالها، كما في ” بعض مشاكل اللغة الكردية Hindek alozîyên zimanê kurdî، 1993 “، و” الاسم في اللغة الكردية Nav di zimanê kurdî de، 2005 “، و” الفعل في اللغة الكردية kar ” lêker ” di zimanê kurdî de، 2011 “، عدا عن متابعاته في مجال النقد الأدبي واهتمامه بالترجمة من العربية إلى الكردية، سوى أنه يعرَف كباحث لغوي، بين المعنيين بهذا الشأن الصعب خوضَ غمار، والإشكالي مباحثة، انطلاقاً من واقع الكرد، وتأثير ذلك في واقعهم اللغوي.
وربما كان الأقرب من حيث دقة التوصيف لعنوان كتابه ” موضوع القراءة هنا ” هو ما ورد طي العنوان الرئيس، تعبيراً عن مساحة الخلاف الكبيرة والملغَّمة لقائمة الدراسات المنصبّة على الكردية كلغة، ومن قبل المختصين الكرد أنفسهم، أي في نطاق ” الكرمانجية “، وهو انقسام يترجم غياب مرجعية قواعدية يحتكَم إليها، لتجسير الفجوة بين أهليها، بمقدار ما يشير كذلك، وبأكثر من معنى، إلى دور الفاعل السياسي الذي يتصدر الساحة، ودوره النافذ في هذه التوجهات، ومن هنا، يمكن لنا تقدير الرهان المحوري على عامل وحدة الكرد، وتحت مظلة سياسية كردية واحدة، تكون عرّابة لغة واحدة منتظَرة منذ زمان طويل !
كتاب الأستاذ دحام يتركَّز حول مسائل لغوية عالقة، وتشكّل عناصره مجموعةً من المقالات التي نشرت بشكل متفرَّق، كما يلاحَظ من طبيعة موضوعاتها، وبينها تفاوت في الحجم، إذ إنه ما عدا المقال/ البحث التأريخي الذي يتصدر الكتاب ” نظرة تاريخية إلى وضع اللغة الكردية، صص 7-30 ” وتالياً، مقاله اللغوي ” تُرى، هل توجد الجملة الاسمية، أم لا توجد في اللغة الكردية، صص 72-85 ” تتراوح المقالات الأخرى، ناحية الواحدة منها ما بين ” 3- 8 ” صفحات “، وهذا يحفّز واعية القارىء لأن يركّز على نقطتين في كل منها: طريقة تناول الباحث لفكرة مقاله، وكيفية تشكّله بالمقابل. أي إن الكتاب في توزع صفحاته، إلى جانب قابليته للمناقشة التي تخص عموم موضوعاته، وصلة الوصل بين كل مقال وآخر، يضع قارئه في مواجهة أسلوب التعامل مع المادة، بهاجسها الفكري- البحثي، ومردودها المعرفي. فأنا على يقين شبه تام، أن الأستاذ دحام نفسه، يكون على بيّنة، من أن قارئه، لحظة إقباله على قراءته، سوف تتقاسمه مشاعر، إرهاصات، وتساؤلات لا تخفي تفاوتها على وقع هذا الاختلاف بين مادة وأخرى، في الموضوع وحجمه، ومدى انفتاحه على ” جرح ” المعيش الكردي اليومي باضطراد .
سوى أن علي أن أنوّه إلى نقطة، أعتبرها رئيسة، وهي أن المقال/ البحث الأول، يكاد ينشطر، أو يتنحى جانباً، كما لو أنه موضوع قائم بذاته، وهو بطوله المشار إليه، فهو يمضي بالقارىء إلى تاريخ بعيد عنه، قيل، ولا يزال، يقال فيه الكثير، حول نوعية العلاقة بين السومرية جنساً ولغة، والكردية التي نعيشها راهناً، ففي أتون هذا الموضوع، ثمة فورة تصورات ومواقف وحتى مشاحنات وتداخلاتها على أكثر من ” جبهة ” كلامية، ذات معْلَم سياسي، تاريخي، آثاري، فقهي- لغوي مقارن، وللإيديولوجيا باع طويل في تلوين الكثير مما يطرَح في هذا المقام.
ومن يقرأ ما سطَّره الباحث، يرى أنه يعتمد على ما هو مكتوب، وهو يضع قارئه في صورة ما يعتقد من أن السومريين كرد، أو ثمة صلة قرابة بين الشعبين، وليس هناك من زيادة في ذلك. وليس مقصد الكلام هنا، التقليل من جهده فيما طرحه طي مقاله/ بحثه، وإنما كونه يخرج عن حيّز الكتاب وموضوعه عموماً. ومن يقارن بين محتواه، ومحتوى مقالاته الأخرى، يتلمس أثره/ بصمته، من خلال أمثلة، وقرائن لغوية، يمكن لقارئه التفاعل معها سلباً أو إيجاباً.
أشير هنا، على سبيل المثال، إلى كتاب الدكتور عبدالرحمن آداق ” بداية الأدبيات الكردية الكلاسيكية ” منشورات نوبهار، ستانبول، 2015 ، ويقع في ” 462 ص ” من القطع الوسط، وباللغة الكردية ، وقد ترجمتُ صفحات منه ” صص 108-114 ” ونشرتها في موقع ” ولاتي مه ” تفيد في هذا المضمار، وهناك قاموس ” كردي- سومري/ سومري- كردي ” لكل من ” مم علي- سليمان يلدرم “، ديار بكر، 2011، يسلّط الضوء على هذه العلاقة…الخ.
أعني بهذين المثالين، لو أن الأستاذ دحام ترك هذا الموضوع جانباً، لاحتفظت مقالاته الأخرى براهنيتها أكثر، ووحدة فكرتها بصورة أفضل، على مستوى التفكير، وحيوية البحث كذلك ، حيث يستحيل البت في أي مقال، على خلفية من الخلافات القائمة.
كما في مقاله الأول ” “Lêker ” bi wateya ” verb ” navlêkirnek ne cihgirtî ye !، وغيره من المقالات الأخرى، مثل : Têgeha demê di navbera ” Pêşeroj û Paşerojê ” de ، و: Hevoka navdarî gelo di zimanê kurdî de heye yan na?، وكذلك: Anîn û înan, kîjan ji kîjanê ye ?، و: Şander dariştineke şaşe، و: Peyva ” Dengdêr ” Wateya xwe ji dariştina xwe werdigire ! …الخ.
أي ننتقل من إشكالية الفعل في الكردية، إلى خاصية كلمة ” الصائت” وما بينهما من موضوعات حول ” المستقبل ” في الكردية، والتشديد، والإمالة، فصحة ” القول/ الكلام “، و” اليقين ” و” العامِل “…الخ .
أمثلة نسمع بها من خلال منابر مختلفة، ومنها الإعلامية الكردية، وما في ذلك من اختلاف بين منبر وآخر، وهي في مجموعها، تستحق المتابعة، ولا يمكن الحسم في أي منها، فالثقافة المحلية، وخاصيتها الفونيتيكية، يصعغب، وربما يستحيل تجاهل فاعليتها الاجتماعية الفئوية، في تمييز جهة جغرافية عن سواها، حيث تحل حروف محل أخرى، لتختلف المعاني والدلالات كذلك، يضاف إلى ذلك، دور الجانب الذاتي: الشخصي، للكاتب أو الباحث عينه، وهو بطابعه الاعتقادي البعيد عن لغة المعرفة العلمية الطابع، وهو دور لا يستهان به في تعميق الخلاقات البينية، أو تعقيد العلاقات اللغوية، وضعف الإصغاء القائم على الاحترام المتبادل، والذي يقوم على الاعتراف بالآخر، وحسن اجتهاده المعرفي، أو البحثي، أو على الأقل، وهو يجهِد نفسه، في موضوعات دقيقة، ومؤثّرة على مستوى الثقافة ” الرسمية ؟ ” والعامة هنا وهناك، وبذلك، ستعيش اللغة الكردية تمزقاتها إلى أجل غير مسمَّى.
وفي هذا المقام، تُعطى أهمية ثقافية وتنويرية لكتاب الباحث الكردي دحام عبدالفتاح !
Peyva ” Dengdêr ” Wateya xwe ji dariştina xwe werdigire !