محاكمة لون .. قصة قصيرة

ماهين شيخاني
ارتدت ملابسها الزيتية ووضعت شريطان أحمران على كتفيها ، ثم شدت شعرها من الخلف و اتجهت نحو المرآة لترتب وضع سيدارتها ،نظرت إلى الساعة التي كانت تشير آنذاك إلى الثامنة إلا ربعاً ، ابتسمت وخرجت للحاق بزميلاتها اللاتي تنتظرن بعضهن في نفس الموعد .
   خرجت بدوري – بعدها بلحظات – إلى متجري , وأنا في الطريق أفكر في كيفية ترتيب واستلام البضاعة الجديدة المستوردة من (  … ..  ) . ما إن دخلت للتو حتى لمحتها وهي متجه نحوي ، ظننت بأن هناك حصة فراغ في المدرسة قد غاب عنها المدرس .أو أنها بحاجة إلى مبلغ من المال لشراء دفتر أو لوازم مدرسية .
  دنت بضع خطوات وهي ترنو اليّ ، وقد توردت خديها ثم انفجرت ينبوعاً من الدمع بعد أن ألقت الكتب على الطاولة غاضبة . 
– ما بك ؟   …هل أساء إليك أحد ؟.
–  قالت متحشرجة : لقد منعني المدرب من الدخول للمدرسة ؟!
–  ألم تخرجي من البيت قبلي ، لم التأخير إذن ؟
–  لم أتأخر .
–  إذاً ؟.
– تصور بسبب القميص !…منعني من الدخول …!.
–  قلتها باستغراب : القميص  ! . ثم استأنفت حديثي – ما به ؟ هل كان متسخاً أم غير مكوي ، أعرفك كم أنت كسولة في الأعمال المنزلية أو انك نسيت ربطة العنق ، أليس كذلك ؟ – قلتها مازحاً –
– لا أبداً ، أعترف بأنني كسولة للأعمال المنزلية  ولكنني  أحب الأناقة و الشياكة ؟
– وهل تخبرينني بذلك ، طبعاً أنا الذي أعرفك ؟ ولكن لماذا ؟
– مجرد أنه / وبحركة من يديها وشفتيها المقلوبتين / والله لا أعلم ولا أعرف كيف أعبر بل مستغربة ؟. مستغربة  تماماً ؟..
– مستغربة ،  ممن و لماذا؟
-كل ما فهمته السبب يعود إلى لون القميص ، اللون الأصفر ، والمدرب لا يعجبه هذا اللون  ومنعني من الدخول الى المدرسة  وقال :  اذهبي وارتدي قميصاً آخر .
-قلت له : حضرة المدرب , الله يخليك , دعني أحضر فقط حصة الرياضيات وسأذهب لأبدل قميصي ؟.
– رمقني بغضب وقال : اخرجي حالاً من المدرسة وإلا سأفصلك من كل مدارس المحافظة, هل فهمتِ ؟!..
– واستأنفت _بالله عليك ماذا  أرتدي على اللون العسكري ، أنه لا يعرف معناً للذوق والأناقة ؟ !.ثم اذا منعني من الدخول الى المدرسة لأجل لون القميص ، فهل يستطيع منع قوس قزح من الظهور في السماء ؟.
– نظرت إلى الساعة وقلت لها : تفضلي .
– إلى أين ؟.
–  لا عليك . واتجهنا إلى محل قريب لتختار قميص آخر .وأنا في الطريق تذكرت حادثة مماثلة جرت منذ سنوات وقائعها معي ، عندما كانت لدينا مكتبة و اقتحمها أو بالأصح داهمنا رجل أمن وبدأ ينهمر علي بأسئلة مستفزة ومن أين اشتريت البضاعة وهل أنت تطبع هذه الصور واخرج صورة كبيرة وقال هل هي من صنعك ، فقلت :لا أنني اشتريها من (……..) .والفواتير موجودة ونظامية  وأي خطأ في شراء ذلك .
–  قال : الخطأ في انك تختار صوراً ألوان إطارها غير مرغوبة لدينا وتستفزنا مستقصداً بذلك .وأنت تدري جيداً  ماهي هذه الألوان المستفزة ؟.
– فقلت : أخي الكريم أنا لا استفز أحداً ، والصور وهذه البضاعة  كلها ليست من نتاجي أو من مطبعة والدتي ؟ أنا اشتريها من بائع الجملة …..وفجأة سمعت صوت مكابح سيارة مارة أيقظتني من شرودي و كادت أن تدهس أختي ، إلا أنني تمكنت من سحبها بعنف نحوي ، فتألمت قليلاً و  بعفوية غير آبهة بما حصل لها قالت: أخي لماذا يمنع المدرب هذا اللون ؟
– ابتسمت وقلت مازحاً : حتى لا تجعلي الناس يجنون و يفقدون صوابهم ، لأن لون الأصفر هو لون الغيرة لون الشمس ، لون الدفء، لون السعادة والثراء .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبدالعزيز قاسم

(كان من المقرر ان اقدم هذه المداخلة عن “اللغة الشعرية في القصيدة الكردية المعاصرة ـ ڕۆژاڤا” في مهرجان فولفسبورغ للشعر الكردي اليوم السبت ٢٥ اكتوبر، ولكن بسبب انشغالي بواجب اجتماعي قدمت بطاقة اعتذار إلى لجنة إعداد المهرجان).

وهذه هي نص المداخلة:

من خلال قراءتي لنتاجات العديد من الشعراء الكرد (الكرمانجية) المعاصرين من مناطق مختلفة “بادينان،…

إبراهيم محمود

 

تلويح خطي

كيف لرجل عاش بين عامي” 1916-2006 ” وفي مجتمع مضطرب في أوضاعه السياسية والاجتماعية، أن يكون شاهداً، أو في موقع الشاهد على أحداثه، ولو في حقبة منه، إنما بعد مضي عقود زمنية ثلاثة عليه، دون تجاهل المخاطر التي تتهدده وتتوعده؟ وتحديداً إذا كان في موقع اجتماعي مرصود بأكثر من معنى طبعً، كونه سياسياً…

د. محمود عباس

حين يمرض الضوء، تبقى الذاكرة سنده.

قبل فترةٍ ليست بعيدة، استوقفني غياب الأخت الكاتبة نسرين تيلو عن المشهد الثقافي، وانقطاع حضورها عن صفحات التواصل الاجتماعي، تلك التي كانت تملؤها بنصوصها القصصية المشرقة، وبأسلوبها المرهف الذي حمل إلينا عبر العقود نبض المجتمع الكوردي بخصوصيته، والمجتمع السوري بعموميته. كانت قصصها مرآةً للناس العاديين، تنبض بالصدق والعاطفة،…

خالد حسو

 

ثمة روايات تُكتب لتُروى.

وثمة روايات تُكتب لتُفجّر العالم من الداخل.

ورواية «الأوسلاندر» لخالد إبراهيم ليست رواية، بل صرخة وجودٍ في منفى يتنكّر لسكّانه، وثيقة ألمٍ لجيلٍ طُرد من المعنى، وتشريحٌ لجسد الغربة حين يتحول إلى قَدَرٍ لا شفاء منه.

كلّ جملةٍ في هذا العمل تخرج من لحمٍ يحترق، ومن وعيٍ لم يعد يحتمل الصمت.

فهو لا…