إبرة الذهب: في شعرية النصّ الفيسبوكي

 صدر حديثًا عن مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر في القاهرة كتاب جديد للشاعر السوري الكردي المقيم في ألمانيا إبراهيم اليوسف بعنوان “إبرة الذهب: في شعرية النص الفيسبوكي- تنظير أول”، يقع في 200 صفحة من القطع المتوسط، وهو عبارة عن دراسة مبتكرة في مجال تناول النص الفيسبوكي، وكتب مقدمته كل من المفكر، إبراهيم محمود، والباحث السيد نجم.
يحقق كتاب “إبرة الذهب: في شعرية النص الفيسبوكي- تنظير أول” مقاربات مغامرة جد مهمة، من خلال رصده لملامح نص جديد، راهن، متماوج، متحرك، يتساوق زمنيًا مع نصوص مرحلة ما بعد ما بعد الحداثة بعد أن بات النص الذي لا تفتأ وسائل التواصل الاجتماعي تقدمه يتجرد من الكثير من حمولاته الجاهزة، وكأن هناك نصًا جديدًا صار يكتب الآن، وإن كان مثل هذا الاكتشاف محفوفًا بالتحديات، في ظل هيمنة الفوضى، وتداخل الحدود بين الإبداعي، والدعي، نتيجة إمكان الناص اللاحق تقديم نص يحاكي السابق عليه، متماهيًا معه، أو لاغيًا له، لنكون إزاء شبكة أو سلسلة نصوص متشابهة، بانتظار ناقدها الإلكتروني الذي يحدد حركة خطها البياني، مشيرًا إلى النص الأول، وهي مهمة ممكنة في ظل مؤشرات التقانات الجديدة غير المفعلة حتى الآن!
ما يركز عليه المؤلف، عبر رصده لتأثير وسائل التواصل الاجتماعي في النص الجديد، هو النص الخارج على الهوية، لا يبقى في هذه الحدود، بل يتجاوزها، إذ إنه يطرح أسئلته بخصوص تجنيس هذا النص، وهو التجنيس الممحي للحدود بين الأجناس، بسبب حضور الانزياحات، والتداخلات التي يشهدها هذا النص المكثف الذي كسر احتكار الناص التقليدي، ودكتاتوريته، وإمكان ظهور ناصين جدد، وركام يومي هائل من النصوص، ما يجعل المهمة 
النقدية التقليدية في منتهى الصعوبة!
وبالرغم من أن فصول الكتاب نشرت في العام 2012-2013، وتأخر ضمها بين دفتي كتاب، إلا إنها تظل محافظة على حرارة أسئلتها، وراهنيتها، وسيكون استكمالها بجزئها التطبيقي- اللاحق- مغامرة مضاعفة ذات قيمة مرموقة في إطار النقد الجديد، وهو ما انتبهت إليها دار أروقة ضمن مشروع اهتمامها بكل ما يتعلق بمثل هذه الدراسات، ولعل أهميتها زادت لأن مؤلفها نأى عن التقعير، والتعقيد، من خلال اعتماد لغة مطواعة، استخدمها في مختبره النقدي أو البحثي أو الدراسي المغاير، ليكون إحدى لبنات المكتبة الجديدة!
ومما جاء في مقدمة إبراهيم محمود للدراسة: في الفيسبوك ثمة علامات وما أكثرها من علامات وهي تهدد أصولها جرّاء هذا الانفساح اللامحدود فيسبوكيًا، ولا غرابة في ذلك، كون الفيسبوكي من أثريات العولمة، وكلٌّ منا يحمل دمغة عولمية، وله حصَّة ما من العولمة، وأن نشهد هذا التنامي الذي قد يبدو للوهلة الأولى كارثيًا، فهو متوقع، لأن التوقع نفسه قد لفظ أنفاسه الأخيرة على التخوم القصوى للحدود المرسومة على خرائط الدول والتحفظات التي كانت سارية المفعول إزاء أمور عُدَّت من الأسرار، والانفجار المعلوماتي حصاد عولمي، وبالتالي فأن يحصّل كل منا على إقامة ما لها مرجعية فيسبوكية فتلك تيمة العولمة، حيث يتنفس الصعداء ويلتقى أناسًا لا يعرفهم، ولا يعرفونه، والنصوص أو الكتابات أو المنشورات المختلفة في الرقعة الحاملة لاسمه تلعب دورها في تعيين حدوده الاعتبارية ومغامراته ظهورًا واختفاء، وما كتبه يوسف يندرج في لعبة ضمن لعبة، وهو ذاته لاعب فيسبوكي لا بل مدمن فيسبوكي، في متابعاته وروافده شعرًا ونثرًا وغيرهما، ولكن فعله متعد لشأنه الشخصي، إنما يصله بما يعرَف به كاتبًا، ولعنوانه ما يحفّز على المقاربة، أو ما يظهِر دقة اللعبة وخطورتها ومسؤوليتها الأدبية والأخلاقية كذلك.
ومما ورد في المقدمة الثانية للكتاب والتي كتبها السيد نجم: تحيل القراءة الجادة التي نهض بها الكاتب إلى عدد من الأسئلة حول مستقبل الإبداع الرقمي، بينما يقرر الكاتب أن التقنية لا تزيد عن كونها كذلك تقنية وغير مبدعة، يقرر أيضا بدور التقنية نفسها في تشكيل النصوص الإبداعية والتي يبدو أنها إلى غير منتهى مع التقنية الرقمية.
كما يبدو أننا سنبقى لسنوات طويلة نبحث عن إجابة لأسئلة تتوالد، أكثر من توافر إجابات يقينية لأسئلة ولدت وفى حاجة إلى إجابة.
من هنا يعد جهد اليوسف جهدًا محمودًا، يضيف حتمًا إلى جملة المحاولات التي تبدو قليلة (مع الأسف) مع فيض المعطيات التكنولوجية للتقنية الرقمية، ومما لا شك فيه أن للتقنية دورها وأثرها على الإبداع ومعطياته، وإن بدت مقولة عامة فهي حقيقية، ومع التقنية الرقمية نحن في حاجة إلى ملاحقتها بالدرس والفحص المخلص، كما تلك التي بين أيدينا.
ويلاحظ أن هذه الدراسة هي امتداد لدراستين أخريين للمؤلف نفسه، أولاهما بعنوان “مخاض المصطلح: استشرافات على عتبة التحول”، من منشورات دار اليمامة- السعودية، والثانية بعنوان “استعادة قابيل: صياغات جديدة للوعي والأدب والفن”، إذ يرى المؤلف في كل هذه الأعمال أن وسائل الإعلام الحديثة باتت تؤثر في النص الجديد، وأن هناك تحولًا نحو كتابة نص مغاير، عابر للتجنيس، كما أنه يفرق بين ما هو مبتكر من هذه النصوص، وما هو مجرد محاكاة لنصوص سابقة عليه، وهو ما يستدعي ظهور ناقد جديد، لعله الناقد الإلكتروني.
ويعد هذا الكتاب الخامس والعشرين للمؤلف، ابن مدينة قامشلي، والذي يقيم خارج سورية منذ عام 2007، وتنوعت مؤلفاته ما بين الشعر والرواية والقصة والنقد والدراسة، وكان من أواخر أعماله رواية “شنكالنامه” عن مأساة السبايا الإيزيديين.

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم محمود

 

” إلى بول إيلوار .. طبعاً ”

 

 

على وقْع اسمك ِ

تتداعى الحواجز الحديدية

الترسانات المسلحة

المتاريس عالية الصنْع

نقاط التفتيش السرية

كاميرات المراقبة عن بُعد

أجهزة الموبايل بإشاراتها الموجهة

الرادارات متناهية الصغَر

غرَف التعذيب الالكترونية

الجسور العابرة للموت

الأسطح المموهة

الممرات المعتمة

الأنفاق الرطبة

 

 

 

في صدى صوتك

تتنحى إشارات المرور

الكابينات الطارئة

المراصد التي لا تُرى بالعين المجردة

السيارات ذات البللور المفيَّم والمانع للرصاص

السيارات ذات الأرقام الخاصة

الدراجات النارية بأصواتها…

إبراهيم اليوسف

 

يوم جد مؤلم ابتدأناه في بوخم، حيث اجتمع محبو الموسيقار الكبير رشيد صوفي في مجلس عزاء برحيله أقيم في جمعية “روناك الثقافية والاجتماعية”، من قبل ذويه ومحبيه. لم يكن مجرد وداع لفنان راحل، بل لحظة استذكار لإنسان وهب حياته للفن والإنسانية، تداعى لحضوره مئات المفجوعين برحيل فنانهم الكبير من: أقرباء- أصدقاء- فنانين- كتاب- إعلام-…

نارين عمر

 

يمكن التّوقف هنا على أهم فصول وأبواب الكتاب، حيث يتطرّق الكاتب إلى ست روايات لستة روائيين عرب لتكون شواهد على شواطئ النّص/ الاقتباس التّمهيدي في الرّواية العربية، وهم حيدر حيدر، عبد الرحمن منيف، صنع الله ابراهيم، ابراهيم الكوني، جبرا ابراهيم جبرا وسالم حميش.

((دأب حيـدر حيـدر ابـتـداء بروايتـه الأولى (الفهـد) ما على جعله عتبة…

غريب ملا زلال

 

أن تموت كماعز

سلب من الاخرين

أجمة تجنح الى الخيال

أن تموت

في غفلة عن كؤوس

كانت تدلف في شوارع خلفية

من المدينة المثيرة

منذ قرون

أن تموت في تسارع

مع رجال يتأبطون الشمس

باختصار مع امبراطورية

رسمت المهد القديم

أن تموت

وحيداً —بعيداً

عن طرقات

كانت طافحة

بحشود قادرة

أن تعبر المستحيل

عن طرقات

باتت مرتعاً للغرباء

وأناشيد الظلام

أن تموت

على نحو

يثير فيك العبادة

لغائب لن يأتي يوماً

أن تموت متوسلاً الى الاحمر :

هذه أنهاري

تدفقت…