نوروز تائه بين الغربة والوطن

رقية جمعة
عندما تبدأ الثلوج بالذوبان، وتسقط على الأرض نقطة نقطة مصدرة صدى جميلا.
عندما نسمع زقزقات العصافير صباحا. عندما تسطع الشمس بداية النهار، كابتسامة الأم لطفلها وهي توقظه .
عندما يخفق القلب فرحا دون معرفة السبب، حينها لا نحتاج إلى تقويم ، ندرك أن الربيع قد أقبل ليعانق الكورد اليتامى،  للاستعداد لنوروز.
أي نوروز؟
نوروز الغربة أم نوروز الوطن؟
هنا في غربتنا نجد الجالية الكوردية في كل مدينة تحاول إحياء نوروز بكل طقوسها ما أمكن.
عندما ينتابنا ذاك الشعور الجميل، القوي…ذاك الشعور النوروزي إيذانا بإقترابه، تجدنا نحضر لإحياء الحفلات، نبحث عن رموز نوروز في خزائننا من ألبسة مزركشة، و زينة جميلة، وسواها.
تماما هو ذاك الشعور ذاته عندما كنا في وطننا، على أرضنا،لا يختلف عنه.
 هنا في الغربة، و بينما نحن نحتفل، ونقدم الرقصات ، وننشد الأغاني، و نبارك لبعضنا بعضا بيوم نوروز، يحيط بنا رجال الأمن. هم لا يخافون منا، ولا يحتاطون لأفعال مشينة قد نرتكبها، أو أعمال إرهابية قد نقوم بها. بل العكس يعرفوننا شعبا مسالما، تواقا للحرية، 
نحتفل بالحرية وننادي بها.
عندما نمر بجانبهم، نسلم عليهم بامتنان فيبتسمون لنا. وفي لحظة كالبرق تأتينا تلك المشاهد من الوطن تباعا، صور رجال الأمن و هم يصوبون علينا  حدقات أعينهم التي تقدح نارا ، و فوهات أسلحتهم متجهة نحونا و كأنهم على جبهات الحدود يواجهون أشرس الأعداء.
مشاهدهم هذه كانت تبث الرعب بين الأطفال والنساء ، رغم التحدي الذي أرضعتنا أمهاتنا منذ الولادة.
 ثم نحاول تعطيل الذاكرة عمدا، لتتوقف تلك الذكريات ، حتى لاتؤثر على لحظاتنا التي نحاول تجميلها ، فنعود لمن معنا ثانية من بعض الأصدقاء، و القليل من الأقرباء و نرسم السعادة على وجوهنا بالقوة تارة، وبترجي أنفسنا تارة أخرى .
عندما تهب الريح قليلا، أو تأتي زخات من المطر ، و تبدأ الأمهات تغطين أطفالهن، و تنادي ممن ابتعدوا عنها قليلا بقصد اللعب، حينها تتنشط الذاكرة ثانية و ترغمنا على العودة إلى الوطن
  عندما كان الطقس يباغتنا فجاة برعد قوي وبرق أقوى . بعد ان تجتمع الغيوم وتحجب النور ، فتبدأ الأمطار بالهطول ، ويبدا البرد يشتد شيئا فشيئا، ترتجف اجساد الاطفال الناعمة و يجتمع الجميع تحت الخيام ، و يلتمون حول النار للتدفئة، و كأنهم في استراحة إلزامية من الاحتفال، ثم ما يلبث أن يتوقف المطر بعد أن دب في الأرض وحولا لا بأس بها ، فتقشع الغيوم و تصبح السماء صافية ليتشكل قوس قزح جميل كهدية نوروز للأطفال، و هم ينظرون إلى السماء بفرح غامر ويمدون أيديهم عاليا يحاولون أن يلتقط كل منهم شريطا من ألوانها.
 عندما تغرب الشمس عنا ،  و يشرف النهار على الانتهاء و تعتم وضوحها خيوط الظلام ، يبدأ النوروزيون بإشعال الشموع بخيوطها الرفيعة في الصالات، و إيقاد المشاعل في الساحات و فناء الحدائق يغنون للكورد ، للحرية ، يرفعون علم كوردستان عاليا مرفرفا أينما حلوا دون خوف من أن تأتيهم رصاصة غدر من الخلف.
في الوطن وفي ساعات النهار الأخيرة، كانت النيران توقد في كل مكان حتى يرتفع دخانها إلى السماء لتعانق بعضها البعض وتشكل لوحة تظهر للكواكب الأخرى …هنا في هذه البقعة من كوكب الأرض يعيش شعب اسمه الكورد يعشقون الحرية، لكن القدر حكم عليهم بحكم العبيد.
هنا يحاول الجميع تخليد تلك اللحظة السعيدة ، لحظة إعلان الحرية ، لحظة إحياء كاوا الحداد .
بدءا من هذه اللحظة الأخيرة والعودة إلى عشية نوروز ، يتخللها الرعب، والكلام البذيء ، والاعتقالات ، والقتل …
كل هذا يقدمه لنا أمن الوطن ، لمن لا يعرف أمن الوطن .
فلتوقد شعلة نوروز ليحيا الكورد.
بينوسانو

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

أصدرت منشورات رامينا في لندن رواية “مزامير التجانيّ” للجزائريّ محمد فتيلينه الذي يقدّم عملاً سردياً معقّداً وشاسعاً يتوزّع على خمسة أجزاء، تحمل عناوين دالّة: “مرزوق بن حمو، العتمة والنور، الزبد والبحر، الليل والنهار، عودٌ على بدء. “.

في رحلة البحث عن الملاذ وعن طريق الحرية، تتقاطع مصائر العديد من الشخوص الروائية داخل عوالم رواية “مزامير التجاني”،…

الترجمة عن الكردية : إبراهيم محمود

تقديم : البارحة اتحاد الكتاب الكُرد- دهوك، الثلاثاء، 8-4- 2025، والساعة الخامسة، كانت أربعينية الكاتبة والشاعرة الكردية ” ديا جوان ” التي رحلت في ” 26 شباط 2025 ” حيث احتفي بها رسمياً وشعبياً، وبهذه المناسبة وزّع ديوانها: زكاة الحب Zikata evînê، الصادر عن مركز ” خاني “للثقافة والإعلام، دهوك،…

فواز عبدي

 

في نقّارة، قريتي العالقة في زاوية القلب كقصيدة تنتظر إنهاء قافيتها، لم يكن العيد يأتي… بل كان يستيقظ. ينفض الغبار عن روحه، يتسلل من التنّور، من رائحة الطحين والرماد، من ضحكةٍ انبعثت ذات فجرٍ دافئ ولم تعد ، من ذاكرة عمّتي نوره التي كانت كلما نفخت على الجمر اشتعلت معها الذكريات..

تنّورها الطيني الكبير، ذاك…

شكري شيخ نبي ( ş.ş.n)

 

والنهد

والنهد إذا غلا

وإذ اعتلى

صهوة الثريا وابتلى… ؟

فما ضل صاحبك

ولا جرى في الغوى… !

 

والنهد

اذا علا

حجلين اضناهما

الشرك في اللوى

او حمامتين

تهدلان التسابيح في الجوى… ؟!

 

والنهد

اذا غلا

عناقيد عنب

في عرائش السما… ؟

توقد الجلنار

نبيذا في الهوى… !

 

والنهد

اذا غلا

وإذ اعتلى صهوة الثريا والنوى

تنهيد في شفاه التهنيد…؟

كالحباري

بين مفاز الصحارى

اضناه

مشاق اللال والطوى… !

 

والنهد

اذا علا

وإذ اعتلى كالبدر وارتوى… ؟

فما ضل صاحبك

ولا وقع في شرك…