ابراهيم محمود
الشرف: رتبة، قيمة، اعتبار، يترتب على علاقة معيَّنة. فليس من شريف إلا في مضمار معيَّن. ولا بد أن السؤال :العنوان يشغل ذهن قارئه ” الكردي خصوصاً ” فهو يعنيه ويستبقيه ليسائله عن حقيقة هذا الشرف الذي يمنحه لرائد ” صحافته ” الكردية، وأحد أبناء أمير ربوتان بدرخان بك: مقداد مدحت ، صاحب أول صحيفة كردية في المنفى ” كردستان 1898″، والذي صرَّح في أول عدد منها عن أنه ينتمي إلى سلالة خالد بن الوليد، وليس سواه، مهما كانت الردود والتفسيرات التي تخفّف أو تخفي هذه ” السوأة ” البدرخانية، فهي لا تمنحه براءة ذمة من تاريخ، عرَّف به عربي الأصل، وبوعي !
يقول بالحرف ( أيها العلماء والأمراء والآغوات الكرد! أنتم جميعاً تعرفون أصلي وفصلي. إن جدّي هو الصحابي خالد بن الوليد، رضي الله عنه، وعشيرتنا بوتان، ونشتهر في الأصل بأزيزان ) .
لقد اندفع العديد من المعنيين بالتاريخ الكردي ” تاريخ الأنساب تحديداً “، إلى نفي هذه العلاقة، ومن بينهم، ما أثاره الأكاديمي الكردي فلات دِلكَش Felat Dilgeş ، في كتابه الذي خصصه حول هذه الصحيفة ” كردستان “، وبالكردية، مطبعة نوبهار، ستانبول، ط 2، 2017، وقد وجَّه إليه نقداً حاداً. فهو يشير في الهامش المتعلق بهذه المعلومة النسبية ” 32″ إلى ( أن شرفنامه نفسه أيضاً هو من كتب عن أن أمراء جزيري من سلالة خالد بن الوليد ” ينظَر شرف خان: شرفنامه… 1998، ص 98 “. وأنه بعد ثلاثة أسطر من المعلومة التي تتضمن ربط أمراء جزيري بسلالة خالد بن الوليد،ومنذ البداية، عن أن هذه العائلة كانت ديانتها الإيزيدية. حيث إن هذه المعلومات لا تنسجم مع بعضها بعضاً، كون الإيزيدية ديانة وعقيدة كردية، وهي لم تنتشر بين العرب إطلاقاً. ومن ناحية أخرى، فإن سلالة خالد بن الوليد لم تخْلّف أحداً أبداً. لهذا لا توجد أي قرابة بين أمراء جزيري بسلالة خالد بن الوليد.)
ويتابع الباحث دلكش متأسفاً أنه ( لأمر لافت للنظر، أنه بعد ظهور الإسلام، كما ينوّه الكردولوجي الكبير باسيل نيكيتيتن بدوره، عن أن هناك الكثير من السيّاد، المشايخ، الأمراء، وزعامات الكرد، يصِلون نسبتهم بالنبي محمد، وأن محمد أو عشيرته هي قريش .” ينظَر في كتابه عن كردستان، بالانكليزية، ص 7 “. ص23 )
إن ما أفصح عنه مقداد مدحت بدرخان، يشدّد عليه رجل بدرخاني آخر، وهو صالح بدرخان، في: مذكراتي، ترجمة: روشن بدرخان، الناشر دلاور زنكي، دمشق، ط1، 1991، حيث نقرأ ( يروى أن السلالة الآزيزية تنحدر من نسل خالد بن الوليد. لا يوجد بين أيدينا أي وثيقة تثبت ذلك، وليس لنا أي دليل بذلك.. وفي سجل عثماني يقال أن سلالة بدرخان تنسب إلى خالد بن الوليد.. وفي شرفنامه، جاء عن أن أول أمير حكم الجزيرة المعروفة باسم ” أزيزان ” كان أمير اسمه سليمان بن خالد واشتهرت أيام حكمه بالعدل والرخاء..ص14 )
إن الانتقادات التي وجّهت إلى هذه النقطة، وتم نفيها، وجّهت بالمقابل إلى صاحب ” شرفنامه ” كذلك.
وربما نجد أنفسنا إزاء مفارقة تاريخية مرّة، ومثيرة معاً، وهي أن البادىء بهذا التدوين هو صاحب ” شرفنامه ” سنة في نهاية القرن السادس عشر، وجاء بعده أحمد خاني المعروف ” 1650-1707 “، وهو صاحب الملحمة الشعبية الطابع ” مم وزين ” كما هو معلوم، ثمة ما يثير الشبهة حول هذه النقطة بالذات ، حيث يصف مكانة أميره وأسلافه:
أسلاف عظام وأجداد وآباء وفي النسب يصلون بخالد
وإن كان هناك من اعتبر خالداً هنا غير المقصود به سالفاً، إنما ” الخالديون: خالد والد سليمان، أساس أزيزان ” كما أفصح عن ذلك بروزيز جيهاني في ” شرح مم وزين ” Şîroveya Mem û zîn ” منشورات نوبهار، ستانبول، ط2، 2013، ص 235 .
إذ ربما يكون المؤثّر في ثقافة خاني هو شرفخان، وعن هذين استمر الخبر النسَبي، كما رأينا مع مقداد وغيره من البدرخانيين…
هكذا يظهر ثلاثة رموز كرد يجمعون بين التاريخ ” شرف خان ” والشعر ” أحمد خاني ” والصحافة: عنوان حداثة المجتمع ” مقداد مدحت “، في نسب يصدم كل ذي وعي تاريخي !
إنها أكثر من كونها إشكالية تاريخ، خصوصاً بالنسبة إلى رجل علم ومعرفة ومقام، صاحب صحيفة ” كردستان ” وهو يصرّح عن سلالته، وفي مدينة/ عاصمة عربية كبرى ” القاهرة ” لتمرير أكثر من علاقة .
الجانب الآخر، والمهم جداً، هو أن علينا ألا نتحسس من حديث بهذا الصدد، كما لو أن الداعي” ابراهيم محمود ” يبتغي شهرة من وراء ” تشهير ” كهذا، كما يحبّ ذلك من تستهويهم العواطف وأبعد منها، إذ لا أكثر حضوراً من هذه الثغرات أو لنقلها ” العيوب الفاضحة ” في تاريخ الكرد، هذا إذا كان هناك تاريخ فعلي لهم، والذين يجسّدون هذا التاريخ، في نطاق الحراك الاجتماعي، الثقافي والسياسي، وهم ” كما هو معلوم ” الأمراء ومن يلونهم مقاماً.
مختصر الكلام، هو أن الحديث عن صاحب أول صحيفة كردية يجب ألا ينسينا هذا الخلل المريع والذي يُسمّيه، وهو بكامل قواه العقلية، ودلالة ذلك، ولأن ليس هناك من نفى ذلك من أبناء عائلته. أي لزوم توسيع قاعدة الدراسة، وبعين نقدية وعميقة، تجاه ما تقدَّم، أي كيف يمكن لحفيد خالد بن الوليد أن يعلَن عنه رائد الصحافة الكردية، ويحتفى به وصحيفته في ” 22 نيسان ” سنوياً. أم تراه النقد نقيصة للآخرين، وما يعرَف به الكرد فوق كل شبهة ونقد ؟!