وجوه قامشلي التي لم تكنْها «في زيارتي السنوية إليها صيف 2019 » – 6

 ابراهيم محمود 
6- وصلة تاريخية مع Camiya Qasimo
 استوقفني جامع ” mizgeft/ جاميا قاسمو ” في زيارتي هذه. واستشرفتُ عبره وقائع وعبراً تاريخية. طبعاً ليس من حديث عن الجامع هذا والذي بنيَ سنة 1958، وبقي قاسمو، هذا الكردي البسيط الشجي بصوته، إماماً/ مؤذناً لأكثر من ثلاثة عقود، وغلب اسمه على اسم الجامع الرسمي ” جامع الوحدة ” نسبة إلى الوحدة السورية- المصرية 1958. أرأيتم ماذا تفعل الأسماء ؟ بين الحضور التاريخي القائم للجامع، والحضور الشعبي الفلولكلوري لاسم قاسمو!
هذا الحديث الذي شغلني، وأنا أمعن فيه النظر، لا صلة له البتة بتأثيره في النفوس. إنما كنقطة علّام مكانية ليس إلا، فمن جهة الغرب يمتد الشارع الذي يصبح طريقاً متجهاً صوب عامودا، ومن جهة الشرق، يكون الشارع المتجه إلى قلب قامشلو، وماراً كسهم صوب العنترية، ومن ثم ليصبح طريقاً إلى تربه سبي وأبعد. إذ شهد من أمامه انطلاقات/ مسيرات كردية الطابع وذات شجون في الزمان والمكان .
استدعيتُ وقائع ودلالاتها في إحداثيتين مفصليتين، ما أعمق المسافة بينهما .
ما كان عليه حالُ الكرد لحظة انتفاضة الكرد في 12 آذار2004، ونقطة تجمُّعهم أمام باب الجامع هذا يوم السبت” 13 آذار 2004 “، والتحرك صوب السوق، وتحدي النظام وقوته الأمنية والعسكرية، وكنت ضمن هذه المسيرة الجماهيرية الحاشدة صحبة الصديق الكاتب محمد سيد حسين، حيث توجهنا بعدها إلى مقبرة ” قدّور بك ” لنتعرض للرصاص الحي من إحدى السيارات العسكرية… ولن أدخل في التفاصيل أكثر.
 انطلاقة الكرد من أمام الجامع حينها، وباتجاه معقل النظام، كانت تاريخية، أعني بها أخرجت الكرد ” السوريين ” من صيغة الاسم المجهول ” بأكثر من معنى إلى ” صيغة الاسم المعلوم ” بأكثر من معنى. لقد اكتسب الكرد حضوراً عالمياً، وهذا ما لم يحسب له النظام لحظتها حساباً.
ما شهده الجامع ، من أمامه، بعد سنوات سبع ” ربيع 2011 ” من تحركات ومسيرات، كان انتكاسياً بأكثر من معنى. في الحالة الأولى، يمكن تسميتها بـ” سيفر ” كردية، وقد انتعشت آمال الكرد رغم الصعاب، والتداعيات القاسية. وفي الثانية بـ” لوزان ” كردية، وقد تشظى الكرد .
في الحالة الأولى، كان، وما زال من السهل الحديث عن تحدي الكرد للنظام، وهذا التحدي سمّى إجمالاً مَن أفصحوا عن كردية وانتماء إلى الحرية دون احتساب للنتائج. هذه اللحظة التاريخية التي يعلَم بها ساسة الكرد وخلافهم، مارست تقسيماً فعلياً بين كرد المواقف العملية، وكرد الشعارات، الصمت والتسويغات ساسة وكتاباً، وضحايا الحدث الكبير، ورموزه، يُعتد بهم .
في الحالة الثانية، في فضاء واسع من الحركة، حيث التوجه إلى الغرب، وليس من نظام فاعل، وفي مناخ التضعضع الأمني، مقارنة بما كان يدور في مدن ” الداخل “، أصبح الكرد أكراداً، وجهاء على بعضهم بعضاً، مراقبين لبعضهم بعضاً. وضرب النظام ضربته طبعاً .
خلال زمن قياسي، اندفعت أفواج كردية، وحملة رايات، ومن حمِلوا على الأكتاف، ومنتهزو الفرص، صحبة كاميراتهم الخاصة، وشعاراتهم المُعدَّة لهذا الغرض، ليؤرشفوها، فتكون لهم شهادة عبور إلى أوربا وغيرها، وهناك بدأوا يزبدون ويرعدون لبعض الوقت، حتى أمنوا على أنفسهم جيداً، ليختلقوا تنظيمات، ورشات عمل استثمارية مدعومة من هنا وهناك .
تيتم جامع قاسمو بكرده ممن صهرتهم وحدة الموقف ذات يوم، لتبعثرهم حدة الخلافات تالياً.
في الفسحة الضيقة، كان الكرد أكثر تعبيراً عن حقيقتهم، وفي الرحابة يتبعثرون، تبعثراً ذاتياً، أو لأن ” الأعداء ” خبَروهم جيداً، واطلعوا على تاريخهم النفسي، الثقافي، الاجتماعي أكثر منهم.
في 2004، كان قاسمو الكردي البسيط يتقدم باسمه على اسم الجامع، بسيطاً إلى أبعد الحدود، غنياً بروحه ملؤها الحياة إلى أبعد الحدود، ليتقدم عليه اسم الجامع الرسمي في 2011.
دماء الكرد وأمالهم الغالية كانت تتقدمهم إجمالاً في الحالة الأولى، لهذا اختارت الكردية كردها، بينما تقدمتهم، في الحالة الثانية، وإلى يومنا هذا، وفي الغالب، مطامعهم الشخصية، زئبقيات الذين تقدموا دون خوف من رصاصة طائشة، وحساباتهم الفُرقية، لتستنزف الكردية حقيقتها، ويكون هناك نزوح اضطراري لمئات الألوف من الطاقة الشبابية الكردية وعائلاتها.
كان ثمة إرادة كردية ما في ” سيفر ” المعاصرة، بينما نُسِفت ظاهراً وباطناً، في ” لوزان ” الأكثر معاصرة. في الحالتين تكون الكردية موضع السؤال على أكثر من صعيد .
…… يتبع
7- وجوه الحقيقة ؟!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صبحي دقوري

 

مقدمة

تمثّل قراءة جاك دريدا لمقال والتر بنجامين «مهمّة المترجم» إحدى أكثر اللحظات ثراءً في الفكر المعاصر حول الترجمة، لأنّها تجمع بين اثنين من أهمّ فلاسفة القرن العشرين

— بنجامين: صاحب الرؤية «اللاهوتيّة – الجماليّة» للترجمة؛

— دريدا: صاحب التفكيك والاختلاف واللامتناهي لغويًا.

قراءة دريدا ليست شرحًا لبنجامين، بل حوارًا فلسفيًا معه، حوارًا تُخضع فيه اللغة لأعمق مستويات…

ماهين شيخاني

 

المشهد الأول: دهشة البداية

دخل عبد الله مبنى المطار كفراشة تائهة في كنيسة عظيمة، عيناه تلتهمان التفاصيل:

السقوف المرتفعة كجبال، الوجوه الشاحبة المتجهة إلى مصائر مجهولة، والضوء البارد الذي يغسل كل شيء ببرودته.

 

كان يحمل حقيبتين تكشفان تناقضات حياته:

الصغيرة: معلقة بكتفه كطائر حزين

الكبيرة: منفوخة كقلب محمل بالذكريات (ملابس مستعملة لكل فصول العمر)

 

المشهد الجديد: استراحة المعاناة

في صالة…

يسر موقع ولاتى مه أن يقدم إلى قرائه الأعزاء هذا العمل التوثيقي القيم بعنوان (رجال لم ينصفهم التاريخ)، الذي ساهم الكاتب : إسماعيل عمر لعلي (سمكو) وكتاب آخرين في تأليفه.
رفوف كتب
وسيقوم موقع ولاتى مه بالتنسيق مع الكاتب إسماعيل عمر لعلي (سمكو). بنشر الحلقات التي ساهم الكاتب (سمكو) بكتابتها من هذا العمل، تقديرا لجهوده في توثيق مسيرة مناضلين كورد أفذاذ لم ينالوا ما يستحقونه من إنصاف…

إعداد وسرد أدبي: خوشناف سليمان
(عن شهادة الراوي فاضل عباس في مقابلة سابقة )

في زنزانةٍ ضيقةٍ تتنفسُ الموت أكثر مما تتنفسُ الهواء. كانت الجدران تحفظ أنين المعتقلين كما تحفظ المقابر أسماء موتاها.
ليلٌ لا ينتهي. ورائحةُ الخوف تمتزجُ بالعَرق وبدمٍ ناشفٍ على أرضٍ لم تعرف سوى وقع السلاسل.
هناك. في ركنٍ من أركان سجنٍ عراقيٍّ من زمن صدام…