التّحوّلاتُ في المرجعيّاتِ الثّقافيّة في ديوان «أُدَمْوِزُكِ وَتَتَعَشْتَرِين» للأديبة الفلسطينيّة آمال عوّاد رضوان أنموذجًا

  د.جهينة عمر الخطيب
المُلخّص: الشّعرُ رؤيةٌ متفرّدةٌ في صياغةٍ مُتفرّدة، وقد ظنَّ كثيرٌ مِن شعراءِ الحداثة، أنّهُ لن تتأتّى هذه الرّؤيةُ إلّا بتطهيرِ “الذّاكرة” مِن روح الأسلاف، أو فيما عُرفَ عندَهم بقتلِ الأب، لكي يحتفظوا لحداثتِهم ببكارةٍ لا تنتهكُها أرواحُ السّابقين، ومِن ثمّ، فقد أحرقوا كلَّ سُفنِ العودةِ الّتي كانتْ تربطُهم بماضيهِم الشّعريّ، غافلين عمَّا للتّراثِ مِن حضورٍ قويّ على مستوى الوجدان الجمعيّ للأمّة، مُتجاهلينَ قولَ إليوت – أشهرُ شعراء العصر الحديث وأكثرُهم  تجديدًا وابتكارًا في الآن ذاتِه-: «إنّ خيرَ ما في عملِ الشّاعر، وأكثرَ أجزاء هذا العمل فرديّة وتميّزًا، هي تلك الّتي يؤكّدُ فيها أسلافُهُ الموتى حضورَهم».
وبالطّبع، لا يعني هذا الخضوعَ للتّراثِ خضوعًا مُطلقًا، أو إجلالَهُ في تسليمٍ مُتزمّتٍ، بل يعني ألّا يكونَ التّراثُ تِركةً جامدةً مُغلقة، وإنّما يتحوّل إلى قوّةٍ دافعةٍ في البدن، لا أن يكونَ مجرّدَ (حِملٍ ثقيلٍ) يُعيقُ الحركةَ والنّموّ الصّحيح، فيأتي التّراثُ الدّينيّ الصّوفيّ، والموروثُ المسيحيُّ اليهوديّ والأسطوريّ، ليُشكّلوا تحوّلاتٍ في الخطابِ الشّعريّ، بحيث جاءَ التّحوُّلُ في طريقةِ الطّرح في الخطابِ الشّعريّ، وفي أنماط التّعبير المختلفة
وستقومُ الدّراسةُ بتحليلِ ديوان “أُدَمْوِزُكِ وَتَتَعَشْتَرِين” للشّاعرة الفلسطينيّة آمال عوّاد رضوان، بحيث ستتبعُ المنهجَ التّحليليّ التّطبيقيّ، وقد لاحظنا في الدّيوانِ الشّعريّ تحوُّلاتٍ في الخطابِ الشّعريّ، إلى خطابٍ ثلاثيّ الأبعادِ صوفيٍّ إسلاميّ، موروث مسيحيّ يهوديّ وأسطوريّ، بحيث تهدفُ الدّراسةُ إظهارَ هذهِ التّحوّلاتِ مِن مرجعيّةٍ ثقافيّةٍ إلى أخرى، وتوضّحُ أهمّيّةَ هذه التّحوّلاتِ ودلالاتِها، وفي هذا إشارةٌ، قد يتّفقُ معي كثيرون حولها وقد يختلفون، بأنّ أصولَ الدّياناتِ هي واحدة.
 
عندما بدأتُ بقراءةِ ديوان “أُدَمْوِزُكِ وَتَتَعَشْتَرِين” للأديبةِ الفلسطينيّةِ آمال عوّاد رضوان، رأيتُ مزيجًا روحانيًّا ما بينَ التّعاليمِ الصّوفيّةِ والمَفاهيمِ الرّوحيّةِ المسيحيّةِ في سِفرِ نشيدِ الإنشاد، فارتأيتُ هذهِ المقاربةَ النّصّيّةَ الصّوفيّةَ، وقصائدُ  الدّيوانِ مُستوحاةٌ مِن الأسطورةِ السّومريّة، ممثّلةً بإلهِ الخيرِ دموزي، والأسطورة البابليّةِ مُمثّلةً بإلهةِ الحبِّ والخصبِ والجَمالِ عشتار.
الإله ديموزي هو حارسُ بوّابة السّماء، والمسؤولُ عن دورةِ الفصول ورمزُ الذّكورة،أمّا عشتار فهي إلهة الجنس والحُبّ والجَمال عند البابليّين، أمّا سِفرُ نشيد الإنشاد فالحبيبُ (العريس) هو المسيح، والعروسُ هي النّفس، والسّيّدُ المسيحُ هو زهرةُ الشّعب اليهوديّ، وهو سوسنةُ الشّعوب، جاءَ مِن البرّيّة، أي من امرأةٍ بتولٍ لم يَمْسُسْها رجلٌ. 
وفيهِ مناجاةٌ بينَ الحبيبِ والحبيبة، وبينَ العروسِ وعريسِها، وبينَ حالةِ العشقِ وحاجةِ النّفسِ إلى الحبيب، وما بينَ إيجادِ الحبيبيْن لبعضِهما البعض، وما بينَ الفقدان وحاجةِ النّفسِ إلى ظِلِّ حبيبٍ لتُطهّرَ روحَها.
وحسبَ المفهومِ المسيحيّ يرتفعُ المسيحُ على الصّليب، حتّى تستريحَ البشريّةُ بظِلِّ محبّته الأبديّة، فالمُناجاةُ بينَ الحبيبيْن فسّرَها رجالُ الدّينِ المسيحيّ بأنّها “حديثٌ مِن الرّبّ المُخلِّصِ، نحوَ الكنيسةِ الّتي ضمَّها إليهِ بَعدَ أنْ مرَّ عليها، فوجدَها مُلقاةً في الطّريقِ عاريةً وَمدوسةً بدَمِها، فقدّسّها بالتّمام، وبَسطَ ذيلَهُ عليها، أي خطبَها عروسًا له، وستَرَ بدَمِهِ عارَها وعُرْيَها، وغسَلَها بماءِ المعموديّة، وألبَسَها حياتَهُ، وأعطاها إنجيلَهُ سِرَّ خلاصِها”. 
وقد تكونُ بينَ المسيحِ والنّفسِ البشريّةِ الّتي تتوقُ للخلاصِ ولشُربِ خمرِ الحقيقة، وقد تَلاقى هذا المفهومُ المسيحيُّ بمَفاهيمَ إسلاميّةٍ صوفيّةٍ في ديوان “أُدَمْوِزُكِ وَتَتَعَشْتَرِين”، فجاءتْ مُقاربتي ثُلاثيّةَ الأبعادِ: ما بينَ الموروثِ المسيحيّ، والموروثِ الصّوفيّ الإسلاميّ والمُناجاةِ الشّعريّة.
جاءَ الحديثُ في الدّيوانِ الشّعريِّ بلسانِ الرّجُل مُخاطِبًا حبيبتَهُ، أمّا في نشيدِ الإنشاد فقد كانَ حوارًا مُتبادلًا بينَ الحبيبِ والحبيبة. 
جواهرُ القلبِ الصّوفيّةُ السّبعُ وديوانُ “أُدَمْوِزُكِ وَتَتَعَشْتَرِين”، وتَلاقيها معَ المفاهيم المسيحيّةِ في سِفرِ نشيدِ الإنشاد:  “جواهرَ القلبِ سبعٌ، والقلبُ فيهِ سبعُ خزائن، كلّ خزانةٍ مَحَلٌّ لجوهرة” 
*جوهرة الذكر: “إذا انفتحتْ في قلبِ العبد، يكونُ أبدًا منفردًا عن وجودِهِ، غائبًا عن شهودِهِ، ويُسمّى عندَ السّالكينَ ذهولًا عنِ الأكوان، وطمأنينةَ القلبِ بذِكرِ الله.” 
وفي نشيدِ الإنشاد نشهدُ اللّهاثَ وذِكْرَ الحبيبِ دائمًا: “حبيبي لي، وأنا له الرّاعي بينّ السّوسن، إلى أنْ يَفيحَ النّهارُ وتنهزمَ الظّلالُ، أرجعُ وأُشبهُ يا حبيبي الظّبيَ، أو غفرَ الأيائلِ على الجبالِ المُشعّبة”
وفي ديوانِنا الشّعريّ نجدُ تعلّق النّفسِ الكلّيِّة بالأنثى المُقدّسة: 
“أَنَا مَا اسْتَهْوَانِي.. إِلَّا أَرِيجُكِ!
كَمْ مِنَ الزَّنَابِقِ تَتَعَشَّقِينَ
لِتَخْتَصِرِينِي مَجْنُونُكِ؟”
جوهرةُ الشّوق: “وهو أنْ يكونَ العبدُ أبدًا في الشّوقِ أو الاشتياقِ إلى الله، يطلبُ الموتَ في كلِّ نفسٍ، لأنّ حرارةَ الاشتياقِ مُشتعلةٌ فيه.” 
“… يَابِسَةٌ سَمَاوَاتِي
أَمَامَ اشْتِعَالِ اشْتِيَاقِي
أَأَظَلُّ .. أَتَضَوَّرُ شَهْوَةً؟”
وهُنا شوقُ الحبيبِ للحبيبة، ويُقابلُهُ شوقُ الصّوفيِّ للقاءِ ربِّهِ معَ شوقِ الشّاعرة، ويتماهى أيضًا مع شوق شلوميت في نشيد الإنشاد: “كالتّفّاح بينَ شجَرِ الوعر، كذلك حبيبي بينَ البَنين، تحتَ ظِلِّهِ اشتهيتُ أنْ أجلسَ، وثمرتُهُ حلوةٌ لحَلقي”.
جوهرةُ المحبّة: “إذا انفتحتْ في القلب، يكونُ العبدُ أبدًا راضيًا عن الله وراضيًا بحُكمِهِ، بلذّةٍ وإيثارٍ لذلكَ الرّضا على كلّ ما عداه، لو وقعَ بهِ في الوقتِ أعظمُ الهلاك، لكانَ أحَبّ إليهِ مِن جميعِ الشّهوات”:
بِــالتَّــرَقُّــبِ .. تُــلَــوِّنِــيــنَ حِــكَــايَــاتِــي
أَيَا لَهْفَةَ رُوحِي .. وَيَا عِطْرَ جَسَدِي
دَعِينِي .. أَتَسَلَّلُ إِلَيْكِ 
كَحَالِمٍ .. بِثِيَابِ زَاهِدٍ .. لِأَظَلَّ ظَامِئًا أَبَدِيًّا”
 وفي نشيدِ الإنشادِ نجدُ في الإصحاحِ الثّامن تأكيدًا على أهمّيّة المحبّة: “المحبّة قويّة كالموت، والغيرةُ قاسيةٌ كالهاوية، لهيبُها نارُ لظى الرّبّ، مياهٌ كثيرةٌ لا تستطيعُ أنْ تُطفئَ المَحبّة، والسّيولُ لا تَغمرُها، إن أعطى الإنسانُ كلَّ ثروةِ بيتِهِ بدَلَ المَحبّة تُحتقَرُ احتقارًا.”
جوهرةُ السِّر: “هو غيبٌ مِن غيوبِ الله، لا تُعرفُ ماهيّته ولا تُدركُ، وحُكمُهُ أنْ يكونَ العبدُ في كلِّ حال، لا يتحرّكُ إلّا لله، ولا يسكنُ إلّا لله، ولا يقعُ فيهِ شيءٌ مِن مُخالفةٍ للشّرعِ أصلًا، لكمالِ طهارتِهِ”.
” وَأنَا الْمُنْهَكُ .. بِعِبْءِ أَسْرَارِي وَحَنِينِي
تَعْصِفُنِي .. أُسْطُورَةٌ سَيَّالَةٌ
تَلْوِي عُنُقِي.. وَتَتَبَرَّجُ بِأَنِينِي!”
فالسّرُّ يُتعبُ صاحبَهُ، لأنّه مُدركٌ لأشياءَ لا يُدركُها غيرُهُ، إلّا أنّه مُتعلّق به، لأنّه أوصلَهُ لهذا الاتّصال بالله والتّقرّب منه.
وفي نشيدِ الإنشاد نرى تَعلُّقَها الكبيرَ به: ” ليُقبّلني بقبلاتِ فمِهِ، لأنّ حبَّكَ أطيبُ مِن الخمر. لرائحةِ أدهانِكَ الطّيبةِ. اسْمُكَ دُهنٌ مُهْراقٌ، لذلكَ أحبَّتْكَ العذارى”.
جوهرةُ الرّوح: ” وهو أن يُكاشفَ بحقيقتِها وماهيّتِها كشفًا حسّيًّا، حيث لا يُخفى عليهِ مِن جُمَلِها وتفصيلِها شاذٌّ ولا فاذّ، وهي حضرةُ ورودِ الاصطلامِ سُكْرًا وصَحوًا”:
“قَلْبِي .. لَمَّا يَزَلْ أَعْرَجَ
يَدرُجُ .. عَلَى سِكَّةِ نَهَارٍ انْهَارَ
فِي مَتَاهَةِ هَوَاءٍ مَائِعٍ!
وَعَلى كَتِفِ حُلُمٍ مَائِيٍّ
تَفَتَّحَتْ عُيُونِي .. رَبيعًا
يُسْرِعُ الخُطَى صَوْبَ .. 
صَدَى صَوْتِكِ المُقدّس”
فهذهِ المتاهةُ تمَّ اختيارُها ولم تُفرَضُ، فهي تَفتحُ العينيْن، على ربيعٍ آخرَ لا يَراهُ غيرُها، هو جوهرةُ الرّوح.
وَلِتَشْحَذَ نَايَاتِي.. أَنْهَارُكِ الْمَدْفُونَةُ!
لَيْسَ تَوَحُّدُنَا يَكْتَمِلُ
إِلَّا فِي وَهَجِ الْجُنُونِ!
وجُنُونِي .. لَيسَ يَشْحَذُهُ 
إِلَّا دَبِيبُ نَبَرَاتِكِ النَّقِيَّةِ!
دَعِينَا نَأْتِيهِ 
مِنْ حَيْثُ تَكُونُ لَذَائِذُهُ .. فِي انْتِظَارِنَا”
فاتّحادُ النّفسِ البشريّةِ بالنّفسِ الكلّيّةِ، يَكتملُ عندَ الوصولِ لمرحلةِ الهذيانِ والجنون.
وفي نشيدِ الإنشاد: إجذبْني وراءَكَ فنجري/ أَدْخِلني خدرَكَ يا مَلكي/ لنبتهج ونفرح بك/ ونذكر حبَّكَ أكثرَ من الخمر”
فلهاثُ النّفسِ البَشريّةِ لمرحلةِ الاتّحادِ بالنّفسِ الكلّيّة.
جوهرةُ المعرفة: “وهي تمكينُ العبدِ مِن الفعلِ بينَ حقيقةِ الرّبوبيّة والعبوديّة، ومعرفةِ كلّ حقيقةٍ بجميعِ أحكامِها ومقتضياتِها ولوازمِها، وهي حضرةُ النّقاء والصّحو”:
” يا من تَنْحَتِينَ الضَّوْءَ .. 
لِتَصْنَعِينِي شَاعِرًا
كَمْ مِنَ الرَّوْعَةِ تَبْلُغِينَ؟ 
أَمَبْلَغَ هَيْكَلِ رُوحِي؟ 
وَمَا عَبَّدْتُ أَتَعَبَّدُ .. 
فِي مَعَابِدِ نَقَائِكِ!”
وفي نشيدِ الإنشادِ تكونُ المعرفةُ باحتساءِ خمورِ المعرفة: “قطفتُ مُرّي مع طيبي، أكلتُ شَهدي مع عسلي، شربتُ خمري مع لبَني، كلوا أيّها الأصحاب، اِشربوا واسْكَروا أيّها الأحبّاء”.
جوهرة الفقر: “إذا انفتحتْ في العبد، يشهدُ افتقاره إلى الله تعالى، واضطرارُه إليهِ في كلِّ نفسٍ مِن أنفاسِهِ، فلا يُزعجُهُ عن هذا التّمكين وَرَدِّ كلِّ خطْبٍ، مِن أضدادِ فقْرِهِ، ومَن تَمكّنَ مِن هذهِ الجوهرة، صارَ أغنى الخلقِ باللهِ عن كلِّ شيء، بحيث لا يُبالي جميعُ الخلق، أحبّوهُ أم بغضوه، أم أقبلوا عليه أم أدبروا، لكما غناهُ بالله تعالى”.
وفي نشيد الإنشاد: “أسْنِدوني بأقراصِ الزّبيب،أنْعِشوني بالتّفّاح، فإنّي مريضةٌ حُبًّا، شِمالُهُ تحتَ رأسي، ويمينُهُ تُعانقُني”.
وفي الدّيوانِ الشّعريّ يَتجلّى الأمرُ بمفهومِ الزّهد:
” أَنَّى لِغَابِرٍ فِي الزّهد ..  أَنْ تتَعَفَّفَ بُرُوقُهُ 
وَنِيرانُكِ الْمُرَاوِغَةُ عَرّافَةٌ .. فِي مَواقِدِي تَتَأَنَّقُ وَتَتَجَمَّلُ؟”
 فهو زاهدٌ إلّا منها، بحيثُ لا يُبالي جميعُ الخلْقِ إلّاها.
وصفُ الحبيبة- مَــلِــيــكَــةٌ كِــنْــعَــانِــيَّــة:
مَا أُحَيْلَاهُ مُرَّكِ .. يَا ابْنَةَ النَّسَمَاتِ
كَأَنَّ رَحِيقَكِ .. تَخَلَّقَ مِنْ نَسِيمِ حَيْفَا
أَيَسُوقُ النَّسَائِمَ أَيْنَمَا شَاءَ
لِطِينِ الْبِشَارَةِ نَاصِرَتِي
لِتَجْبِلَكِ عُيُونِ الْجَلِيلِ فِي الْجَنَّةِ!؟
يَا أَرَقَّ مِنْ نَرْجَسَةٍ اشْتَمَّهَا شَاعِرٌ
فَغَدَا مَلَاكًا “.
وفي نشيدِ الإنشاد: ” أنا نرجسُ شارون، سوسنةُ الأودية، كالسّوسنةِ بينَ الشّوك، كذلك حبيبتي بينَ البنات، كالتّفّاح بينَ شجرِ الوعر، كذلك جبيبي بينَ البنين”.
فالمشتركُ في الوصفِ هنا نبتةُ النّرجس.
أَيَا نِدَائِيَ الْبَعِيد.. مَنْ يَتَرَصَّدُ شَلَّالَاتِ ضَوْئِي؟
هَا رُعَاةُ اللّيل 
يَسُوقُونَ صَدَى صَوْتِي الشَّاحِبِ
إِلَى غَيْمَةٍ مُبَلَّلَةٍ بِاسْمِكِ 
وَكَأَنَّنِي أُفْضِي إِلَى سَمَائِكِ
أَأحُطُّ عَلَى ضِفَافِكِ الْــ آمَالِ!؟
*رُحْمَاكِ*”.
وفي نشيدِ الإنشاد:” يا مَن تُحبُّهُ نفسي، أين ترعى، أين تربضُ عندَ الظّهيرة. لماذا أنا أكونُ كمقنّعةٍ عندَ قطعانِ أصحابك؟ إنْ لم تعرفي أيّتها الجميلةُ بينَ النّساء، فاخرجي على آثارِ الغنم، وارعي جداءَكِ عندَ مَساكنِ الرّعاة”.
وجاءتْ كلمةُ الرّعاةِ هنا  بمفهومٍ روحانيّ، فلو رجعنا لحياةِ الأنبياءِ، سنرى أنّ مُعظمَهم عملوا رعاةً قبلَ نزولِ النّبوّة، فالرّاعي بطبيعةِ عملِهِ في أحضانِ الطّبيعة، فهو يُواجهُ مباشرةً عالمَ الرّوحانيّاتِ ومناجاة الله.
مصطلحاتٌ صوفيّة: ” إنّ كلَّ طائفةٍ مِن العلماءِ لهم ألفاظٌ يستعملونَها- فيما بينهم- ، انفردوا بها عمّن سواهم، تواطؤوا عليها، لأغراضٍ لهم فيها مِن تقريبِ الفهم على المخاطبين بها، أو تسهيلٍ على أهلِ تلكَ الصّنعة، في الوقوفِ على معانيهم بإطلاقِها.”
الاختفاءُ والتّجلّي والفقد: الغيبةُ والحضور: ” فالغيبةُ غيبةُ القلبِ عن عِلمِ ما يَجري مِن أحوالِ الخلق، لاشتغالِ الحسن بما ورد عليه، ثمّ قد يغيبُ عن إحساسِهِ بنفسِهِ وغيرِهِ، بواردٍ مِن تذكُّرِ ثوابٍ أو تَفكُّرِ عقاب… وأمّا الحضورُ فقد يكونُ حاضرًا بالحقّ، لأنّه إذا غابَ عن الخلق حضرَ بالحقِّ، على معنى أنّه يكونُ كأنّه حاضرٌ، وذلكَ لاستيلاءِ ذِكرِ الحقّ على قلبِهِ، فهو حاضرٌ بقلبِهِ بينَ يدي ربّهِ تعالى، فعلى حسبَ غيبتِهِ عن الحقّ يكونُ حضورُهُ بالحقّ،فإن غابَ بالكلّيّة، كان الحضورُ على حسبِ الغيبة.”
” أَنَا مَنْ كُنْتُ أَبْرَعُ 
فِي لُعْبَةِ الاخْتِفَاءِ وَالتَّجَلِّي
دُونَ نُوَارِ سَمَاوَاتِكِ
والفقد:
فَاحَ طَوْرُ عَمَائِي!”
“غَــابَـاتِــي تَــعـُـجُّ بِــالنُّــمُــورِ
أَنَا .. مَنِ امْتَطَتْنِي وحْشَةُ الْفَقْدِ
لَمَّا أزَلْ 
أُسَبِّحُ .. سِحْرَ سُكُونِكِ 
مَا نَسِيتُ .. ذَاكِرَةَ عُشْبِكِ الْمُقَدَّسِ
حِينَ يَسْتَحِيلُ .. لِصَرْخَةٍ فَرِيدَةٍ!”
وفي نشيدِ الإنشادِ يبحثُ العروسانِ عن بعضِهما، يجدانِ بعضَهُما،  ليعودا  للضّياعِ من جديد، وهذهِ الحالة مِن الفقدِ المتكرّر:
الاختفاء: “في اللّيل، على فِراشي طلبتُ مَن تُحبُّهُ نفسي. طلبتُهُ فما وجدتُهُ، إنّي أقومُ وأطوفُ في المدينة، في الأسواق وفي الشّوارع، أطلبُ مَن تُحبُّهُ نفسي. طلبتُهُ فما وجدتُه”.
التّجلّي: ” حتّى وجدتُ مَن تُحبُّهُ نفسي، فأمسكتُهُ ولم أُرْخِهِ، حتّى أدخلتُهُ بيتَ أمّي، وحجرةَ مَن حبلتْ بي.”
الشّطح: “هو ما ينطقُ بهِ بعضُ العارفين ممّا يوهِمُ، أو يقتضي أنّ لهم شفوفًا وعُلُوًّا على مَراتبِ النّبيّينَ والمُرسَلين”:
مَـــوْشُـــومٌ بِــالْــهَـــذَيَـــانِ
خَلْفَ هَفِيفِ حُلُمِي .. أَمْتَدُّ وَأَتَمَدَّدُ .. حَدَّ الْعَتَبِ
أَنَا كَفِيفُكِ .. 
وَقَلْبُكِ .. حُنْجُرَةُ خَيَالِي
وَبِمِلْءِ ثَغْرِي الْمُشَرَّعِ لِلدَّهْشَةِ
أَتَسَلَّلُ إِلَى ذَهَبِ عَيْنَيْكِ .. لِأَرَانِي!
وَأَبْحَثُ عَنْ قَلْبِي الْهَائِمِ..  فِي شَقَاءِ كَوْنِكِ”
وفي المقابل، نرى اختلافَ الحبيب وتَفَرُّدَهُ، بما يُقاربُ إلى الشّطحِ في نشيدِ الإنشاد: “حبيبي أبيضُ وأحمرُ، معلم بين ربوة، رأسه ذهب إبريز، قصصه مسترسلة حالكة كالغراب، عيناه كالحمام مغسولتان باللبن جالستان في وقبيهما”.
*- الصّحو والسّكر: “الصّحوُ رجوعٌ إلى الإحساس بعدَ الغيبة، والسُّكرُ غيبةٌ بوارد قويّ،والسُّكرُ زيادةٌ على الغيبةِ مِن وجه، وذلك أنّ صاحبَ السُّكر قد يكونُ مبسوطًا، إذا لم يكن مُستوْفًى في حالةِ سُكرهِ، وقد يسقطُ إخطارُ الأشياءِ عن قلبه في حالِ سُكرِه، وتلكَ حالُ المتساكر الّذي لم يستوفِهِ الوارد، فيكونُ للإحساسِ فيهِ مساغٌ، وقد يَقوى سُكرُهُ حتّى يزيد على الغيبة، فربّما يكون صاحبُ السّكر أشدَّ غيبة مِن صاحب الغيبة قويّ سكره،وربّما يكونُ صاحبُ الغيبة أتمَّ في الغيبةِ مِن صاحب السّكر، إذا كان مُتساكرًا غيرَ مُستَوْفٍ.
والغيبةُ قد تكونُ للعباد، بما يغلبُ على قلوبهم مِن موجب الرّغبةِ، والرّهبة، ومقتضيات الخوف والرّجاء. والسُّكر لا يكونُ إلّا لأصحاب المواجيد.”
ونلاحظُ غلبةَ هذا المفهومِ في نشيدِ الإنشاد:” أدخَلَني إلى بيتِ الخمر، وعَلَمُهُ فوقي مَحبّة.” “وحنكُكِ كأجودِ الخمرِ لحبيبي السّائغةُ المُرَقرِقةُ السّائحةُ على شِفاهِ النّائمين”.
وفي ديوانِنا الشّعريّ:
” أَنَامِلُكِ..  تَرْعَى كُؤُوسِيَ الْمَخْمُورَةَ
فَيَغْفُو لُهَاثُ لَيْلِي .. عَلَى أَهْدِابِ غِيَابِكِ!”
” عَذَارَى أَحْلَامِي
مَا انْفَكَّتْ تَسْتَحِمُّ 
بِأَنْهَارِ خَمْرِ خيَالِكِ
تَضْفِرُ شَوَاطِئِي .. بِرَوَائِحِكِ الْمَسَائِيَّةِ!
بِهَسْهَسَةِ كُؤُوسِكِ.. تُغَمْغِمِينَ
أ~ نْـ~ دَ~ لِـ~ قُ
وَ~ أَ~ نْـ~ زَ~ لِـ~ قُ
خَارِجَ عِنَاقِ الْعُشَّاقِ
وَأَغْرَقُ
بِحِنْطَةِ شِفَاهٍ مُحَنَّطَةٍ .. بكَلَامٍ مُبَلَّلٍ.”
*- الذّوْق والشُّرب: “ويعبّرون بذلك عمّا يجدونه مِن ثمرات التّجلّي، ونتائج الكشوفات، وبوادره الواردات، وأوّل ذلك الذّوْق ثمّ الشُّرب، ثمّ الرّيّ، فصاحبُ الذّوْق مُتساكِرٌ، وصاحب الشُّرب سكران، وصاحبُ الرّيّ صاحٍ، ومن قويّ حبّه تسرمدَ شربُهُ، فإذا دامتْ به تلكَ الصّفة، لم يُورّثُهُ الشُّربُ سكرًا، فكان صاحيًا بالحقّ فانيًا عن كلّ حظّ، لم يتأثّر بما يرد عليه، ولا يتغيّر عمّا هو به، ومَن صفا سرُّهُ لم يتكدّرْ عليه الشُّرب، ومَن صارَ الشّرابُ له غذاءً، لم يصبر عنه، ولم يبقَ بدونه”:
” يُسَاهِرُنِي اللّيل .. 
يُرَاقِصُ زَنَابِقَ أَحْلَامِي 
يُدَغْدِغُ مَكْنُونَاتِ رُوحِي
وَأَتَثَاءَبُنِي .. انْسِكَابَ خُمُورٍ 
لَا يُدْرِكُ كُنْهَهَا 
إِلَّا مَنْ نَادَمَ كُؤوسَ أَبْجَدِيَّتِكِ!
هَاءَنَذا .. أُدَوْزِنُ أَوْتَارَ غُرْبَتِي
عَلَى كَمَانِ طَيْفِكِ الضَّبَابِيِّ
وَأَعْزِفُنِي مَزامِيرَ اسْتِغْفَارٍ 
لِئَلَّا يَخْبُوَ.. مَجْدُ حُضُورِكِ”
فمَن نادمَ كؤوسَ أبجديّتِها، سيمُرُّ بالمراحل الثّلاثِ: الذّوْق، الشُّرب، الرّيّ، حتّى يصل إلى مرحلة “عزف مزامير الاستغفار”.
وفي نشيدِ الإنشاد: ” قطفتُ مُرّي مع طيبي. أكلتُ شَهدي مع عسَلي، شربتُ خمري مع لبَني، كُلوا أيّها الأصحابُ، اِشربوا واسْكَروا أيّها الأحباء”
*- التّلوين والتّمكين: التّلوينُ صفةُ أرباب الأحوال، والتّمكينُ صفةُ أهلِ الحقائق، فما دامَ العبدُ في الطّريق، فهو صاحبُ تلوينٍ، لأنّه يَرتقي من حالٍ إلى حال، وينتقلُ مِن وصفٍ إلى وصف، ويخرجُ مِن مَرحلٍ ويحصلُ في مَربع، فإذا وصلَ تمكّن… وصاحبُ التّلوين أبدًا في الزّيادة، وصاحبُ التّمكين وصل ثمّ اتّصل، وأمارة أنّه اتّصل: أنّه بالكليّة عن كلّيّتِهِ بطل.”
وَأَنَا .. خَلْفَ ظِلِّي أَرْكُضُ
يَسْتَجْدِي .. مِمْحَاةَ فَرَحِي
كَيْ تُنَاكِفَ .. لَدَغَاتِ أَلَمِي!”
فهنا مرحلة الانتقال، أي مرحلة التّلوين في بحثِهِ عن الفرح والسّعادة الحقيقيّة.
وفي نشيدِ الإنشاد: “فتحت لحبيبي، لكن حبيبي تحوّل وعبر نفسي، خرجت عندما أدبر، طلبتُهُ فما وجدتُهُ، دعوتُهُ فما أجابَني”
فلم تَنجحْ باللّقاء بالحبيب، لأنّها ما زالت في الطّريق، لم تصل بعد لترتقي به ويرتقي بها، لهذا عبر نفسها ولم يُواطنها.
*-  القرب والبُعد: “أوّلُ رتبةٍ في القرب، القربُ مِن طاعتِهِ، والإنصافُ في دوامِ الأوقاتِ بعبادتِه. وأمّا البعد، فهو التّدنس بمخالفته، والتّجافي عن طاعتِهِ، فأوّلُ البُعدِ بُعدُ التوفيق، ثمّ بُعدٌ عن التّحقيق، بل البُعدُ عن التّوفيق هو البعدُ عن التّحقيق.”:
“مُـــشْـــتَـــهَـــاتِـــي
أَيَا قَزَحِيَّةَ الْهَوَى 
وَمَا انْفَكَّتْ أَنْفُاسُكِ النَّوْرَانِيَّةُ 
تُرِيقِينَهَا عُذُوبَةً
مِنْ هَيْكَلِكِ الْمُقَزَّحِ 
عَلَى أَوَانِي ضَوْئِي
فَيَتَوَهَّجُ عِطْرُ اللّيل .. 
نَتَلَأْلَأُ 
وَنَرْتَشِفُ مِنَ الْحُبِّ.. جُنُونَهُ
وَلَا نَنْطَفِي
بَعْدَ اسْتِعَادَةِ الذَّائِقَة!”.
فالقربُ منها جعلَهُ يَصلُ للذّائقةِ ويَنتشي.
وفي نشيدِ الإنشادِ تنجحُ بمفهومِ القُربِ مِن الاتّحاد بالحبيب “النّفس الكلّيّة”، والانتشاء بخمر الحقيقة: “وأقودُكُ وأدخلُ بكَ بيت أمّي وهي تُعلّمُني، فأسقيكَ مِن الخمرِ الممزوجةِ مِن سلافِ رمّاني”.
*- الخواطر: “الخواطرُ سبعون ألف خاطر، تخطرُ كلَّ يومٍ على القلب، حتّى لا يُخلّفَ منها واحدٌ، لأنّ القلبَ مثلُ البيت المعمور… وجميعُها مقسومةٌ على أربعةِ أقسام بالنّسبةِ للقلب المحجوب، فقسمٌ يَلبسُهُ الشّيطانُ عندَ دخولِهِ للقلب، ويلقي له مِن وساوسه، وقسمٌ تلبسُهُ النّفس، وقسمٌ يدخلُ معهُ الملك، وقسمٌ لا يدخلُ معه شيء، ولذلك قسّموا الخواطرَ على أربعةِ أقسام، شيطانيّ، ونفسانيّ، وملكيّ وربّانيّ”.
ويَطغى النّفسانيُّ في الدّيوان الشّعريّ، وفي سِفرِ نشيدِ الإنشاد:
” وأنْتِ كَغُوايَةٍ 
تَمُورِينَ فِي مِشْيَتِكِ 
كَسَحَابَةٍ 
بَاكِيَةٍ ضَاحِكَةٍ .. لَامِعَةٍ نَدِيَّة
تَمُرِّينَ بِسِرْبِ نَوَارِسِي الْــ 
يَسْكُنُهُ وَصْلٌ .. مُكدَّسٌ بالنُّعَاسِ
بِوَدَاعَةٍ 
تَتَدَافَعُني دِمَائِي 
صَوْبَ .. مَواقِيتي الْمُتَأَخِّرَةِ 
صَوْبَ شرفةٍ.. تَمُوجُ بِي نَشْوَةً”
وفي نشيد الإنشاد نراها لا تقاومُ رغبةَ النّفسِ بلقاءِ الحبيب، “فالنّفسُ إذا طالبتك بشيءٍ ألحّت.. فلا تزالُ تُعاودُك ولو بَعد حين، حتّى تصلَ إلى مُرادِها ويحصلَ مَقصودها، اللّهمّ إلّا أن يَدومَ  صِدقُ المجاهدة، ثمّ إنّها تُعاودُك وتُعاودك”:
“في اللّيل، على فِراشي طلبتُ مَن تحبُّهُ نفسي، طلبتُهُ فما وجدتُهُ، إنّي أقومُ وأطوفُ في المدينة، في الأسواق وفي الشّوارع، أطلبُ مَن تُحبُّهُ نفسي، طلبتُهُ فما وجدتُهُ.”.
الخاتمة
قامت الدّراسةُ بمقاربةٍ نصّيّةٍ ثُلاثيّةِ الأبعاد، بحيث كان مصدرُ الدّراسةِ الدّيوان الشّعريّ “أُدَمْوِزُكِ وَتَتَعَشْتَرِين”، ومقاربته مع المفاهيم الصّوفيّة الإسلاميّة، وسِفر نشيد الإنشاد من خلال المصطلحاتِ الصّوفيّة، والخواطر الّتي تردُ في تعاليمِ الصّوفيّة، ومقاربتها مع سِفر نشيد الإنشاد، والدّيوان الشّعريّ، والمفاهيم الأسطوريّة. فكانت هناك نقاطٌ كثيرةٌ تلاقتْ مِن خلالِها  النّصوصُ الثلاثة، نظرًا للعلاقةِ الرّوحانيّةِ الّتي تجمَعُهم مِن مناجاةٍ للنّفسِ الكلّيّة، ومن العلاقةِ الشّائكةِ بينَ النّفس البشريّة والنّفس الكلّيّة، بينَ مدٍّ وجزرٍ، وبُعد وقُربٍ، واختفاءٍ وتَجلٍّ، ممّا يجعلُنا نؤمنُ بأصول الدّياناتِ الواحدة، فحتّى في زمنِ الفراعنة، تواجدتْ فكرةُ الحلول الّتي رأيناها في بحثنا، في الدّيانةِ الإسلاميّةِ الصّوفيّة، وفي الدّيانتيْن المسيحيّة واليهوديّة، وفي الأساطير اليونانيّة..
المصادر والمراجع
المصدر:
1-آمال رضوان، “أُدَمْوِزُكِ وَتَتَعَشْتَرِين” (عشقيات)، دار الوسط للأعلام والنشر، رام الله، د.ت.
المراجع
2-حمدي،  أيمن قاموس المصطلحات الصّوفيّة، دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع، مصر، 2000.
3-القشيري، زين الدّين أبي القاسم، الرسالة القشيرية،دار جوامع الكلم، القاهرة،د.ت
4-الكتاب المُقدّس، العهد القديم، سفر نشيد الإنشاد.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…