ثأرُ الأغاني

جان بابيير
 
هل صادفتم شعباً بهذه العظمة، يرمي بالجهات إلى أقصاها؟!
وحدَها تبقى جهةُ القلبِ، ويمتشقُ الأغاني سلاحاً في وجه المحن 
للتقرّب من حقول الربّ الملغومةِ في الجغرافية،
ويسلّخُ جلدَ التاريخِ… قطرةً قطرة.
دمُنا يسيلُ بأحرف لزجة
حتى كلماتُ أغانينا مشغولةٌ ببذخ وضوح ما جرى اليوم في كوباني.
أن ترمي نواياك باتجاه العدوّ بحذاء وبيض وحجارة… أبلغُ من أيّ تدوين
عندما يحملُ طفلٌ في حضنه حجارةً، صارخاً:
سأنتقمُ لعفرين.
اعلمْ أنه شعبٌ لن يموت
أنهم يتسكّعون على عتبة الحرّيةِ؛ لكيلا يطؤُها اللصوصُ…
تذكّرْ أن الأغاني الخضراء لن تجفّ، ونبعَ الإرهابِ ميّتٌ لا محالة.
قطراتُ الجريمةِ تتساقطُ من أنياب الذئابِ والكلابِ المتحالفةِ معه،
إنهم أفعالٌ مرابية…
فقط سيبقى لخطوات المعاني اللون الأزرق مقتبساً من السماء.
نحن شعبٌ اقترفَ الحبَّ والأغاني،
وكما قالوا: «الغجرُ الأشرارُ لا يحبّون الغناء».
صورُ النساءِ والأطفالِ أمامَ الدبّاباتِ والمدرّعاتِ «التركوروسية» لا تحتاجُ لزخرفة،
إنها تحتاجُ لخمس حوّاسٍ وضعفها؛
لتقارنَ بينَ الباطلِ والحقِّ من القول المشتهى
أشعرُ بسطوة الحبِّ معهم كهطول النايات،
وأتلمّسُ وجوهَهم من بعيد، هنا نحن باقون
دفوفُنا لا تعرفُ ديماغوجيةَ الضبابِ، أو زجاجاً مكسوراً…
ينوحُ الألقُ دماً بهيئة شهيد
كان الأبُ يغنّي ويرقصُ،
أيُّ متنٍ وأيُّ ثلةٍ للبوح تعطيك اليقينَ كفتح المدنِ بكامل تجلّياتها؛
لتعودَ المعاني إلى رشدها، ويكتملَ بدرُ الحبِّ في القمر،
ومواسمُ العصافيرِ تنبشُ معنى الوجود لصبحنا القادم! 
أغانينا لا تضعُ أغلالاً على معاصمها، كنغم الكلمات الناهبة.
لمساحة الحبِّ في القلب تكتبُ هسيسَ جملةٍ تتوضأُ بهالات الحزن،
وتفرغُ المعاني من فمها على قبورنا بمفاتن الفقدِ والوجدِ الكبيرِ.
قلْ بصوت عالٍ:
«يا رب: لا تشوّهْ لونَ الحياة
أنت تشاهدُ خطوط القدر على جبهة أيّامِنا
تحت سيادةِ السيوفِ المرتعدةِ».
والأرضُ حُبلى بالقنابل
فقط نحن نشبهُنا، ولا يشبهُنا أحد.
في زنزانة حنجرتِنا لنصدحَ بالأغاني
مقابل الفرض اقرأْ… «لاوك وحيرانوك»()
مقابل السنّة… دقْ الدفوف
لن تحلَّ أيةَ آية أخرى محلّ دمِنا المراق
ضروعُ الأرضِ نهبُها لخراف الشغف،
ونرفعُ عقيرتنا على الموت،
ونغنّي.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…

ماهين شيخاني.

 

وصلتُ إلى المدينة في الصباح، قرابة التاسعة، بعد رحلة طويلة من الانتظار… أكثر مما هي من التنقل. كنت متعبًا، لكن موعدي مع جهاز الرنين المغناطيسي لا ينتظر، ذاك الجهاز الذي – دون مبالغة – صار يعرف عمودي الفقري أكثر مما أعرفه أنا.

ترجّلتُ من الحافلة ألهث كما لو أنني خرجتُ للتو من سباق قريتنا الريفي،…