وإذا كان هناك فنانون كرد مشاهير كـ: محمد شيخو ـ شفان ـ محمد عارف جزراوي ـ ناصر رزازي ـ كلستان ـ مرزيه ـ شيرين ـ آواز …..الخ …..الخ لحن لهم, مقابل فنانين عرب لحن عدداً من أغانيهم كـ : سميرة توفيق, بل ويذكر أنه ذات مرة لحن أغنية للفنانة المعروفة سعاد توفيق وهما في الطائرة …. بالإضافة الى كثيرين سرقوا بعض ألحانه وربما ،فإن لهذه الأسباب وغيرها كثير أيضاً أوصى الفنان الكبير الراحل محمد عبدالكريم آلته التي كان يعزف عليها ، معلناً تتويجه ( أميراً للبزق ) بعد رحيله …..
ويعد سعيد يوسف ، الفنان الكردي الأول بعد جيل ـ آرام ديكران ـ ممن تابعوا مسيرة الموسيقا الكردية ، وسعى في الوقت نفسه من أجل صون الفلكلور الكردي الذي اسال لعاب الكثير من لصوص الموسيقا والتراث، ولعل هذه الأسباب مجتمعة حدت بالجمعية الثقافية المهتمة بالفلكلور في أوبسالا السويدية أن تضع صورة الفنان سعيد يوسف على طابع بريدي. كذلك إن منظمة اليونسكو سجلت بعض أغانيه في ـ CD ـ مذهب في العام 1973 محفوظ في أرشيف مقرها في فرنسا .
ولقد كتب الكثير عن الفنان سعيد وفنه في الصحف والمجلات العربية والكردية بل والعالمية إذ وصفته ـ دير شبيغل الألمانية بأنه اشبه بالبهلوان الذي ينتقل من لحن الى آخر. وجاء في صحيفة برلين بوست بأن هذا الفنان بعث النشوة والدفء في أرواحنا، ولم يتمكن أحد منا رؤية أصابعه الرشيقة التي راحت تلاعب الأوتار بسرعة لم يسبق لنا أن نعهدها عند سواه من الفنانين العالميين الكبار.
وبصراحة ان الحوار مع سعيد يوسف ليس سهلاً البتة إذ أنه رغم صداقتي الطويلة مع هذا الاسم الشاهق، أحس إزاء حواري معه والذي بدأناه منذ عشر سنوات* وكأنني أمام ملك يعتلي عرشاً حقيقياً، وهذا ما يبدو على سيمائه وهو يتحدث بثقة عالية بالنفس.
ويأتي هذا الحوار تحديداً بعد تكريم الفنان سعيد يوسف من قبل مجلس إدارة الملتقى الثقافي ومجلة مواسم في الجزيرة حيث كانت قد كومت عدداً من المبدعين من أبناء الجزيرة. كل في مجاله وإذا كان من الضروري أن أقوم أجوبة فناننا سعيد عن أسئلتي فإنه لا بد من القول بأنني أندهش بعد كل حوار معه، ذلك لأن لغته العربية سليمة ، مثلما أن لغته الكردية الأم سليمة أيضاً ، إذ لا أضطر الى أي تصويب لهذه الأجوبة كما أفعل أحياناً مع بعض من أحاورهم.
لا بأس لنبدأ بسؤال تقليدي: الفن وأنت …أيكما بدأ الاخر.. وكيف كان هذاالبدء ؟
– الانسان هو المبدع الخلاق – بعد الله- وهو الذي خلق الفن بكل تشعباته ،وعمّ المعمورة بابداعاته ،وكان تأثيره علي بفضل من سبقني ،وفي مرحلة نضوجي جعلني اتواصل معه واتابع خطواته المؤثرة ،فكلانا بدا بالآخر ..
ففي مرحلة معينة كنت تلميذاً، واسمع كل أطياف الفن البدائي المتأخر عن مواكبة الزمن ،ومن خلال بعض المغنين الفلكلوريين ،ومن خلال من كانوا يحيون الأعراس والمناسبات بآلاتهم المتواضعة ؛كالربابة ، والزرنه، والطنبورة ، والناي..والخ ،رأيت في نفسي المقدرة والموهبة لمزاولة تلك الفنون رغم انغلاق المجتمع آنذاك حول نفسه ، وتتبعت ما كان يجول في خاطري وزاولت الفن في البدء بالغناء فقط ، ثم باقتناء آلة الطنبور ،وتقدمت بشكل سريع ،هذا كل ما يتعلق ببداياتي ..
حبذا لوتحدثنا عن واقع الموسيقا الكردية في تلك الفترة التي بدات فيها رحلة الفن ؟…
– كما اسلفت في الجواب عن السؤال الأول ؛كان واقع الموسيقى الكردية في تلك الفترة واقعا متخلفاً ، مؤلماً ،فالفن في تلك الحقبة من الزمن كان شبه منبوذ ،ومزاولوه كانوا كالمتسولين والغجر ، رغم ذلك كان عدد الفنانيين في الجزيرة السورية لا يتجاوز العشرين أو الخمسة والعشرين فناناً ، وكان الناس ينظرون إليهم بعين التقزيم والاستصغار ،وكان الفنان يشكو من مصاعب جمة ،ومن كثرة الحواجز الاجتماعية ،وبالرغم من ذلك ،سرنا – أنا وغيري من الفنانيين – على دروب كان من الصعب علينا اكمالها وخوضها ، لكن بفضل تشجيع ومؤازرة بعض المثقفين الكرد ،أكملنا المشوار.. إلى مانحن فيه الآن ..
كيف تنظر على ضوء خبرتك الموسيقية إلى واقع الموسيقا الكردية الآن ؟وهل لهذا الواقع صلته بالتراث أم لا؟
– واقع الموسيقى الكردية الآن ،لا يزال واقعاً متخلفاً قياساً بموسيقا الشعوب من حولنا ، فتقدم الموسيقى لم يزل بطيئاً كمشية السلحفاة ،-ولذلك مبرراته- حيث المجتمعات الكوردية المتخلفة تلعب دوراً سلبياً في وجه تقدم الفن في المجتمع ككل ،وتعتبر الموسيقى والغناء شيئاً غير مرغوب به. فهناك ثلاثة ملايين كوردي في سورية لا يستطيعون تشكيل فرقة موسيقية ناضجة تمثلهم في أي مناسبة …
* انت خبير و متابع للأغنية الكردية ،هل تجد ان دخول بعض المفاهيم الفنية الجديدة، والآلات الغربية إلى عالم الموسيقا والأغنية الكردية سيجلبان لها التقدم ،أم سينعكسان بشكل سلبي على هذه الموسيقا والأغنية ؟
– الموسيقى بشكل عام فيها أطياف عذبة ومذاقات متعددة وألوان مختلفة فالموسيقى الكردية لها طابعها الخاص ،ومنها من تواكب العصر ،ومنها ما بقيت في مكانها دون ان تستخدم هذه المفاهيم الجديدة ،وادخال بعض الآلات الغربية لا تزيدها الا ألقاً وطعماً مستساغاً. لكن بما ان الموسيقى الكردية بقيت متخلفة بالنسبة للموسيقى عند شعوب المنطقة, فيبقى ادخال آلات غربية على موسيقانا غير مستحب على الأقل في المرحلة الأولى. فلو تتبعنا اعمال الفنانيين الكبار مثل عبدالوهاب وبليغ حمدي وفريد الأطرش, نرى ان هؤلاء قد ادخلوا الآت غربية الى موسيقاهم لتزيدها رونقاً وجمالاً. أما بالنسبة لنا فيبقى شئ غريب على المسامع ..
قرأت في بعض المقالات والمقابلات التي أُجريت معك بأن لبعض أفراد أسرتك الفضل في الاهتمام بموهبتك الفنية ؛ماذا تحدثنا في هذا الجانب، رغم ان لهذا السؤال ارتباط بنشأتك الأولى ؟
– في كل مرحلة عندما ينجح فرد في عمل ما ،وهذا النجاح ان لم يكن وراءه مشجع أو مؤازر سيبقى ناقصاً وغير مكتمل؛ فتشجيع والدي كان الحافز الأكبر لي في حبوي الأول في دنيا الغناء و الموسيقا والشعر…
من المعروف انك تكتب كلمات أغانيك ،هل تصف نفسك صاحب كلمات أم شاعر أيضاً ؟
– نعم كتبت كلمات أغانيّ كلها منذ ان مارست الغناء ومنذ البداية, والناس يصفون شعري بالسهل الممتنع. وهذا النوع من الشعر صعب ومؤلفوه قلِّة. وبالنسبة لي, نعم اعتبر نفسي شاعراً. فقد الفت الكثير من الشعر وهذا قد لا يظهر للمستمع من خلال الحاني ،لأنه شعر غير غنائي ،فدواويني الشعرية تضم الشعر الساخر والسياسي والاجتماعي والغزلي…..
هناك فنانون اهتممت بموهبتهم منذ بداياتهم ورعيتها على أكمل وجه ..حبذا لو تحدثنا هنا عن الدور الذي قمت وتقوم به في مجال الأغنية الكردية ؟
– هذا صحيح. فعندما سافرت إلى لبنان ،أسست فرقة فنية فلكلورية كردية شعبية قوامها /45/شاباً وشابة وكان من بين هؤلاء الشباب الفنان محمد شيخو ،والفنانتان شيرين وسيفي والفنان علي أحمد ،وغيرهم ..فقد كنت اشرف على أعمالهم و أساعدهم بالعزف واللحن ،وقمت بتلحين أغان كثيرة لشيرين وسيفي وعلي أحمد. وبما انني كنت رئيساً لتلك الفرقة ،فكنت احفظهم الألحان التي كنت اؤلفها وكذلك المقاطع والتقاسيم الموسيقية، وبعد فترة شبه طويلة اكتشفت الفنانة ( آواز ) بالمانيا فلحنت لها الكثير من الأغاني. وقبل ذلك كنت اعمل مع الفنانة العراقية كلبهار في تلحين بعض الأغاني لها. وكذلك عملت مع الفنانة كلستان برور في تلحين ثلاثة من اغانيها ثم مع الفنانة بسر شاهين حيث لحنت لها عشرأغان …….
ما الذي تقوله أمام سرقة الموسيقا والأغنية الكردية من قبل أبناء الشعوب الأخرى التي تعيش مع الأكراد ،في ظل عدم وجود نقابة للفنانين الأكراد تدافع عن الأغنية المسروقة والمنسوبة ..؟..
– سؤالكم هو جواب بحد ذاته. في ظل عدم وجود نقابات موسيقية كردية ، وعدم وجود دولة تحتضن الأغنية الكردية ، تبقى الموسيقى الكردية معرّضة للنهب والسرقة من قبل بعض أبناء دول الجوار. فقد سمعت الكثير الكثير من الألحان الكردية المسروقة وقد أدخلت عليها بعض التعديلات الطفيفة ،ووضعوا لها كلمات جديدة وبلغات أخرى ،وتذاع وتنسب هذه الألحان الى أناس ليس لهم أدنى فضل في تأليفها. ومما يساعد هؤلاء الاستمرار في عملهم وجود دولهم ونقاباتهم التي تدافع عنهم .
برأيك ما الاقتراحات التي ستمنع مثل هذه الظاهرة التي اخذت أبعاداً في الفن ،في ظل دخول السرقة عالماً جميلاً مثل عالم الفن والغناء ؟
– الاقتراحات كثيرة, لكن من يقوم بها ويفرضها أو يطالب بمنع سرقة الألحان ؟ فمثلاً هناك جمعية تقوم باحقاق الحق وتطالب السارقين بدفع غرامات ومركزها باريس, واسمها جمعية المؤلفين والملحنين. فلو كان الملحنون الكورد منتسبين إلى هذه الجمعية, لاستطاعوا مطالبة المجرمين ناهبي تراث الشعوب بالكف وجرهم الى محكمة جمعية باريس واذاعوا خبر السرقة في عدد من الاذاعات وشاشات التلفزة. ولكن “لا حياة لمن تنادي”.
على فكرة هناك من يرى في ولدكم “زورو” فناناً مهماً ما رأيك به كفنان ..؟
– ولدي زورو فنان موهوب بكل معنى الكلمة. فهو عازف من الدرجة الأولى ،ولديه المام بالمقامات الموسيقية ،ودرس الفنون الموسيقية ،ويلحن بشكل جيد وصوته مقبول وله مستقبل زاهر. وما يثبت ذلك انه من ضمن الفرقة الموسيقيه للفنانة العربية الكبيرة فيروز.
هذه الرحلات التي تقوم بها إلى مناطق متعددة من العالم ،ماذا تقول لك ؟ وهل لها أثر في إيصال الأغنية والصوت الكردي الى حيث تقصد ؟
– الرحلات التي اقوم بها بين حين وآخر تنعش قلبي وتزيد من معرفتي ،وتزيد ثقافتي وتعطيني دفعاً قوياً. وزيارتي لأية دولة تعطينى معنى لنوع من الحياة ،وتزيد معرفتي ،وادخل في آفاق الحياة الرحبة ،وابقى منفتحاً على الدنيا وعلى الحياة وعلى نفسي وتزيد من تعلقي بالحياة والفن وتعطيني دفعاً للاطلاع على ثقافات الشعوب الأخرى ،وتدخل فيّ روحي حياة جديدة وآمالاً و احلاماً جميلة وحلوة ..
أية أغنية من أغانيك يمكن اعتبارها الأقرب إلى روح سعيد يوسف وانت الذي ألفت وغنيت ما يزيد عن 700 أغنية ؟
– الحقيقة كل أغنية من اغنياتي لها وقع في نفسي, فلكل اغنية ذكراها وموقعها، ولا أفرق بينها الا من حيث رزانة كلماتها وقوة لحنها ومعانيها ،لكن تأثير بعضها أقوى من غيرها على نفسي, والآن اتاثر ببعضها أحياناً أكثر لا لكونها أفضل بل من حيث الذكرى ،مثل: جاوا تي هري ، اوي فلك ، دردو ،از كلك تيشم ……..
حبذا لو تحدثنا قليلاً عن أعمالك الفنية الأخيرة ؟.
– أعمالي الفنية الأخيرة كثيرة ،فقد قلت لك آنفاً باني لحنت لكولستان وبسر شاهين ،وألفت كتاباً لتعليم البزق وهو الآن قيد الطبع ،وهناك 12 معزوفة من ضمن ذلك الكتاب وزعها زياد الرحباني وهي جاهزة وستنشر قريبا.ً ولي كتاب طرائف ،وآخر ديوان شعري سيطبع في مطبعة افستا باستانبول في القريب العاجل. والفت موسيقا خاصة لراقصة شرقية (باربارا) وهي نمساوية, واحضر الآن ثلاثة مقاطع موسيقية لراقصة اخرى أوربية ( منى غازي ) ووالدها سوري..
هناك فنانون عرب قمت بتلحين أغانٍ لهم حبذا لوتحدثنا عن كيفية تعاملك معهم ؟
– بحكم عزفي على البزق وبحكم عملي في الاذاعات فترة من الزمن وتأليف مقاطع موسيقية ،قمت بتلحين أغان لكثير من المطربين والمطربات العربيات ،فيجتمع الفنانون في ردهات الاذاعة ثم يجري التعارف ، ثم تقوى العلاقات عندها نعرض أفكارنا على بعض لتنفيذ بعض الامور الفنية من لحن وتأليف ،فيقوم بعضهم بتبني تلك المطالب ،بالاتفاق مع المطرب أو المطربة. وعند التنفيذ ستستمع الى ذلك اللحن المعد خصيصاً لصوتها ،فان اعجبها اللحن تقوم بحجز الاستوديو وتسجيل ذلك اللحن بالاتفاق مع الملحن والشاعر. وهكذا تقوي الروابط والعلاقات وحسب المصلحة المقتضية ،وكان لي تجارب مع سميرة توفيق وكذلك للفرنسية جوني اوبير ……..
هل من كلمة أخيرة تضيفها في نهاية هذا الحوار ..؟
– شكراً لتعاونكم الايجابي دائماً لإعطائي هذه الفرصة للتواصل مع جمهوري العزيز ،ليطلع على نتاجي الفني وسيرتي الفنية فلكم الأيادي البيضاء دائماً لنشر ظلال الفن وفيافي الثقافة ،وتدغدغوا معي أسماع القارئين المتابعين لأمور الفن والفنانين والثقافة ..
أجري الحوارأواخر2002
…………………….
ملاحظة
أجري حوار سابق في العام 1993 مع الفنان سعيد يوسف ولم أعثر عليه
حوار أجراه كرم يوسف
هذا الحوار نشر في موقع عامودا 2002 واعيد نشره في بينوسا نو2015