هيثم هورو
-١-
استدعى جميل عبدالقادر من قرية مجاورة لقريته ليقوم بعملية الفلاحة في حقل الزيتون وإزالة الأغصان الصغيرة الملتفة حول جذوعها.
بدأ عبد القادر بالعمل بنشاط من بزوغ الفجر إلى غروب الشمس وفي أثناء عمله مرّ به شخص يدعى شعبان سلم عليه ، أمره عبد القادر بالجلوس تحت ظل شجرة للاستراحة وليتناول غدائه بحضور شعبان.
وضع عبد القادر صفرته على صينية ترابية ثم دعا شعبان لمشاركته لكن قدم شعبان له جزيل شكره وامتنع عن مساهمته.
شبع عبد القادر وأخرج من جيبه علبة التبغ المصنوعة من معدن الكروم وضربها بضربتين على طرف العلبة لينفض التبغ العالقة بغطائها من الداخل ، التقط ورقة صغيرة ووضعها بين اصابع الابهام والسبابة، صار يلف سيجارته بعد أن وضع قليلاً من التبغ في وسطها حيث قدم سيجارته إلى شعبان واشعلها بقداحته القديمة التي تعمل على الكاز وذلك تعبيراً عن حسن ضيافته، بعد ذلك قام عبد القادر بتحضير سيجارة أخرى لنفسه ، بدأ الاثنان يتحدثان، أثناء سياق الكلام سأل شعبان عن مالك هذه الكرمة اجابه عبد القادر انها تعود إلى السيد جميل ثم طرح عليه شعبان سؤالاً آخر وهل يسدد جميل لقاء عملك ؟ فأجابه عبد القادر انه سيسدد حين أنجز كل عملي ، هنا قام شعبان بذم عبد القادر وجميل معاً حيث قال لعبد القادر كم انت غبي واحمق ! اما جميل شخص محتال وناكر للحق ، اخذ عبد القادر اقوال شعبان بمحمل الجد ، صار يسحب انفاساً قويةً بكامل رئتيه من السيجارة وهو غاضباً هائجاً ، ثم عاد ثانية بلف سيجارة له وهو في حيرة من امره ، أردف قائلاً ومتسائلاً وما هو الحل لأضمن حقي من جميل ؟ فأجابه شعبان بثقة مطلقة لا يوجد امامك سوى طريقة واحدة عندها انتعش عبد القادر وسأل ماهي؟ أجاب شعبان عليك أن تذهب إلى بيت جميل ثم تأخذ لحافاً من ظهر عنباره حينئذٍ سيشعر بالإهانة الجسيمة ، سيبادر جميل على الفور في تسديد كامل حقك وذلك فقط ليسترد اللحاف ويغسل العار .
ارتاح عبد القادر على هذه الفكرة الذكية المجدية ثم استعاد أنفاسه مجدداً اما شعبان فقد عاد إلى قريته .
– ٢-
بينما كان شعبان جالساً على مصطبة بيته العالي المطلة على بيت جميل رأى عبد القادر متوجهاً نحو بيت جميل ودخله خلسةً ولحسن حظه لم يكن جميل في البيت وزوجته تقوم بإعلاف الخراف في الحظيرة ولم تمر لحظات ، شاهد شعبان كيف عبد القادر يخرج من بيت جميل حاملاً على كتفه لحافاً ازرق اللون وهو متسارع الخطوات.
-٣-
ادرك شعبان بأن خطته الذكية تسير على أكمل وجه وفق ما رسمه لصاحبه عبد القادر ، حيث بحث حالاً عن جميل إلى أن عثر عليه فأخبره عن تصرف عبد القادر كيف دخل إلى بيته وسرق منه اللحاف اثار غضب جميل بهذا الخبر المشؤوم فأتجه مسرعاً إلى بيته ، احضر بندقيته ولحق عبد القادر ليسترد منه لحافه ولسوء حظه اصبح عبد القادر بعيداً عن القرية لكنه رأه من مسافة ليست قصيرة .
هنا بادر فوراً بإطلاق الرصاص على عبد القادر ، دب الرعب قلب عبد القادر ثم ارتبك واصطدم قدمه بحجرة كبيرة فوقع أرضاً ، حينئذٍ ظن جميل بأنه أصاب عبد القادر برصاصته فالاذ بالفرار حالاً إلى قرية أخرى.
اما عبد القادر نهض من سقوطه سليماً ، تابع مسيرته إلى قريته حاملاً اللحاف معه .
لقد كان شعبان ينتظر تلك اللحظة الحاسمة كي يكمل مسرحيته الخبيثة حيث ذهب إلى القرية التي فرا اليها جميل وعند وصوله إلى هناك ، عثر على جميل فقال له بغضب شديد ، كم انت غبي واحمق كيف تريد قتل شخص من اجل اللحاف ، ربما ستدخل السجن لمدة عشرة سنوات او اكثر نتيجة تصرفك الطائش ، عندئذٍ بدأ جميل يتصبب عرقاً ويمتلئ غضباً ثم فكر ملياً حيث قال لشعبان اذهب الى قرية عبد القادر وحل المشكلة معهم بأي ثمن كان ، سأمنحك مقابل ذلك مئة شجرة زيتون مكافئةً ، سرّ شعبان بالعرض المغري ، واتجه فوراً إلى قرية عبد القادر ، فرأى ان القلق يغمر عبد القادر لان الرعب امتلكه إزاء تصرفه مع جميل ومطاردته له .
جلس شعبان مع عبد القادر ، وجه له عبارات قاسية توبيخية ، وقال له لقد ارتكبت حماقة واسرعت كثيراً بتصرفك الجنوني ، لكن سأل عبد القادر ماهو الحل يا شعبان ؟
اجابه شعبان كم تطلب من جميل لقاء عملك في الحراثة ؟ قال عبد القادر خمسون ليرة سورية ، فناوله شعبان المبلغ المطلوب واسترد منه اللحاف قائلاً له سأبذل قصارى جهدي لإنهاء المشكلة على طريقتي الخاصة بإذن الله .
سرّ عبد القادر كثيراً على حصول حقه وقدم جزيل شكره إلى شعبان ، فعاد شعبان إلى قريته حاملاً
اللحاف .
-٤-
في الصباح اليوم التالي خرج شعبان من منزله إلى القرية التي توارى فيها جميل عن الأنظار ، ليطلعه على إنجاز مهمته ، وصل إلى هناك فرأى أن جميل ينتظره على جمرة من النار وسأله جميل مباشرة هل كان لقاءك مع عبد القادر مثمراً ، اجابه شعبان الحمد لله ، بيد انه كان عنيداً جداً ومصراً ان يقدم شكوى ضدك لدى مدير الناحية بأنك حاولت قتله ، لكنني بذلت جهداً كثيراً بكلمات لطيفة وبعد محاولات عديدة تمكنت بإقناعه ، بالعدول عن قراره المجحف ثم بفضل حكمتي استردت اللحاف منه ثانيةً .
كاد جميل ان يطير بلا أجنحة فرحاً على حل المشكلة وخلاصه من بلاء جسيم ثم عادا معاً إلى قريتهم ، وفي الطريق لم ينسى جميل وعده واشار اليه ثانيةً بمكافئته مئة شجرة زيتون على خدمته الانسانية .
– كم لا تزال الحياة مليئة على شاكلة شعبان وأفكاره المحشوة بالخبث والمكر بغية الحصول على ارزاق الفقراء دون تعب .