كمال جمال بك
في أناشيد ميونيخ المؤجلة يؤثّث الصديق الشاعر فواز قادري أمكنته بسجاجيد الحبّ ولوحات الذكريات وألوان الحياة. وعلى وتر الزمان الممتدّ عشرين عاماً في مدينة لم تستطع أن تكون بديلا عن مدينتة التي تشكّل وجدانه فيها، يعزف القادري أناشيده المؤجلة للمدينتين اللتين أحبهما معاً لكأنّهما شجرتان مثمرتان على ضفّتي نهر، تارة يتدفّق باسم ” إيزار ” وتارة أخرى ينساب باسم الفرات.
ومنذ مجموته الأولى وعول الدم 1992 حتى مجموعته الجديدة لا يحتاج قارئ فواز قادري إلى خارطة معقدة للدخول إلى عوالمه الشعرية. ذلك أن الشاعر الذي لم يذهب إلى المدرسة وتعلم القراءة والكتابة بشكل ذاتي ” كان يرمم الضلع بالضلع ” و” بيت معرفته كان الشارع والناس.. والمعلم كلمات في مناقير الطير والحرية”.
وبين المجموعتين صدر للشاعر “بصمات جديدة لأصابع المطر ـ 1993 و”لا يكفي الذي يكفي ـ 2008 و”نهر بضفة واحدة ـ 2009 و”لم تأت الطيور كما وعدتكِ ـ 2010 و”في الهواء الطلق ـ2011 كما صدرت مؤخرا “ثلاثية القيامة” بعناوين “قيامة الدم السوري” و”أزهار القيامة” و”كتاب النّشور” وبعدها ” مزامير العشق والثورة ” و ” شرفات ” كما صدر له باللغة الألمانية “تفتح قرنفل في الليل”.
في أناشيد ميونخ المؤجلة يمكن ببوصلة قلب تبيّن ملامح وسمات وتفاصيل الأمكنة بأناسها وشوارعها وساحاتها ومعالمها الفنية والثقافية. وتنهض النصوص برافعتي الوجدان والصور المتدفقة في مجرى البساطة كما لو أنّ الشاعر يتنفسها في الحديث اليومي. كما تحضر الذكريات حلوة ومرة وفي الحالتين مشبعة بألم الحنين وشغف الحب.
تتناوب ميونيخ ودير الزور في التشابه وتلتقيان في إحساس الشاعر بين ال” هنا ” و ال ” هناك “، بل إن رفاهية ال ” هنا ” تثير أحيانا زوابع الحزن والألم والوجع على الخراب الذي يجري ” هناك “.
” عالق بين مدينتين فاتنتين
وبين نهرين آسرين يجلدني الحزن
وأنا أتكاثر بالغرق”
ومنذ الاهداء تحضر سوريا المنكوبة ولا تغيب في المتن :
” إلى بلادي التي محاها الطواغيت وتنهض في كل مرة.
إلى الأمل بعد كل هزيمة يمشي جميلا في الأرض.
إلى ميونيخ
بالحب أقوّي الأواصر بيننا وأكدّ الجذور “
ثلاثية تتوزع كفروع نهر في بساتين المجموعة، وفيها أشجار وفضاءات فسيحة لطيور من الأصدقاء.
في المفتتح يشير الشاعر إلى أن هذه المجموعة/ القصيدة تصف ولا تعظ ومحاولة لترميم عقدين من الزمن من قطيعة على مستوى الابداع بينه وبين المكان. غير أنها أيضاً تفصح عن قلب عاشق يلتقط نبضات من يهوى ليكتب منها وصية حب أخيرة.