بقعة ضوء على رواية (برية ماردين) للكاتب كوني ره ش

د. بسام مرعي
  إن اللقب الذي أطلقه الكاتب على نفسه (كونى ره ش)، والإطار الذي دارت فيه أحداث روايته (برية ماردين/ Beriya Mêrdînê)، التي كتبت بلغة بني جلدته اللغة الكوردية، يدعونا الى التوقف ملياً عند هذا الترابط متسائلين؛ هل اختيار الكاتب للقبه هذا جاء صدفة أم علاقة أبدية صنعها هو لتاريخ حقبة زمنية معينة من تاريخ الكورد من خلال روايته هذه وكتاباته بشكل عام؟
  تدور احداث الرواية في برية ماردين الكوردية بكل ما تحمله هذه المنطقة العريقة من عبق التاريخ والجغرافية مستودعاً فيها القيم والتراث والفلكلور، فبدت وكأنها إحدى خزائن الموروث الشعبي الكوردي التي تحمل بين طياتها صفحات من تاريخ منطقة (برية ماردين)، وتنبثق أهمية هذه البقعة بما تحمله من مدلول في جغرافية كوردستان، فهي بقعة أصيلة من أرض كوردستان موسومة بالمشاعر الكوردية الصادقة.  
  لو أردنا تجنيس هذا العمل الأدبي لوجدنا أن هذه الرواية أقرب ما تكون الى السيرة الذاتية حيث طرح لنا الكاتب فيها مواضيع شتى منها الاجتماعية والسياسية والدينية من خلال سرد شيق لنشأته وطفولته وشبابه بداية، ومن ثم تحوله إلى مواضيع أخرى تخص المنطقة سواء فيما يخص عوائل هذه المنطقة وعاداتها، وما تحمله هذه البقعة من خصوصية في شتى المجالات من حيث علاقتها بالفن والدين والسياسة وهو بهذه الطريقة يطرح لنا نموذجاً لقرى المنطقة مسلطاً الضوء على مرحلة تمتد بامتداد عمره، من خلال الشخصيات الرئيسية والثانوية في الرواية، باعتبارها الوتد الذي ترتكز عليه بناء الرواية، فجاءت الشخصيات متنوعة بين الحقيقية من المقربين شخصياً من الكاتب نفسه ومنهم من الشخصيات الاعتبارية الموجودة في الواقع الكوردي ومن هنا انبثقت اهمية تسليط الضوء على هذه الرواية التي تعتبر بانوراما لتاريخ وجغرافية بقعة أصيلة من كوردستان من خلال برية ماردين. 
  تعتبر رواية الأيام الخوالي في برية ماردين شاهداً حقيقياً لمرحلة هامة من تاريخ المنطقة مستعملاً الكاتب أدوات الباحث المتعمق في التراث والتاريخ بكل أمانة وصدق حيث أن السيرة الذاتية المتكاملة عند /كوني ره ش/ إنما هي امتزاج جميل وتعانق سحري مع المكان والإنسان تطرح نفسها بشغف وحب المكان، والتلاحم معه بكل ما يمتلكه من جوارح، فكانت هذه الرواية كخيمة احتوت على كل ما مر بهذه المنطقة من الآلام، واحلام وربما كان هذا هو السبب وراء اطلاق الكاتب على نفسه لقب (كونى ره ش)، أراد أن يكون بمثابة الصندوق الأسود الذي يحمل معه بعض أسرار هذه المنطقة بكل صدق ونقاء.
الطبعة الاولى 2019
عدد صفحات 270 
من منشورات دار سيتاف في وان وانقرة 
اربيل 8/3/2020

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ادريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…