أحدث كتاب للباحث إبراهيم محمود، يحمل عنوان ” كورونا..كورنر : حوارية زمن طارىء ” وهو كتاب الكتروني نُشِر على موقع ” أمازون ” العالمي، وله صلة مباشرة بمرض كورونا، وخلفيته، إلى جانب صلته بمجموعة الأمراض والأوبئة ذات الصيت في العالم،وما يقال في المرض والوباء، والأبعاد الطبية والسياسية التي تُرفَق بكورونا، وماذا تعني كورونا، ولماذا كورونا وليس سواها، بطريقة حوارية بين خمس شخصيات تنتمي إلى عدة قارات: أرنست من بوسطن ” أميركا ” هومي من جوهانسبرغ ” جنوب أفريقيا “، ألبرتو من فيرونا ” إيطاليا “، يانغ، من ووهان ” الصين “،منتظري من أصفهان ” إيران “، نوبين من دهوك ” إقليم كردستان العراق “، واعتماداً على أمهات النصوص: من مقالات ودراسات أجنبية، إلى جانب مقالات إعلامية وعلاقتها بما يدور في العالم من مخاوف راهنة عن كورونا.
ويتضمن فهرس الكتاب العناوين التالية:
الإهداء
ومضات
سيرة حياة الكاتب
بدء غير متوقع
حديث المصنف، وحديث حول حديث
ما سيتَّضِح لاحقاً
مدننا
هل من بطاقة محدَّدة للمرض في الحياة؟
أيكون الوباء مرَضاً ؟
عن كورونا وخلاف كورونا
الصين، أوبئة وتواريخ
الطب والتقاليد
الأوبئة والتنقلات
أمراض، هجرات، حروب
في الطب والنبات
الأوبئة والحيوان
في الطب، المرض، والسياسات الدولية
التشريح والسياسة
الصحة وخطابها
تنويه
كما في هذا المقطع من فصل ” هل من بطاقة محدَّدة للمرض في الحياة ؟ “:
أرنست: سنتحدث عن الصحة، والحياة حديث عن الصحة. كيف تعيش صحياً، لتعيش الحياة، كيف تحافظ على حياتك داخل جسمك، لتكون صحتك مساعدتك في الانطلاق إليها، كيف لك أن تجمع ما أمكن بين الصحة والحياة، دون أن تغفل عن اعتبارهما توأمين.
ألبرتو: وهو كذلك، يا أرنست، ولهذا، فإن اهتمام الإنسان بالمرض والصحة عالمي. لكن وجود مجال خاص بالطب ، مع موظفيه المتخصصين ، ليس هو القاعدة العامة. في المجتمعات التقليدية (تلك التي تكون بنيتها الاجتماعية مستقرة ومتماسكة من خلال مجموعة من المعتقدات المنظمة التي تتطور ببطء) ، غالبًا ما يكون ساحرًا (→ سحر) ، فيما يتعلق بعالم الروح الذي يأخذ في الاعتبار شحن علاج أخطر الأمراض ؛ للقيام بذلك ، يستخدم التقنيات التي تعمل بشكل أو بآخر تحت التنويم المغناطيسي ، على اللاوعي للشخص المصاب. من وجهة النظر هذه ، تعتبر الشامانية ، وهي سمة السكان في سيبيريا ومنغوليا ، ذات أهمية خاصة ؛ ولكن توجد أمثلة مماثلة في أماكن أخرى ، خاصة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
نوبين: وعلينا أن نأخذ علماً إلى أي مدى تطور مفهوم الصحة والمرض بشكل كبير خلال التاريخ، وكيف توسع مفهوم الصحة من الجانب البدني إلى الجانب الشكلي، والتأثير على الشكل جمالياً. واليوم، لم يعد الجسم المريض فقط هو الجسم الّي يعاني ويصارع ضد آثار عامل مهاجم ذات منشأ خارجي أو داخلي النمو. لا يُعلن عن حالة المرض فقط عندما يشعر الفرد بأنه مريض. يسمح تقدم الطب بتوضيح المرض في الجسم قبل أن يظهر بوعي بالنسبة للفرد. يسمح الطب الوقائي باكتشاف السرطان أو مرض السكر عند فرد بكامل صحته..
… إن نجاح الدعايات لمستحضرات التجميل وصالونات الجمال يشهد على الافتتان بتسوية الجسد حسب معايير وضعها لكل جزء تجارُ الهيكل وتبنتها مجموعة سكانية بدون تمحيص تحت تأثير الإعلام .
الاهتمام المتنامي بالجسد ليس سوى الحنين إلى جسد مؤمثل، جامد، صقيل، يجب أن يُمحى منه كل أثر للحياة..
الجرّاح هو أول من يستفيد من الإطباب المسرف للجسد وبالأحرى فيبعض التخصصات..
منتظري: وهذا يتطلب منا أن نتحدث هنا عن الجسد، وهو مفهوم إنساني، وموقعه في ميزان الصحة والطب. والجسد مفهوم صعب، إذا أردنا التعرف عليه أكثر، وليس لتاريخ الجسد القانوني بداية ولا نهاية، ويصرَّف بعدة طرق: توسيله كأداة، تجسد، تحول، حماية…المواضيع لا تنضب، لكن قلَّما تكون مطروقة، لأن التاريخ القانوني يبقى أولاً تاريخاً للمادية. ولا بد أن أي إشارة إليه، تمضي بنا إلى الغرب، حيث إن الحديث عن الجسد في المجتمعات الغربية اليوم، يؤدي لإثارة الإشارة للمعرفة التشريحية- الفيزيولوجية التي يرتكز عليها الطب الحديث، ونظراً لتاريخه الطويل، وموقعه بين ما هو ديني وتاريخي، وطبي تطبيقي، وفلسفي، فإنه معقَّد في مفهومه.
فهناك الكثير مما يمكن قوله هنا، ومن ذلك ، أن المعاني المعلَّقة بالإنسان وبجسده بدأت تعوم، وتتزاوج فيما بينها بلا تمييز، وتتطعم ببعضها بشكل متبادل. وهذه الحركة لم توفّر المفاهيم الشرقية الكبرى. فاليوغا والشمّانية، والزن ، والوخز بالإبر، والتدليك، من مختلف التقاليد، والفنون الحربية، اختُزلت لبعض الأفكار البسيطة، لقبضة من الصيغ النموذجية، ولحركات بدائية…إن هذه الطرق العديدة التي تستثمر اليوم سوق المعالجات أو الخيرات الرمزية هي مع ذلك، غريبة جذرياً، بل وحتى متخاصمة.
هناك ميل كبير للاعتقاد بأن نموذج الجسد الذي كرَّسته المراجع البيوطبية يستحوذ على الإجماع. إلا أن المنعارف حول الجسد، سواء أتت من الشرق، أو من كاليفورنيا، من زمن ولّى، أو أنها أدت إلى التكنولوجيا المتقدمة في بعض المستشفيات، هي اليوم مقبولة على حد سواء.
إن الجسد موطن الإنسان ووجهه.
إن أمكنة من الجسد كانت، في الماضي، تخضع لضرورات التكتم بدافع الحياء، أو بسبب الخشية من إثارة الضحك، أخذت تفرض اليوم نفسها بدون صعوبة، ” بدون عُقد “، وأصبحت العلامات الأساسية للرجول، أو للشباب.
لقد اختصرت الحداثة قارة الجسد.
هناك ثنائية كامنة في التصورات الغربية عن الجسد، فثمة افتاراض أن الجسد يحمل سراً. إن استدعاء تصورات أو تقنيات الجسد الآتية من الشرق، بعد عبورها بكاليفورنيا، أو اللجوء إلى تقاليد باطنية صحيحة تقريباً، يبرران البحث عن الذهب المدفون في طيات اللحم.
هومي: دعوني أدلي بدلوي أيضاً يا أصدقائي. منتظري، أنت قلت الكثير، فلا تعترضني وأنا أتكلم ها.
منتظري: ضاحكاً، من جهتي لك مطلق الصراح .
هومي: تمام ،ما أعرفه، هو أننا موجودون بأجسادنا، وإذا غبنا عن الأنظار، فمن خلال أجسادنا، ولهذا فإن العمل على الجسد يعكس الإرادة في سدّ المسافة بين اللحم والوعي،ومحو الغيرية الملازمة للوضع البشري: تلك المبتذلة، المتمثلة بعدم رضى الحياة اليومية، وتلك المؤسّسة للاوعي. فكل ما ينال منا، أو نناله، يكون عبره، والصحة حالة توازن لا نكف عن التركيز عليها. ولهذا، فإن الشعور بالمصيبة، بهذا المعنى، يتضامن ” على السفح الآخر” مع شهوة الجسد التي تخترق الحداثة، وهي الشهوة التي تعمرنا وتغمرنا، بأكثر من معنى فيما نفكر فيه، ونسعى إليه ، فالجسد الإنساني جسد تمكن ملاحظته بوصفه جسداً حياً حينما لا يزال على قيد الحياة.
إن اللجوء المعاصر ” للعلوم ” الطبية المسمّاة ” بالموازية ” يعبّر عن انبثاق قيم صاعدة تنظّم أكثر فأكثر أشكال الحياة الاجتماعية: أولوية الفرد، الاهتمام بما هو طبيعي، بالجسد، بالشكل، الحق بالصحة، ” عبادة ” الشباب ( شباب العمر أقل من شباب الحيوية ). إنها القيم المميَّزة، إن لم تكن المعلن عنها بصوت عال ٍ، لهذه العلوم الطبية، رغم أننا أكبر من حقيقتها.
أرنست: ولعل ظهور ” علم أخلاق الحياة ” على صلة وثيقة بذلك، وقد ظهرت كلمة bioéthique ” علم أخلاق الحياة ” المستحدثة، في ستينيات القرن الماضي. وهي جديدة. هل يعني هذا أن البشرية السابقة لم تكن واعية للمجازفات التي أثارها البحث عن الإنسان، أم كانت لامبالية إزاء الخيارات التي أنجزها المجتمع البشري على أوضاع حتى الولادة والموت ؟ هل يعني ظهور هذه الكلمة القلق المفاجىء للهشاشة البشرية الذي حرضها التطور الكبير جداً للمعارف عن الإنسان والإمكانات غير المتناهية للمداخلات الجراحية في الجسد؟ هل هذا الوعي، إن كان هو الحقيقة، قد وُلد في الولايات المتحدة بسبب ازدهار البحث حول الإنسان الذي يحشد مصادر بشرية ومالية ضخمة في كنف مجتمع مشبع ” بالقيم ” المندرجة في قانون الحياة اليومية؟ …لا بد أن هذه العوامل متكاملة…والغرض هو الطموح الأولي وهو في الحقيقة الانفتاح على المجال الإنساني برمته المكرس لتأمين الكائن البشري والكوكب بصورة انتهازية، لكن سرعان ما سيتحدد هذا الذيوع العالمي بالعلاقة بين تطور العلوم الأحيائية المطبقة على الطب تحت تأثير معهد معني بها. ولا ينهيهذا التركيز على الطب مواصلة طرح أسئلة أساسية حول حدود التفكير بالكائن الحي سواء كان إنساناً أم حيواناً أم نباتاً.وهذا يطرح تحدياً علينا.
تُرى، هل بإمكاننا أن نعرّف علم أخلاق الحياة؟ أقترح التعريف الآتي: هو وضع تساؤلات هنا، بدءاً من بحث متعدد العلوم، عن نزاعات في التقويم، أثارها تطور التقنية العلمية في مجال الكائن الحي ولا سيما الإنسان… المقصود هو تساؤل حيوي مفتوح دوماً، يتناول بلا كلل طاقاتنا في العمل على قدرنا، محترماً التصلب الفخور في المعارف بقدر احترامه لتواضعنا كبشر الموقوف على محدوديتنا… ومجال علم أخلاق الحياة، أولاً جسد الإنسان، حتى لو أراد البعض أن يدرج فيه ” الأجسام المعدلة وراثياً “، البحث المتعلق بالحيوان، بالتغير المناخي، بالبيئة…الخ.
…وفي المتن احترام الكرامة الإنسانية، واحترام الجسد الشخصي…وحيث يمنح إطباب الصحة ظاهرياً امتيازاً للثنائية، لكنه لا يبلغ تصور وجوده إلا بالطب المتدخّل. ” لدي جسد أعهد به للطب “. يماثل الطب ذاتيتي بالموضوعية التي يقررها ” لدي جسد، والطب هو الذي يقول عن هذا الجسد من أكون “. وهي أيضاً المعرفة البيوطبية وتشكّل التصور الرسمي، بشكل ما، للجسد البشري اليوم. فهي تُعَلَّم في الجامعات، وعليها ترتكز مخابر البحث، هي التي تؤسس الطب الحديث، أي ما يمنح الجسد بعداً حركياً اعتبارياً، أكثر من كونه مادة يتصرف بها الطب.
ولا بد أن نظرتنا إلى الطب ومعارفه، تنطلق من تنوع أدواره، وصلته بالعلوم الأخرى، ومكانة الجسد فيه، إذ إن المركزية الطبّية لم تكف إذن مطلقاً عن أن تكون موضوعاً للتساؤل من قبل الانشقاقات التي كانت تغذّيها في داخلها ” الطب التجانسي، الطب الفِقاري …الخ ” ومن قبل الطب التقليدي الذي يتطلب تركيزاً خاصاً عليه .
هومي: تضحكنا عبارة ” الكرامة الإنسانية ” إذ لا أعلم، في أي تاريخ، ولِدت أو وجِدت هذه الكرامة الإنسانية، رغم تقديري لها .
أرنست: لك الحق في أن تقول ذلك، يا هوةمي، إنما لنرجع إلى موضوعنا. أكنا نتحدث عن الطب والطب التقليدي الذي نحتك به هنا وهناك ؟
نوبين: وهو ما سنحاول النظر فيه في فصل خاص به، أما هنا، فعلينا أن نكثّف بحثنا في الحياة وموقع الطب فيها، حيث يريد الطب أن يجدد موقعه خارج الإطار الاجتماعي والثقافي، ككلام الحقيقة، ” العلمي ” الوحيد، وبالتالي الذي لا يُمَس. إنه يحيل مجموع ” العلوم الطبية ” الأخرى، سواء كانت غربية أو من مصدر آخر، إلى الشك في صلاحيتها..