آوباما في فراشي

خالد إبراهيم
في عام 1990 كنتُ أتخيل أنه في عام 2020 ستكون هناك سيارات تعمل على الهواء، و طائرات تغطس في المياه، و كواكب أخرى نستطيع شراء حاجياتنا منها، فانتهى بنا الأمر لنتعلم كيف نغسل أيدينا، و كيف ندير شؤوننا اليومية .
في عام 1990 كنتُ قد رسمت في مخيلتي عام 2020 و ما بعده فضاءا أستطيع أن أقوده و أنا على فراشي ، انتهى الأمر  و أنا على فراشي أتابع أعداد الضحايا الهائلة و التي تتساقط كُل يوم أسوةً بالضحايا السوريين الذين ماتوا بسبب إجرام الأسد، و أمام أعين العالم، دون أن تقشعر لهم الأبدان .
أتساءل ، بل هناك أسئلة جمّة أبحثُ عن أجوبة لها مِثل المُصاب في حقل ألغام ورقية ، ورقية مطلية بهول هذه الجائحة المطاطية ، حيث  لا مفر من النفس ، النفس الأمَّارة بالسوء على حين غفلة مِن ذواتنا الهشة السيئة الصيت و العادات و التقاليد البالية  .
هل يحق لكل مِنا إعادة التأهيل الأخلاقي و الديني اللذين  يُديران بوصلة أيامنا الاجتماعية ؟ 
هل انتهى زمنُ الصفاء الذي كان كفيلا بزرع الحب و التفاؤل ؟ 
لم يعد هناك متسع من الوقت ، فحتى الوقتَ بات ملغوماً مسموماً بكل شيء ، الوقت الذي بات أقصر من مُدّة شرب فنجان قهوة ، أو حتى رؤية سحابة سيجارة و أنا على شرفة منزلي في الطابق الرابع و الألف صرخة و ألم .
ليتنا جميعًا نمتلكُ الجرأة ، قائلين عَن هذا الفايروس ما لا تستطيع  ضحية واحدة قوله ، بل نمتلكُ من الجُبن ما يكفي لزيادة قوة هذا الفايروس لحرق الجلود و الوجوه و الضمائر المائلة للخراب المتخثر تحت عرش الله .
أغلب الأوقات ، أقول لنفسي ، متمنيا  أن يغزو هذا الوباء كُل مدن العالم ، حتى في كل شارع و على كل رصيف ، عندما أتذكرُ الأرصفة السورية ، الأرصفة التي وطأتها أقدام الملاعين و ضعاف النفوس من كل دول العالم لتذبح و تحز عنق الأطفال و تسلخ و تغتصب ، و تمضي دون رادع أو حتى حساب مِثل هذا اليوم .
كُلنا خطاؤون ، لأننا بشر ، حتى الأنبياء أخطأوا ، فكيف بالأصدقاء ، أصدقائي الذين بللتهم مياهُ التشتت و غيبهم هواء الخريف الطاعن ، لا شيء يدعو للتفاؤل غير هذا السرير الذي أتمددُ فيه مِثل جثة ، لا شيء يستطيع انتشالي مِن فوهة هذا البئر المليء بالأفاعي و وبر العقارب ، و طعنات الاقارب سوى زوجتي .
زوجتي هي الفاصل الأول و الأخير بيني و بين هذه الجثث ، و مدن الخراب المصطنعة ، 
هذه المرأة التي تحجز بأصابعها عني كل داءٌ ساخنٌ و باردٌ لا أشتهيه ، هي التي تستطيع دفع ظلم أمريكا و زغاريد المجوس التي تصدع أذني كل مساء ، أمريكا أم الوباء و الويلات على أطفال هذا العالم الممتد بين الشاطئ والماء ، المغروز مِثل خنجرٌ بين ملمس العشب و طعم الماء ،  زوجتي التي أتمنى أن تُنجب لي طفلا صغيرا مُبتسم ، يضيء عتمة أيامي الباقية و كفى كي أنهض و أشيرُ بأصبعي لهذا العالم القبيح قائلا :
أنا الذي فقأت اعين الملاعين و مضيت دون أن التفت خلفي 
أحببتكِ أنتِ 
أخترتكِ أَنْتِ ، كَي تَتَّسِع بُقعة الْأَرْضِ الَّتِي أقفُ عَلَيْهَا 
كَي أَحْيَا ، كَي أرْتَعَش مِثل عُصْفُور بَيْن يديكِ 
كَي أَرَى الْأَمْوَاج و ضِلَع الْمَسَافَة بَيْن الشَّاطِئ و الْمَاء 
كَي أُفرقُ بَيْن مَلْمَس الْمَاءُ وَ رَائِحَة العُشْب 
كَي أَرَى النَّوَاقِيس و النُّجُوم و بَريق عينيكِ .
كي أنتشلَ خراب هذا الجسد بعيداً ، و أحتضنُ زجاجة العمر عبر فوهة مُعلقة على باب قلبكِ 
أنظرُ مِن حولي ، تتقاذفني أخطائي كالسكاكين و فوهات المدافع ، وحيدا عارياً و بيديَّ هاتين ، قمرٌ يحترق على وسادة بيضاء 
يخرج بركانٌ مِن فمي ، أسقطُ بين يديكِ مِثل الأخرس الموبوء بالطاعون و رائحة التبغ يفور من جلدي الأسمر الهارب نحو جنون عشقكِ الذي لا ينتهي

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…