مكانة أحمد خاني في الأدب الكردي.. الحلقة الثالثة

الدكتور عبدالمجيد شيخو 

الترجمة عن الكرديّة: عثمان عيسو
الأوضاع الاجتماعيّة و الفكريّة و الاقتصاديّة في كردستان 
 قبل عصر خاني و أثناء عصره و تحديدا في القرن (17 م ) السابع عشر كان العداء و الصراعات البارزة تحدث بين الامبراطوريتين  العثمانيّة و الصفويّة و كلّ منهما يحاول السيطرة و احتلال كردستان 
و في النهايّة و بحسب ( اتّفاقية قصر شيرين  التي وقّعت عام 1639) تمّ تقسيم كردستان و لأوّل مرّة بينهما ، و بموجبها وقع القسم الأكبر من كردستان تحت سيطرة الدولة العثمانيّة و بقي القسم الآخر خاضعا لنفوذ و سيطرة و ظلم الفرس .
في تلك العصور لم يقف الشعب الكرديّ مكتوف الأيدي مستسلما لقدره المشؤوم بل انتفض و قاوم و قام بثورات عظيمة استطاع من خلالها أن يحمي وجوده على أرضه التاريخيّة و أن يحمي إماراته و من تلك الإمارات التي صمدت :
١- (  إمارة  أردلان  Erdelan )بقيادة الحاكم بابا أردلان دامت هذه الإمارة حوالي ٦٥٠ عاماً ،ثمّ سقطت على يد الدولة ال عثمانيّة عام ١٨٦٤
 ٢- (إمارة باهدينان Bahdînan  )   
 حكم الأمير محمد سوران إمارة باهدينان بعد وفاة أميرها الأمير اسماعيل ثمّ وحّد الإمارتين .
 ٣- (إمارة بابان. Baban  ) لقد قُسّمت هذه الإمارة بموجب اتفاقية (القصر الأبيض) بين الإمبراطوريتين ، و ظلت إمارة هكاري و بوطان و إمارة بدليس خاضعة للنفوذ العثماني ، و لكن  و رغم ظروف الاحتلال فقد لعبت مدينة بدليس و بين عامي ١٢٠٠- ١٨٠٠ دوراً تجارياً هاماً و تحولت إلى مركز تجاريّ و ثقافيّ و حضاريّ . في عهد إمارة بدليس و حاكمها عبدال خان عاش و ترعرع أحمد خاني و في عام ١٠٦٦  قام أحمد باشا الوالي العثماني على مدينة (وان) بشنّ هجوم عنيفٍ على بدليس فاحتلها عنوةً .
و من جهة أخرى فإنّ إمارة بوطان ظلت حتى عام ١٨٤٧ العلاقات الإقطاعيّة في كردستان في ذاك العصر كانت قويّة ثم تطورت فنما الرأسمال الذي آذن بظهور بدايات الطبقة البرجوازيّة و نشطت حركة الأسواق التجارية الكبيرة في مدينة آمد و كذلك ازدهرت تجارة الألبسة و الحرير و الأحذية و الأسلحة و باختصار فقد تطوّرت و ازدهرت حوالي ستٌّ و ستون  ٦٦ نوعا من التجارة …
الأوضاع الاقتصادية المزدهرة و التي ألقت بظلالها على الأوضاع الاجتماعية في كردستان كانت من أهم أسباب التي جعلت الإقطاعيين و الأغنياء يصمدون و يوحدون الإمارات الكرديّة ،و لكن و بسبب الاعتداءات المتكرّرة من قبل الدولتين الفارسية و العثمانية سقطت الإمارات المتبقيّة تباعا ..
أحمد خاني في ملحمته ( مم و زبن ) تحدّث عن كلّ هذه الأوضاع الاقتصاديّة و الاجتماعيّة و بشكل دقيق و مفصلٍ ، و متمرّداً على أوضاع عصره كحال معظم الحكماء أجل لقد كان أحمد خاني حكيماً و ذا ثقافة عاليّة و كان يدرك جيداً أهميّة الأدب و دوره في تطوير المجتمع لذلك نراه يتحدث عن أوضاع الفقراء و يفضح حقيقة الأغنياء و الأمراء و ينقدهم بشكلٍ لاذعً ، و قد تجلى ذلك في قوله :
                 Namûse li hakim û emîran 
  tewan çî ye şa,îr û feqîraan                 
 عارٌ على الحكّام و الأمراء / فما ذنب الشعراء و الفقراء ؟؟!!!
 لقد كان خاني على يقين و ثقة تامة بأنّ الأتراك و الفرس لا يتحملون وحدهم أسباب تأخر المجتمع الكرديّ و تخلفه و لكن الإقطاع و أغاوات الكرد أيضا لهم دورٌ بارزٌ في ترديّ الأوضاع الاجتماعية و الاقتصادية
و يتحملون المسؤولية و لا يمكن الوثوق بهم حيث قال :
Hakim bi batin û zahir 
bi şûbhe mûşabih in bi agir 
Zahir di sebahî  û bi nûr in 
batin ji medareyê  bi dûr in (1194)
Rihmê ku dikin ji rengê roj in
qehrê ku dikin cîhan disojin(1195)
الحكام ظاهرهم و باطنهم /  مشكوك فيهم فهم يشبهون النار 
ظاهرهم مشرقٌ كالنور / باطنهم بلا انسجام /
رحمتهم كالشمس / و غضبهم بركان يحرق الكون 
ثمّ يتابع قائلا:
Zînhar bi wan tu kesî tu bawer (1196)
 Xasima ku muqerebê di bed xwe
nêzîk bibin ne eûzûbîlah (1197)
أستحلفكم بالله  لا تثقوا بالحكام و أعوذ بالله من الاقتراب منهم 
و في مكان آخر يشبه أحمد خاني الحكّام بالأفاعي السّامة القاتلة و يتمنى ألاّ يثق الشعب بهم :
Hakim ji cincê marên tufan in 
ew xudan cehir kuj in (1965)
Ew te radimûsin,Lê ramûsanên wan cehr in
ew hezkirina xwe dikin ,xûyakirin
zanibin ew hemî cehr in (1966)
الحكام من جنس الأفعوان ينفثون سمّهم القاتل ، هم يقبّلونك و لكن قبلاتهم سُمّ زعاف ، هم يدّعون و يظهرون حبّهم و لكن ثقوا فحتى حبهم سُمٌّ .(1966) 
و في مكان آخر ينقد الحكام و يرى في تبعيتهم أصل البلاء حيث قال :
عارٌ عليكم ، فقد أصبحتم خدما و أتباعاً للسلطات التركيّة و الفارسيّة   و ترضخون لظلمهم و استبدادهم و لا تنتفضون ضدّهم و لكن ماذنب الفقراء و الشعراء في هذه المصائب و المظالم ؟؟!!! 
بلى لقد أدرك أحمد خاني دور الأدب  في التوعيّة و التحريض ، و وجّه نقده إلى رجال ذاك العصر الذين لا همّ لهم سوى السعي وراء المال ،و لا يهتمون بالعلم و نهل الأدب و المعرفة و لا يقدرون  و للأسف مكانة العلم  لذلك قال :
Çi bikim ku qevî kesad e bazar 
nînin ji qumaşî re xerîdar (253)
Xasima di vê esrê de ku hemûyan 
meşoq û hebîbe bo me hemûyan (254)
Yanê ji tem,ê ,dirav û dînar 
her yek ji me re , ew bûne dildar (255)
Ger îlmê temam bidî bi polek 
bifroşî tu hikmetê bi solek (256)
Kes nake te meyter xwe Camî 
ranagirtin kesek Nîzamî (257)
Weqtê ku  me dî zeman ev reng e 
bille li ser diravî bû ceng e (258)
Hez kir me bibine Kîmyager 
gava ku me dî nebû muyeser( 259)
Nisfeyê me pîlikî emel kir 
tesfiyeyê cewherê de xel kir (260)
يريد خاني القول : أن بضاعة الأدب  لديهم كاسدة و أصبح الجميع عبيدا للدينار يلهثون وراء المال و النقود و لو منحتهم العلوم مقابل الدعاء ، و بعتهم الحكمة بالحذاء فلا أحد يدرك قيمة الشعراء الكبار أمثال جامي و نظامي و هما من شعراء الفرس . فعندما رأينا الزمان يُدار هكذا و الجميع على المال يتقاتلون قرّرنا أن نعمل في الكيمياء علنا نولد الجواهر مثل القابلة من الأشياء و نصبح من الأغنياء و لكن رغم ذلك لم تتيسر أمورنا و لم نستطع أن نغيّر أحوالنا .
بلى أحمد خاني يشن هجوما صارما على مجتمعه و بكلّ جرأة  يصرخ في وجه حكام ذاك العصر الذين أوصلوا الشعب إلى ما  وصل إليه من ضعف و انحطاط  فيتساءل و الأسى يعصر قلبه :
أمعقول ٌ أنكم لا تقدّرون العلم و العلماء و تهتمون فقط بالمال و أنكم لا تتخذون من جامي سائسا لخيولكم و لا نظامي خادما لبيوتكم ؟؟!!!! 
و كما أسلفنا أنّ خاني عاش في عصر الأمراء و العلاقات الأرستقراطية و عايش الأحداث  و الأوضاع السياسيّة و الاجتماعيّة لكردستان ، خاني كإنسانٍ  محبٍّ للإنسانيّة و مفتخرٍ بقوميته لم يستطع أن يلتزم الصمت أمام أوضاع الفقراء والمساكين من أبناء شعبه و عندما لم يجد آذانا صاغية  لنداءاته و أشعاره و عندما يئس من العباد توجه إلى ربّ العباد يشكوه حال شعبه :
Ez mame di hikmeta Xwedê de 
Kurmanc di dewleta dinê de 
ew bi çi wechî mane mehrûm 
bille ji bo çi bûne mehkûm 
  أتأملُ أوضاع الكرد و مآساتهم في هذا الكون حائراً ضائعا ، إلاهي ما هي حكمتك في كلّ عذاباتنا ؟؟!! لم الكرد محرمون من حقوقهم ؟!! 
و هم محكومون بالجملة بالبؤس و الشقاء ؟؟!! 
لم يكن أحمد خاني  يقيّم أوضاع كردستان الاجتماعيّة في عصره و يبوح بحسّه القومي و ينقد العلاقات الاجتماعيّة بنظرة ثاقبة فقط بل  و لكنّه نسج و بأسلوب فنّيّ رائع و بنظرة استشرافيّة آفاق المستقبل لشعبه المظلوم المضطهد حيث أشار إلى  ضرورة انهيار العلاقات العشائريّة المتخلفة التي تكبّل تطور المجتمع الكردي  حينما قال :
Yarê bi te re bibit miwafiq 
Sed xizmêd xayîn û minafiq 
qurban bike qet nebî mixabin 
çi dikî bi kesan ku bê wefa bin 
qurban dide qet mebêje kî ne 
yarê te ji bo te bira ye 
hem çav e ji bo te him çira ye 
خاني و على لسان تاج الدين صديق ممو يسخر و يفضح العلاقات العشائريّة و يريد أن يقول لشعبه و بشكل غير مباشر :
 انظروا كيف تاج الدين يقدّرُ الصداقة المبنيّة على التوافق و الانسجام الفكريّ فهذه الصداقة أفضل من الأخوّة المبنيّة على العلاقات العشائريّة الرجعيّة  و الأخوّة المزيّفة .و يقول ل ممو و بشكل مباشر و صريح. : صديقك المخلص و الوفيّ و الذي يتوافق أفكاره مع أفكارك أفضل مئة مرّة من أخيك الكذّاب الظالم .  أيّها الكرد ماذا ستفعلون مع أشخاصٍ  كذّابين و غير مخلصين ؟ تخلصوا منهم برميهم في بئر النسيان و لا تقل هم أخوتي و من أبناء عشيرتي ،و لكن قل ماذا سأفعل بهذا الأخ الكذوب الحقود ، ؟؟!!!!
صديقك المخلص الصادق  هو الأخ  و هو المصباح   الذيّ  ينير أمام عينيك دروب الحياة الحالكة .
Camî ( Nuredîn Ebdilrehmanê Camî ye (1414-1492 z)
Nîzamî ( 1135- 1217)

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…