الدكتور عبدالمجيد شيخو
الترجمة عن الكرديّة : عثمان عيسو
نبذةٌ مختصرة عن مضمون ملحمة مم آلان
لقد عُرف في تاريخ الأدب الكرديّ أنّ ملحمة ( مم آلان ) هي الأساس التي نسج منها أحمد خاني ثم نظمّ ملحمته الشهيرة الفريدة ( مم و زين )
لذلك تتبوّأ هذه الملحمة مكانة عظيمة في تطوّر و تقدم الأدب الكلاسيكي ، و لأجل هذه الحقيقة التاريخيّة يصبح لزاما علينا أن نقدّم للقرّاء مضمون هذه الملحمة الشفاهيّة الكرديّة التي تناقلتها الألسن جيلا بعد جيل إلى يومنا هذا .
ملخّص ملحمة ( مم آلان. )
إنّه اليوم الأوّل لعيد الأضحى المبارك حين قرّر الأخوة الأمراء حكام بلاد المغرب و هم (علي بك ، و عمر بك و ألماز بك ) أن يتنكروا بزيّ الفقراء والمساكين و يخرجوا من القصر لتفقد أحوال الرعيّة ، يخرجون و يتفقدون و يبتعدون ،ثم يسترحون تحت شجرة ٍوارفة الظلال كي يستردوا أنفاسهم و ليخلعوا عن أنفسهم لباس التعب ،و هنالك يتجلى لهم ( خضر عليه السلام ) و يطلب منهم العودة إلى البلاد .
يقصدون شيخا للاستفسار و بعدها يطلبون يد ابنة الشيخ لعلي بك يوافق الشيخ ، يتزوج علي بك ثم يرزقان بصبيّ و يظهر لهما شيخ وقور و يقول لهما : ( يجب أن تسموا ابنكم ب اسم ( مم آلان ) و من ثمّ يختفي الشيخ .
يشيّد علي بك لابنه مم آلان قصرا محاطا بألف و خمسمئة فارس يفدون مم آلان بأرواحهم ، و يعّين العلماء يقومون بتعليم و تثقيف و صقل شخصية مم آلان بمختلف العلوم و المعارف .
يحكم مم آلان البلاد و هو يبلغ من العمر خمسة عشر عاما يسانده في إدارة دفّة البلاد مجلس استشاري مكوّن من الوزراء و كبار الموظفين بقيادة بانكين ( ابن خالة مم آلان )
يشاهد بانكين و هو يتأمل البحر مجموعة من الصيادين يصارعون شيئا غريبا قد علق بشباكهم و هم عاجزون عن إخراجه ثم يصل مم آلان مع فرسانه الألف و الخمسمئة و يقومون بمساعدة الصيادين فيخرجون الشباك فيتفاجؤون بحيوان ضخم يشبه الحصان .
ثمّ تمضي أحداث الملحمة لتخبرنا ( و في إحدى الليالي و بينما مم آلان في سريره يشاهد فتاة ممدّدة إلى جانبه ، فيندهش من رؤيتها و يتساءل : ترى من هي ؟ و كيف وصلت إلى هنا ؟ و ماذا تفعل في سريري ؟ هنالك رواية تقول :
ثلاث فتياتٍ من الجنّ قمن بنقل زين و هي نائمة إلى غرفة مم آلان !!
و بينما مم آلان غارق في تساؤلاته تستيقظ الفتاة و عندما تشاهد مم آلان تفزع و تستغرب و تستهجن وجوده في غرفتها ثمّ يدور بينهما حوار طويل و في النهاية يتبادلان الخواتم ، على خاتم مم آلان نقش اسم ( مم Mem). و على خاتم الفتاة نقش اسم ( زين Zîn )
يضحك الفجر فتخرج الشمس من خدرها لتدغدغ عيون الكون و تتسرب خيوط الشمس الأولى لتلامس عيون زين التي نهضت فلتفتت حولها تنظر بلهفة و دهشة فلا تشاهد أحداً فتبقى أسيرة الذهول ثمّ تقتنع بأنّ لقاءها كان مجرد أضغاث أحلام و لكن عندما تسترجع تفاصيل حلمها تنظر مباشرة إلى خاتمها فترى اسم ( مم ) منقوشا فتناجي نفسها :
( إنّ الفتى الذي التقيته في الليلة الماضية كان اللقاء حقيقياً و لم يكن حلما ً) ثمّ تسرح بأفكارها و تغرق في لجّة التساؤلات و تتساءل عن سبل اللقاء و تظل تناجي نفسها و تضيق أنفاسها و يلفّها الحزن و الغمّ و الهمّ و رويداً رويداً تفقد جمالها و تتساقط وريقات رونقها .
و لكن ما هو أخبار مم آلان ؟؟!! لم يكن مم آلان أفضل حالاً من زين فقد غزاه الأنين و الحنين إلى زين ففقد لذّة العيش و اتّكأ العزلة متوسداً و لكن في النهاية يقرّر السفر بحثاً عن حبّه المفقود ، رغم اعتراض أمّه و أبيه و اعتراض عميّه على السفر و لكن لا أحد يستطيع أن يقف أمام عواصف القلب و براكين الحبّ فيرضخ الجميع على مضض لرغبة مم آلان عندما يجدون عنده الحسم و العزم على السفر .
يمتطي مم آلان صهوة حصانه ( ( Bozê Rewanبوزه روان -الذي أخرجه من البحر ثمّ روّضه – و يتوجه إلى بلاد الغربة بحثاً عن الملكة التي تربعت على عرش أحلامه ( زين ) .
يمضي مم آلان في دربه و بوصلته عينا زين و عندما يتسلل التعب إلى جسده و يفرّ منه الطريق يتجلى له ( خضر عليه السلام ) و يتابعان معا المسير و يسدي سيدنا خضر عليه السلام ل مم آلان جملة من النصائح و منها : ( ستصل في مشوارك إلى ضفاف نهر ٍ و ستشاهد هنالك فتاة اسمها زين هي ابنة بكر عوان ، هو من أرسلها لتدّلك على طريق عبور النهر و لكن حذاري منها ) .
يصل مم آلان إلى ضفة النهر و بالفعل تشاهد في الطرف الآخر فتاة ً تقول أنّها زين ثم تضيف : ( أعلمُ أنّك قادمٌ للبحث عنيّ هيّا اعبر النهر من هنا …..) و لكن مم لا يصغي إليها ويتأمل النهر جيدا فيدرك أنّ العبور من هذا المكان يحمل مخاطر كثيرة لذلك يتابع المشي بمحاذاة النهر إلى أن يلتقي براعٍ يساعده على العبور إلى الطرف الآخر .
عبور مم آلان و عدم اهتمامه بزين ابنة بكر عوان يجعلانها تغضب غيظاً لذلك تقول ل مم آلان :
إن لم تأخذني معك إلى بلادك سأصرخ و سأقول هذا الفتى يحاول أن يخطفني .
يضطر مم آلان أن يمنحها وعداً … أثناء الطريق تتحدث زين عن الجزيرة فتقول :
ثلاث عائلات من أب واحد يحكمون الجزيرة و هم :
١- عائلة الأمير تاج الدين
٢- عائلة الأمير جلال
٣- عائلة الأمير زنكي
و تضيف : قبل أن تدخل المدينة ستصادف رجلا عجوزا ، و سيطلب منك أن تحلّ عليه ضيفاً و هذا العجوز هو أبي ( بكر ) و لكن احذره و لا تلبّ دعوته و من الضروريّ جدّاً جدّاً أن تستفسر عن قصر حسن و أخوته لأنهم وحدهم يستطيعون تحقيق مرادك .
ودّع مم آلان ابنة بكر عوان و اتّجه نحو المدينة …..
و هنا لا بدّ أن نشير أن ل زين أبناء عمومة و هم سيف الدين و جكو و حسن و تاج الدين و أن زين هي خطيبة جكو .
يصل مم آلان إلى أبواب المدينة و يصادف عجوزاً يدعوه للمبيت عنده فيعتذر مم آلان منه و يسأل عن قصر ( جلاليان ) ثمّ يضيف :
لقد أتيت إلى هنا من أجل زين أخت الأمير عزّالدين …ثمّ يمضي مم آلان و يلتقي بشخص آخر و يدور بينهما حديث قصير يخبره الشخص أنّ الأمير عزّالدين بمصابٌ بمرض عجز الأطباء عن تشخيصه و بالتالي عجزوا عن إيجاد الدواء الشافي ……
لا أحد يدل مم آلان على قصر عزّ الدين ، و في أحد المقاهي يقول أحدهم ل مم آلان : أستطيع أن أساعدك في كلّ شئ ثمّ يضيف إذا وصلت إلى قصر ( الجلاليين ) سيساعدونك في كلّ شئ حتى بالسلاح .
يمضي مم إلى داخل المدينة و هنالك يرشدونه إلى قصر الجلاليين ،يطرق بابهم يستقبلونه و بعد ثلاثة أيام يسأل حسن مم آلان عن سبب زيارته ، يخجل مم آلان إخبار حسن بالحقيقة فكيف سيقول له أنّه قطع كلّ هذه المسافات من أجل زين و هي ابنة عمّ حسن .
ناهيك عن جهله بأنّها خطيبة أخيه جكو . فيراوغ في الإجابة و يتهرب عندها يقول له حسن :
لقد انتشر صيتنا في أرجاء الجزيرة أنّنا لا نخيّب ظنّ من يستغيث بنا و نساعد من يلتجئ إلينا ….
يرد مم آلان على حسن : ( أريد فقط أن أنهل رشفة ماء من نبع جزيرتكم )
عندها يدرك حسن أن رغبة ضيفه مرتبطٌ بالقلب ، ثمّ يسأل نفسه : يا ترى من هي الفتاة التي سلبت عقله و قلبه و جعلته يترك بلاده و يقطع كلّ هذه المسافات ؟؟!!!.
و على الفور يجتمع حسن بأخوته و يخبرهم بأحوال ضيفهم قائلاً :
علينا أن نحمي سمعة عائلتنا و لذلك و من الضروريّ جدّاً أن نحقق مراد ضيفنا …ثمّ يتساءلون من هي محبوبة قلبه يا تُرى و لكننا سنساعد مم حتى يفوز بفتاة أحلامه …
و لكننا لا نعلم من هي التي سلبت منه لبّه و لكننا نقسم بأن نحقق مراد قلب مم آلان كائنا من تكون ، ثمّ يضيف حسن :
أقسم بالله العظيم لو كانت تلك الفتاة هي زوجتي سيتي لطلقتها حتى يتزوجها مم
و قال جكو : أقسم بالله العظيم لو أنّ مم يحبّ خطيبتي زين سأتخلى عنها إكراما لضيفنا مم
و في نهابة الاجتماع يقول تاج الدين :
بوركتم فلقد قبلت قراركم .
لقد كانت زين تنتظر أمير أحلامها مم آلان بفارغ الصبر و قد تناهى إلى مسمعها وصول مم آلان إلى المدينة .
مم آلان مازال ضيفا عند الأخوة الأمراء يعتكف غرفته وحيداً يحتضن أحلامه .
و مازال الأخوة الأمراء يجهلون محبوبة مم آلان لذلك قالوا :
سنجعل فتيات المدينة تمرن أمام مم آلان و عندما يقع بصره على محبوبته و ينظر إليها بشغف سنتعرّف عليها و عندها سنطلبها له بالحسنى أو بقوّة السلاح .
بإيعاز من الأخوة الأمراء و بإشرافهم تمرّ فتياتٌ كثيرات أمام القصر و كانت مهمة جكو أن يراقب مم آلان عند مرور الفتيات علّه يلاحظ ما سيطرأ على ملامح ممو عند رؤية فتاة أحلامه ، تمرّ فتيات كثيرات و ممو لا يكترث بهنّ و لكن عندما يلمح حبيبته زين تتدفق الدماء إلى وجهه فتحمرّ خدّاه و يخيل للناظر أنّه على وشك القفز من القصر لملاقاة حلمه المنتظر …و هنا كانت الكارثة و المصيبة فجكو شاهد نظرات مم آلان لزين و كانت تلك النظرات كالصواعق اخترقت قلبه ، فتحوّل جكو إلى كتلة من نار الغضب .
جكو لا يخبر أخوته أنّ حبيبة قلب مم آلان هي خطيبته زين و يماطل في إخبارهم و لكنه و أخيرا و بعدما تسوّد الدنيا في عينيه ينفجر و يصرخ في وجه أخوته ناكثا عهده و شاهرا سيفه في وجههم فاقدا السيطرة على كلامه و تصرفاته مهددا و متوعدا و مزمجرا مثل أسد جريح ، عبثا يحاول حسن تهدئة أخيه جكو و يذكره بالقسم و العهد و يقول :
العهد هو العهد يا أخي و علينا الوفاء و الالتزام به ، و ما تفعله منافٍ لتقاليد عائلتنا العريقة ثم يضيف : ما نكثنا العهود يوما و كنا و سنظل في خدمة من يطلب عوننا .