عدالة الاحقاب

خالد إبراهيم
الْجَمِيع رَبِيب الشَّرَف و الْكَرَامَةِ وَ الْأَمَانَة و الصِّدْق و الْوَفَاء ، إلَّا أَنَّا 
الْجَمِيع يُوَزَّع الْوَفَاءِ وَلَمْ يَخُنْ أَحَدًا الْآخَر ، إلَّا أَنَّا 
الْجَمِيع بَات إلَهًا يسقيكَ مِن مِيَاه غَرَفَهَا بِكَعْب حِذَائِه فِي يَوْمِ مَضَى 
الْجَمِيع يُمَثِّل دُور الضَّحِيَّة الْمَظْلُوم الْمَسْلُوب الْإِرَادَة و الشَّخْصِيَّة 
الْجَمِيع تَارِيخُهُم مخفيٌّ تَحْتَ سِتَارِ الذِّكْرَيَات و الْأَغَانِي و الْأَمَانِي إلَّا أَنَّا الْمُتَكَسِّر كصخرة ، المبعثر كَحَصَى . . . 
الْجَمِيع مَخْلُوقٌ مِنْ الْمِسْكِ وَالْحِنَّاء إلَّا أَنَّا مُنْحَدِرٌ مِن حَمَأ مَسْنُونٌ . 
الْجَمِيع يمتلك خَتْمِ النّبُوّةِ و الرّشاد إلَّا أَنَّا الْعَاقّ الَّذِي عَصَى اللَّهَ وَ الْأَنْبِيَاء و الْمَلَائِكَة . . . إلَّا أَنَّا الَّذِي افسدَ الْأَيَّامِ وَالشُّهُورَ وَ السَّنَوَات الْحَمْرَاء و الْخَضْرَاء و الصَّفْرَاء . 
الْجَمِيع يُقْبَل بَطْنِ أُمِّهِ إلَّا أَنَّا بقرتُ بَطْن أُمِّي ! ! 
إلَّا أَنَّا الَّذِي لَوْث رَوْنَق الفجرِ عَلَى الأرصفةِ الْعَذْرَاء 
إلَّا أَنَّا الرَّجُلُ الاسمرُ الْقَبِيحُ الَّذِي يخدشُ وَجْهِ الْأَرْضِ المجدبة قبلَ السَّمَاء الْجَافَّة ! ! 
أَنَا كُل هَذِه السَّيِّئَات . . . 
أَنَا كُل هَذِه الصِفات النَّاقِصَةِ الَّتِي تَلَطَّم وَجْه الْحَيَاة 
الْجَمِيع يَنْتَظِرُ مِنْكَ أَنْ تَكُونَ خَيَالًا تَحْتَ إِبْطِ وظلا لمغرور تَافِهٌ . 
مَنْ يَجْعَلُ مِنْ أخطائك خِنْجَرًا يَغْرِزُه فِي صدركِ كَي تُخْرِس ، وَحَتَّى يَرَاك عَاجِزًا عَنْ الدّفَاعِ عَنْ نَفْسِك . . . لَا يستحقك 
مِن يُعِيد الْإِسَاءَة إليكَ ثَقِيلَة أَوْقَفَه : 
فَلَا شَيْءَ يستحقُ التَّضْحِيَة بِكُلِّ شَيْءٍ 
الصَّدَاقَة الْحَقِيقِيَّة أَن تَضَمَّد جَرَحَه و تَكُون لِأَجْلِه فُوَّهَة مَدْفَع 
لَيْس صَدِيقِك مِن يَسْتَعْمِلُك كَسِلَعِه أَوْ مَادَّةٍ للتسلية . . . اُتْرُكْه يَلَمْلَم كمتسول ابتسامات الجبناء المختبئين . 
لَا شَيْءَ يضاهيك و لَا شَيْءَ يستحقك وَلَن يَتَحَمَّل الْعَاصِفَة سِوَى أوْرَاقِ الخَرِيفِ الْمُتَطَايِر عَلَى الأرْصِفَة و الطُّرُقَات 
سيهتفون بِاسْمِك لَا بِاسْمِ أَبِيك . . . كُن مِثل الْأَرْض تَوَلَّد مِن رَحِم ذَاتِهَا . 
لَا تُعلنَ عَن الْخَسَارَة أَبَدًا . . . 
هَكَذَا سَتَجِدُون جثتي مُعَلَّقَةً عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ 
يهطل الْمَسَاء بظلامهِ الدامس وَسَطَ الْمَدِينَةِ مِثل خِنْجَرٌ فِي الْقَلْبِ ، لَا الظَّلَام يُنجيني و لَا هَذَهِ الأَضْوَاء تُنصفني 
أقفُ عَلَى بُعْد أَلْفِ عَامٍ و مَجْزَرَة ، و أَصْوَات الكمنجات تتسابق نَحْو المشنقة 
كُلُّ هَذَا الْخَرَابِ الَّذِي يُعَانِيه الْعَالِمُ هُوَ جزءٌ مِنْ حُزْن قَلْبِي . 
أشعلتُ الشُّمُوع فَرَحًا ، ثُمّ اطفأتها خَوْفًا ، أشعلتُ النُّور ثُمّ اطفأته لِئَلَّا يَرَى الْعَالِم وجهيَّ الْقَبِيح 
هُوَ أَنْ تختبىء بِالْعَتَمَة ، فَهَذَا يَعْنِي أنكَ الْقَاتِل الْأَوْحَدُ فِي الْمَعْمُورَة . 
هُوَ أَنْ تختبىء فِي الْعَتَمَةِ ، فَهَذَا يَعْنِي أنكَ القَنَّاص الَّذِي أَدَار زناده عَنْ وَجْهِ اللَّهِ وَمَاتَ . 
لَا ثُمَّ لَا ، حِين أنقادُ مِثل لَا شَيْءَ يغفوا عَلَى جِدَار رَوْح مُتعب ، مِثل التَّسَلُّقُ عَلَى سَاق وَرَدَّه ذَابِلَةٌ 
لَا ثُمَّ لَا ، عِنْدَمَا لَا أَجْيَد فكَ أَزْرَارٌ قَمِيص الرُّوح المُتعبة 
أتسائل و فِي فَمِي سِيجَارَة الْمَرَارَة و الْأَلَم : 
لِمَاذَا لَمْ أَجْيَد قِرَاءَةِ هَذَا الْعَالِمُ مِن حَوْلِي ؟ 
لِمَاذَا و العُزلة الْحَمْقَاء تُرِيد التَّسَلُّل بَيْن أَحْشاء جَسَدِي ؟ 
بيديَّ خنجرُ الْيَقِين ، و قلمٌ مليءٌ بِالرَّغْبَة و الدَّهْشَة ، و سأكتبُ لِهَذَا الْقَلْب أَلْفَ أَلْفِ اعْتِذَار و إنْ أَبَى . . 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم محمود

 

 

1-في التقصّي وجهيّاً

 

هي ذي أمَّة الوجوه

غابة: كل وجه يتصيد سواه

 

هي ذي أمة الوجوه

سماء كل وجه يزاحم غيره

 

هي ذي أمَّة الوجوه

تاريخ مزكَّى بوجه

 

ليس الوجه التقليدي وجهاً

إنه الوجه المصادَر من نوعه

 

كم ردَّدنا: الإنسان هو وجهه

كم صُدِمنا بما رددناه

 

كم قلنا يا لهذا الوجه الحلو

كم أُذِقْنا مرارته

 

قل لي: بأي وجه أنت

أقل لك من أنت؟

 

ما نراه وجهاً

ترجمان استخفافنا بالمرئي

 

أن…

كاوا عبد الرحمن درويش

 

شهرٌ كاملٌ مرَّ اليوم على اجرائي عملية استئصال المرارة، شهرٌ مرَّ على مفارقة جسدي لقطعةٍ صغيرةٍ في حجمها، جبارةٍ عظيمةٍ في عملها.

عشت قبل توديعها صراعاً مريراً مع الألم الذي اعتدت على زياراته الثقيلة كضيفٍ غير مرغوبٍ فيه، لا يطرق أبواب مضيفه إلا بعد انتصاف الليل على مدار سنواتٍ عديدةٍ بلا رحمة ولاهوادة.

كنت…

أصدر الكاتب والشاعر والمترجم الكردي السوري عبدالرحمن عفيف مجموعة قصصية جديدة بعنوان “جمال العالم الموجود”، عن دار نشر “سامح” في السويد 2025، بتصميم غلاف من إبداع الفنان الكردي لقمان أحمد. المجموعة، التي تضم أكثر من ٣٠ قصة قصيرة، تأخذ القارئ في رحلة عبر تفاصيل الحياة اليومية في بلدة عامودا السورية ومحيطها، حيث تلتقي الشخصيات العادية…

عبدالوهاب پيراني

 

(عتيقة انت

كأنك رصيف في مدينة مهجورة

تركه المطر ليجف وحده

وترك لك خطوات الراحلين مثل آثار نوم

حين كتبتك

نزف القلم عطرا

وغصت الورقة بأسمائك القديمة

كان الزمان واقفا

يراجع ذاكرته

 

اعترف

لم اعد احتاجك

لكنني اشتاقك كما يشتاق الباب صوت الطرق

وكما تشتاق المرايا

ملامح من رحلوا

تظنينني نسيت

لكنني ما زلت اخبئك

في درج السرير

بين تذكرة قديمة)

 

في عالم تغلفه أنسجة الغربة والشتات، يخاطبنا لوركا پيراني بنص…