فيلم (Henarê Bextwere – الرمان المحظوظ) لجان بابيير

 سربند حبيب
 
عندما ينعدم الأوكسجين في وطنك فإما أن تنجو من الحياة والموت، أو أن تتبعثر كحبات الرمان في دهاليز متاهة، بحثاً عن جرعة أوكسجين لعيش حياة تليق بجرح ما زال مفتوحاً على مصراعيه في هذا الفراغ اللامنتهي بعبثيته، وأنت مفجوع بأمل مغدور في شقائه. 
«زارا» الشاب الطموح الذي ولد في روزنامة حرب عبثية، خانه جسده بعد أن ترك مدينته المنكوبة، لكن روحه بقيت وفية للمكان وأبت الخروج، فحمل زاده وطناً وشق طريقه نحو المهجر والشتات.
يفتتح «جان بابيير» فيلمه بذاكرة زارا وهو يدون قصته كلاجئ بعد أن أصبح شاهداً حقيقياً على مأساة وطنه.
مشاهد الافتتاحية هي من وحي حرب ذات ثورة في سوريا، حيث الدمار والدخان المتصاعد من المدينة، عويل وصرخات النساء، وهروب الناس وتجمهرهم أمام الأسلاك الشائكة، وركوبهم البحر لينجوا بأرواحهم، وحرب الشوارع… لم تنتج هذه المشاهد سينمائياً في استوديوهات هوليوود، بل هي مشاهد حقيقية من لحم ودم وأحلام مؤودة لغد لن يأتي أبداً. 
الفيلم في مداره العام:
يلتقي زارا بعائلة أحد أصدقائه ترافقهم فتاة فقدت عائلتها في الحرب واُغتصبت على يد داعش، حيث يستضيفهم في البيت ويساعدهم في إجراءات اللجوء كونه الأقدم. «آريا» الشابة البتولة بالرغم من أن هناك مَن اغتصبها لكن روحها بقيت عذراء تدغدغ قلب زارا المجروح بانكسارات قلبها المفعم بالحياة، يعشقها ويتخذها شريكة تؤنس وحدته، ويقضي على كوابيسها الطاغية على أحلامها البريئة، فيرسمان معاً حياة جميلة بعيداً عن صخب الحرب وضوضائه، يعيشان معاً حياة هادئة مفعمة بالعشق والحب لكن لعنة القدر تلاحقهما، حيث يسجن زارا ويعاد إلى هنغاريا كونه قد بصم هناك قبل وصوله النمسا، ولسوء حظ آريا يصادفها ابن عمها، الذي يقرر قتلها لتغسل العار وتعيد للعائلة الميتة شرفها المنتهك.
فيلم روائي تسجيلي أشبه بقصيدة شعرية طويلة تحمل بين دفتيها رسائل إنسانية كثيرة، يحثّ المشاهد على البحث في طلاسم الصورة عن حياة باتت مبتذلة حيث فقد فيه الإنسان إنسانيته ويعيش حياة القطيع.
يتمكن بابيير من صياغة هواجسه الفكرية وإرهاصاته الوجدانية ورؤاه الشخصية، في حوارات منمقة لأشخاص حقيقيين يقفون ولأول مرة أمام عدسة الكاميرا كشواهد حقيقية على مأساتهم، وبلغة سينمائية متوازنة الإيقاع أي لغة الأم  اللهجة الكورمانجية تتخذ من السرد الهادئ قالباً تصب فيه حبكتها المعتمدة على أساليب سردية متنوعة.
فيلم يحمل كل إمكانيات بابيير السينماتوغرافية الجميلة من صور شعرية تتألق في رمزيتها السريالية، ويحث المشاهد على التأمل وشغف تتبع الأحداث، حيث ستجد نفسك مضطراً إلى كثير من المراجعات الذاتية وأنت تفتش في جيوب الصور ستقف عند كل حدث لأنها قضيتك الشخصية وليست من وحي خيال الكاتب.
اعتمد بابيير في فيلمه على جهوده الشخصية في التصوير والإخراج والتمثيل؛ لانعدام مؤسسات ثقافية كردية تدعم الفن عامة والسينما خاصة، والذي تم إنتاجه في النمسا عام 2016م.
طاقم العمل:
البطولة: آشتي شاكر ورهف محمد وآخرون.
الإخراج: جان بابيير.
سيناريو: جان بابير وأفرو برازي.
مدّة الفيلم: 1:16:06

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

رضوان شيخو

بطبعة أنيقة وحلة قشيبة، وبمبادرة كريمة وعناية كبيرة من الأستاذ رفيق صالح، مدير مركز زين للتوثيق الدراسات في السليمانية، صدر حديثا كتاب “علم التاريخ في أوروبا وفلسفته وأساليبه وتطوره”، للدكتور عصمت شريف وانلي، رحمه الله. والكتاب يعتبر عملا فريدا من نوعه، فهو يتناول علم التاريخ وفلسفته من خلال منهج علمي دقيق لتطور الشعوب والأمم…

خلات عمر

في قريتنا الصغيرة، حيث الطرقات تعانقها الخضرة، كانت سعادتنا تزهر كل صباح جديد. كنا ننتظر وقت اجتماعنا المنتظر بلهفة الأطفال، نتهيأ وكأننا على موعد مع فرح لا ينتهي. وعندما نلتقي، تنطلق أقدامنا على دروب القرية، نضحك ونمزح، كأن الأرض تبتسم معنا.

كانت الساعات تمر كالحلم، نمشي طويلًا بين الحقول فلا نشعر بالوقت، حتى يعلن الغروب…

عبدالجابر حبيب

 

منذ أقدم الأزمنة، عَرَف الكُرد الطرفة لا بوصفها ملحاً على المائدة وحسب، بل باعتبارها خبزاً يُقتات به في مواجهة قسوة العيش. النكتة عند الكردي ليست ضحكة عابرة، وإنما أداة بقاء، و سلاح يواجه به الغربة والاضطهاد وضغط الأيام. فالضحك عنده كان، ولا يزال يحمل في طيّاته درساً مبطناً وحكمة مموهة، أقرب إلى بسمةٍ تخفي…

أعلنت منشورات رامينا في لندن، وبدعم كريم من أسرة الكاتب واللغوي الكردي الراحل بلال حسن (چولبر)، عن إطلاق جائزة چولبر في علوم اللغة الكردية، وهي جائزة سنوية تهدف إلى تكريم الباحثين والكتّاب المقيمين في سوريا ممن يسهمون في صون اللغة الكردية وتطويرها عبر البحوث اللغوية والمعاجم والدراسات التراثية.

وستُمنح الجائزة في20 سبتمبر من كل عام، في…